أدب الرعب والعام

حبيبتي من عالم آخر – الجزء الثاني

 حبيبتي من عالم آخر – الجزء الثاني

بقلم : علي صالح طالب – ليبيا

حبيبتي من عالم آخر - الجزء الثاني
كانت كلمات الله تنزل عليهم مثل الرصاص على البشر

أخرجت من علبة السجائر السيجارة التي ما قبل الأخيرة ، أشعلتها وأخذت منها نفس طويل وبدأت:

– هل تذكر الرحلة التي قضيناها في واحة “قبر عون” وعن حديثي بعدها عن رؤية جنية وأنت لم تصدقني ؟.

– نعم.

– الآن صدّق ، فبعد الرحلة وتخرجي من الجامعة وسنتي البحث عن شغل التي انقطعنا فيها ، أتت تلك الجنية وأحببتها ومن شدة فراغي جننت بها و الخ ،  و قص له كل شيء .

– بالتأكيد أنت أخدت حشيش قبل أن تأتي إلي ، هذا لا يُصدق.

– هل تدري أنني الآن أقص عليك شيء ممنوع من ناحية عالم الجن وأعرض حياتي وحياتك للخطر ؟.

– كذب ، لا يوجد جن ولا شيء ، أنت تهلوس فقط.

– إذاً لم تترك لي خيار غير التأكد بعينيك أنني لست مجنون ، سااااره سااااره.

لتأتي ساره وتقول :

– ماذا تفعل ، هل جننت ؟ قلت لك هذا حرام وممنوع.

– لا تخافي ، فهذا صديقي ، أظهري نفسك أمامه.

– لا ، ممنوع.

– هل الآن عرفت الممنوع ، نحن علاقتنا من الأول ممنوع ومحرمة أيضاً ، أخرجي ولا تخافي ، إلا إذا كنت وهم وسراب في عقلي فقط “لا أعلم من أين أتت إلي الجرأة و الشجاعة لكن قلت ما في داخلي” أخرجي أمامه.

– إذاً لك ما تريد.

لألتفت “لحسام” لأرى فمه مفتوح من شدة المفاجأة ويفرك عيناه.

– هل صدقتني الآن؟.

 

– بالتأكيد هذا مقلب.

– لا ، هذه “ساره” التي حدتك عنها.

لتقول “ساره” :

– أنا من حدثك عني “علي” ، هل صدقته الأن ؟.

لأرى انبهار “حسام” بجسدها وشغفه في الاستيلاء عليها ، يرى إلى مفاتنها بجوع جنسي شديد ، و يقول ولعابه يسيل.

– أنتِ جميلة جداً .

لأرى نظرات الخجل التي في عيون “ساره” وأرى أيضا شيء من الاستمتاع بكلام “حسام” لها ، لكني تجرأت وقلت :

– “ساره” حان وقت الرحيل ، أنه صدّق وجودك ، يكفي .

ليرد حسام بسرعة :

– لا ، أنتظري قليلاً.

ويقترب مني ويقول في أذني :

– صديقي “علي” ، “ساره” جميلة وأريدها ليلة واحدة

لأدفعه بقوة :

– ماذا تقول ، هل جننت ؟ هذه حبيبتي وستكون زوجتي .

ليضحك ضحكة مزعجة، ويقول باستهزاء :

– بالتأكيد “معشر الجنون” يستطيع معاشرة أكثر من واحد و الزواج بأكثر من واحد .

لألتفت لساره وأرى الشغف يزداد في داخلها ، وأرى نظرة النشوة في عيونها وهي تنظر “لحسام” ، لأصرخ فيها :

– يكفي ، أرحلي الآن.

نظرت إلي ثم اختفت.

– لماذا جعلتها ترحل ؟ هكذا قال “حسام” بغضب.

لأرد عليه بغضب وصراخ أقوى :

– أنا أريدك أن تصدق وأنت تريد سرقة حبيبتي مني.

ثم خرجت من بيته وأغلقت الباب خلفي بقوة

وذهبت الى نهاية الشارع للمراقبة ولا أعلم لماذا أريد المراقبة ، وبعد مرور ساعة هممت على النهوض والذهاب ، سمعت فتح باب حسام والخروج بالسيارة هو وكل أهله وأره يغلق الباب بغضب ويصرخ على زوجته وثم ركب السيارة وذهب بسرعة ، ليس من عاداته الغضب لهذه الدرجة أو الخروج من المنزل الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، إذا يوجد شيء ، قررت البقاء ساعة أخرى

وبعد مرور نصف ساعة أتى “حسام” وبرفقته شخص أخر لم يتبين علي إلا عندما نزل مترنح من السيارة وفي يده قارورة الخمر ، أنه “إسماعيل” هذا صديق قديم ، لكن من يوم ما عرفته وهو مدمن للخمر، وله أيضاً سوابق في الزنى كثيراً ، نزلا هما الأثنان و دخلا المنزل ، وبعد نصف ساعة أخرى قررت الاقتراب من المنزل ومراقبتهم من النوافذ ماذا يفعلون ، وعند اقترابي من النافدة و رأيت “إسماعيل” يشرب الخمر ويلف الحشيش وهو عاري تماماً ويقول بصوت عالي موجه “لحسام” :

– هيا أخرج ، أريد الاستمتاع .

ذهبت إلى النافذة الأخرى لأرى “حسام” وهو عاري و رأيت “ساره” حبيبتي معه في موضع لا يليق ، وانضم لهما صديقي الأخر “إسماعيل” فعلاً كم هي عاهرة شمطاء ، وأنا أستمع لها وهي تقول في كلام أظنه تعاويذ أو لا أعلم ماذا تقول بضبط ، لكنني كبحت غيظي وخرجت من هذا المكان القذر.

وأنا أسير بمفردي في ظلام الليل وبرودة الأجواء ، دموعي لا تكف عن الهبوط مثل الأمطار الغزيرة ، لا أعرف أين أذهب ، كل من أحببتهم رحلوا عني

، وبعد النحيب والصراخ أمام البحر وأمواجه التي تبكي من أجلي قررت العودة للمنزل ، عند دخولي من الشارع أرى “خيمة” العزاء التي يكسوها الندى ، وكل خطوة أخطوها باتجاهها يزيد الضيق في صدري ، كل خطوت تترقرق أعيني بدموع ، كل خطوت تزداد الرعشة في جسدي ، إلى أن وصلت وأنا مثل الكرة الملفوفة بالهموم.

دخلت للخيمة وجدت أخي لا يزال مستيقظ يقرأ القرآن على روح والدي وعيونه تدمع ، تقدمت بتجاهه وأنا أكبح الحزن والهم ، أكبح الغضب والكره أكبح الدموع والبكاء أكبح الحياة بكاملها

ثم لم أشعر بشيء إلا وأنا انفجر و أبكي مثل الطفل ، إلى أن ظن أخي أن بكائي سوف يبقى الدهر بكامله ولن ينتهي ، يضمني أخي إلى صدره ويقول :

– لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا حول ولا قوة إلا بالله.

وأنا لا أكف عن البكاء والصراخ ، أبكي وأصرخ ، أشعر بقلبي يتفجر ، أشعر بعيوني تخرج من مكانها ، أشعر بزلزال داخلي يهدم كل شيء ، ثم رأيت والدتي تخرج وهي تدمع وتراني أبكي ، تقدمت باتجاهي وحضنتني مثل الطفل بين يديها ، لكن حضنها لم يزدني إلا نحيب وصراخ ، الجميع يحاول إسكاتي ، الجميع يقنعني بأنه قضاء وقدر ، الجميع يخاف علي لكن روحي لا تريد السكوت ، أشعر بالذب ، أنا من تسببت بقتل أبي ، أنا المذنب.

حبالي الصوتية لم تعد تعمل ، أصرخ ولا يخرج صوت ، وكذلك عيوني لم تعد تخرج دموع ،

شعور لا أتمناه حتى إلى عدو ، شعور بالتأكيد لم يجربه إلا من فقد شخص عزيز جداً على قلبه ،

ثم لم أعد أشعر بشيء ، هل نمت أم أغمى علي أم ماذا ؟ لا أعلم.

أشعر بيد على كتفي ، وصوت أعرفه أشد المعرفة يقول:

–    “علي” أنهض، “علي” .

لأفتح عيناي لكن لم أرى إلا ضباب ، عدت وأغمضت عيناي بقوة ثم فتحتهم لأرها هي ، هي “ساره”، كبحت غيظي الذي أكبحه دائماً و يخونني وقلت :

– نعم ، ماذا تريدين ؟.

–    ” علي” لم يبقى على طائرتك إلا نصف ساعة وتقلع.

فكرت قليلاً وقررت الذهاب معها وأنا آمل أن أجد في “مصر” حل لأبعاد هذه الشيطانة عني وعن أهلي.

فقلت :

–    نعم ، هيا نرحل.

خرجت من المنزل وأنا أحمل قدماي في هدوء كي لا يسمعني أحد من أهلي بيتي ، خرجت وأنا مثقل بالهموم والمصائب و الشياطين ، وفي طريقي إلى المطار قالت لي “ساره” :

–    أشعر بأنك مثقل بالهموم يا حبيبي.

قلت في سري : أه وأه من الألآم وأولهم أنتِ هم مسبب لكل الهموم ، أنتِ وصمة عار علي و سوف تبقى إلى يوم نزولي في قبري.

وقلت لها في جهر :

–    بعض الحزن على فقدان أبي.

فردت وهي تتصنع الاهتمام و الطيبة :

–    لا تقلق ، فهو شهيد .

فعدت أحادث قلبي في سرية تامة :

أنتِ ماذا تعلمين عن الشهداء ، وكيف تنصبين نفسك إله عليهم وتصنفينهم في خانة الشهداء ، يا فاسقة ؟ .

وفي جهر :

–    إن شاء الله.

وهكذا أنتهى حديتنا.

دخلت المطار وأنا خائر القوى أجر قدماي وعيوني يبدو عليهما الإرهاق والهالة السوداء التي تلتف عليهم لف ، فبدأت أنظار الناس والشرطة تلتف علي وتحوم إلى أن تقدمت إلى ركوب الطائرة، لتمسكني يد من على كتفي ، لألتفت وأجد ذاك الشخص الطويل مليء الجسم وأسود البشرة ومدبب الأنف وذو نظرة حادة، يقول بحدة واضحة:

–    تعال معي.

سلمت أمري له بدون أي كلمة ولا أي شيء فأنا لا أستطع العراك في هذا الوقت حتى مع طفل صغير فكيف أفعل مع هذا الجسد الضخم القوي ، ذهبت معه إلى غرفة مغلقة وقال إلي بنبرة أعلى وأقوى و أحد من التي قبلها :

–    أخلع ملابسك.

لوهلة ظننت به سوءاً لكنه قاطع تفكيري عندما أوضح سبب طلبه الغريب هذا :

–    هل أنت مدمن ، وهل يوجد معك حمولة مخدرات ؟.

قلت له بهدوء  تام وأنا أتممت و أخلع الملابس إلا ما يستر “عورتي”

–    لا يوجد شيء، وأنا لست مدمن وإذا لا تصدقني خدني للتحليل.

هنا نظر إلي نظرة ثقة ولا أعلم لماذا هل لأنه أشفق علي أم هدوئي وثقتي بنفسي أجبرت نظراته الحادة على الخضوع و الركوع أمام جبروت الحقيقة ، ثم قال :

–    أرتدي ملابسك وأذهب إلى طائرتك ، أنت أنسان مسالم .

ضحكت في داخلي من جملته الأخيرة و شعرت بها مثل الاستهزاء ، هل أنا إلى هذا الحد مظلوم ؟ ، لأسمع صرخة من عقلي ترد :

–    نعم أنت شخص ضعيف حتى الشياطين والجنون وجدت طريق للولوج في هذا العالم ،

ليرد قلبي وهو يحتج ويصرخ على عقلي :

–    لماذا في هذا الوقت الشخص الطيب الحنون الذي يذهب بطيبة قلبه وصفاء نيته  تستغله الذئاب لنهش لحمه نهش ؟.

ليقول عقلي باستهزاء :

–    لأنه ليس له شخصية وقوة.

ليرد عليه قلبي وهو ينهي الحديث بنبرة حزن :

–    لا يا صديقي ، ليس القوة ولا الشخصية التي تحكم ، فالخبث والشر هو الذي يحكم الآن العالم ، أستطيع جعل هذا الشخص قوي الشخصية والجسد ولكن لا أستطيع أن أجعله ميت القلب وشرير النوايا ، فهو حنون وطيبته غلبت قوة سيطرتي عليه ، وأثر فيه ليجعلني مثله لا أقاوم حتى لسعة كلمة من أحد فتنهال دموعي من مقلتي عيوني.

جلست في الطائرة و بعد دقائق أقلعت من أرض وطن ترعرعت فيه و رأيت من الهموم ما لم أرى من سعادة فيه ، لكن يحز في داخلي حيز كبير أحبه رغم أيامي السوداء فيه ، خلفت خلفي عائلة تبحث عني ، وأصدقاء نسوني مع الأيام و لأن من يبعد عن النظر يبعد عن القلب هكذا هي قولتهم ، وخلفت البحر والصخور التي شاركتني في همومي وأحزاني ، خلفت خلفي من أيضاً ؟ لا أحد ، لا بل خلفت خلفي الحزن فهو أصبح أعز رفيق لي في كل أيامي ، يحبني ودائماً يلتصق بي و يعشق دموعي و يمجد صراخي و يظنه عفواً عام على سجن مأزقه في داخلي 

هكذا قضيت الساعات القليلة إلى أن وصلت مطار القاهرة وهبطت الطائرة ، وهبطت أنا من سلمها على أرض مصر وكما يقال “مصر، أم الدنيا” هل هذه الأم سوف تحتضن هذا الأبن وتعامله مثل متعامل أبنائها ، و هكذا خطوت الخطوة الأولى على أرض هذا الوطن ، و يا سبحان الله الغربة لم تجد إلى قلبي طريق ، لم أشعر بفرق بين الأوطان ، خمنت أنه ربما الوطن العربي كله وطن واحد .

– تاكسي.

هكذا أوقفت التاكسي و بجانبي وقفت “ساره” التي لا تراها العيون إلا عيني المختوم عليهم بالتعاويذ والحزن ، وهي تقول :

– أهلاً بك يا حبيب قلبي في بلد الفراعنة.

ثم جلست في التاكسي  وجلست بجانبها و في صمت تام أكملنا رحلتنا ، وهي استحوذت على “صاحب السيارة” وأدخلنا إلى عدة شوارع وأماكن أظنها حتى في الخريطة غير معروفة ، و بعد هذه المنطقة الصغيرة دخلت إلى أخرى وهنا قالت “ساره” وهي في جسد السائق.

– هنا سوق السحرة يا عزيزي .

رأيت نساء شاحبات المظهر قصيرات القامة بعضهن ذات أنوف طويلة ، والبعض لا

 أما رائحة هذا الشارع حدث لا حرج ، عفن و جيف وفضلات ، رغم إحكام أغلاق النوافذ لكن الرائحة تخترق كل شيء ، أما تجارتهم فكانت كل شيء له علاقة بسحر، أفاعي ، جماجم ، كتب ، دماء  وعدة أشياء لا أعلم ما هي ، و في نهاية هذا الشارع توقفت السيارة وقالت “ساره” :

– وصلنا.

نزلت من السيارة و ثم نزلت سارة بعد خروجها من السائق الذي تركته مغمي عليه ، وجهت يدها إلى البيت الذي أمامنا وقالت :

– هذا منزل صديقتي “رماس” التي حدثتك عنها

، رددت عليها وأنا في دهشة : من هذا المنزل الذي طوله متر وعرضه متر ، هذا منزل أم صندوق ؟.

– لا ، لا يا حبيبي ، منزل وسوف تشاهد العجائب في داخله.

أكملت جملتها وتقدمت باتجاهه وأنا خلفها ، فتحت الباب و وقفت بداخل هذا الصندوق وقالت :

– تعال ولا تخاف.

دخلت و وقفت بجانبها ثم أغلقت الباب وأظلمت المكان ، ثم قالت كلام لا أفهمه وثم فتحت الباب وقالت :

– أهلاً بك في عالمنا يا حبيبي.

لألتفت وأرى أشياء قبيحة تطير وأبنية هرمية الشكل لا أعلم كيف حتى بُنيت لكنها تبرق ، أظنها ذهب ولكنها في نهاية الهرم غير مسقوفة وعارية ، الأرض لا توجد بها أي نبات بتأكيد مسطحة صخرية ، ويوجد مثل الوادي لكنه وادي حمم ونار إنه بركان ، فقلت لها :

– “ساره” لا أستطيع استحمال هذا الجو ساخن جداً.

– أه نسيتك ، لم تصبح منا بعد .

لاتفاجأ بقولها هذا :

– ماذا تقصدين ؟.

فتذكرت أنها قالت شيء لا ينبغي قوله ، بل تظنني غبي.

– أقصد عندما نتزوج، ستصبح أنت لديك قوة تحمل للدخول هنا.

ثم أغلقت الباب وقالت كلمات غير مفهومة مجدداً ، وفتحت الباب وعدنا إلى ذاك الشارع اللعين

وهي تلبست صاحب “التاكسي” وأنا جلست بجانبها لك تغلب علي النعاس من شدة التعب ونمت في “التاكسي”.

– “علي” أنهض لقد وصلنا .

فتحت عيناي لأرى أنني ما زلت في التاكسي لكن هذه المرة في شارع أخر وهو شارع واسع ونظيف ولا يوجد به ازدحام ، وفي أخر الشارع يوجد مسجد كذلك ، فقالت ساره وهي تشير إلى بناء كبير قرأت اللافتة “فندق …..”

– هنا سوف نسكن إلى أن نعد طقوس الزواج

، دخلت الفندق و حجزت غرفة زوجية وصعدت لها ، فتحت باب الغرفة ودخلت فوجدت ساره ممددة على السرير عارية ، بدأت غريزة الشهوة تنطلق في داخلي لكن تكبحها غريزة الكره الذي أصاب قلبي من هذه الشيطانة.

– “علي” هيا تعال أريدك .

قالتها وهي تتمايل على السرير ، لم أعلم ماذا أفعل، الروح تعارض والجسد يريد ، لكن الجسد أنهزم أمام قوة الروح.

– أنا تعب يا “ساره” الأن.

وتمددت بجانبها وأغمضت عيناي ، أوهمتها أنني نائم فرحلت عني ، وبعد ساعات وأنا شارد في سقف الغرفة أفكر فكيف الحل وكيف الفرار من هذا المأزق أو هل أتزوجها وأرضى بهذه الشيطانة ، ربما أعيش معها في سعادة ، وماذا عن مقتل أبي بالتأكيد لديها يد فيه ، أم هل أنا أتخيل معاشرتها مع أصدقائي وهي شريفة عذراء ، أم ماذا يا عقلي ؟.

لأسمع الصوت الأجش الجميل الهادئ يقول :

– الصلاة خير من النوم.

ويعود ويكررها مجدداً

– الصلاة خير من النوم.

إنه صوت المآذن ، يبشر المؤمنين بصلاة الفجر، هبط علي صوته مثل المسكن حقن غضبي وهدأ روعي.

فعلاً الفجر صلاة المؤمنين الأقوياء وليس أي مؤمن يستطيع صلاتها ، توضأت ثم ذهبت إلى المسجد الذي يقع نهاية الشارع ، دخلت و رأيت عدد قليل يعد على الأصابع ، البعض جالس والبعض يركع والأخر يكبر ، دخلت وألقيت السلام ثم صليت صلاة الفجر وجلست أنتظر صلاة الجماعة ، و في هذا الانتظار رأيت الأمام الطاعن في السن يرمقني بنظرات حادة ، أشحت وجهي عنه وأكملت قراءة القرآن ، ثم أتت الصلاة و بعد فراغنا منها ، الجميع بدأ يخرج ، البعض يتجه لعمله والبعض يعود للنوم ، وأنا ليس لدي عمل وغرفة الفندق تضايقني لم أشعر براحة فيها منذ دخولي ، وهذا المكان أفضل مكان فهو بيت الله ولا يدخله جن ولا شيطان.

– السلام عليك يا أبني.

ألتفتت باتجاه الصوت وجدت الأمام :

– وعليكم السلام.

– هل أنت ساحر؟.

تفاجأت من هذا السؤال جداً.

– هل رأيت ساحر يدخل المسجد يا شيخ ؟.

ليرد وعلامة الاستفهام على ملامحه:

– ولهذا أتيت لسؤالك .

– تفضل أسأل.

-عند دخولك إلى باحة المسجد من الخارج رأيت هالة سوداء تلتف بك ، وهذه الهالة لا تلتف إلا بالسحرة المتمرسين أو..

وأخد أنفاسه ثم أكمل :

– أو من سوف يقدمونهم الشياطين قربان لإبليس .

صدمت و احترق قلبي ، إذاً أنا فقط قربان ، ولمن لإبليس نفسه !.

– نعم ، يا شيخ لدي علاقة بشيطانة وأتيت لمصر لطقوس الزواج ، فلماذا كذبت علي ؟.

– أحكي لي القصة كاملة يا أبني لكي أقول لك ماذا تفعل ، فأنا كنت أحارب هذه الشياطين وأخرجها من أجساد الناس.

و بدأت أحكي وأحكي وشيخ يستمع لحديثي وتتغير ملامحه ، أصبح مظهره خائف ومذهول و وصل به الخوف إلى الشحوب ، وعند اكتمال القصة قال :

– يا أبني أنت أختارك إبليس بنفسه وسوف أفسر لك.

أخذ شهيق وزفير طويل وثم قال :

– بدأت قصتك منذ أعوام في “واحة قبر عون” وتلك الواحة يحدث فيها صراع شديد بين الخير والشر دائماً ، بمعنى الشياطين والجن المسلمة وأنت قابلت في تلك الليلة جنية مسلمة وتمت مشاهدتها من الشياطين وقتلها وتلبس في شكلها بعد عدة محاولات فشلت ولكن في الأخر نجح في ذلك وتلبس في مظهرها وتقنصك وهم من جعلك تحزن و وسوس لجميع من ذهبت لهم وأنت تبحت عن عمل و في أشد وقت حزن لك أمام البحر خرجت لك الشيطانة في جسد الجنية “ساره” وأما الكابوس الذي أتى لك فيه أبوها هذا صنع منهم هم ، وهم أيضا الذي أقنعوك بالجنون وجعلك ضعيف وتحكم في عقلك وأيضاً هم من أعاد لك عقلك وأقنعك أنك لست مجنون وأنت في الأصل لست مجنون ، إلا أنهم يختبرونك هل أنت خدعت أم لا ، وأبعدك في فترة جنونك عن الله وصلاة و نجحت

أما “نجمة” ودخولها لك في الحمام هذه تلاعب منهم لك ويريدون معرفة أيضاً هل أنت تحب “ساره” أم تقبل أي أحد وتعاشره ، لكنك كنت تحب “ساره” فقط ، إذاً أستنتج أنك عبد “لسارة” وهي فقط من تسيرك وتأخذ أوامرها ، أما عندما قالت لك ساره لنسافر لمصر و أنت وافقت لكن والدك أخبر أخوتك أنك لا زلت مريض ويريدون سجنك بعد عودتك ولهذا تم قتل “أبوك” وهكذا تسلسلت الأحداث ، ومعاشرة سارة لأصدقائك فقط تلاعب بهم وسوف تعود إلى موطنك وتراهم فهم الآن بالتأكيد مجانين ، ودخولك إلى شارع السحر ونزولك إلى العالم السفلي هذا كله تحمس وغلطة منهم ، يظنونك تستطيع الدخول ولكنك لا يزال في داخلك أيمان بالله وهو من جعلك لا تتحمل الدخول لهذا المكان النجس.

– إذاً يا شيخ ماذا سيحدث في الأيام القادمة ؟.

رد علي الشيخ بعد تفكير وقال :

– غداً أو الليلة عند اكتمال القمر سوف يفعل بك الطقس ويقدمونك قربان إلى إبليس في طقس مرعب ترتجف له الأبدان .

 شق الرعب قلبي شق فقلت بارتجاف :

– ماذا أفعل ، هل أبق في المسجد إلى أن ينتهي كل هذا ؟.

فرد في فزع :

– لا يا أبني ، سوف يقتلون عائلتك كلها ثم يقتلوك ، لا بد أن تتحداهم أنت.

– وكيف هذا وأنا أنسان وهم شياطين لديهم قوى غير طبيعية وأنا ضعيف ؟.

– لا ، أنت أقوى منهم بكثير وسوف تهزمهم لو تحليت بالأيمان والقرآن.

– وكيف أفعل ، قل يا شيخ ؟.

– عليك يا أبني بأية “الكرسي” هي سوف تدمرهم أقرأها في وقت ضعفهم عندما تجلس في المنتصف ويبدأ في نشيدهم

قال هذه الجملة وسمعت صوت يختلط مع صوته وهو يقول :

– أنهض يا أبني.

لأفتح عيناي وأرى شخص طاعن في السن أيضاً وأنا في المسجد نائم ، نهضت وقلت له :

– أين الأمام ؟.

فقال :

– أنا الأمام يا أبني.

فقلت بفزع

– إذاً من هو الشخص المسن الذي كان يحدثني ؟.

– أنكِ تحلم يا أبني ، أنهض فسوف أغلق المسجد إلى صلاة الظهر.

خرجت من المسجد ولاتزال التساؤلات تغرق تفكيري ، عدت إلى الفندق ودخلت الغرفة  فوجدت سارة جالسة وهي غاضبة ، ولأول مرة أراها هكذا قالت بنبرة غضب :

– لماذا ذهبت إلى المسجد ؟.

جعلت نفسي غبي في ردي :

– ولماذا لا نذهب للمسجد ؟.

أصبح وجهها لطيف و أظنها تخاف اكتشافي لها وقالت :

– لا يوجد شيء بالذهاب للمسجد ، فقط كنت خائفة عليك.

– شكراً حبيبتي .

ثم ذهبت وتركتني ألملم أشلائي وتفكيري ، و في ساعات الليل أتت وهي تقول :

– حبيبي الليلة هي ليلة زفافنا ، وهي تبتسم.

ذهبت معها إلى ذاك المكان الذي كان أسفل أثار مصرية قديمة ، أظنه مخصص لهذه الطقوس منذ قديم الزمان ، دخلت فوجدت المكان فارغ ، أجلستني “ساره” في المنتصف وقالت أغلق عيناك ، أغلقت عيناي و بعد دقائق قالت :أفتح عيناك ، فتحتهم و لم أستطع أغلاق فمي من شدة المفاجأة ، كان المكان مكتظ بأشكال وأنواع لا أعرفها والجميع يرتدي رداء طويل مثل لباس “المغرب” وقبعات كبيرة لا تستطيع رؤية من فيهم ، ويوجد عرش أمامي جلس عليه شخص ضخم ولباسه مثلهم ولكن لونه أحمر و ليس مثل لونهم الأسود ، و “ساره” كانت ترتدي أيضاً مثلهم لكنها عارية الرأس ، ثم أحضرت إلي سكين وقالت : أجرح نفسك وأسكب دمائك في هذا الكأس ، كان كأس كبيرة وذهبية ، أخدت منها السكين وجرحت نفسي وسكب دمائي في الكأس وبدأت همهماتهم تتعالى مثل النشيد منهم كلهم ، هذه الهمهمات هزت  رؤوسهم ، وأنا لا تزال دمائي تتساقط ، لم أعلم ماذا أفعل ، هل أبدأ في قراءة القرآن أم لا ؟ في تردد ، ثم رأيت طيف الشيخ يحوم في الهواء وهو يشير إلي أن أبدأ ، بدأت في القراءة أية الكرسي وأنا اقرأ وهم يصرخون وكل كلمة أقولها من كلمات الله تنزل عليهم مثل الرصاص على البشر وحتى ذاك الذي جالس أمامي يتألم ويصرخ ، وساره تستنجد بي :

– حبيبي لا ، توقف ، لا أستطيع ، سوف أموت أرجوك.

ثم تم حرقهم جميعاً إلا ذاك الجالس على العرش ، وأنا خارت قوي ولم أعد أستطع القراءة ، خمسة ساعات متواصلة أنهكت جسمي بالكامل فتوقفت ، وقال ذاك الجالس وهو يخلع القبعة :

– أنا إبليس يا أبن أدم.

أن مظهره صب في عروقي الخوف والفزع وشل جسدي بالكامل.

– هل تظن أنني سوف أموت ، أنا مخلد في الأرض إلى يوم القيامة يا بشري يا ضعيف.

بعد وقوع هذه الكلمات من صوته الغليظ البشع ، لم أعد أشعر بشيء وبعد عدة أيام قضيتها في أحد مصحات “القاهرة” عدت إلى موطني وأنا فرح بقضائي على جيش من الشياطين وتخلصي من “ساره” الشيطانة.

وأنا عائد من المطار إلى البيت في “تاكسي” وجدت أصدقائي “حسام” و “إسماعيل” وهم متشردين في الشوارع يتحدثون مع الهواء ويقفزون في طرقات ، صدق ذاك الشيخ عندما قال : سوف يصيبهم الجنون.

وقفت السيارة أمام بيتنا ، نزلت منها وأنا في شوق لعناق أمي وأخوتي ودفئ بيتنا ، جريت إلى الباب وفتحته بالنسخة التي دائماً تكون مخفية في أحد الأماكن ، ودخلت أقفز من السعادة.

– أمي حبيبتي لقد عدت .

فتحت باب المنزل الداخلي لأجد والدتي وأخوتي مرميين على الأرض والدود والحشرات تأكل أجسادهم و رائحة الموت تحوم في المكان ، لأصرخ صرخة مدوية ، حتى الحشرات التي تأكل أجساد عائلتي توقفت من شدت الصوت ، و بعد هذه الصرخة سمعت صوت أمي تقول :

– أبني خذ مبيد الحشرات ونظف أجسادنا منها.

لأذهب في سرعة واشتريت صندوق و بدأت في تنظفهم ، و بعد موت الحشرات والدود لملمتهم كلهم ، أريد الانتقام لعائلتي من هذه الحشرات الشريرة طبخت منها وقليت منها ، وجلست أكلها في أستمتع ، أن نكهتها لذيذة ، بعضها بطعم “والدتي” وبعضها بطعام “أخوتي” ، لم أعلم أن طعم لحم الحشرات التي أكلت لحم البشر جميلة.

ومن هذا اليوم بدأت في أكل الحشرات والدود الذي يأكل لحم الجثث ، لكن هذا الشيء صعب إلا عندما بدأت أعمل في المقبرة ، أحفر القبور وأتقاضى عليها “نقود” أشتري بها مبيدات حشرات وعندما يدفنون جثث أحد من عائلتهم ، أمهله ثلاث أيام إلى أن ينضج لحمه في القبر ومن ثم أخرجه وكل الحشرات التي تأكله ، بالتأكيد تسألون أين مكاني وأنا أكتب هذه الكلمات ؟ ، أنا في بيتي وبجانبي ألاف الجثث والعظام والكثير من الحشرات.

 

النهاية…….

 

تاريخ النشر : 2019-01-26

guest
30 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى