تجارب ومواقف غريبة

ضيوف طيبون (3)

بقلم : محمد معمر – فلسطين-قطاع غزة
للتواصل : https://www.facebook.com/profile.php?id=100024244008809

رأيتهُ ينظرُ إلي.. وجهُ جميل.. شيخٌ وقور.. لحيةٌ بيضاء
رأيتهُ ينظرُ إلي.. وجهُ جميل.. شيخٌ وقور.. لحيةٌ بيضاء

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طابت مساءاتكم وصباحاتكم وتحيتي لجميعكم وبعد..
قبل خمس سنوات..مررتُ بتجربةٍ سفليّةٍ أسميتها (ضيوف طيبون) ، وقمت بنشرها على جزأين في هذا الموقع المحبب جدا إلى قلبي، ليس لأنه يتحدث عن مغامرات وأشياء جنونية…إلخ
بل لأنه ومن وجهة نظري تحفة ثقافية بكل المقاييس.. وليس هذا مقام مثل هذا المقال..

المهم أن تجربتي تلك عاودت الظهور بصورة مغايرة هذه المرة، وربما لأنني ومن فضل الله علي لدي قدرة على استقراء الأحداث بطريقتين ، تبين لي حقا أنهم ضيوف طيبون..وطيبون جدا..
حسنا ذكرت في الجزء الثاني من هذه القصة أنها انتهت بتلك الدائرة الغريبة التي لم تختفي آثارها حتى الآن !!
بالطبع اختفى الأثر بعد فترة طويلة لاحقاً ، وإلا لأصبحت مزاراً للسّياح..

لا عليكم..أحب المزاح حتى في مثل هذه الحكايا..

حسنا سأدخل في صلب الموضوع بلا مقدمات، أخبرتكم من قبل أني لا أجيدها..
بدأت الأحداث بالظهور منذ عام تقريبا أو أقل، تحديدا في تلك الساعة المتأخرة من تلك الليلة التي قررت فيها السهر بين قصائدي الكثيرة التي أردتُ لملمتها في قالب واحد من جديد ، بمعنى مراجعتها وتدقيقها..إلخ
ما حدث أنني وبعد سهري الطويل هذا غفوتُ قليلاً قبل صلاة الفجر بقليل، وضاعت مني ولأول مرة في حياتي الطويلة صلاة الفجر حاضراً في جماعة..
تعلمون؟!!
لقد سمعت صوت الأذان وردّدتُه خلف المؤذن، ولكن الوسواس الغبي الذي يأتي كلاًّ منّا في هذه الساعة بدأ حواره معي:
لا عليك، أرح جسمك قليلاً، أنت مستيقظ لا بأس، أغمض عينيك ونم بعض الوقت، هناك متّسع من الوقت، النوم جميل، الدّفءُ أجمل…إلخ من هذه السخافات الوسواسية الحمقاء..
المهم أنني استسلمتُ لقرين السوءِ نفسي وذهبتُ في النوم!!

كنتُ أديرُ ظهري لحائط الغرفة ونائم على جانبي الأيسر.. وفي غمرة استسلامي تلك ، حدث شيءٌ لم أفهمه!!
لقد شعرتُ بيدٍ تمسحُ على كتفي الأيمن، أو أنها ضربت عليه ضرباً خفيفاً، أو شيء من هذا القبيل، وكأن أحداً ما يربّتُ على كتفي.. شيءٌ مثل ريحٍ خفيف يضربُ وجهكَ على سبيل المثال..لن أستطيع وصفه لكم صدقوني..المهم أنني أحسستُ به..
ومع ذلك لم أُعِرهُ انتباهي!!

أكملتُ نومي بكل وداعة الأطفال الحمقى، لكن ليس هذا بغريب.. الغريب والأجمل هو ما أحسستُ به ورأيتهُ عندما استيقظت..
استيقظتُ كعادتي فاتحاُ نصف عيني.. واعتدلتُ لأسندَ ظهري على الحائطِ قليلاً قبل النهوض..
لم أستطع وضع ظهري على الحائط!!
لقد أحسستُ بثِقَلٍ قويٍّ فوق كتفي الأيمن..ثقلٌ صاحبَهٌ ألمُ رجلٍ تمَّ ضربه بالحديد على كتفيه.. وتحديداً في مكانِ تلكَ المسحة التي حدثتكم عنها قبل قليل!!
للحظات، اعتقدتُ أن النوم هو سبب الألم كما يحدثُ مع البعض ، لكن فكّرتُ أن أنظرَ إلى مكان الألم..
وفعلاً نظرت ، ومن الجيد أنني فعلت ، فقد بدأ الجمالُ في حينها..
أقصد جمال تهوّري الخاص …………..

نظرتُ لأجدَ خطّاً أحمراً ممزوجاً بالأزرقِ يستلقي بكل سعادةٍ فوق كتفي..
وااااااااااااو… ما هذا؟!!
إليكم ما جال بخاطري… ربما أنني ضربتُ نفسي في شيء وأنا نائم، ربما حشرة، أو ربما حاول أحدهم أن يتلاعب بي أثناء نومي!!
مهلاً… ليس شيئاً مما سبق.. فأنا لا ولم ولن أتوهم في حياتي شيئاً على الإطلاق..
إنهُ أثر تلكَ التربيتة الحنونة!!
لكن ما هذا التناقض؟!!، كيف شعرتُ بحنان وخفة هذه الضربة في حينها والآن أشعر بألم عنيف على إثرها؟!!.. حسناً سأكمل يومي وأنطلق إلى عملي وأنسى الأمر.. لكن وإن تكرر هذا الموقف فلن أسمح لهذا الشيء أن يفعل فعلته هذه ويمضي هكذا…
سنرى…

حلّ الليلُ بعتمته الجميلة التي تزينها نجمات المساء القليلة في السماء.. وبدأتُ مغامراتي الليلية كعادتي.. تصفّحُ وقراءة وكتابة وتأمل ..الخ
ما أجمل هذه العادات الليلية الرائعة…
انتظروا!!
هذا ما أفعله كل ليلة ولم أفعله في هذه الليلة!!
ما فعلته هو أنني جلستُ في فراشي أفكر فيما حدث معي في الليلة السابقة، وتفكيري كله كان في شيءٍ واحدٍ فقط… من الذي فعلها معي؟!.. لا بأس ، سأنام الآن وسأعرف..
وناداني السلطان (النوم) ، وذهبتُ إليه ، وشقّ صوتُ أذان الفجرِ جنبات الليل معلناً انتهاءه..
وسمعته، ورددّتُ خلفهُ كل كلمة ، وتكرر الوسواس ، واستسلمتُ له بغباء.. وأدرتُ ظهري للحائطِ ونمت على جانبي الأيسر متعمّداً.. وجاءت اللحظة.. وشعرتُ بحنان تلك المسحة ، وبدون تردد..أدرتُ وجهي بسرعة للجهة اليمنى، ونظرتُ إلى الحائط.. ورأيتُهْ… رأيتهُ ينظرُ إلي.. أجل.. رأيتهُ ينظرُ إلي..

وجهُ جميل.. شيخٌ وقور.. لحيةٌ بيضاء.. عمامةُ لن أقدر على وصفها.. ابتسامةٌ عريضة..تأخذُ بالنّفسِ إلى…… لا أعلم إلى أين..
وجهٌ فقط…. وجهٌ في الحائط!!!
بمجرّدِ أن نظرتُ إليه قال لي: (قم صلِّ في المسجد)!!!!!
لقد تكلم!!..هو تكلّم وأنا فرحت.. لم أكن أحلم على الإطلاق.. ابْتَسَمْتْ.. أردتُ شكره.. لم أشعر أبداً بالخوف.. لقد شعرتُ براحةٍ غريبة.. قلتً لهُ: شـُكْـ……
لم أكملها… لقد اختفى!!

انتفضتُ من فراشي.. توضّأت ، ذهبتُ للصلاة ، وصليّتُ وعُدتْ.. عدتُ إلى فراشي وأنا لا أعلم أبدا بماذا أشعر، ولا حتى بماذا أفكر.. الوجه… الوجهُ لم يفارق عقلي..
ونمتْ…
وبالطبع عندما استيقظت ، لم أجد أمامي سوى أمي الحنونة لأخبرها بالأمر ، فقد سبق وأخبرتكم أنني لا أحدث غيرها عن هذه الأمور.. لقد ورثتُ منها حب القراءة وعدم الخوف من أي شيء ، أو أي أحد على الإطلاق.. فعلى حد قولها.. كلنا مخلوقات خلقنا الله عز وجل ، ولا سلطة لمخلوق على مخلوق ، السلطة فقط للخالق على خلقه.. ما أجمل عبارة أمي هذه…

المهم أخبرتها بما جرى ، وأجابتني بقولها : ( الله أعلم بهذا الأمر يا ولدي، لن أقول لك هذا ملكٌ كريم ، ولا حتى جني مسلم ، لكن “وما يعلم جنود ربك إلا هو” لعل الله قوّض لك مخلوقا من خلقهِ ينبهكَ حين غفلتك.. أنت لم تترك يوما صلاة الفجر في جماعة.. وحين فكرتَ في تركها باتّباعك لوسواسك ظهرَ لكَ من ينقذك من غفلتك، تفاءل خيراً يا بنيّ)..

بصراحة أقنعني تحليلها، أنا دائماً أؤمن بما تخبرني به هذه التي جنّتي تحت قدميها..
لكن سألتُها.. (أمي هل تذكرينَ عندما أخبرتكِ ذاتَ مرةٍ أنني أتمنى أن يكون لي صديق من عالم الجن؟ ، ليس ليطيعني ولا ليغنيني ولا شيء من هذه التّرهات ، بل ليعرفني إلى عالمهم.. يعلمني لغتهم.. أقرأ بعضاُ من علومهم ، لا أعلم.. المهم أن نكون أصدقاء.. ترى هل هذه بوادر صداقة يا أمي العزيزة؟)

الإجابة بالطبع كانت شيئاً ما يجري خلفي.. ومن الجيد أنه لم يصبني في رأسي ههه فلقد هربتُ بسرعة فاقت سرعة الضوءحينها..احم
لكن بكل صدق ، لا زلتُ أتمنى هذا الشيء..
المهم يا أحبتي أنني منذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة، كلما ساورني مجرد التفكير بوسواسي اللعين أو حتى الاستماع إليه ، أشعرُ بتلك المسحة الحنونة والرائعة.. وأقوم للصلاة دون أن أشعر بأي ألم بعدها.. ولكن..
دون رؤية ذلك الوجه الوقور..
الوجهُ الذي كم أتمنى رؤيته مجدداً ..
ولو لمرةٍ واحدة في العمر!!

..انتهى..

تاريخ النشر : 2019-04-18

guest
41 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى