أدب الرعب والعام

شَبح العُذرية

بقلم : سامي عمر النجار – الأردن
للتواصل : [email protected]

لقد أصابته لعنة الفتاة و تركته أعمى لا يرى النساء

 

وَقفت “سُمية” عارية تماماً أمام المرأة النحيلة والتي كانت تُمسك بيدها قفلاً كبيراً .

– باعدي قدميك ، قالت المرأة بلهجة آمرة ، سأمرر هذا القفل بين قدميك سبع مرات ، لا تنظري للمفتاح و رددي بصوتٍ مسموع ” أنا خيط و ولد الناس حيط “، هل فهمتِ ؟.

من شدة الخجل كادت أن تَبكي سُمية ، كيف لها هي الطفلة الرقيقة ذات الأربعة عشر خريفاً أن تكشف حصنها العُذري للتقاليد والعادات التي تنتهك قدسية جسدها ، كيف لها أن تكشف عن جسدها أمام امرأة غريبة ؟.

هَزت سُمية رأسها وأخذت تُردد بصوت أقرب للبكاء :

– “أنا خيط و ولد الناس حيط” ، بينما أخذت المرأة النحيلة تُمرر القفل بين رِجليْ سُمية ، و في كل مرة كانت تُقفله ثم تفتحه.

– حسناً ، انتهينا ، والآن اجلسي فأبوكِ قد طلب مني أن “أُصَفحكِ” مرتين.

جلست سُمية أمام المرأة النحيلة ودماء الخجل تكاد تخرج من وجهها ، أخرجت المرأة من صدرها “شفرة حلاقة” ، أَمسكت فخذ سمية بإحكام وأحدثت به جروح صغيرة ، ثم أحضرت ثلاث حبات من الزبيب ولطختهم بالدماء التي سالت من فخذ سمية.

خُذِ ، ابتلعي هذا الزبيب و رددي :

– “يا دم رُكْبتي ، أحفظني”.

أَخَذت سُمية الزبيب وكررت ما قالته المرأة ثم وَضعت الزبيب في فمها وابتلعته وهي تشعر بالاشمئزاز.

أَحضرت المرأة بعض الكُحل و وضعته مكان الجروح التي أحدثتها في فخذ سمية ، ابتسمت ثم قالت :

– انتهينا الآن ، أنت الآن فتاة مُصفحة ، أبوكِ بالخارج سأذهب إليه لأراه وأعطيه مفتاح القفل ، ارتدي ثيابك بسرعة واتبعيني.

1

الشَوارع في هذا الحي كثيرة ، ولكني كُنتُ أمشي من ذلك الطريق الذي يؤدي إلى بيتك ، في كل صباح ، كان ذلك الشارع طريقي إلى السعادة ، أسير حتى أَصِلَ إلى منزلك ، أَقذُفُ بعض الحجارة على نافذة غرفتك وأقف مُنتظراً إطلالتك لي ، لحظات انتظار تَمُّرُ كالساعات ثم تشرقين من نافذتك ، أقول لك صباح الخير يا شمسي  ، فتبتسمين لي وتحركين شفتيك بصباح الخير، كُنتِ الحلم الذي أسعى إليه، ما أبسط أحلامنا يا بتول وما أجملها..!

توقفت بتول عن السير ، وضعت يدها على خصرها وقالت رافعةً حاجبها :

– بسيطة ! أنا كنت حلمك البسيط يا حسام .

ضحك حسام وقال :

– بسيطة ولكنها عميقة .

أمسك يدها وأردف :

– كُنتِ السهل الممتنع يا بتول ، القطعة المفقودة من روحي ، أتعلمين ، لقد تَعافيتُ بعد أن أحببتك ، أصبحت أنام دون أرق ، أبتسم ، أصافح المارة ، منذ أن أَحببتُكِ وأنا أشعر بأني رجل حر ، الرجل الذي..

قاطعته بتول قائلة :

– حسام ، عمي هاني يقف أمام البيت يَنظرُ نحونا ، إياك أن تُغازلني أمامه ، عليك ترك هذه العادة ! أرجوك لا تُغازلني أمام أحد حتى لا أخجل فَيَحْمَرُّ وجهي.

ابتسم حسام وشدها نحوه قائلاً :

– في بعض الأحيان أشعر بأنك ساذجة .

– أنا ساذجة ؟.

حملها بغفلة منها وأَخذَ يَركضُ بها نحو البيت متجاهلاً نظرات المارة الثاقبة نحوهما ، بينما غطت بتول وجهها بيديها وأخذت تحاول كتم ضحكاتها.

– احذر، ستوقعها أيها الأحمق. قالها هاني وهو يبتسم.

أمام باب البيت أنزل حسام بتول وهو يلهث ، صافح أبيه وقَبَّلَ يده ورأسه وهو يقول :

لا تخف يا أبي ، بتول خفيفة كالفراشة.

– كيف حالك يا بتول ؟

ردت بتول متلعثمة :

– بخير يا عمي ، بخير.

ادخلي يا بتول وسلمي على “حماتك”، ستجدينها في المطبخ ، أريد الحديث مع زوجك قليلاً.

– حاضر يا عمي.

اقترب أبو حسام من ابنه وقال معاتباً :

ألا تخجل من نفسك ؟ أنا لم أشأ أن أُحدثك أمامها ، أنت في الثلاثين من عمرك ، لست مراهقاً ! ألا تستحي من حملها هكذا في الشارع والركض بها ؟.

أجاب حسام بغضب :

– أبي أنا حر ، بتول زوجتي وأنا زوجها وهذه حياتنا ، لا يهمني كلام الناس ثم ما شأنهم بي ! أنا لم أفعل شيئاً خاطئاً، تباً للناس وكلامهم.

– حسناً أهدأ وقل لي : كيف تجري الأمور بينكما ؟. متى ستأتي بحفيدي “هاني الصغير” ؟.

ابتسم حسام وقال :

أبي ، الأمور بيننا بخير والحمد لله ، ثم ما زال الوقت مبكراً للحديث عن الأولاد ، ما زلتُ “عريس” يا أبي ، لقد مَرَّ شهران فقط على زواجي.

قال هاني بسخرية :

– جيل أحمق و مُرهَق ، أنا بعد تسعة شهور من زواجي بأمك أنجبتك.

احْمَرَّ وجه حسام خجلاً من كلام أبيه بينما ضربه أبوه على ظهره وهو يضحك ويقول :

– أهلاً بالأسد .

– صحيح أبي ، لماذا كُنتَ تقف أمام البيت ؟ هل كُنتَ ستذهب لمكان ما  ؟.

تنهد أبو حسام وقد تبدلت ملامح وجهه من البهجة إلى الحزن ، وكعادته عندما يشعر بالحزن أخرج مِسْبَحَتُهُ الزرقاء وأخذَ يُحرك خرزها اللامع وهو يقول :

– كُنتُ في المشفى أزور جارنا “أبو سمية” ، أصابته جلطة بسبب اختفاء أبنته الوحيدة ، البارحة خرجت ابنته سمية إلى المدرسة ولم تعد حتى الآن ، لم أستطع رؤيته فوضعه الصحي لا يسمح بذلك.

قال حسام بنبرة حزن : أعادها الله سالمة إليه ، مسكين “العم صبحي” بعد وفاة زوجته لم يتزوج بأخرى خوفاً من أن تكون قاسية القلب على أبنته. إنه يعيش حياته لأجلها فقط ، على كل حال سيبحث رجال الشرطة عنها وسيجدونها سالمة بإذن الله.

توقف حسام عن الحديث ثم قال مستدركاً :

أبي، لماذا لم تأخذ معك أخي “إحسان” ؟.

كان هاني يُحَرِكْ خَرَزَ المسبحة وكأنه بذلك يدفع  الحزن عن قلبه ، يُتمتم بسبحان الله بينما عقله تائه في مصيبة صديقه و جاره صبحي ، كان يشعر وكأنه هو المسؤول عن اختفاء سمية ، يشعر بذلك ولا يعلم من أين يأتيه هذا الشعور .

قال حسام وقد أرتفعت نبرة صوته :

أبي ، أبي ، يا حاج بماذا شردت ؟.

– لماذا تصرخ أيها الأبله ؟ ، لقد سمعتك ، أخوك في الداخل ، كعادته إما يدرس أو نائم.

قال حسام وهو يربت على ظهر أبيه :

– لا تقلق ، ستعود سالمة بإذن الله.

– الله أعلم يا بني ، الله أعلم ، تعال لندخل ، أنا جائع ، قالها أبوه وهو يضع المسبحة في جيبه.

أَشياء صغيرة قادرة على إسعادك ، مثل قراءة كتاب أو كتابة مقال ، مُمارسة الرياضة ، الرقص أشياء كثيرة وبسيطة.

بالنسبة لحسام كان الطعام من مسببات السعادة له ، يستمتع به ، خاصة لو كانت أمه “رانيا” قد طبخت له الكوسا والباذنجان و ورق العنب “المحاشي”.

رائحة الطعام الموضوع على المائدة جعل لسانه ينطلق بِكلماتِ غزلٍ يَمدحُ بها أُمهُ و طبخها ، قَبَّلَ  يَديْها و قَبَّلَ رأسها.

– كيف حالك يا أمي ؟.

ابتسمت رانيا وقالت :

– بخير، الحمد لله ، كيف حالك أنت ؟.

نظر حسام إلى أطباق الأكل وأجاب :

– مشتاق و جائع جداً .

ضحكت رانيا، قالت وهي تشير بيدها نحو مائدة الطعام :

تفضلوا واجلسوا ، سأوقظ إحسان ليأكل معنا.

– أنا مستيقظ يا أمي .

نظر حسام خلفه حيث مصدر الصوت ، ابتسم وقال ممازحاً :

وأخيراً اسْتيقظتَ من سُباتِك الشتوي ، كيف حالك أيها الدب ؟

بكل برود وبملامح جامدة وجسد مرتخي أجاب إحسان :

– بخير. ثم وقع على الأرض مغشياً عليه.

2

“لا أستطيع سَماعكِ” !.

عندما فتح عينيه احتضنته أمه وأخذت تُقَبِّل رأسه ، وهي تقول الحمد لله على سلامتك ، لَيتَ ما أصابك أصابني..

نظر إحسان إلى أمه التي كانت تُمسك برأسه وتُحرك شَفتَيْها بكلام لا يَسمعه ، قال :

– ما الذي حدث لي ؟.

قال أبوه وهو يُمسك بمسبحته الزرقاء :

– لا شيء يدعو للقلق يا بني ، هبوط مفاجئ في ضغط الدم.

قالت أمه وهي ما تزال تُمسك برأسه تتحسسه : هذا بسبب ضغط الدراسة والاختبارات وقِلة الأكل ، أَنتَ لم تأكل شيئاً منذ البارحة.

وضع إحسان أصبعه الصغير في أذنه وأخذ يحركه ، نظر إلى أمه وقال :

– أنا لا أستطيع سَماعكِ !.

كان حسام يقف بجانب بتول ، اقترب من السرير وجلس بجانب أخيه وقال :

– انهض أيها الدب ، أنت بخير.

ابتسمت بتول وقالت :

جلال ، هل أنت بخير ؟.

نظر الكل نحو بتول إلا إحسان ، بقي يَنظر إلى أمه التي كانت تُتَمتم وتَبكي.

ضَربَ حسام كَتِفَ أخيه وقال له :

– بتول تتحدث معك .

التفتَ إحسان إلى بتول وقال لها :

– أسف لم أسمعك ، ماذا قُلتِ ؟

أجابت بتول :

– لا بأس، الحمد لله على سلامتك، ما رأيك أن أُحضر لك الطعام هنا ؟.

التفت إحسان إلى أمه ثم إلى بتول ، عيناه تشعان فزعاً ، صَرخَ قائلاً :

– لماذا لا أستطيع سماع صوت أمي و بتول ؟.

نَظَرَ الجميع بعضهم إلى بعض ، بينما قالت رانيا :

– حبيبي ، اسمُ الله عليك ، أهدأ يا بني، اسمُ الله يحرسك.

نهض إحسان من سريره مفزوعاً وهو يقول :

– لا أستطيع سَماعكِ !.

قال حسام موجهاً كلامه لأخيه :

– هل تسمع صوتي ؟

أجاب إحسان :

– نعم ، أسمعه وأسمع صوت تسابيح أبي.

قالت بتول :

وأنا ، هل تسمع صوتي ؟

لم يلتفت لها إحسان.

قال هاني :

– إحسان يا بني ، هل تسمع صوت بتول ؟

نظر إحسان نحو بتول وقال :

– ماذا قُلتِ ؟.

قالت بتول بصوتٍ عال : هل تَسمعُني ؟.

صَرخَ إحسان بكل صوته وهو يقول : أنا لا أستطيع سَماعكِ ، ما الذي يحدث لي ؟.

اقتربت منه أمه ، أمسكت رأسه وقالت :

– بني ، أهدأ ، أنت متعب..

كان إحسان ينظر لشفتيها وهي تتحرك لكنه لم يكن يستطيع سماع صوتها ، شعر بألم في رأسه وضيق في صدره ، ظلام حالك بدأ يحيطه من كل جانب ، الضجيج ! الضجيج في رأسي .

وضع يداه على أذنيه وصرخ بكل قوته :

– من أين يأتي كل هذا الضجيج ؟.

اقترب أبوه منه : إحسان ، بني ، اهدأ ، سآخذك الآن إلى المشفى.

رفع إحسان رأسه وكأنه استيقظ لتوه من النوم ، نظر إلى أبيه الذي كان يُمسك بكتفيه ، نظر إلى أخيه حسام ثم تلفت في أنحاء الغرفة :

– أين أمي ، أنا لا أراها ؟ و بتول أيضاً، أين ذهبوا ؟.

قالت رانيا وهي تبكي :

– إحسان ، بني أنا أقف أمامك مباشرة ، هل تشعر بأنفاسي ؟ اقتربت منه وقَبَّلَتهُ..

شَعَرَ إحسان بشفاه تُلامس خده ، نظر نحو أبيه وقال :

– أبي ، أنا أشعر بها ولكني لا أراها ، هل كانت تلك أمي ، أم أنني جُننت ؟.

من أعظم المآسي أن تُحرم من رؤية أحب الناس إلى قلبك ، أن تَعلمَ أنه على قيد الحياة وتعلم أنه بجانبك وتشعر به ولكنك لا تستطيع سماع صوته أو رؤيته.

كانت المأساة أعظم من أن يتحملها عَقلُ إحسان ، فبالنسبة لهُ كانت أمه هي الوحيدة التي تستحق أن يعيش لأجلها.

ارتخى جسده ثم فَقَدَ وَعْيَّهُ بين يدي أبيه وأمه.

أَسرعَ حسام بإخراج هاتفه وقال :

– سأطلب الطبيب مرة أخرى .

قال أبوه : لا ، الأفضل لنا أن نأخذهُ إلى المشفى.

3

نَظَرَ حوله في الغرفة ، لم يجد سوى أبيه الذي كان يتحدث مع الطبيب .. تَذَكَّرَ ما حدث له وأخذ يبكي ، كان يعلم سبب اللعنة التي حلت عليه.

اقترب الطبيب منه وقال :

– أهدأ ، قل لي بماذا تَشعُر ؟.

– أشعر بأني قد مت .

ضحك الطبيب وقال :

– لا ، لم تَمُتْ بعد ، أَنتَ بخير لا تقلق ، قل لي يا إحسان: هل تراني جيداً ؟.

– نعم ، أنا أراك ، ثم التفت باتجاه أبيه و أردف : وأرى أبي.

تَعَجَّبَ الطبيب وقال :

– هل ترى الممرضة التي تقف بجانبي ؟.

– لا ، لا أرى سواكما أنت وأبي ، لا أرى سواكما. ما الذي يحدث لي ؟.

نَظَرَ الطبيب نحو الممرضة التي تقف بجانبه ، همس في أذنها بشيء ما ، هزت الممرضة رأسها واستدارت إلى الجهة المقابلة ، اقتربت من إحسان وأَخَذَت تهمس في أذنه وتقول : هل تسمعني ، سيد إحسان ، أنت تسمعني أليس كذلك ؟.

كان الطبيب يتمعن في وجه إحسان ، يتابع ردة فعله ، لم يلحظ شيء، لا يوجد ردة فعل توحي بأنه يسمع أو يرى الممرضة.

أخرج الطبيب هاتفه والتقط صورة للممرضة.

– إحسان ، انظر للصورة ! ماذا ترى ؟.

اتسعت عيناه رعباً ، التَفتَ إلى اليسار حيثُ كانت الممرضة تَقِفْ ، لم يرها ، نظر إلى الصورة مَرة أُخرى وقال :

أنا أرى في الصورة أبي والممرضة التي تقف بجانبه ، ثم التفت حيث تقف الممرضة وقال :

– لكني لا أرى سوى أبي ، مد يده يتلمس مكان وقوف الممرضة ، أنا أشعر بها ولكني لا أراها.

ابتسم الطبيب وقال :

– حسناً ، لا تقلق ، الفحوصات لم تظهر أي خلل في جسدك ، أنت فقط بحاجة إلى طبيب نفسي.

ارتاح الآن وغداً سنتحدث ، نظر الطبيب نحو هاني وقال :

– لا تقلق عليه ، سيكون بخير، أرجو منكم أن لا تزعجوه وأن تبتعدوا عن الانفعال أمامه، اتركوه ليرتاح.

خرج الطبيب من الغرفة و تبعته الممرضة، قال الطبيب لها :

– لأول مرة أرى مثل هذه الحالة الغريبة ، كيف لا يمكنه رؤية النساء ؟ إما أنه يُمَثِّل ْلسبب ما أو أنه فعلاً بحاجة إلى طبيب نفسي ، على كل حال ، نظر إلى ساعته التي كانت تشير نحو التاسعة مساء وأردف : أُريدُ منكِ متابعة حالته ، كلما مرت نصف ساعة أرسلي له إحدى الممرضات وتابعي انفعالات وجهه وجسده ، أُريد أن أَعلم إنْ كان يُمَثِّلْ علينا أم لا.

– أبي ، أَشعر بِماءٍ دافئ يتساقط على قدمي .

– آه يا بني ، هذه أمك ، إنها تبكي عند قدميك.

رفع إحسان رأسه ونظر نحو قدميه ، كانت راينا تنظر له وهي تبكي بحرقة ، وجهها الأبيض صار أحمراً من شدة البكاء.

نظر إحسان نحو أبيه وقال :

– أنا لا أراها يا أبي ، لا أراها.

قال هاني مُطمئناً أبنه :  على كل حال ، لا تقلق يا بني ، سَمعتَ ما قاله الطبيب ، لا يوجد خلل جسدي ، كل ما في الأمر أنك بحاجة لبعض الراحة ، ارتاح الآن ولا تقلق ، غداً ستكون الأمور بخير.

استدار هاني حول السرير وأمسك رانيا وقال لها : – تعالِ لنخرج ، إنه بحاجة للراحة التامة.

نظر إحسان نحو أبيه وهو لا يصدق الذي يحدث ، هذا كابوس سأستيقظ منه غداً ، قال وهو يبكي :  أمي أنا لا أَراكِ ولا أَسمعُكِ ولكنكِ تعلمين أني أُحبك ، أنا أشعر بوجودك معي ، إذا كُنت تحبينني فَكُفي عن البكاء ولا تقلقي ، سأكون بخير.

أفلتت رانيا نفسها من يدي هاني واقتربت من أبنها وأخذت تُقَبِّل جَبينهُ وخَدَيّه وهي تبكي بحرقة.

صرخ هاني بها قائلاً :

– هيا لنخرج ، الولد بحاجة لراحة تامة ، تعالِ هيا.

استجابت رانيا لزوجها وخرجا من الغرفة وكلٌ منهما يتكأ على الآخر.

مد إحسان يده ليتحسس دموع أمه على وجهه ، نظر ليده و بكى ، قال لنفسه :

– حتى دموع أمي لا أستطيع رؤيتها ، أي لعنة هذه التي حلت علي ! أي لعنة !.

كانت بتول تجلس في الردهة عندما خرج هاني  و رانيا من غرفة ابنهما ، نهضت وأَمسكت يد عمتها رانيا وقالت :

– تعالِ و أجلسي ، لا تقلقي يا عمتي ، سيكون بخير إن شاء الله.

أين ذهب حسام ؟ سأل هاني.

– توجه إلى الطابق الثالث ، قال أنه يريد الاطمئنان على صحة “العم صبحي”.

وما أن أنهت بتول كلامها حتى ظهر زوجها حسام وعلامات القلق بادية على وجهه .

– كيف حال أخي ؟.

قال هاني وهو يخرج مسبحته الزرقاء :

–  إنه بخير ، غداً سنخرجه من المشفى ونذهب به إلى طبيب نفسي.

أخرج هاني نفساً عميقاً وأردف :

خذ أمك و زوجتك وعودوا إلى البيت ، سأبقى أنا مع إحسان.

– أبي أنت متعب ، عد مع أمي و بتول وسأبقى أنا معه ، لا تقلق.

تنهد هاني وربت على كتف حسام ، قال :

– في الحقيقة أنا متعب لأقصى حد وأمك كذلك ، ستنام بتول اليوم في بيتنا ، إذا احتجت إلى شيء اتصل بي. صحيح ، كيف حال صبحي ؟.

تَلعثَمَ حسام وقال بصوت حزين :

– أبي ، “العم صبحي مات”.

4

لاحظ إحسان تحرك مقبض الباب ، صَرخَ قائلاً :

– من هذا الذي دخل ؟.

لم يكن يرى أو يسمع أحداً أخر غيره في غرفة المشفى ، أعاد السؤال مرة أخرى وهو يتلفت في أنحاء الغرفة :

– من هنا ؟.

كانت الممرضة تقف بجانب سريره ، وضعت يدها أمام وجهه مباشرة وأخذت تحركها وتنتظر ردة فعله ، لا شيء يوحي بأنه يراها ، وضعت يدها على شعره وقامت بِشَّده.

انتفض إحسان مفزوعاً و وقف بزاوية الغرفة وصرخ بأعلى صوته :

– من هنا ؟.

خرجت الممرضة مسرعة من الغرفة بينما دخل حسام الغرفة وهو يقول :

– ما بك يا إحسان ؟ لماذا تصرخ ؟.

اقترب إحسان من أخيه بسرعة وقال :

– هناك من قام بشَّد شعري ؟.

شَدَّ شعرك ؟  قالها حسام متعجباً ! لا تخف تلك كانت الممرضة ، لقد أخفتها بِصُراخِكَ وخرجت مسرعة ، ولكن اللعينة لماذا شَدَّتْ شعرك ؟.

جلس إحسان على حافة السرير واضعاً يديه على رأسه ، لم يعد يستطيع التحمل ، هذا الأمر لا طاقة له به ، ضَميرهُ يُحدِثْ ضَجيجاً في رأسه ، نظر إلى أخيه وقال :

– حسام ، لقد قتلت سمية !.

نظر حسام نحو باب الغرفة بخوف ، تأكد من غلق الباب ، اقترب من أخيه وهمس له :

– أيها الأحمق ، ما بك ، هل تهذي ؟  لو سمعك شخصٌ ما لا تهمك باختفاء سمية والتسبب في وفاة أبيها .

– صبحي ! هل مات صبحي ؟.

– نعم ، العم صبحي مات ، إنه هنا في هذا المشفى ، رحمه الله ، مات حُزناً على ابنته.

ضحك إحسان وقال :

– فليذهب إلى الجحيم ، هذا الرجل لم يكن إلا شيطاناً مُنافقاً.

– لماذا تقول عنه ذلك ؟ ماذا رأيت منه ؟.

سأقول لك ، لَعَلَّ هذا الضجيج يختفي من رأسي و لَعَلَّ سُمية تُسامحني على ما فعلته بها :

– هذا الرجل اللعين كان يَتَحَرش بابنته كل ليلة ، كان اللعين..

صمت إحسان قليلاً وأردف : اللعين كان يتحرش بابنته ، يتلفظ بألفاظ جنسية وفي بعض الليالي كان يتحسس جسدها.

أخذ حسام يستغفر و يتعوذ ، قال بغضب : وأنت كيف علمت ذلك ؟

أجاب إحسان :

اللعين صبحي طلب مني أن أدرس ابنته لأنها في المرحلة الثانوية ، ولأنني أدرس الطب في الجامعة فقد كان يراني المعلم المناسب لابنته ، أُقسم لك يا حسام أني كنت أنظر لسمية على أنها طفلة ساذجة في السادسة عشر من عمرها ولكنها كانت تعتقد بأني فارس أحلامها ، لقد أحبتني بشدة ، تَعَلَّقت بي ، انقلبت دروس الرياضيات والفيزياء إلى دروس في الغزل والعشق ، جَرَّتْ نفسها وجَرَتني معها ، بدأتُ أنظر لها كامرأة ناضجة مثيرة ، أصبحت أُلاحظ تفاصيل جسدها ، وجهها ، النمش ، قُلتُ لها أن الغُنبة “الغمازة” على خدها الأيسر ما هي إلا قُبْلَة من مَلاك ، تَجرأتُ كما تَجرأتْ هي وغازلتُها ، لَمستُها ، أَمسكتُ يَدها ، لم نعد نشعر بالراحة ونحن نجلس في بيتها أمام عيون أبيها..

لم أعد أذهب إلى الجامعة وأهملت دراستي ، كنتُ أقف أمام مدرستها أَنتظرُ خُروجها من المدرسة لأُمسِكَ يدها ونسير معاً ونحن نتحدث ، كانت تَأخذُني بأحاديثها إلى ما فوق الغيوم و وراء ما وراء الطبيعة ، كانت تقودني إلى الجنة ، أرتني ألواناً لم أرها في حياتي ، رغم ذلك يا حسام كنتُ أشعر أنها في كل يوم تذبل ، تمرض ، تشيخ ، كان هناك ما يُنَغِصْ عليها حياتها ، أَلححتُ عليها كثيراً عَلَّها تقولُ لي سرها ، ظَننتُها مريضة  ، كل ما أردتهُ معرفة سرها ومساعدتها ، كُنتُ على استعداد لأُقَدِّمَ لها حياتي كلها ، لم أكن أعلم بأنني مسخ ينتظر فرصة لاقتناص فريسته ، كنت كأبيها بل ألعن منه.

قال حسام متلهفاً وقلقاً من كلام إحسان :

ماذا حصل؟.

– اعترفت لي وقالت : أن والدها صبري قام بالتحرش بها عدة مرات ، الأحمق كان يظن أن تَصْفيحَ ابنته سَيُبقيها عذراء ، وتأكد من ذلك عندما قام باغتصابها لأول مرة ، الأحمق لم يكن يعلم أن أبنته لديها “رحمٌ طفوليْ” ، لم يعلم أن جسد أبنته يختلف عن باقي أجساد البنات ، لم يعلم أنها بحاجة إلى امرأة كي تبوح لها عن معاناتها في النضوج ! اللعين الجاهل ، شَبحُ العُذرية جعله مفصوماً ومتخبطاً في مجاراة الحياة تحت ظل هذا الانفتاح واختلاف الثقافات ، حتى سمية ظنت أن ما بها من اختلاف بسبب سحر الربط “التصفيح “، لم تكن المسكينة تعلم أن جسدها يختلف قليلاً عن باقي أقرانها من الفتيات ، لم تعلم أن هناك البعض من الفتيات يملكن “رحماً طفولي” مثلها.

قال حسام :  لَعَنهُ الله ، كُنتُ أَظنُّ أنه رجل صالح لم أكن أعلم بأنه شيطان ماكر ولكن ما شآ ..

قاطعه إحسان بإشارة من يده وأردف :

حينما قالت لي ذلك ، غَضبتُ من أبيها في بادئ الأمر وأصبحت أفكر في طريقة للتخلص منه ولكن عندما تَخَيّلت الأمر ، حسناً ، أنا مسخ لعين شهواني ، طَلبتُ من سُمية أن أقابلها بعيداً عن أعين الناس ، قلتُ لها أنني وجدت طريقة ستريحها من هذا العذاب ، المسكينة وثقت بي.

أخذتها إلى سرداب مقبرة عائلتنا ، السرداب من رخام لن يراني أحد أو يسمعنا.

جلسنا بالداخل ، أَخرجتُ الشموع من جيبي وأَشعلتها ، أَخذتُ أُحدثها وأُطمئنها حتى تأتي الفرصة المناسبة ل…

بكى جلال وأردف :

جمالها ، ابتسامتها، رائحتها أثارتني ، لم أمسك نفسي عنها ، أَبْعَدَتني ضَرَبتني ، تَوَسَّلت لي ، قَبَّلَتْ قدماي ، ولكني كنتُ كالمسخ بلا قلب وبلا عقل ، مَزَّقتُ ملابسها واغتصبتها ، كانت تَصرخ ، تبكي ، َرفص وتُقاوم ثم هدأت تماماً وأَسلمتْ نفسها لي كأنها جثة ، حينما انتهيت منها وابتعدت ، نظرت لي نَظرةً جعلت قلبي يرتجف ، وقفت على قدميها و..

توقف إحسان عن الحديث فجأة ..!

– ما بك ، أكمل ، ما الذي حدث بعدها ؟ قال حسام.

وقف إحسان على قدميه واقترب من الحائط ، كان كَمَنْ مَسَّهُ الشيطان ، أَرجعَ رأسهُ إلى الوراء و بكلِّ قوته ضربه بالحائط.

اقترب منه حسام ليمنعه ، ماذا تفعل يا أبله ؟.

دفعهُ إحسان بعيداً عنه وأعاد ضرب رأسه بالحائط وهو يقول :

أتريد معرفة الباقي ، لم يبق شيء ، أَخذتْ سُمية تَضربُ رأسها بالحائط ، هكذا فعلت سمية ، أخذ يضربُ رأسهُ بالحائط وهو يصرخ  : ضربة ضربتان ثلاث أربعة..

الدماء تسيل من رأسه ، حسام يحاول مَنْعهُ من الاستمرار في ضَربِ رَأسه.

صرخ إحسان وهو يبكي ، تَلَفَّتَ حوله ، لاحظ وجود النافذة ، اقترب منها بسرعة ، أزاح الستائر وفتحها، نظر إلى الأسفل، أربعة طوابق تفصله عن الأرض، صرخ بأعلى صوته بكلمة : أنا آسف ، ثم أَلْقَى بِنَفسهِ من النافذة عَلَّهُ يَتحرر من هذا العذاب والضجيج.

مصادر :

https://ar.m.wikipedia.org/wiki/تصفيح_الفتيات

https://www.altibbi.com/مصطلحات-طبية/امراض-نسائية/رحم-طفلي

ملاحظة : القصة خيالية ولكن

تصفيح البنات” سحر الربط ” من الواقع.

الرحم الطفولي : هو تشوه خلقي يمكن علاجه.

وضعت لكم روابط عن تصفيح البنات وعن الرحم الطفولي ، يمكنكم الاطلاع والبحث أكثر عن هذه المواضيع.

تاريخ النشر : 2019-03-11

guest
23 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى