تجارب من واقع الحياة

نعم ما زالت آنسة

بقلم : نجمة

و مع ذلك و بكل فخر أقول : نعم مازالت آنسة

 منذ سنوات تسع مضت عرض على الفضائيات مسلسل عنوانه نفس العنوان الذى اخترته لقصتي “نعم مازالت أنسة “كنت وقتها أصغر عمراً ، تحديداً في السابعة و العشرين ، لذلك رأيت أن شخصية بطلة ذاك المسلسل كانت تبالغ في ردة فعلها تجاه المشكلة ، لماذا تنفعل و تصرخ دائماً مع أن المسلسل لم يكن عن مشكلة العنوسة بل عن نظرة المجتمع للعانس و تعاملهم التعسفي معها !

عمرى ما أحسست بالفرق بيني و بين المتزوجات بل على العكس دائماً أشعر بالثقة و الحرية و قبول الذات أو لنقل قبول وضعي ، أفرح مع الأخرين و أشاركهم أفراحهم و أحزانهم و واثقة بأن الله سيعطيني الأفضل حتى لو لم أرتبط ، و لكن للأسف كلما كبرت عانساً كلما ازدادت المعاملة إجحافاً

 ها هي أختي التي تزوجت في الواحدة و العشرين و ربينا معها أبنائها و تحملنا معها شقاوتهم و متاعبهم من عمر الولادة حتى وصلوا إلى المرحلة ابتدائية ، أصبحت تخاف على ابنتها من عيني و حسدي ، لأن ابنتها التي لم تتم العاشرة مع أنها طفلة عادية لا تتمتع بالجمال و لا الذكاء و لا الموهبة مع ذلك تعاملني و كأني مرض سيعدي ابنتها و تخبئ عني فرحتها و ثيابها الجديدة و كأني سأكلها ، و تنصحها بأن تكتم أخبارها لأنى لا أملك مثلها ، حتى أن الفتاة صارت تكرهني بل و تحاول استفزازي – مع العلم أننا نؤدب بناتنا من نعومة أظافرهن –

و اﻷسوأ بقية شقيقاتي يحذون حذوها إذا قلت على بناتهن مثلاً : اليوم إنها متألقة ، خافوا من عيني و إذا سكت قالوا حسد ، و الأغرب أني اكتشفت أن أكثر نسائنا يخفن على أبنائهن من عين و حسد العانس خاصة إذا كن في سن الزواج .

تحاول بعضهن إثارة مشاعري بأن يشعرنني بأن الفتيات الصغيرات كبرن وأن الفرصة ضاعت مني ، أما أكثر ما يبرعن فيه فهو التحليل ، فإذا ما قلت ملاحظة أن ذاك الشخص أنيق أو جميل أو بيته عصري ، تبدأ الشكوك و الردود الجاهزة المبطنة بأنني أتمناه أو معجبة به .

و إذا ما حكيت قصة متداولة عن طلاق أو فشل خطبة أو فراق حببين فمعناه أني شامتة مستمتعة بخيبات و مشاكل المرتبطين .

إذا ترمل رجل أو طلق أو هجرته زوجه على طول ينظر لي نظرة الطماعة التي ستقفز في مكانها الفارغ ، و الأغرب عندما يحاولن إقناعك بأن ما أنت فيه نعمة و رحمة و حظ تحسدين عليه و أن الزواج صعب و مسؤولية أنت لا و لن تقدري عليها مثلهن ، و أن الله أختارك لترعى أمك و أباك و استثناها هي لتنشغل عنهم بنفسها ، بل وصلت الوقاحة بأن ترى إحداهن أن بقائي رحمة لأولادها ﻷمسكهم لها عندما تمرض أو تنشغل عنهم

شقيقتي اتهمتني جهاراً بأنى قتلت زوج شقيقتي بحسدي و عيني لأنى فقط قلت يوماً ما بعيد بأنه يفهم المرأة ويعاملها باحترام و بأنى قتلت آخر فقط لأنى ذات يوم وصفت زوجته بأنها غيور و تغار من الفتيات الجميلات جداً ، بل اتهمتني بأني أحاول قتل زوجها بحسدي و قري عليها من النعمة ، مع أني لا أراها إلا إمرأة مريضة

منذ سنين و سنين طويلة لاحظت بل تأكدت من كره شقيقتي هذه لى بذات و بشكل مرضي أسوء مما قصصت عليكم و  لكنها اليوم و لسبب لا يخصها عبرت عن مشاعر كراهيتها لي وضربتني بشدة ، و حتى إنها ضربت رأسي بمقبض الباب مرات عدة قائلة : اليوم سأخرج فيك القديم و الجديد ، و عندما أخبرتها بأني سأهجرها ، قالت بحقد السنين : يا ريت سأكون سعيدة

أكتب و أنا أشعر برأسي يكويني من الجهة التي ضربتها في الباب ، و صفعاتها جعلت بصري يتشوش ، حقد دفين كنت أراه و أسمعه دائماً في تفاصيل صغيرة ، في شماتة و ابتسامة و انكسار عين و اصفرار وجه و تجاهل و قذف كلام جارح و إهانات خفية و إذلال و نشوة انتصار أمامي و لكني كنت أستمتع بأن أعذبها بوجودي كل ما تزورنا أمامها و أشعرها بأنني باقية ، و لكنها اليوم اعتدت علي بكل صفاقة

و بمناسبة عيد الأمهات فإن أمي كانت تتفرج و مستمتعة و بأن أمي طوال عمرها كانت تحقد على الفتيات العوانس و تشمت بهن و تقذفهن في عرضهن لسبب بسيط ، لأنها عندما كانت آنسة تعرضت لمثل هذا الاضطهاد بل أكثر منه ، و مع ذلك و بكل فخر أقول : نعم مازالت آنسة.

تاريخ النشر : 2019-04-05

guest
48 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى