أدب الرعب والعام

بجانب الشجرة الكبيرة

 
بقلم : أنيس صالح عوض – اليمن

 

انتشلت بها تلك الصخرة وضربتني على رأسي …

 

قابلتها في الموعد داخل المنتزه , أمام تلك الشجرة الكبيرة التي تتوسط الحديقة . جاءتني سعيدة مبتسمة , كانت علامات البراءة ظاهرة على وجهها , كان مازال الوقت مبكرا ولم يكن هناك الكثير من الزوار , وقفت أمامي والفرحة قد انتشرت في ملامح وجهها . 

هي : ها قد أتيتك .

أنا : أرجوك , مهما كان ما قلته لكِ , أرجوكِ لا تحزني , أنه للأفضل . 

هي : ماذا تقصد ؟ . 

أنا : أنا آسف , ولكن ما بيننا انه لن يستمر . 

هي وقطرات الدموع بدأت تنهال من أعينها : كيف هذا ؟ .. بعد كل ما خضناه سوياً ! .. تأتي وتبيعني بهذه السهولة , ما هو السبب , هل هي فتاة أخرى ؟ . 

أنا : ليس الأمر كذلك , إنما علمت مؤخرا بأن علاقتنا لن تستمر . 

وبغضب عارم وبحرقة مشاعرها تنتشل صخرة كانت ملقاة على الأرض وتضربني بها بقوة على رأسي فسالت الدماء من على رأسي ولم أعد أشعر بشيء .. سقطت مغشيا علي وكل ما رأيته هو السواد الحالك …. 

استيقظت بعد فترة لم أعلم كم كانت , إلا أن لون السماء الأسود جعلني أعرف بأن الوقت كان في الليل أو منتصفه . لم أكن أذكر أي شيء … على الإطلاق ….. من أين أتيت أو من هم والداي أو أين أقيم ؟؟ … أو حتى كم هو عمري ؟! .. 

كانت ذكريات عقلي ممسوحة بالكامل … إلا ذكرى واحدة بقت في ذهني …. هي …. غضبت مني بشدة فضربتني بالصخرة على وجهي وذهبت باكية . 

لم ألومها على ما فعلته .. فقد كان الخبر بمثابة صاعقة بالنسبة لها .. فكرت في الذهاب إليها ومحاولة الاعتذار منها , وشرح لها موقفي .. ولم أجد نفسي إلا وأنا أتحرك متوجها نحو منزلها .
وصلت إلى شقتها …. عرفت بأنني إذا طرقت الباب في هذا الوقت المتأخر فسوف ألقى السباب والشتيمة من والداها ، فقررت التسلل إلى غرفتها وشرح لها موقفي بهدوء . 

تسلقت شجرة كانت بجانب الشقة ولحسن حظي كان باب شرفتها مفتوح فتمكنت من القفز والدخول إلى غرفتها … 

وجدتها نائمة على السرير بوجهها البريء ، ناديتها بأسمها بصوت مسموع فاستيقظت مفزوعة وإذا يعيناها تقع علي … 

لم أتمكن من وصف علامات الذعر الذي بدت على وجهها عندما رأتني … تكومت في زاوية الغرفة وغطت وجهها براحة يداها . 

صرخت وأنا مذعور : ماذا بك ؟ .. لماذا أنتي خائفة مني هكذا ؟ .. أما قلته لكِ جعلك تخافين مني هكذا ؟ . 

وزاد تعجبي عندما سمعتها تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فقلت في خاطري : هل جنت هذه الفتاة مما قلته لها في الصباح أم ماذا ؟ . 

اقتربت منها وأمسكتها من كتفيها وهززتها بقوة وصرخت في وجهها … 

أنا : كفي عن هذي التصرفات الطفولية , دعيني أشرح موقفي لكِ . 

هي : دعني وشأني … دعني وشأني … أعوذ بالله من الخبث والخبائث … ربي أبعد هذا الشبح عني … ربي أبعد هذا الشبح عني . 

ونزلت علي كلماتها كالصاعقة المدوية … غضبت مني بشدة … فضربتني بالصخرة على وجهي … وبدأت أفهم كل شيء تدريجياً . 

عرفت الآن لماذا لم أستطع تذكر شيء … عرفت الآن لم استعاذت بالله مني عندما رأتني … 

في ذلك اليوم الذي تقابلنا به … في تلك الدقيقة التي قلت لها مشاعري الحقيقية … في تلك الثانية التي انتشلت بها تلك الصخرة وضربتني على رأسي … لقد فارقت الحياة في ذلك اليوم … نعم … هذا هو التفسير الوحيد … لقد قتلتني عندما رمتني بتلك الصخرة … سقطت على الأرض صريعا … الناس تجمعوا حولنا … من شدة ارتباكها أخبرتهم بأنني انزلقت ووقع رأسي على الصخرة … 

حزن الجميع علي … أبي … أمي … أخوتي … كل من اعرفهم … 

قاموا بدفني …. الكل دعا لي بالرحمة … وانتهى الأمر …. إلا أنا …. أنا الوحيد الذي لم أتقبل هذا الأمر وأصررت على البقاء هنا … فهمت كل هذا من صراخها وهي تحاول أن تبرر موقفها لي … أو للشبح الخاص بي إن صح التعبير … لم تكن تقصد أن تقتلني … لكنها فعلت … لقد قتلتني . 

عندها شعرت بغضب شديد … غضب لم أشعر به في حياتي قط … كان هذا الغضب موجها نحو شخص واحد … أنت …….. هكذا قلت لها وبنبرة حملت كل معاني الحقد والكراهية تجاهها … أمسكت بها بقوة … وبدأت بصفعها بقوة … الأولى … ثم الثانية … الثالثة … الرابعة … الخامسة ثم توقفت عن العد … لم أعرف كم استمريت في صفعها وضربها … كل ما كنت أراه هو الكراهية تجاهها … وعندما استفقت من غيبوبتي … لم أشاهد سوى الأحمر … الدم الأحمر غطى وجهها بالكامل حتى أنه أخفى معالم وجهها تماما … أدركت أنني … قتلتها … نعم لقد قتلتها … قتلتني من شدة غضبها … فقتلتها من شدة غضبي … واحدة بواحدة … بدأ عقلي يسترجع ما فاته شيئا فشيئا … 

أمي الحنون ……. ابتسامتها الدافئة عندما تشاهدني أنا وإخوتي نلعب … 

أبي الصارم ……. يصرخ علينا كلما فعلنا أمر خاطئ ولكنه في داخله يتمنى لنا الأفضل … 

أصدقائي …….. عندما كنا نلعب سويا الكرة في الشارع .. وعلامات الضحك الممزوجة بالذنب عندما نكسر نافذة شخص ما . 

وأخيرا ….. هي … عندما تقابلنا أول مرة … أول وردة أعطيتها لها … أول قصيدة شعر ألفتها من أجلها … عندما أمسكت بيدها تلك المرة … الحزن الذي انتابني عندما طلب مني والدي السفر إلى الخارج من أجل الدراسة … حاولت أن أشرح له موقفي … لكنه لم يتفهم … كيف أقول لها بأني سأسافر وأتركها وحيدة … 

فقررت التخلي عنها … تبحث لها عن نصيب جديد ولا تعلق آمالها علي … تواصل حياتها … تقابل شخص آخر تحبه ويحبها … إنه للأفضل بالنسبة لها . 

قابلتها في الموعد داخل المنتزه , أمام تلك الشجرة الكبيرة التي تتوسط الحديقة . 

جاءتني سعيدة مبتسمة , كانت علامات البراءة ظاهرة على وجهها , كان مازال الوقت مبكرا ولم يكن هناك الكثير من الزوار , وقفت أمامي والفرحة قد انتشرت في ملامح وجهها . 

هي : ها قد أتيتك . 

أنا : أرجوك , مهما كان ما قلته لك , أرجوك لا تحزني , أنه للأفضل . 

هي : ماذا تقصد ؟ . 

أنا : أنا آسف , لكن ما بيننا لن يستمر . 

هي وقطرات الدموع بدأت تنهال من أعينها : كيف هذا , بعد كل ما خضناه سوياً , تأتي وتبيعني بهذه السهولة , ما هو السبب , هل هي فتاة أخرى ؟ 

أنا : ليس الأمر كذلك , إنما علمت مؤخرا بأن علاقتنا لن تستمر . 

وبغضب عارم وبحرقة مشاعرها تنتشل صخرة كانت ملقاة على الأرض وتضربني بها بقوة على رأسي فسالت الدماء من على رأسي ولم أعد أشعر بشيء فسقطت مغشيا علي وكل ما رأيته هو السواد الحالك … 

تختلط الذكريات في رأسي .. لم أعد قادر على تمييزها .. هاه .. من أين تنهال هذه الدموع ؟ .. هل أنا أبكي ؟ .. لماذا .. لقد قتلتني وتستحق ما فعلته بها .. 

أمي الحنون … أصدقائي … توبيخ … كرة … ابتسامة … وردة … نافذة مكسورة …. 

هل هي فتاة أخرى … أبي … أمسكت يدها … الشجرة الكبيرة … ذنب … لعب … أنا أسف … انه للأفضل … دراسة 

تنتشل صخرة من الأرض وتضربني بها على رأسي … 

لم أعد أعرف أي ذكريات أملك ! … جاءت كلها دفعة واحدة … كل ما فعلته هو البقاء ساكنا والنظر إلى الأعلى .. أدركت بأنها النهاية .. لم اعد قادرا على العيش في هذا العالم بعد الآن .. مكاني ليس هنا .. مكاني في عالم آخر .. عالم مختلف … 

وتأتي الذكريات لتضرب رأسي مرة أخرى , فاجلس مذهولا محاولا ترتيبها … ثم … 

أفتح عيناي … أنهض متثاقلا … وإذا أجد نفسي ممددا على أرضية المنتزه الخضراء بجانب تلك الشجرة الكبيرة … التفت إلى جانبي لأجد صخرة مرمية على الأرض وعليها بعض بقع الدماء … ألمس جبهتي … فأجد بعض الدماء قد تلوتث بها يدي … 

انهض على قدماي … امسح الدماء التي على جبيني … وأعود للمنزل .

 

تاريخ النشر : 2014-12-17

guest
48 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى