تجارب من واقع الحياة

الزهرة المحترقة

بقلم :  Lost soul – Libya

احترقت أرواحنا ، احترقنا معها حزناً

 

كنت أجلس مع نفسي أتصفح الانترنت،مع رنين جرس الباب ،نهضت وأغلقت هاتفي واتجهت نحو الباب،،
أهلا …
الفتاة: أهلا آنسة ،،أنا ابنة الجيران الجدد، سمعت أنك تعطي الدروس الخصوصية في مادة اللغة الانجليزية، فأتيت لأسئلكِ بعض الأسئلة التي لم أستطع فهمها
انا: تفضلي، سأرى إذا أمكنني حلها ،

جلست أتصفح أوراق مذكرتها،واشرح لها ما كانت تريده، وبعد ان انتهيت، سألتها عن اسمها ورحبت بها بفنجان من القهوة الدافئة ، وتجاذبنا اطراف الحديث، حيث لمحت على معصم يدها آثار حرق قديم ،ولكنه بدا لي أنه ليس بفعل الفرن او شيء طفيف، بدا لي عميقاً ولكن أثره واضح جدا،
لم أتمالك فضولي فسألتها ، يا آية ، ما هذا الحرق ،لابد أنه كان من قبل يؤلمك،
أجابت: بل لايزال يؤلمني إلى اللحظة
انا: آسفه،لم أفهم 
آية: اني قد جالستك للحظات وشعرت اني اعرفك منذ مدة ،
انا: الجميع يقولون لي ذلك،فأنا صاحبة فم كبير ههههههه،لا أسكت ابداً ،
آية:سأحكي لكي قصة جرحي ..

قبل سنة ونصف ،حضرت حقيبة ملابسي واتجهت الى أختي الكبرى المتزوجة ، أرادت مني أن أبيت عندها الليلة ، حيث أن زوجها يعمل شرطي وكان ملزماً ان يبيت في عمله ، أحضرت بعض التسالي معي ، وعند وصولي وجدتها تنتظرني ، هي وابنتها ذات 6 سنوات وابنها الذي بعمر 2، تسامرنا وتحاكينا الى أن نال منا النوم واستسلمنا له، ولكن ونحن في غيبات النوم بدأنا بالسعال والاطفال ايضا ، وعندما فتحت عيناي وجدت أختي تهزني بشده ، هياااا ،استيقظي،
ماذا ، حريق !!

ركضت الى النافذة وكل شيء يشتعل ، والشقة بدأت تغرق بالدخان ، عيوننا تحرق ، وانوفنا تحرق ،
كل ما استطعنا فعله هو الركض الى النافذة ،رأينا الناس ينادون علينا ويصرخون: اتجهوا الى الباب . سمعنا اشخاص يحاولون تحطيم الباب ، ولكن الاطفال بدأوا بالاختناق ، أخذت اختي ابنها الصغير ،احتضنته وبدأت بالضحك ، نعم ، تصرخ وتقول ، ما هذا البياض الشديد ؟! خفت عليها وخفت على نفسي والاطفال ، فقد بدأت ألمح ألسنة اللهب تدخل علينا في الغرفة ، أردت غلق باب الغرفة لتحمينا من الكارثة الجهنمية ، فاحترقت يدي ، صرخت وصرخ الأطفال ، الناس فتحوا غطاء سميك وبدأوا بالصراخ ، ارمي الأطفال ، ارمي الاطفال

نحن في الطابق الثاني  ولا ادري ما سأفعل ،أخذت الفتاة ورميتها ،مع صراخي بأن تغلق عينيها ، وصلت وأمسكوا بها ، والتفت لآخذ الصبي ، قالت لي أختي اذهبي انت ،فأنا ثقيلة لست مثلك خفيفة الوزن ، وانا سأحاول أن افتح الباب ، هو السبيل الوحيد ، ثم لبرهة ابتسمت وقالت لي أنا لا اشعر باللهب ولا الحرارة يا أختي ، إني أرى البياض ، بياض أمامي يقترب و يقترب .

ارتعد جسدي ، حملتني ورمت بي من النافذة ،كانت هذه اللحظة هي اللحظة التي شعرت بأن روحي اقتلعت من جسدي ، وعندما نزلت ، ركضت إلى المبنى ، والناس تمسكني وتدفعني للخلف ، انقذوا شقيقتي وابنها ، أرجووووكم ، أرجووووكم

اتصل أحد الجيران بزوج اختي ، لم يصل بعد ، ولا المطافئ وصلت ، أنا أبكي وأحضن الطفلة التي صوتها قد راح من شدة السعال والبكاء ، دخل الرجال بعد جهد ، وأهلي جاؤوا بعد اتصال الجيران ، وأتى زوج أختي ومعه أصدقاءه، عندما رآنا بدأ بالبكاء ، احتضنى وقال أين سلوى ، آية أين سلوى ؟ لم أعد أقوى حتى على الكلام ، أشرت له الى النافذة ، قلت في نفسي لابد أنها لاتزال تنتظر. 
حطموا الباب ودخلوا ، ولكن كانت الصدمة شديدة على من رأى ، أختي متفحمة وهي تحتضن ابنها المتفحم أيضاً . لم يستطيعوا أن يأخذوا منها ابنها فقد ذابت العظام على بعضها و دفنا معاً .

احترقت أرواحنا ، احترقنا معها حزناً ، وذبلت زهرة تركتها وراءها تنادي عليها .
عاشت ابنة اختي عندنا ، أراد ابي ذلك فهي عطر ابنته المحترقة ، زهرته المحترقة ، تذهب مع أبيها يوم الخميس والجمعة ، أما باقي الأسبوع تبقى معنا .

أختي كانت طيبة الروح ، تذكريني بها ، فهي تحب التعارف على الناس وكثيرة الاصدقاء ، الجميع افتقدها ، مهما طال الزمن لن تنسي قطعة من روحك ، وهذا الحرق لا أريد معالجته أبداً ، فهو يذكرني بها وبتلك الابتسامة وبذلك الكلام

أنا: آسفه جدا ، لا ادري ما اقول، لقد ذكرتك واحزنتك ، سامحيني، ما كان علي أن أسأل 
آية :لا عليك ، فأنا دائما ما اتذكر تلك الليلة
أنا: أسكنها الله فسيح جناته ، واتمنى منك أن تأتي لزيارتي حتى بدون دراسة ، أن تأتي وتتسلي معي
آية: أشكرك كثيرا، وانا ايضا اعتذر لأني قد أطلت الحديث واشغلتك عن أمورك
أنا: إن الحياة تمتحن الناس في الصبر ،حتى عن طريق أخذ ما هو عزيز عليها

………………
………….القصة حقيقية …………..

تاريخ النشر : 2019-01-15

guest
24 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى