تجارب من واقع الحياة

فقدت القدرة على الحياة

بقلم : أمرأة من زمن أخر – الجزائر

أنا سجينة الماضي و أشعر أن عمري تجمد في تلك الفترة

 السلام عليكم قراء موقع كابوس الكرام أرجو من أي أمرأة كبيرة أن تساعدني و تنصحني.

أنا تربيت في أسرة محافظة لأب موظف و أم ماكثة في البيت ، و لي 3 أخوة أنا أوسطهم ، كانت عائلتنا تعيش في بيت صغير و بسيط جداً ، و رغم راتب أبي المحدود إلا أن عائلتنا كانت دافئة بكل معاني الكلمة ، فكانت أمي تقتني لنا كل مستلزماتنا لكن مما قل سعره ، لم أكن أعير هذه الأمور أهمية لأن عقلي كان مع الدراسة ، فقد كنت متفوقة جداً في دراستي و متميزة بذكائي كما كنت على قدر من الجمال ببشرة بيضاء ناصعة و شعر فحمي طويل جداً ، لم أكن أعره اهتمام فعقلي في عالم أخر ، و ما لبثت أن لبست الحجاب و لم أذكر أني عشت مراهقتي كالفتيات فهذه الأمور غير مبرمجة في عقلي ، لست أدري خوفاً من عائلتي أم حفاظاً على ثقتها بي

 تخرجت من الثانوية بمعدل امتياز و اخترت تخصص طب الأسنان و فرحت كثيراً لأن جبل و أنزاح من على كاهلي ، فقد حققت أول حلم من أحلام السنين الماضية و لم أعد قلقة بشأن مستقبلي ، و هنا قررت أمي الحبيبة أن تعطيني ترقية و هي أن تكون ملابسي أنيقة و غالية نسبياً مقارنةً بالملابس السابقة ، لكن لباسين في السنة واحد شتوي و الأخر صيفي

كان صيفاً انتقالياً ، انتهى الصيف وجاء الدخول الجامعي و أنا متشوقة إلى أن أخوض غمار التجربة الجامعية فقد سافرت 400 كم بعيداً عن البيت و التحقت بالإقامة الجامعية للبنات ، كانت الثلاث سنوات الأولى عادية لكن في السنة الرابعة مرضت في بداية السنة و كان مرضاً غريباً ، الضعف و الوهن و كوابيس عند النوم و ذاكرة مذبذبة و لم تنفع معي أي منشطات و لا أدوية و أنا طبيعتي دائماً أن أحمد الله على كل حال و عند الظروف الصعبة ازداد إرادة و عناد

 جاءت أوقات الامتحان و كم كانت حالتي صعبة لكني اجتزتها بأقل الأضرار بفضل الله وحده ، ولكن في آخر امتحان و كان شفهي و من كثر الوقوف أغمي علي وتم نقلي إلى المستشفى الجامعي التابع للجامعة وتم إجراء الإسعافات و كانت حالتي حرجة ، و كل ما أتذكره عندما صحوت أني كنت أبحث عن حجابي حيث لم تتعب الممرضة نفسها في ستر رأسي و أحسست بحرج كبير ، كيف وأنا في مستشفى الكلية و يمكن لأي طالب أن يراني ؟ و تطايرت الدموع من عيني و اذا بالطبيب المسؤول عن حالتي دخل الغرفة و بدأ يستفسر عن سبب البكاء ، فأخبرته فقام و التقط حجابي من الأرض و قال لي : انه الأن مليء بالجراثيم و ارتداؤه يمثل خطراً على صحتك ،

حملت هاتفي و طلبت من صديقتي أن تنقذني فكان ذلك و جاء أهلي لزيارتي ، و بقيت معي أمي عدة أيام حتى استقرت حالتي و أخذتني إلى البيت ، واذا برقم غريب على هاتفي ، عندما أجبت وجدته ذلك الطبيب يسأل عن حالتي و أخبرني أنه أخد رقمي من الاستقبال ، عاملته بكل جفاء تلك هي طريقتي مع الجنس الأخر لأنني أخاف من كل شيء ، مثل أن يتلاعب بي أو أخسر دراستي أو أخون ثقة أهلي ، فتجدني أغلق الباب بقوة و استريح ، لكن لحظة هناك خطب ما هذه المرة ، فالباب لم يُغلق ، فبعد إكمال المكالمة أحسست بأشياء تتحرك بداخلي مثل النوتة الموسيقية فتجاهلتها ، و اذا بصور تخصه تمر بذاكرتي فاستنكرت لها و اذا بالمكالمة الهاتفية تعاد داخل مسمعي مثل الشعر ، يا إلهي ما هذا !

نعم لقد استيقظ تنين الحب بداخلي الذي لطالما تجاهلته بقصائد نزار قباني فأنا أحب الشعر كثيراً و أتذوقه ، لقد كان ليس بالوسيم لكن كانت له جاذبية و كاريزما ، و من هنا بدأت قصتنا..

أحببته حد الجنون و تمنيت أن أهديه كل قصائد الحب ، كل كلمات الغرام و كل لون أحمر ، و هو كذلك و كلانا متحفظ لمخاوفه الخاصة فكان حبنا في صمت تشوبه بعد العبارات الرسمية لا غير لكن النظرات كانت بداخلها جيوش تخوض معارك الحب و الشوق

 مرت سنتين و نصف و جاء يوم تخرجي وكان يوم تاريخي في حياتي و نحن في التحضيرات لألقاء المذكرة و اذا به يطلب من ضمن الحضور حيث طلب محادثتي بالإشارة فخرجت من القاعة فانزوى بي في مكان ليس بالمعزول لكنه ليس على مسمع الناس و اذا به ينفجر في وجهي غضباً و سخطاً و حباً و شوقاً و أخبرني أن أفهمه مشاعري تجاهه و قيمته عندي و ما مصيره معي بكل ما أوتي من انفجار و كأنني قتلت له والديه ، و في الأخير افهمني أني سأذهب إلى ولايتي و هو يخاف أن أضيع منه للأبد

مر اليوم بكل متاعبه و الأهل يقومون بتهنئتي و أنا على أحر من الجمر ، متى سأذهب لغرفتي كي أعيد أجمل ملحمة حب حدثت في حياتي و أنا أكيدة من أنه سيكلمني و ستكون مكالمة غير عادية البتة هذه المرة

 مرت الساعات وسط الاحتفال في البيت فهذه الجارة و هذه الخالة حتى منتصف الليل و أخيراً أنا في غرفتي و الباب موصد ، فوجئت بالكم الهائل من مكالمات بدون رد ، انتظرت قليلاً و اذا به يتصل ، رديت عليه و أنا في قمة الخجل ، قال لي :  أحبك ، شعرت بجسمي يطير و تأسف عما بدر منه ، و توالت الاتصالات حتى قرر أن يكلم أبي ، و هنا كانت الصدمة فقد رفض أبي رفضاً مطلقاً بسب البعد عن ولايتي و بسبب انتمائه إلى عشيرة متسلطة يعتبر اغلب الرجال فيها سيئي السمعة من ناحية قيمة الزوجة عندهم

وهنا و ضعت بين أروع رجلين في حياتي لكنني اخترت أبي و عاهدت نفسي أن اقطع علاقتي نهائياً بحبيبي احتراماً و وفاء لأبي

 مرت أربع سنوات و أنا سجينة الماضي ، أشعر أن عمري تجمد في تلك الفترة و أنا لا أتفاعل مع الأحداث ، بعدها حتى العمر أشعر أنه تجمد هناك.

تاريخ النشر : 2019-03-31

guest
13 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى