سينما ومرئيات

الطفل 44

بقلم : Mark – Sudan

الينا الينا .. جملة رددها ضابط مهاب (طوم هاردي) جالس وسط رفاقه المقربين في مطعم يتناولون العشاء ويتسامرون في ما بينهم ,متفاخرا بقصة لطالما رددها على مسامعهم عن اول لقاء له بزوجته الجميلة رايسا والتي وقع في حبها من اول وهلة تلاها باسبوع موافقتها هي على مضض بقبول عرض زواجه منها .. بعد ان اكتشف لاحقا بان اسمها هو رايسا وليس الينا وانها كذبت عليه في الاول فقط لتجنبه قبل ان تكتشف انها قد اغرمت به..

كان هذا احد المشاهد الاولى لفيلم الدراما والغموض الطفل الرابع والاربعين الذي انتج عام 2015 من اخراج دانيال اسبينوزا لسناريو من كتابة ريتشارد برايس مستندا الى رواية توم روب سميث التي تحمل نفس الاسم.. بطولة الممثل المتألق ( توم هاردي) يشاركه الممثل القدير (غاري أولدمان) وصاحبة الملامح الحزينة (نومي رابيس).. والرواية والفيلم يستندان بشكل ضعيف على جرائم القاتل السوفيتي الشهير أندريه شيكاتيلو..

العام 1933,الطفل (اكزيفير ااتنكنس) والذي تيتم بسبب المجاعة الأوكرانية وقتها ,هرب من ميتمه وتم أخذه من قبل احدى وحدات الجيش الاحمر ومن ثم تبنيه بواسطة القائد (مارك لويس جونز) الذي اطلق عليه لاحقا اسم (ليو ديميدوف ) الاسم الذي سرى عليه لبقية عمره.

الطفل 44
ليو ديميدوف يرفع الراية ويرفرف بها

العام 1945 ومع انتهاء الحرب وحضور الصحفيين بكاميراتهم البدائية لاخذ صور تتوج انتصار روسيا او الاتحاد السوفييتي بمعركة برلين وتظهر ابطالها يرفعون الرايات المرفرفة عاليا واناشيد الانتصار ترنم من حولهم , يأمر أحد الضباط , الجندي (أليكسس) الحامل للراية بان يتنحى جانبا… تاركا المجال لاخر , فيده تعلوها ساعات مسروقة لم يحب ان تظهر في الصور ليقال عن الجيش الروسي بان جنوده متصيدي ثروات.. ليتقدم ليو ديميدوف (توم هاردي) , برتبة رقيب بنفس الوحدة .. ويحمل للراية مرفرفا بها امام ومضات كاميرات التصوير لتتصدر صوره اغلب الجرايد ويشتهر على انه رمز بطولة للاتحاد السوفييتي وهو يغرس العلم غلى قمة الرايخستاغ.

ثمان سنوات لاحقا يتزوج ليو من رايسا (نومي رابيس), ويعيشا في العاصمة موسكو بصفته وقتها كابتن في وزارة امن الدولة (الام جي بي ) مترأسا لوحدة هامة تتلخص مهامها في تعقب والقاء القبض على المعارضة والمنشقين عن القانون.. وحدة كانت تحيطها هالة من الرعب وسمات الجنود الروس وهم يقتحمون المنازل لجر اي من المشكوك بامرهم ولو باسباب واهية .. وتعيس الحظ هو الذي ينقاد الى اوكارهم المظلمة ليعاني من التعذيب والضرب وينتهي به الامر في قبر مجهول الهوية.

الطفل 44
ليو وزوجته رايسا

تتلقى الكتيبة امر بملاحقة طبيب بيطري مشكوك في امره يدعى (أناتولي برودسكي) وتتقفى اثره لتجده في حظيرة تابعة لمزرعة مملوكة لمزارع يدعى (سميون اوكن).. يسكنها هو مع زوجته وابنتيه الصغيرتين. قام احد تابعي ليو (فازيلي نيكتن) الجندي المتطلع الجبان بتصرف مفاجئ حينما اقدم على قتل كلا الوالدين بتهمة التستر على منشق مثل برودسكي واخفاءه عن العدالة .. فعل ذلك بينما كان ديميدوف منشغلا بالقبض على البيطري.. تصرف كان من شأنه ان يخرج الاخير من طوره ليقوم بضرب الجندي والاقدام على قتله لولا تدخل أليكسي رفيقه الدائم.. مما دفع فازيلي لحمل مشاعر حقد وحنق تجاه كل من ديميدوف وأليكسي.. مشاعر كان من ِشأنها أن تغير من حياة الاثنين حرفيا.

في داخل غرفة بمنزل المزرعة حيث اختبأت الطفلتين كل منهما ممسكة بالاخرى وتجهشان بالبكاء حاول ليو ان يوضب بعضا من امتعتهما لاخذهما الى ميتم بعد وفاة والديهما.. ولكن تأثره بما حدث وعذاب ضميره دفعاه الى الاجهاش بالبكاء وتوقفه عن ذلك.

كان فازيلي هو القائم على التحقيق مع ومن ثم اعدام برودسكي .. ولكنه يفاجئ الرائد المترأس لديميدوف , بأن اسما مميزا قد نطق به برودسكي قبل اعدامه.. الا وهو (رايسا) زوجة ليونفسه.. والتي تعمل معلمة بمدرسة محلية تم فيها العديد من الاعتقالات مؤخرا لعدد من رفاق رايسا , فلا غرابة ان تكون هي نفسها محل شبهات .. ليستلم ليو مهمة التاكد من صحة التهمة الموجهة لزوجته بنفسه , والادلاء بحكمه النهائي في فترة وجيزة.

الطفل 44
تحدث جرائم غامضة يروح ضحيتها اطفال

في هذه الاثناء تستلم السلطات جثة لطفل صغير , بجسد تعلوه علامات التعذيب , وآثار للاختناق دلت عليها النقاط الدموية على قرنية عينيه, واثر لجراحة دقيقة بواسطة محترف قام بازالة الاعضاء الداخلية للصغير ، واتضح لاحقا أن اسم الطفل (جورا) وهو احد ابناء الضابط (أليكسي).. والذي كان مقتنعا بأن ابنه قد مات مقتولا رغم رفض السلطات لطلبه برؤية الجثة وادعاءهم بأن الفتي قد تعرض لحادث في سكة الحديد .. فستانلين وقتها كان يعتبر الجريمة مرض رأس مالي خبيث في جنته الشيوعية .. ليجبر ليو على اقتناع زميله زيفا بان ابنه توفي في حادث غرضي .. لاجل سلامته هو وبقية افراد عائلته .. ولكن أليكسي كان متيقنا بأن القطار وان مزق الطفل لم يكن ليقدر على نزع ملابسه .. معلومة تسربت اليه من احد العاملين واكدت له حقيقة شكوكه.

تشعر رايسا بالرعب من زوجها حينما تشك في انه قد يتبرأ منها لمجرد شك ليتفادى كل ما قد يضر بمكانته الرفيعة كاحد اعضاء وزاة امن الدولة , مما يدعوها للادعاء بأنها حامل لتثير شفقته على طفله ان لم يكن عليها.. ينهي ليو تحقيقاته ويقدم تقريرا يبرأ زوجته .. في فعل كان متأكدا بانه نهاية لمسيرته في وزارة امن الدولة.. وبالفعل يتم نفيه بعد تجريده من رتبته وكافة امتيازاته الى مدينة فولسك الاقليمية.. ليصبح مجرد جندي في المليشيا المدنية بقيادة الجنرال نيستروف (غاري اولدمان) وتصبح رايسا من معلمة مرسة ابتدائية الى منظفة متواضعة في احدى المدراس بالمنطقة.

في هذه الاثناء يصل الى مقر الشرطة المحلية بقيادة الجنرال نيستروف امر بالتحقيق في امر جثة لطفل قد وجدت عارية بالقرب من خط لسكة الحديد .. ليقدم الطبيب الشرعي قليل الخبرة تقريرا بان الصغير به علامات غرق .. الامر الذي يثير حفيظة ليو الذي تراءت له صورة سابقة للصغير جورا بها علامات مشابهة.. اهمها النزف في العين دلالة على حدوث الغرق مع انه لا يوجد مصدر للمياه الا على مسافة بعيدة جدا من خط مسار القطار فكيف غرق ؟.. ثم ان هناك ايضا اثار لاختناق حول رقبة الصغير .. فهل غرق واختنق في ان واحد ثم كيف ؟.. ثم هل جثة الغريق تخلع ملابسها لتزحف كل هذه الاميال لتسقط بالقرب من سكة قطار في وسط غابة مقطعية كهذه.. تعليقات كان من شأنها اغضاب الجنرال نيستروف لاعتقاده بان ليو لازال يمعمل بوزارة الدفاع وقد دس هنا في مهمة بغرض التحقق واعطاء تقرير سيء عن كفاءة القائمين على وحدة التحقيق الجنائي بفولسك. مما دعاه لاخذ موقف سلبي تجاه كل فرضيات ليو بوجود قاتل متسلسل في الارجاء!

الطفل 44
الفنان غاري اولدمان يؤدي دور الجنرال نيستروف

يكتشف نيستروف بأن جامع التذاكر وهو نفسه الشاب الذي عثر على جثة الصغير مثلي الجنس .. مما يدعوه للشك به .. واجباره على الاعتراف باسماء عدد من الشواذ جنسيا بالمنطقة تحت ضغط عدم فضح امره .. يدخل جامع التذاكر في ضغط نفسي حاد يدفعه الى الاقدام على الانتحار لتستنتج الشرطة بانه هو القاتل وقد خاف او ندم على افعاله وعليه اغلقت القضية , ولكن لم يقتنع ليو بذلك بتاتا.. و أصر على نيستروف بأن يحاول فقط معاونته على البحث بصورة ادق في امر هذه الجرائم التي يعتقد بأنها قد حدثت في اكثر من منطقة لم يصل بعد لأي رابط بينها .. ليكتشف الاخير بان هناك 43 جريمة مماثلة تضاف الى مقتل جورا ليكون العدد 44 جريمة تمتد على طول الطريق من موسكو الى روستروف لاطفال في اعمار متقاربة القت جثثهم في مناطق متفرقة المشترك بينها مرور قطار.. مما دفعهم للخروج بنظرية هي انها القاتل هو عامل بوظيفة تسمح له بالتنقل على طول خط السكة حديد..

يصل فازيلي الذي لم يشفي غليله كل ما تسبب به لليو .. الى رايسا.. محاولا اقناعها بترك ليو وحياته البائسة الحالية .. والانضام اليه في موسكو.. ليمتعها بحياة افضل كما كانت سابقا.. ولكنها ولسبب ما لا يمت بصلة الى حبها لليو (المنعدم) ترفض ويعرضها ذلك للاساءة من قبل ضابط بأمر من فازيلي ..

تقرر رايسا الهرب وترك ليو وكل ما يمت له بصلة ولكنه يدركها في اخر لحظة لتعترف له بانها لم تحبه بحياتها قط وبأنها لم تكن يوما حاملا وبأن سبب موافقتها عليه كان مكانته المثيرة للرهبة كضابط في امن الدولة .. ولكنه على غير توقعها يطلب منها البقاء بدون اجبارها على ذلك لأنه متعلق بها ويحتاج إليها بقربه خاصة في هذه الفترة.

يتوجه ليو مع رايسا سرا الى روستروف المنطقة التي حازت على اكثرنصيب من هذه الجرائم .. هناك في روستروف في احد مصانع الجرارت الزراعية يتعرف ليو على قاتل محتمل .. عندما قارن اوقات وامكنة حدوث الجرائم بجدول ترحال العمال حسب المهام الموكلة اليهم ..

الطفل 44
ليو يلحق برايسا الى محطة القطار فتوافق على البقاء معه

في هذه الاثناء ومع انتشار اخبار الجرائم وانتشار الرعب بعدة مناطف بروسيا .. يجبر فازيلي عديم الدماغ والخبرة على التحقيق في امر هذه الجرائم في موسكو ايضا .. ولتاكده من انه لن ينجح بذلك .. فقد اضطر لاستدعاء اليكسي ليجبره على اخباره عن مسار تحقيقات ليو في محاولة منه للاستفادة من جهود الاخير في اخذ الاطراء والقاء القبض على القاتل .. ينتهي الامر بمنازلة بين ليو والقاتل المسلسل الذي استسلم واعترف بعدم قدرته على مقاومة نزعته الجنسية تجاه الاطفال ولكن تخترق رأسه رصاصة من مسدس فازيلي قبل ان يكمل اعترافه..

فازيلي الحريص على انتهاءه من هذا الليو كمرة اخيرة والارتياح منه.. ولكن الاخير يتغلب عليه بعد جهد ومشقة ويقضي عليه.. ومجرد وصول عملاء امن الدولة يدعي ليو بأن القاتل قد قضى على فازيلي وبأنه قد انتقم من القاتل .. في تصرف ذكي سريع بديهة كان من شانه ان يعيد له امجاده السابقة كضابط مرموق في موسكو.

كلا من ليو ورايسا يعاد تنصيبهما في اعمالهما السابقة في موسكو.. تعرض على ليو ترقية وموقع سياسي واعد.. ولكنه يرفض الترقية ويعرض طلبا خاصا به وهو انشاء وترأس قسم لجرائم القتل في لجنة امن الدولة برئاسة القائد الجديد..وطلب آخر بان يتم تعيين الجنرال ريستروف كأحد ضباطها لقدرته التي لا يستهان بها وخبرته في هذا المجال ..

المقطع الترويجي للفيلم

يتقفى كل من ليو ورايسا الغير قادرة على الانجاب اثر طفلتي المزارع اوكن اليتيمتين في محاولة منهما لتبنيهما ..في غرفة الانتظار ولتأثر ديميدوف بعمله السابق ونظرة زوجته له على انه شخص مخيف .. فيتجرأ على سوالها ان كانت تهابه وعن كون رجل مثير للرعب .. ولكنها تجيبه بصدق عن انها لم تعد تظن ذلك .. ليجد الفتاتان وقد فقدتا من وزنهما مقصوصتي الشعر بملابس قديمة رثة كئيبة المظهر .. وقد علت وجوهوهما علامات البؤس والحزن .. تعرض رايسا عليهما رغبتها هي وزوجها في تبنيهما ان وافقتا.. وأملهما في التعويض عليهما بحياة افضل بعيدا عن فقر هذا الميتم .. ولكن ليو والذي يعذبه ضميره لم يستطع إلا ان يعلو صوته صارخا بصوت اجش نادم على عدم قدرته على ان يصير مثل والديهما وانه لا يستطيع التعويض عن ما حصل ولكنه يتمنى ان توافقا على القدوم معه هو وزوجته .. بالنهاية توافق الفتاتان على عرض الزوجين.

الطفل 44
قصة الفيلم مبنية جزئيا على جرائم السفاح أندريه تشيكاتيلو

الجدير بالذكر ان الفيلم كان قنبلة في شباك التذاكر .. لكن حتى لا يصلك عزيزي القارئ انطباع خاطئ فالفيلم على عكس معنى الجملة كان عبارة عن فشل ذريع حيث حقق ارباح تقدر بحوالي 13 ميلون دولار مقابل ميزانية انتاجه البالغة 50 مليون دولار .. اي ربع قيمة انتاجه ويرجع السبب في ذلك طبعا لاسباب سياسية بحتة تتعلق باصدار الفيلم في السينمات في التوقيت غير المناسب حيث صادف ذلك الذكرى السبعين ليوم الانتصار .. مما دفع وزارة الثقافة الروسية لسحب الفيلم من السينمات والادلاء برأيها فيه في مؤتمر صحفي خاص مدعية تشويهه لحقائق تاريخية ومعالجته الغريبة للاحداث قبل وبعد واثناء الحرب الوطنية العظيمة وصورة الشخصيات السوفيتية في ذلك الوقت.. قرار رحب به الوزير الروسي وقتها مدليا بافادته الشخصية عن كون الفيلم صور الروس على انهم (اخلاقيا وجسديا) دون مستوى الانسانية!..

المصادر :

Child 44 (film) – Wikipedia

تاريخ النشر : 2018-12-15

Mark

السودان
guest
30 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى