أدب الرعب والعام

حبيبتي من عالم آخر – الجزء الأول

بقلم : علي صالح طالب – ليبيا
للتواصل : [email protected]

حبيبتي من عالم آخر - الجزء الأول
فتاة في الصحراء بمفردها تبلغ من الجمال ما لم تبلغه فتاة من قبلها

 – هيا بسرعه أركب السيارة .

– هيا أنا راكب.

أنا “علي” أبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً والذي حدثني صديقي “عمر” ، كنا قد خططنا للذهاب في رحله بعد الانتهاء من الثانوية العامة إلى مدينة فزان  وبالتحديد واحة قبر عون .

– يا عمر “حسام” و “أشرف” في انتظارنا على الطريق الساحلي.

– نعم ، الأن سوف نذهب لهم .

بعد الرحلة الطويلة وصلنا إلى  واحة قبر عون .

أشرف بكسل : وأخيراً وصلنا ، عظامي تكسرت من الجلوس.

– هيا ، هيا بسرعه انزل البضعة والخيمة للتخييم ، هنا مكان جيد.

– على ماذا الاستعجال يا عمر .

– لأن الشمس حارة.

رد حسام بتهكم :

– خائف من الشمس .

أصبح وجه عمر أحمر وألتزم الصمت

ضحكنا جميعاً عليه ، وثم خيمنا في المكان ، و بعد نهار كامل من السباحة في الواحة وتصوير والأكل والشرب حان وقت النوم ، تمددنا نحن الأربعة في الخيمة  والكل ينتظر نوم الأخر لكي ننفذ فيه المقالب ، وأخيراً ناما “عمر” و بغمزه من “اشرف” فهمت كل شيء ، خرجنا أنا واشرف وحسام بعد سرقتنا للمفتاح لنحضر القناع من السيارة ، أحضرنا القناع ، وهو قناع على شكل قرد متوحش ، وألبسناه لحسام وبعد افتعال أصوات أنا وأشرف من الخارج وحسام أمام الخيمة ينتظر خروجه ، وبعد لحظات خرج “عمر” مفزوعاً فوجد الوحش أمامه ، فصرخ بقوة وانهمر عليه بالضرب ، ونحن نضحك عليهم ، و بعد هذا المقلب قررنا العودة إلى الخيمة إلا “عمر” قرر أن ينام في السيارة ، دخلنا الخيمة ونام “اشرف” و “حسام”

أما أنا فلم أنم ، قررت الخروج من الخيمة والجلوس أمام الواحة ،وأنا أتأمل النجوم وسكون الليل والماء العاكس للنجوم والقمر، لفتني ضوء في الواحة بين الأشجار وأختفى فلم أعره اهتمام ، عاد الضوء من جديد واختفى فلم اعره اهتمام من جديد ، عاد الضوء لثالث مرة فنهضت من مكاني لأتجه إلى الخيمة لكي أوقظ الشباب فهذا غير طبيعي ، وأنا متجه إلى الخيمة أحسست بشيء خلفي يمشي ، فزدت سرعة خطواتي فزاد سرعة خطواته ، وعند اقترابي من الخيمة سمعت صوت خلفي ، صوت رقيق وناعم عذب وجميل يقول :

– انتظر قليلاً أرجوك .

فتوقفت والتفت لأتفاجأ برؤية فتاة ، صُدمت وتجمدت في مكاني.

– لا تخف مني يا “علي”.

لم أعرف ماذا أرد من شدة الفزع أم من شدة جمالها ، فقد كانت فتاة جميلة جداً.

بالتأكيد تريدون معرفة شكلها ، سوف أصفها لكم :

هي فتاة متوسطة الطول ، لون عيونها أخضر، شعرها طويل منسدل على جسمها يصل إلى نهاية ظهرها ، ولونه بني لامع ، وشقراء ذات خدان ورديان ، وشاربيها حمراء مائلة للوردي ، مرتدية فستان أبيض طويل وشفاف يظهر مفاتنها ، وكأنها أحد الأميرات في فلورنسا في عهد نهضتها.

رددت عليها بارتجاف :

– كيف عرفت أسمِي ؟.

ردت بابتسامة تشقُ وجهها :

– هل يوجد حبيب لا يعرف أسم حبيبه ؟.

صُدمت من جديد ، وكيف لا أنصدم ؟ ، فتاة في الصحراء بمفردها تبلغ من الجمال ما لم تبلغه فتاة من قبلها، ابتسامتها ساحرة ، عيونها تسبب الدوران ، شعرها مخدر مرجوانا ، لم أصف في حياتي فتاة عادية فكيف أصف فتاة لا تُوصف ؟ ، لا تؤاخذوني.

وعندها قررت سؤالها :

– كيف أحببتني وأنا لم أراكِ من قبل ، و من أنتِ ؟.

ردت علي بابتسامة أكبر وأقوى وأشد من التي قبلها عصفت بقلبي عصف ، وثم سمعت ردها الذي أغرقني في بحرها :

– أنا أحببتك منذ ثلاثة سنوات ، أراك ولا تراني

أُعجبت بك وعشقتك أحببتك و همت بك وأنت لم ترني ، ثلاث سنوات حركة بحركة ، غمزة بغمزة ، همسة بهمسة ، وصل بي الحب إلى أن أستنشق الهواء الذي تزفره ليحييني ،  أصبحت أسير ولا أرى إلا خيالك ، صرت جسداً بلا روح يا حبيبي ، فطفح السيل زُباه وحان ظهوري ، وها أنا أمامك ، وأسمِي “ساره” ، وسوف أبوح لك بسر لكن عدني أنك لن تفزع وتهرب مني.

– أعدك لن أهرب ، لكن الفزع لا يزال متمكن مني.

– أنا لست من بني البشر ، أنا جنيه لكنني مسلمة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله.

وعندها اطمأن قلبي لأنني من البداية علمت أنها غير بشرية ، ولكن هل هي مسلمة أم لا ؟ فالحمد لله.

– نعم علمت أنكِ لست بشرية يا “ساره”.

– أه ما أجمل نطقك لأسمي !.

أصبح وجهي أحمر.

– أحرجتني من جديد.

– مع من تتحدث يا علي ؟.

التفت خلفي لأجد عمر وهو الذي قاطعني ، وعدت لألتفت أمامي فوجدت “ساره”.

فهمست سارة :

– أنت فقط من تراني.

عندها علمت أن عمر لم يرى “سارة ، فرددت بمزاح وقلقك واضح :

– فقدت عقلي يا عمر.

– بالتأكيد أنت مجنون .

 

وبعد الدردشة التي دردشتها أنا و “عمر” عدت إلى الخيمة ونمت ، و سارة اختفت بعد أن رأيت عمر بدقائق ، وفي الصباح عدنا إلى طرابلس  

ومن هذه الحادثة لم أرى سارة أبداً إلى أن فقدت الأمل ، و قلت في داخلي أنني كنت أتخيل ولا يوجد شيء أسمه سارة  وكل هذا من وحي خيالي

و بعد مرور سبعة سنوات تخرجت من الجامعة وأصبحت من المجموعة الأكبر والأكثر عدداً في ليبيا  خاصة وفي الوطن العربي عامة ، وهي “مجموعة البطالة” الباحثين عن عمل ، سنتين وأنا أبحث عن مكان أعمل به و لم أجد أبداً.

أصبحت عالة على أبي وأخوتي والمجتمع ، و في يوم مثل كل يوم يوجد مقابلة عمل لم تنجح

بسبب وجود فتاة تبحث عن عمل أخذها المدير وبدون أي مقابلة أو سؤال فقط لأنها جميلة بالتأكيد ، أما أنا فقد سألني أسئلة تعجيزية حتى أينشتاين لا يعرفها ، فخرجت من الشركة بدون حتى وداعهم فهم أشباه الرجال ، واتجهت إلى البحر فهو ملاذي الأول والأخير لأشكي همي لعل وعسى أن يخف علي الهم قليلاً

وعند وصولي إلى مكاني الذي لا يوجد به جنس بشر فاضت عيني بالدموع و قلبي فاض بالوجع ، بكيت وصرخت و أختلط صوتي مع صوت الأمواج ليعزف سيمفونية الألآم ، ثم تدريجياً استرحت و خف علي الوجع والقلق و يا سبحان الله ، خُلق البكاء للتخفيف على القلب والروح من الضغوطات ، و بعدها هممت بالنهوض والعودة إلى المنزل فسمعت صوت رقيق وناعم جميل وهادئ يقول:

– لا تبكي يا حبيبي.

إنهُ صوتها هي ،  هي “ساره” حبيبتي “ساره” ، التفتت بسرعة لأراها وقلت وأنا ألتفت لها بفرح :

  • ساره.

عندها رأيتها كما هي ، الجمال نفسه ، الفستان الأبيض نفسه ، كل شيء نفسه ، إنها “ساره” نفسها ، ردت علي بابتسامة تشقُ وجهها مثل قبل :

–    نعم “حبيبي”.

أسرعت في الكلام :

–    أين أنتِ ، لماذا اختفيت ؟ و لماذا سبعة سنوات لم أراك ؟ ، لقد وصلتُ إلى حد الجنون و تعبت وأنا أذهب إلى  واحة قبر عون لكي أراكِ.

قاطعتني :

– لم يكن باليد حيلة يا “حبيبي” ، السبع السنين العجاف ذهبت ببكائي وحنيني لك.

أراك ولا أستطع الاقتراب منك ولا الظهور، و السبب أحد أفراد قومي المتشددين رآني أتحدث معك فأوشى بي للحاكم فختم علي لعنة عدم الظهور للبشر ، سعيت وسعيت لأفك هذه اللعنة وها أنا نجحت.

–    وهل تريدين المغادرة مجدداً ؟.

–    لا بتأكيد ، لن أغادر ، بل سأكون ظلك وفرحك وحزنك ، أه يا حبيبي أه كم اشتقت لك.

–    أفرحتني يا “ساره” .

–    وأنا فرحت برؤيتك كثيراً ، والأن إلى اللقاء ، أراك في غرفتك ، هنا مكان مكشوف لهم.

وتقدمت نحوي وقالت بهدوء:

–    أغلق عينيك .

أغلقت عيناي ولم أشعر إلا بقبلة على رأسي ومن ثم لم أشعر بشيء.

عدت إلى المنزل بسرعة و فتحت الباب ودخلت ، واتجهت إلى غرفتي ، وجدتها فارغة ، انتظرت وانتظرت إلى أن غلبني النوم ونمت ، وعندها حلمتُ برجل مسن شائب الرأس ، وشائب اللحية ، تصل إلى صدره ، وفي يده صولجان ذهبي مرصع بالألماس وعلى رأسه تاج ذهبي ، و في الأمام مرصع بكرستالة كبيرة الحجم لونها أحمر ويرمقُني بنظرة غضب واستياء ، ثم تقدم باتجاهي إلى أن وقف وجهه أمام وجهي لا يفصلني عن وجهه إلا بعض سنتيمترات، عندها قال بنبرة غضب وغلظة صوت :

–    ماذا تريد من ابنتي ؟.

عندها أصابني الشلل من الخوف ، من هذا ، هل يمكن أن يكون والد “ساره” ؟.

عندها قاطعني :

–    نعم أنا والد “ساره”.

كيف علم بماذا أفكر غير معقول !.

–    أنا من اخترعت لك هذا الكابوس ، أنا سيدك هنا ، والأن أجب عن سؤالي ، ماذا تريد من ساره؟.

–    لا أريد شيء ، أحبها وأريد الزواج منها فقط.

زادا غضبه وتحول وجهه إلى قبح وعيونه إلى نار وقال :

–    أنت من بني البشر الضعيف تتزوج أبنتي أنا من بني الجان ؟.

–    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

فلم يرحل وقال :

–    أنا مسلم.

–    إذاً لا تتكبر على بني البشر مثلما تكبر إبليس من قبلك.

–    أعوذ بالله منه.

ليضيف

–    لكننا نحن قوم أقوياء ومختلفون عنكم بكثير ، كيف تريد الزواج من أبنتي الوحيدة ، كيف ؟ قال وهو يصرخ.

شُلت يداي وقدماي بل شُللت بالكامل ، أريد الاستيقاظ من هذا الكابوس ولا أستطيع ، و هو لا يزال ينظر إلي ، وقال :

–    الآن سوف أرحل لكن إذا رأيتك مع أبنتي مرة أخرى فسترى شيء لن يعجبك أبداً.

واستيقظت وأنا ألهث من ضيق التنفس وأتصبب عرقاً.

–    إذاً زارك الحاكم ؟ .

لألتفت باتجاه الصوت وأقول

– ماذا تفعلين هنا ؟.

– لا تخاف ، إنه يعلم أنني هنا.

– لكنه كان يهددني إذا قابلتك .

قاطعتني وهي تقول :

– أعلم ، فأنا من توسلت له بأن لا يفعل لك شيء وهذا المقابل.

– ما هو المقابل ؟.

– أخر لقاء بيننا ، وداعاً.

واختفت وأختفى معها قلبي وعقلي أيضاً ، فأصبحت أثرثر باسمها في كل مكان و حين ، ساره ، ساره ، ساره .

وعندما تسألني والدتي :

– من ساره هذه ؟.

فأرد بكل برود

– هذه حبيبتي يا أمي حبيبتي ، لكنها رحلت ، رحلت و لن تعود .

فتقول وهي تجاريني بالحديث من خوفها علي :

– وأين هي الآن ؟ ولماذا رحلت ؟.

– من أجلي ، رحلت لكي لا يؤذيني أبوها الحاكم اللعين.

لتخرج والدتي وتتركني وهي تبكي ، اعتقدت أني مجنون ، أتت بالدجالين والشيوخ وأطباء النفس ، والجميع لم يجد لي علاج.

أصبحت أرى ساره في وجه كل فتاة ، و أرى والدها اللعين في وجه كل رجل ، فأضرب الرجال ، وأتودد للاناث ، الجميع أصبح يراني مجنون ، فسجنني أبي وأخي في غرفتي بعد اقتناعهم بأني مجنون ، حتى أنا صدقت نفسي بأنني مجنون ، بالفعل فأنا مجنون ، أرى ما لم يروه.

و في أحد الأيام وأنا جالس في زاوية غرفتي التي أصبحت فارغه بالكامل ، بعد محاولاتي التي لا تحصى ولا تعد بالانتحار ، جلست أتذكر “ساره” وأتخيلها أمامي وهي ترقص و في حين أخر تبكي وأخر تتعرى من ملابسها وثم ترقص وهي عارية ، وفي حين أخر تعود وترتدي ملابسها وتجلس أمامي.

هكذا أقضي أيامي لمدة سنة في عزلة غرفتي و رقصات سارتي .

إلى أن اقتربت مني في أحد الأيام و تحدثت معي :

– لماذا تفعل في نفسك هكذا يا حبيب قلبي ؟.

فانطلق مني شِعر قصير في الوقت نفسه :

– لماذا الجفاء يا سارتي

هل كرهتني أم نسيتني

لماذا الجفاء يا حبيبتي

هل والدك أجبركِ

أم من قلبكِ مسحتني

أم نسيتني و في سلة المحذوفات ألقيتني

لماذا الجفاء يا سارتي

لماذا الجفاء يا حبيبتي ؟

****

فردت علي بشعر أيضا.

– علي يا حبيبي – يا ساكن قلبي

علي يا مجنوني – يا فلذة كبدي

علي يا طبيبي – يا علاج مرضي

علي يا حبي – يا ساكن عقلي

لقد عدت لتداويني – وبين يديك وعلى صدرك حب تغديني.

ملاحظة : الأشعار من كتابتي أريد رأيكم فيهم.

ثم لم أعد أشعر بشيء إلا بقبلة تحييني من جديد أنها ساره لقد عادت ، لكننا لم نتحدث و جعلنا أجسامنا تتحدث بلغة الحب ، كم أشتاق جسدي لجسدها ، كم اشتقت للمس شعرها ، وبعد الانتهاء من حديث الأجسام بدأ حديث اللسان.

وهي نأمت على صدري قالت :

– حبيبي لماذا لم تنسني ؟.

– كيف أنسى شيء سكن في داخلي قولي ؟.

– وأنا أيضاً أراك وأتحسر، ولم أستطع الظهور لك.

– لماذا إذاً الآن ظهرتي؟.

– خالفت القانون وظهرت لك .

وصمتت قليلاً و ثم قالت مع تنهيد في صوتها :

– أنت كنت على وشك الجنون لو لم أخرج الآن.

– بل أنا كنت مجنون.

– لا ، كنت بكامل عقلك لكنك أنت من فعلت بنفسك هذا.

– الآن أتركي حالي في حاله ، وأخبريني ماذا سنفعل في شأن والدك ومخالفتنا له وكذلك معاشرتنا السرية.

– لا أعلم يا حبيبي ، لكن لدي صديقة تزوجت بشري وهي تقطن في مصر ، أكيد لديها حل أو طريقة ما لنتزوج.

– لكنني لا أملك “جواز سفر” ولا أملك حتى مال وكذلك في عيون أهلي مجنون.

– كل هذا سهل،  أنا استطيع التلبس بأحد موظفي “الجوازات” واستخراج لك جواز ، والمال أيضاً سهل ، أستطيع إخراج أحد كنوز الأرض لك وأنت بعها.

– إذاً ماذا تنتظري ؟ إذهابي الأن و أستخرجِي جواز وأنا سأحاول أقنع عائلتي بأنني عاقل.

– أعانك الله عليهم .

اختفت “ساره” و بدأت أطرق الباب بقوة :

– أمي ، أمي.

جاءت أمي تجري بفزع :

– ماذا تريد ، أن شاء الله خير ؟.

– خير يا أمي ، فقط أفتحي الباب.

– لا ، أنت تريد الانتحار.

– سامحك الله ، فقد عاد إلي عقلي.

فرأيت الابتسامة على وجهها ، و بعدها ندهت على أخوتي وأبي ،  وثم بدأت الأسئلة عن حياتنا وأيامنا الحلوة والتعيسة ، وبعد أن تأكدوا أخرجوني من الغرفة ، دخلت إلى الحمام للاستحمام من الأوساخ وكذلك من الجنون الذي حل بعقلي ، وأنا عاري تحت رشاشة المياه الباردة أغلقت عيناي أتلذذ بصقيعها وبردتها اللاذعة.

– مبروك المعاشرة.

فتحت عيناي لأجد فتاة جالست على المرحاض لا ترتدي شيء.

– من أنتِ ؟.

 

– أنا صديقة “ساره”.

و وقفت و بدأت تقترب مني  وأكملت :

– أسمي “نجمة” .

لأقول لها بغضب

– وماذا تريدين مني؟

فردت بتمايل ودلع عاهرات :

– لماذا الغضب ؟ أنت أعجبتني و زرتك فقط .

ثم زادت من الاقتراب و بدأت في لمسي من أسفل رقبتي إلى صدري وثم وصلت معدتي وثم..

– توقفي.

ودفعتها بعيد ، وقعت على الأرض ، تغير وجهها إلى قبيح جداً بعد أن كانت جميلة جداً ، و قالت بصوت غليظ :

– عاشرت بنت الحاكم يا بشري ، سوف أقتلك.

وطارت في الهواء وبيديها القبيحات طويلة الأظافر قبضت على عنقي وأحكمت عليه ، و بدأت تصرخ بكلام غير مفهوم :

وأنا أيضاً أصرخ وأصرخ و بيداي أدفع يديها ، لكن لا فائدة ، فقبضتها قوية و يديها طويلة.

و فجأة فُتح الباب و اختفت ، و دخل أبي وأخي

و رأني وأنا أخنق نفسي.

– قلت لكم أنه مجنون ، هكذا قال أخي.

– أنا لست مجنون يا أحمق هذه “نجمة” صديقة حبيبتي “ساره” حاولت قتلي.

ليرد أخي :

– من “ساره” ومن “نجمة” وأين هم؟.

لألتفت يمين و يسار ، لم أجد اللعينة “نجمة”.

– أنها كانت هنا ، بالتأكيد لن تصدقوني.

ثم لاحظت أنني عاري.

– أخرجوا الآن ، أرتدي ملابسي وأخرج.

فامتثل لأمري و ارتديت ملابسي وخرجت ، وجدتهما جالسان في غرفة الضيوف ، جلست بجانبهما و بدأنا.

وكان السؤال الأول من نصيب أبي :

– من “ساره” ؟.

و كيف هممت على الأجوبة ؟.

– لا ، إذا قلت شيء سوف يقتلوكم ، هكذا قالت “ساره” .

العائلة لا تزال تنتظر الأجوبة

– فقط تخيلات و ذهبت ، هكذا أجبت

– ومن “نجمة” ؟ هكذا سأل أخي.

– نفسها تخيلات ، لأن عقلي لا يزال متأثر بها وأنا أحتاج للسفر وتغيير الجو .

لترد أمي بقلق :

– لا،  أنت لا تزال متأثر و لن تسافر.

لتقول “ساره” :

– بعد غد سوف نسافر ، أقنعهم .

– يا أمي بعد غد أنا مسافر فقط أسبوع لأرتاح.

– إذاً سوف أسافر معك.

– أقبل عرضها قبل أن يتغير ، فوالدك وصل لدرجة عالية من الغضب .

– لا يوجد مانع يمنعني من السفر أنا وأنت يا أمي الحبيبة.

وهكذا نجحت الصفقة و بدأت تحضيرات أمي

وأنا ذهبت وأحضرت “جواز السفر” وجلست أمام البحر وجلست “ساره” بجانبي ملتصقة بي.

– حبيبي الذهب متى تريده ؟.

– لا أعلم ، إذا أخرجناه الآن فستكون الأعين علي من عائلتي.

– إذاً متى سأخرجه ؟.

– في مصر ، هل تستطيعين ؟.

– بالتأكيد.

و اقتربت مني وقبلتها …

– حبيبي.

– نعم حبيبتي.

– هيا أنهض الظلام حل لنرحل.

– كيف أرحل وأنا لم أشبع منك ولم اشبع من شفتاك الوردية ؟.

– يا حبيبتي يا وردة قلبي.

يا حبيبتي يا شمعة دربي.

كيف أروى من ماء حبكي.

وأنا صحراء عطشتي.

كيف أشبع من هواكِ.

وأنا جائع منك وفيكِ.

يا حبيبتي أقتربِي…

ولا تخافي تعالي.

يا حبيبتي يا عشقي السرمدي.

يا متحجبة أمامهم ومتجردة أمامي.

يا قمري يا شمس يا برقي.

يا شرقي و يا غربي.

يا شمال يا جنوب قلبي.

يا بحري و يا نهري.

يا خوفي و يا رهبتي.

يا شجاعتي وقوتي.

يا سمعي وبصري.

*****

– جميلة كلماتك يا حبيبي.

– أنتِ الأجمل حبيبتي.

لترد بمزاح :

– حبيبي نطبق ما تقول أم نعود للمنزل :

– نعود للمنزل ونطبق ما أقول .

– لا يوجد مانع يا حبيب قلبي.

عدت للمنزل.

– أين أنت إلى الأن ؟.

– عدت يا أمي لا تقلقي .

– لكنك تأخرت.

– أنتِ تعلمين إجراءات “الجواز” لكن صديقي ساعدني وأخرجه اليوم.

ومددت لها “جواز السفر”.

– جميل هذا الصديق الحقيقي.

– أهاااااااا أ ااااااااا

لأسمع صراخ وأنين قادم من غرفة أبي ، لأنطلق للغرفة وأرى موقف لا يُنسى ، أبي يطير في الهواء وأسفل قدميه ملتصق برأسه من الخلف و عظامه تتكسر ، وليرتفع إلى الأعلى أكثر ثم يُرمى بقوة و تنكسر رقبته أمام قدماي ، أمي تصرخ وأخوتي أيضاً يبكون ويصرخون تركتهم وغادرت المنزل، ذهبت إلى البحر وصرخة بأعلى صوتي.

– سااااااااااااااااااره ساااااااااااااااره .

لتأتي ساره بسرعة :

– ماذا بك يا حبيبي ؟.

– أنت مجنونة أم ماذا ؟.

– ماذا هناك ؟ لماذا تقول هكذا ؟.

– لماذا قتلتي أبي يا خائنة ؟.

وتقدمت نحوها أريد قتلها لكنها لم تدافع عن نفسها كما توقعت ، بل بدأت تبكي وتقول :

– أقسم بالله يا حبيبي لم أرك اليوم بعد أن تفرقنا في منزلك عندما قلت لك أذهب وأحضر “جوازك” ذهبت أخرج لك كنوز الأرض لأنها ليست سهلة.

– إذاً من كان معي في البحر ؟.

– أنا كنت معك.

لألتفت خلفي وأرا “نجمة”.

– أنها العاهرة يا “ساره” هذه من أتت للحمام وحدثتك عنها.

لترد “ساره” بحزم :

– أنها مبعوثه من الحاكم لتفرقنا وليست صديقتي.

– لكن كيف أتت في البحر ، هل تلبستك ؟.

– لا بل ظهرت لك بشكلي هذا ، ونحن نستطيع الخروج بعدة أشكال يا حبيبي وهذا شكلي ليس الحقيقي.

– وكيف شكلك الحقيقي ؟.

 

لأسمع ضحكات “نجمة” الشريرة من خلفي.

– يريد رؤية الجن على مظهرهم الحقيقي .

– أصمتِي يا “عاهرة”.

وتكمل بنفس العزم “ساره” :

– حبيبي لا يستطيع أحد من البشر رؤية الجن إلا في تشكل إما بحيوان أو بشر فقط.

وبدأ الصراع بين “ساره” حبيبتي و “نجمة” القبيحة ليطيرا في الهواء و يبدأ صراع الأيدي والقبضات ، ومع كل صدمة بينهم يتفجر البرق ورعد ، كان صراع قوي جداً ومن شدة الحرب بينهم لم أستطع المقاومة ودخلت معهم في النزاع ، أخدت أحد أحجار البحر ورميتها على “نجمة” لتقع أمامنا وتموت.

– ماذا فعلت يا مجنون ؟.

– ساعدتك على القضاء عليها ، وأخدت ثأر أبي منها.

– إذاً أنت أخترت الحرب ، وسوف يسعى كل جنود قبيلتي للقضاء علينا ، وليس نحن فقط بل القضاء على عائلتك بالكامل.

– وما هو الحل ؟.

– غداً نذهب إلى مصر ونتعلم طريقة الزواج الرسمية ونتزوج لكي لا يؤذونا بهدف المعاشرة الغير قانونية في عالمي.

– وأبي يذهب إلى الجحيم لا جنازة ولا حتى مواساة لأخوتي ولا أمي ؟.

– “علي” يا حبيبي الغالي أنت الآن بين خيران لا ثالث لهم ، إما البقاء وتشييع جثت أبوك ومواساة أهلك و إما السفر لمصر وإلى صديقتي ونتزوج ونبحث عن حل للمشكلة الأكبر وهي موت “نجمة” ، و عليك أن تقرر ، لأنه يوم أو يومين وأكثر احتمال أربعة أيام ويعلمون أن “نجمة” قُتلت.

– وإذا تزوجنا حللنا قصة الزواج وشريعتكم التي حرمته ، أما موت “نجمة” ما هو الحل ، أين نجده ؟.

– قلت لك صديقتي “رماس” لديها معلومات كثيرة وسوف ترشدنا بالتأكيد للحل.

– إذاً غداً يا حبيبتي سوف نسافر.

وهكذا حسمت أمري لكني لم أستطع العودة للمنزل و رؤية أخوتي وأمي فقررت الذهاب إلى أحد أصدقائي القدامى ، للمبيت عندهم ، و فكرت بالذهاب لصديقي في السكن  صديقي “حسام” ، ذهبت إليه و وقف أمام منزلهم و طرقت الباب طرقة بعد طرقة ، ليفتح الباب طفل صغير.

ليقول بأدب وبرأه :

– تفضل ماذا تريد ؟.

– أريد “حسام” هل هو هنا ؟.

ليصرخ الطفل بصوت عالي :

– باااااااابااااااااا

لأرد

– أنا أريد أخوك ، لا أبوك يا صغيري.

ليخرج شخص طويل ونحيف يبتسم مثل عادته

لاتفاجئ وأقول

– أنت حسام ؟.

– نعم يا صديقي ، وهذا أبني “محمد”.

وليحتضني وهو يبتسم ويتسأل أين أنت وكيف الحال ؟.

– هي تفضل إلى الداخل .

دخلنا إلى غرفة الضيوف وجلسنا نتجاذب أطراف الحديث ، وأنا من الداخل أغلي لموت أبي ولا أستطيع البوح ، و بعد ساعتين من الحديث المتواصل، وشراب القهوة ، وتذكر أيام الدراسة والحديث على أصدقائنا والمواقف المضحكة ، وصل الحديث إلى المنطقة الحساسة لدي :

– “علي” سمعت والله أعلم أنك جُننت………..

– نعم جننت وها أنا أمامك يا صديقي ، فماذا تراني؟

– أراك طبيعي ، إذاً يكذبون عليك ، أنا لم أصدقهم من البداية.

– لا يا صديقي صدقهم ، أنا جُننت وعدت كما أنا ويمكن لازلت مجنون.

– بالتأكيد تمزح !.

– لا ، لا أمزح ، وسوف أقص لك قصة جنوني و ليحدث ما يحدث فأنت صديقي ولن أكذب عليك.

فيرد بشغف :

– أنا في الاستماع .

 

يُتبع …….

تاريخ النشر : 2019-01-24

guest
28 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى