أدب الرعب والعام

محاسن الصدف

بقلم : Dr. dry

لم اظلمتي في وجهي هكذا ؟ ! وغيومك ملئت السماء وعواصفك تنذر بنذرها المشؤم ؟!
وإذا بي أجد جراء سوداء اللون ترتجف من البرد والخوف 

_ أبي ! اليوم طلب منّا الأستاذ مقال عن سبب اختيار أهلنا لأسمائنا . وإذا كان لها أيّ معنى في حياتهم. والأمر صعب جدّا . ذهبنا لأمّي لكنها رفضت . وطلبت منّا الذهاب إليك.. وها نحن أمامك . رجاءا لا تخذلنا كما فعلت هي

– حسنا سأخبركم.. لقد كان يوم ملبّدا بالغيوم كهذا و ربّما أسوأ بكثير . خرجت كعادتي وذهبت إلى السوق لأشتري بعض الحاجيات وأحضر قابلة معي حتى تجالس زوجتي في أيام حملها الأخيرة. نظرت إلى السماء وأنا أحدّثها في نفسي قائلا :

” لم أظلمتي في وجهي هكذا ؟ و لم غيومك ملئت السماء ؟ وعواصفك.. لم تنذر بنذرها المشؤوم ؟ “

تحاملت علي نفسي وأنا أسير في الطريق حتى وجدت توصيلة مجانية للسوق . لم أفرح بها كثيرا لأنّي أعرف أنّه سيكون هناك مشكلة في العودة خاصّة مع أزمة الوقود هذه . أظنّ أنّه سيكون هناك زحمة شديدة . أنا واثق من أني سأطيل الغياب عن منزلي . أحيانا أحسد زوجتي وأتمني لو كنت مكانها اجلس في المنزل وهي تعمل . إنه حلم لن يتحقق.. قطع حبل أفكاري سائق الشاحنة وهو يشير لي بالنزول . فتح لي الباب وابتسم في وجهي كأنه يقول:” لا شكر علي واجب” فأدركت بأنه أبكم.. لا عجب فهو لم يحدثني طوال الوقت.

 

وصلت إلى السوق . وجدت معظم محلاّت الثياب مغلقة . يبدو أنّ الجميع فرّ هاربا من هذه العاصفة التي لا تكفّ عن إصدار النذر . تعالت في السماء رائحة مطعم صغير في ركن السوق يبيع المشويّات والسندوتشات . تناولت القليل وأخذت البعض منها إلى زوجتي عسي أن تقربها . لم تأكل شئا منذ أيام، أصبحت أخشى عليها من المرض .

غادرت المكان متكاسلا وأخذ الجو يزداد برودة . وصلت لمحطة الباص وجلست أنتظر مرور حافلة ما حتى أعود إلى بيتي الدافئ وأستمع الى ثرثرة زوجتي التي أصبحت جزء من يومي.

جلست في المحطة تارة أذكر الله وتارة آخرى أنظر الى الشجرة التي بقرب المحطة وأنا أتذكّر القصص التي كانوا يرعبونني بها في صغري عن الجن وانه لا يجب العبث معهم افتقدت أيام الشقاوة

عمّ الصمت وخيم الظلام، أصبحت لا انظر ولا أسمع .أصبحت لا اشعر بشيء حتّى الزمن توقّف . أصبحت أفكاري تدور حول دائرة مفرغة حتى انكسر حاجز الصمت . وها أنا أسمع أصوات تئنّ وترتجّي كأنّها تدعو الله أن يحلّ كربتها.

وأخيرا قرّرت السماء أن تنفذ نذرها الموعود وبدأ صوت الرعد يتعالى والسماء تبرق مرّة بعد مرّة. تعالت الأصوات هذه المرة . وأصبحت تزعجني بشدّة . قرّرت أن أنهض وأبحث عن مصدرها . ولم أبتعد عن مكاني سوى بضعة أمتار حتّى رمت السماء بصاعقة على  الشجرة التي بقرب محطة الباص. وأخذت أصرخ وأنا اردّد: ” سبّح لله ما في السموات والأرض” حتّى هدأ قلبي، واستقرّت أنفاسي،

اشتعلت الشجرة بعد ثواني معدودة . وبدّدت جيوش الظلام التي كانت تحيط بي . أخذت قبس من الشجرة حتى أتحقق من مصدر الصوت و إذا بي أجد جراء سوداء اللون ترتجف من البرد والخوف . قرّرت أن ألفّها بمعطفي حتى تدفئ نفسها. لكن الأمطار هطلت بغزارة وقوّة . وتركتني في حيرة من أمري.. ماذا سأفعل الآن ؟ لكن لم يكن الوقت في صالحي . أخذت المياه تتجمّع على شكل برك حول مأوى الجراء . فأخذتها بسرعة، وحضنتها، وركضت بها نحو محطة الباص .

ولم أكد اصل حتى انطفأت النيران التي كنت أعتمد عليها، حتى عاد الظلام بجيش أصبح يغزو الأرض بلا هوادة . ويستنكح أفكاري بالتخويف. أصبحت الجراء تعضّني في كلّ جزء من صدري تظنّ أنّي اختطفها . وأنا أقول لنفسي:” لما لا ارميها وارتاح منها ؟ على كلّ حال ستموت غدا أو بعد غدا لكنّها هدأت بعد أن نطق الرعد بكلمته الاقوى . واهتزت جميع القلوب التي كادت أن تقفز من مكانها هربا . وأصبح البرد يتساقط مثل الرصاص على جسدي الذي أنهكه التعب والإرهاق وأنا احضن الجراء. سمعت صوت معدتها تقرقر من الجوع . أخذت السندوتشات التي أفسدتها مياه المطر، تناولت البعض منها، واطعمت الجراء جزء منها، وأخيرا استسلمت للنعاس، ولم أستيقظ إلا على صوت أذان الفجر، وجسدي يهتزّ من البرد .

 

وفي الطريق، أغمي عليّ مرّتان لكني كنت استيقظ وأنا اتخيل صوت احد يناديني
حتى وصلت للمنزل وفاجأتني أمكما بهدية لكن كان خلفها قصة.. أخبرتني بأنها كانت تنتظرني بفارغ الصبر وأصبحت الأفكار السوداء تقفز في عقلها من كل صوب وحدب . فقررت أن تصلي لله أن يحفظني ولم تكد تنتهي من صلاتها حتّى ضربت صاعقة وقطعت الكهرباء، وهي تدعو الله أن يحل كربتها . فهي تخشى الظلام والبرق

 

ولم تمضي الا دقائق حتى سمعت صوت طرق على الباب . ونهضت وهي تدعو الله أن أكون أنا من في الباب لكنّها تفاجأت بامرأة يبدو عليها الكبر. وقالت لها أنّها لا تملك مكان لتقضي فيه باقية الليل، والامطار حقّت كلمتها عليها ولم تجد مكان الّا منزلها . قالت: “حاولت أن أذهب لأي بيت آخر لكن كان هناك شئ يدفعني نحو هذا البيت لا اعرف السبب فاتبعت غريزتي واتيت لك”.

واستقبلتها وذهبت للمطبخ وهي تتخبط في الظلام حتى تعطيها شيء لتتناوله في هذا الجو البارد . ولم تجد شئ سوى بعض التمر الذي طلته بالعسل . وبينما كانا تتناولانه بدأت بطنها بالانقباض وهي تصرخ من الألم.

 

فجأة، اصبحت المرأة تتحرك مثل الدخان كانها ترى ما في الظلام وفقدت أمّكما الوعي بعدها . ولم تستيقظ الا علي صوت المرأة وهي تقرأ القرآن عليكما حتّى تكفا عن البكاء . وبالفعل نمتما ولم تستيقظا الا بعد ان غادرت . ولم تتعبوها في رعاياتكما، حيث كنتما في غاية الهدوء وهنا قررنا تسميتكما صابر وصابرين بسبب المعاناة التي تكبّدناها في تلك الليلة.

 

تاريخ النشر : 2019-02-22

guest
20 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى