أدب الرعب والعام

طفلة في سِن الثلاثين

بقلم : The Black Writer – الأردن

وضع إحسان يده تحت ذقنه وأخذ يتأمل وجه سمية الخجول

 سيبقى الخير والشر عيوناً لنا حتى الموت.

31 مارس ، الحادية عشر ليلاً.

آآآه ، حسناً.

كُلُ ما في الأمر أن الفتاة العانس والتي تجاوزت الواحد والثلاثون عاماً قد استسلمت وتعبت و أُرهقت ، تَمَزقتْ روحها و تَشظَت ، لذلك  قررت الهروب يومَ غدٍ و قتل نفسي !.

– أمي العزيزة دموعك في كل ليلة أرهقتني ، ومحاولاتك البائسة لإيجاد “عريسٍ” لي قتلت في نفسي حب الحياة ، أنا لست مصابة بالحسد وعمتي “هدى” لم تصنع “حِجابَ سحرٍ” لي ، كل ما في الأمر أنني قبيحة ، قبيحة للغاية ،  أعلم أنك مللت وأنا أيضاً مللت ، ماذا أفعل إن كان نصيبي أن أُخلقَ بوجه قبيح.

– أخي العزيز دائماً ما تقولُ لي وأنا أضع بعض مساحيق التجميل على وجهي “لا يُصلحُ المكياج ما أفسده الدهر” وتضحك مزاحك ثقيل يا أخي ، أعلم أني قبيحة وأعلم أن مساحيق التجميل لن تُسْمنَ ولن تُغني ، لكن ربما لو كذبت علي وقلت لي ” أَنتِ جميلة ” ربما لشعرت ببعض السعادة ، يا أخي الكلمة الطيبة أفضل من مزاحك الثقيل.

أمي العزيزة وأخي ، لقد قادني كلام الناس إلى اليأس والجنون ، تَعَفَّنت روحي من نظرات الشفقة التي ترميني بها النساء ، نظراتهم و همساتهم عني  ، حتى في أحلامي ، حتى في أحلامي أسمع صوتهن يتكلمن عني ، مسكينة هذه الفتاة ، من المستحيل أن تتزوج ، انتهت حياتها وفاتها قطار الزواج ، عانس ، عانس ، عانس ، ماذا أفعل إن كان الزواج مُرتبط بالجمال ؟.

على كل حال أنا لا ألوم أحداً منكم ولكني أردتُ  أن تعلموا أنني هاربة إلى أبي ، فأنا بحاجة له ، ستجدون جثتي في ذلك المبنى المهجور خلف المدرسة الابتدائية ، أَخذتُ مسدس أبي ، سَأُطلق رصاصة على رأسي وسأُنهي معاناتي ومعاناتكم ، يكفي أنني لن أَسمعَ كلمة “عانس” بعد الآن وسأُنسى وكأنني لم أُخلق.

أبنتكم المدللة سمية.

1

١ أبريل  ، الثانية عشر ظهراً.

لأول وَهلةٍ ظَنَّ أنه في بيته ، جلس على السرير و تلفت حوله ، بجانبه كانت تغفو “مي” و يدها مقيدة بالسرير ، أبتسم إحسان و أقترب منها ، قَبَّلَ خَدَّها وقال لها :

– أيتها الحمقاء ، لماذا لم تُحرري يَدَكِ من القيد ؟.

تململت مي والتفتت إلى إحسان، قالت بمكر :

– لم تأمرني بذلك !.

أطلق إحسان سيلاً من الشتائم ثم نهض من السرير ، استدار نحوها و حرر يدها .

كانت يدها مُدماه من أثر الحبال ، توجه إلى الحمام وغسل وجهه ثم فتح الخزانة الصغيرة الموضوعة فوق مغسلة الحمام ، أخرج منها بعض “القطن ، الشاش و علبة معقم للجروح”  ثم  عاد إلى غرفة النوم.

جلس بجانبها وأمسك يدها ، وضع بضع قطرات من “معقم الجروح” على القطن وأخذ يمسح يدها ، تأوهت مي وضحكت ، صفعها إحسان على وجهها وقال لها آمراً :

– اخرسي.

لف الشاش على يدها ثم قَبَلَّها و قال :

– متى سيعود زوجك ؟.

تبَرَّمَ وجه مي وقالت :

– سيصل الليلة.

نهض إحسان وتناول ملابسه الملقاة على الأرض ، ارتداها وهو يقول مُحذراً :

– إياك النوم معه ، سأراكِ غداً في بيتي.

أخرج من محفظته بعض المال و وضعه على الطاولة الصغيرة بجانب السرير.

– اذهبي للطبيبة حتى تُعالجي كدمات جسدك ، وإذا احتجت لأي شيء أتصلي بي .

نهضت مي من السرير ، اقتربت منه وهمست :

– أنا لا أريد سواك ، مولاي ، ثم طبعت قُبلَةً على خده ، أردفت : سأتيك بالقهوة حالاً.

2

الساعة الثانية وعشرة دقائق بعد الظهر.

مُتَرَددة وخائفة ، قَدَمٌ إلى الأمام وقَدَمً إلى الخلف ، تَتَلَفْتُ حولها ، لا أَحَدَ هُنا سوى الشمس و بعضُ الحجارة ، أمامها بقايا لِمَبنى كان سابقاً عمارة مأهولة بالسكان ، ومن خلفها تسمع صراخ الأطفال وضحكاتهم آتية من المدرسة الابتدائية.

أَخَذَت نفساً عميقاً وتابعت سَيْرها متجاوزة الحجارة التي سَبَّبها سقوط المبنى سابقاً.

وقفت أمام المدخل ، ألقت نظرة عابرة حولها ، ما زالت مُترددة وخائفة ، مَرةً أُخرى أخذت نفساً عميقاً ، مَشَت قليلاً للأمام ، تجاهلت بقايا الدَرَجْ الذي يصعد للأعلى ، هبطت الدرج الذي يؤدي إلى الشقة السفلية “التسوية”  أو بالأحرى التي كانت سابقاً شقة ، فالآن صارت أقرب إلى “خرابة” تُحيطها الحجارة من كل جانب وعلى الأرض أعقاب سجائر ، مَلابسُ نساءٍ داخلية ، إبر وملاعق ، زجاجات خمر رخيصة ، خَرابُ عمران يُستخدم لخرابِ الأنفس.

ذُهلت سمية مما رأت وتخيلت الأشخاص الذين يأتون إلى هنا للممارسة الجنس أو لتعاطي الخمر و المخدرات.

أمسكت حقيبتها و وضعتها على الأرض ، تنهدت ثم فتحت الحقيبة ، مدت يدها المرتعشة وأخرجت المسدس ، شعرت بثقله ، خطر في بالها أن المسدس قد زاد وزنه ، أو ربما الخوف جعلها تتخيل ذلك.

– ماذا تفعلين هنا أيتها الحمقاء ؟ .

ارتعبت سمية و استدارت إلى الخلف ، رفعت مسدسها نحو الرجل الواقف أمامها ، خُيِّلَ لها أنه جاء هنا ليتعاطى الخمر أو المخدرات .

قالت بصوت مرتعش و يَدٍ ترتجف :

– ابتعد من هنا .

لاحظ الرجل ارتباكها وخوفها ، تراجع إلى الخلف قليلاً وقال :

– أهدئي وأخفضي المسدس ، لن أؤذيكِ ، أعدك بذلك.

– قلت لك ابتعد ، أخرج من هنا .

تنهد الرجل وقال :

– لن أخرج قبل أن نتحدث ، كل ما أريده هو الحديث معك ، سأجلس هنا ، خلع الرجل قميصه و وضعه على الأرض ثم جلس عليه.

– أيها الأحمق ماذا تُريد مني ؟ قالت سمية متعجبة.

– حسناً أهدئي الآن ، أخفضي المسدس ودعينا نتحدث قليلاً ، لماذا تُريدينَ قتل نفسك ؟.

أجابت سمية بغضب :

– وما شأنك أيها الأحمق؟.

– اسمعي يا اممم ، ما أسمك ؟

– لا شأن لك .

– حسناً لا بأس ، أنا أُدعى إحسان ، أتيت من أجلك. نهض إحسان ، أمسك قميصه وأخذ يَنْفِضُ  عنه التراب .

– ماذا تُريد مني ؟ قالت سمية.

ارتدى إحسان قميصه وقال وهو يقترب منها :

سنتحدث ولكن ليس هنا .

صرخت به :

– لا تقترب وإلا أطلقت عليك الرصاص.

لم يكترث لها إحسان ، اقترب منها حتى أمسك يدها وأخذ المسدس منها ، لم تُبدي سمية أية مقاومة ، منعها الخوف من ذلك ، تناول إحسان حقيبتها من الأرض وأخفى المسدس داخلها ، أعطاها الحقيبة وقال :

– من نظرة عينيك علمت أنكِ فتاة رقيقة لا يمكنها أن تؤذي نملة.

ثم أمسك يدها وأردف :

يوجد مطعم قريب من هنا ، سنأكل ونتحدث ، هيا بنا.

شعرت سمية بنفسها كطفلة صغيرة أمسكتها أمها تلعب بعيدان الكبريت ، تبعته صامتة جامدة .

خرج الاثنان من العمارة يرافقهما الصمت ، توقفت سمية عن السير ، قالت وقد دمعت عينيها :

– تلك سيارتي ، لا يمكنني تركها هنا.

ضحك إحسان وقال :

– أنا في السادسة والثلاثين وأخاف قيادة السيارات ومع ذلك لم أنتحر .

أخرج إحسان من جيبه “منديلاً” وناولها إياه ، أخذته سمية ثم توجها نحو السيارة وركباها.

3

الساعة الثالثة والنصف مساءً.

كَيفَ لامرأة غريبة كانت فيما مضى لا يَهمُكَ أمرها بل ربما لو رأيتها مارةً بجانبك لما أعرتها انتباهك ثم يَحدُثُ بينكما لِقاءٌ وتعارف ، ينبض قلبك ويتعلق بها ، تَدِّبُ الغيرة في نفسك وتصير المرأة محور كونك واهتمامك، ومع استمرار الحب بينكما تغدو تلك المرأة التي كانت فيما مضى غريبة  قطعة من روحك !.

– هل أَعجبكِ المطعم ؟ قال إحسان وهو ينظر إلى سمية.

– أجل ، شكراً لك.

ألا تُريدين إخباري بإسمك ؟.

– سمية ، إسمي سمية.

ابتسم إحسان وتناول “قائمة الطعام” من الطاولة ، لم يستطع نُطقَ أسماء الطعام الغريبة ، أعاد القائمة إلى الطاولة و نادى النادل.

– اسمحي لي بطلب الطعام على ذوقي ، الصراحة لَستُ معتاداً على تناول الطعام خارج البيت ، هذه أول مرة أجلس فيها مع أنثى داخل مطعم.

طَربَ قَلبُ سمية لسماعها كلمة أنثى ، كادت أن تنسى لفرط يأسها أنها أنثى ، أنثى لها مشاعرها وأحلامها ، أنثى تحتاج إلى رجل، تحتاج إلى حضن دافئ يحتويها.

قالت بخجل :

– صراحةً أنا أيضاً ، هذه أول مرة أجلس فيها مع رجل غريب ، أشعر بأني حمقاء تدعو للشفقة.

جاء النادل وأخذ يتحدث مع إحسان بينما أخذت سمية تتمعن في ملامحه ، لاحظت اختلاف لون عينيه ، عينه اليمنى خضراء و عينه اليسرى  عسلية ، شَعرٌ كستنائي ، ذقن منمق ، وجه أبيض و وسيم ، ابتسامة رائعة ، صوت مفعم بالرجولة.

– هل تُريدين شيئاً مُعينْ ؟ قال إحسان .

عادت سمية من شُرودها و قالت :

– لا ، شكراً.

انصرفَ النادل لإحضار الطعام ، تنهد إحسان تعبيراً عن ارتياحه ، أرخى جسده وقال :

– حسناً يا سمية ، لماذا كُنتِ تُريدين قتل نفسك ؟.

أَخفضت رأسها خجلاً ، تَمَكَّنَ الارتباك منها ، شعرت بأنها تجلس داخل عُلبةِ كبريت ، دمعت عينيها وثَقُلَ لسانها ، قالت وهي تعتصر طرف الطاولة بيديها :

– أنا أسفة ، لا أعلم كيف استجبت لك و رافقتك إلى هنا ، أنا أسفة ، سأغادر الآن .

وقفت سمية تلملم شتات نفسها ، همت بالمغادرة لولا أن قال لها إحسان :

– سمية ، أهدئي ، لا يمكنني تركك هكذا ،  أنتِ بحاجة للحديث مع أي شخص وأنا هنا لأستمع إليك ، نحن لا نعرف بعضنا البعض وهذا سيسهل الحديث عليك ، بالنهاية أنا غريب وسنفترق بعد حديثنا ، لن تكوني مُحرجةً أمامي ولن أكون مُحرجاً أمامك ، هل فهمتِ ؟

هزت سمية رأسها وعادت للجلوس ، قالت بصوت خافت :

– أردت الانتحار لأنني قبيحة.

– ولكنك جميلة.

نظرت سمية إلى إحسان و قد احمَرَّت عينيها من الدموع ، قالت بِصوتٍ تَخنُقهُ الدمعات :

– أنا قبيحة ، أعلم ذلك ، لا داعي لمجاملتي ، لو كنتُ أمتلك بعض ملامح الجمال لما سَمعتُ كلمة عانس ، لما تجاوزتُ الثلاثين ولم يطرق باب بيتنا أحدٌ من الخُطاب.

أَخفضت رأسها مرة أخرى وأخذت تُحاول إيقاف دموعها الحارقة.

لم يَعلم إحسان ما الذي عليه فعله لمواساتها ؟ أيحتضنها ؟ أَيُقبِّلُها ؟ أيبكي معها ؟ ماذا يقولُ لها ؟ أيتجاهل كلامها ويُحدثها عن نفسه عَلَّها تنسى ما بها ؟

حَلَّ الصمت الثقيل عليهما وكُلٌ منهما غرق في أفكاره.

جاء النادل يحمل أطباق الطعام ، أخذ يضعها على الطاولة ، وبعد أن انتهى النادل من وضع الأطباق قال :

– هل ترغبون بإحضار شيء آخر ؟.

– لا شكراً لك ، قال احسان ثم وقف واستدار نحو سمية ، جلس بجانبها ، أخرج من جيبه منديلاً وقال :

– لم يَبقَ معي سوى هذا المنديل ، يَكفيكِ بُكاءً.

أخذت سمية المنديل ومسحت دموعها وأنفها ، ابتسم إحسان وقال :

بَكيتِ كثيراً هذا اليوم ، لا أعلم كيف استطعتِ قيادة السيارة وأنت تبكين ، أنتِ امرأةٌ خارقة !.

ابتسمت سمية بينما أردف إحسان قائلاً :

– أتعلمين يا سمية ! نحن الرجال لا نستحقكم ، شاهدتُ مرة فيلماً وثائقي يحكي عن حياة نوع من العناكب اسمه “الأرملة السوداء” ، عندما يتم التزاوج في هذا النوع تأكل الأنثى زوجها ، هل تتخيلين ذلك ! العنكبوت الأنثى تأكل ذكرها ! ومع أن ذكر العنكبوت يَعلم أن زوجته ستأكله فإنه يُقدِم على الزواج منها وذلك من أجل قضاء بعض الوقت معها.

والرجل فينا قبل الزواج يَضَعُ ألف شَرطٍ لاختيار زوجةٍ له وبعد سنة أو سنتين من الزواج تجدينه يشكو من زوجته ! بَدَلَ أن يَشكر الله على أنها لم تأكله.

ضحكت سمية وضحك إحسان لضحكها ، قال بتودد :

ضحكتكِ جميلة .

خجلت سمية من مديحه ، لم تعلم بماذا تجيب ، لأول مرةٍ تَسمعُ كلام غَزلٍ من رجل.

أمسك إحسان ” قطعة َبطاطا مقلية ” وقال لسمية :

– افتحي فمك ! هيا، لا تخجلي .

ارتعشَ قلبُ سمية وارتجفَ جسدها خجلاً ، احمرَّ وجهها أكثر وزادت حرارته ، كطفلة صغيرة أطاعته ، فتحت فمها والتقطت قطعة البطاطا من يده.

– والآن هل ستأكلين بنفسك أم أطعمك بنفسي ؟.

ضحكت سمية وقالت :

– لا ، سأكل بنفسي ، ولكني بحاجة لأن أغسل وجهي ، أخذت سمية حقيبتها وتوجهت إلى حمام السيدات.

4

” النساء لا يَكْبُرنَ أبداً “.

مرت ستة عشر دقيقة على غياب سمية ، اتكأ إحسان على الطاولة و خطر في باله تلك العجوز المتسولة التي كانت تجلس في الشارع المجاور لبيتهم وتطلب الصدقات من الناس ، وفي كل حين كانت تُخرج من صدرها “مشطا ً” ،تمشط شعرها بعناية ثم تُخفي المشط وتعود لصراخها في المارة ” لله يا مُحسنين “.

عادت سمية بعد مضي عشرون دقيقة على ذهابها إلى الحمام و قد وضعت على وجهها بعض الكحل وأحمر الشفاه ، عَلَّقت حقيبتها على ظهر الكرسي وجلست وهي تقول :

– أسفة ، تأخرت عليك.

أجاب إحسان مبتسماً :

– لا ، إطلاقاً ، لنأكل الآن.

– إحسان لم تقل لي ، ماذا كنت تفعل بذلك المكان ؟ وكيف عرفت أنني أردت قتل نفسي ؟.

ضحك إحسان و قال ممازحاً :

– أنا رجل قادم من المستقبل.

–  أها مثل “جون تيتور” !.

– مــن هذا ؟.

قالت سمية وهي تَقْضِمُ قطعة خيار :

– شخص وهمي ادَّعى أنه قادم من المستقبل.

تنهد إحسان ، مسح يديه وفمه ، ارْتَدَتْ ملامحه قناع الجدية ، قال هامساً :

– الحقيقة أنني حلمت بك ، حلمت بك تقفين داخل ذلك المبنى المهجور وعلى رأسك تاج من ذهب ، وحينما اقتربت منك خَلعتِ التاج عن رأسك و وضعتيه على رأسي ، بعد ذلك جَلستُ على ركبتاي وَقَبَّلْتُ يدك.

صمت إحسان قليلاً ثم قال :

– هل تعلمين معنى ذلك ؟.

هزت سمية رأسها بلا ، بينما أردف إحسان قائلاً :

– معنى ذلك أنكِ الزوجة المناسبة لي والتي طالما حلمت بها وتمنيتها.

تصاعدت الدماء مرة أخرى على وجه سمية ، أصابها الجمود مما سمعت ، ارتبكت و انعقد لسانها ، تجمد عقلها عن التفكير وتوقف الزمن.

– سمية ، أعدك بأن أنسيك مرارة الماضي ، سأحافظ عليك هنا في قلبي ، سأجعلك أميرتي وَسَأُفني حياتي لأجلك ، سمية ! هل تقبلين الزواج بي ؟

تصاعدت حرارة جسدها أكثر و اشتعل ، شعرت بوجهها يحترق خجلاً ، العرق ملأ جسدها ، تأتأت ومأمأت ، أخذت نفساً عميقاً ثم وقفت وتوجهت مسرعة نحو حمام السيدات.

نادى إحسان النادل و طلب منه إزالة الأطباق وإحضار ورقة وقلم.

5

كانت سمية تقف أمام مرآة الحمام وهي تُخفي وجهها بين يديها ، جسدها يرتجف من فرط الخوف والسعادة ، أخذت نفساً عميقاً من أنفها وأخرجته من فمها ، هدأت قليلاً ، غسلت وجهها ثم جففته .

نظرت إلى نفسها في المرآة وقالت :

– ما بك أيتها الغبية ؟ الأمر طبيعي ، لماذا كل هذا الخجل والارتباك ؟ ماذا يعني أن يطلب شاب وسيمٌ وأنيق يَدكِ للزواج ؟ هذا أمر طبيعي لفتاة جميلة ومثقفة ، أهدأي .

أرادت تعديل مكياج وجهها ، بحثت عن حقيبتها ثم تذكرت أنها نسيتها ، لا بأس ، لا بأس ، أنتِ جميلة ، أنتِ جميلة ، سَتَخرُجينَ الآن وتجلسي بكل هدوء ، سيُعيدُ عرض الزواج عليك وستقولين له أنك بحاجة لبعض الوقت لتتعرفي عليه ، حسناً .

لَملَمت سمية شتات نفسها ، أخذت نفساً عميقاً وخرجت من الحمام وهي تقول : أنتِ جميلة ، أنتِ جميلة و واثقة من نفسك.

عندما رآها إحسان قادمة نحوه ابتسم ، طوى الورقة و نادى النادل مرة أخرى ، أرجع له القلم وقال :

– أحضر لي فنجان قهوة دون سكر.

جلست سمية ، نظر لها إحسان وأردف :

– وأحضر لها كأس ليمون منعش.

– والآن يا سمية ، هل تقبلين الزواج بي ؟.

اعتصرت طرف الطاولة بيديها ، أخفضت رأسها خجلاً وقالت بصوت خافت :

– أحتاج بعض الوقت للتفكير.

قال إحسان :

– حسناً ، هذا حقك ، ولكن أرفعي رأسك ، أريد رؤية عينيك.

جاء النادل و هو يحمل بين يديه ما طلبه إحسان ، وضع المشروبات على الطاولة وانصرف .

رفعت سمية رأسها وارتشفت من عصير الليمون ، بينما وضع إحسان يده تحت ذقنه وأخذ يتأمل وجه سمية الخجول.

– سمية ، أنتِ فعلاً جميلة و رقيقة ، كتبت لك هذه الرسالة ، قدم لها الورقة المطوية وأردف :

ضعيها في حقيبتك و أقرأيها وحدك في الليل ، كتبت لك أيضاً في الورقة اسمي وعنوان سكني و عملي و رقم هاتفي أيضاً ، سأنتظر اتصالك لتخبريني باليوم المناسب لأقابل فيه أهلك.

أخذت سمية الورقة منه وأخفتها داخل حقيبتها ، أخذت رشفة من العصير و قالت :

– سأخبرهم اليوم عنك .

نظر إحسان إلى ساعة يده و قال :

– أووه الساعة الآن السادسة مساء ، مضى الوقت معك سريعاً ، أنا أسف و لكن علي المغادرة الآن ، سيصل صديقي الليلة من سفره ، علي إحضاره من المطار.

– لا بأس وأنا أيضاً تأخرت عن البيت.

أشار إحسان بيده إلى النادل وطلب منه إحضار “الفاتورة” ، أخرج إحسان المال من محفظته وناوله للنادل .

ثم خرج برفقة سمية حتى وصلا سيارتها ، ودعها بابتسامة لطيفة وقال لها : سأنتظر اتصالك.

انطلقت سمية بالسيارة نحو بيتها بينما أوقف إحسان سيارة أجرة وتوجه إلى بيته.

6

لك الحرية في اختيار النهاية المناسبة إما الخير وإما الشر..

الساعة السابعة والنصف مساء.

دلفت سمية إلى الشقة و قلبها يرقص فرحا ً، احتضنت أمها التي كانت تجلس في الصالة وقالت لها :

– أمي ، أحبك ، أحبك ، أحبك ، أحبك.

ضحكت أمها و قالت :

– “خير إن شاء الله” ، بالتأكيد هناك عريس .

هزت سمية رأسها و قالت : أجل.

احتضنت الأم سمية وأخذت تُقَبِلُها ، أطلقت زغرودة هزت جدران المنزل و رؤوس الجيران.

– ها ، قولِ لي ، من هو هذا العريس ؟.

– سأقولُ لكِ يا أمي فيما بعد.

توجهت سمية إلى غرفتها ، أخرجت مسدس أبيها وأخفته تحت سريرها ثم أخرجت الورقة التي كتبها إحسان ، جلست على سريرها واحتضنت الورقة ، قبلتها مئة قُبلة ثم فتحتها وقرأت :

– اليوم تعطلت سيارتي بالقرب من المبنى المهجور ، لذلك اتصلت بصديقي و طلبت منه أن يأتي لسحب سيارتي ، وقبل أن أركب معه ، لاحظت توقف سيارتك بجانب ذلك المبنى ، في البداية اعتقدت أنك تبحثين عن مكان خال لقضاء حاجة ، ، ثم رأيتك تتلفتين حولك وأنت مترددة وخائفة لدرجة أنك لم تلحظي وجودنا ، لذلك طلبت من صديقي الذهاب وحده ولحقت بك ، وجرى بيننا ما جرى.

سمية ، أنا لم أحلم بك من قبل و لقاءنا كان محض صدفة ، خجلت من قول الحقيقة لك ، خجلت من خجلك ، لأول مرة أتحدث مع فتاة تحمل روحاً نقية شفافة كأرواح الأطفال ، اليوم تأكدت أنني كنت أعيش وسط قمامة من العاهرات ، أنا رجل عاشر الكثير من النساء وارتكب بحق أصدقائه أفظع الخيانات ، أنا رجل مريض ، رجل ارتيابي ، أشك في كل من حولي و هذا الذي منعني من الزواج إلى الآن.

ولكني اكتشفت اليوم أنك الوحيدة القادرة على ترميم روحي من جديد ، ببراءتك وطيبة قلبك وَرِّقَتِك وابتسامتك وصوتك ، كل ما أريده بدء حياة جديدة معك ، سأرمي كل ما مضى من حياتي خلفي وأعدك إن وافقت على الزواج مني ، أن تكونِ أنت السيدة الوحيدة في حياتي ، سأنتظر ردك بفارغ الصبر.

 

**** نهــايـة أخـرى ****

 

– توجهت سمية إلى غرفتها ، أخرجت مسدس أبيها وأخفته تحت سريرها ثم أخرجت الورقة التي كتبها إحسان ، جلست على سريرها واحتضنت الورقة ، قبلتها مئة قبلة ثم فتحتها و قرأت :

– اليوم تعطلت سيارتي بالقرب من المبنى المهجور ، لذلك اتصلت بصديقي و طلبت منه أن يأتي لسحب سيارتي ، وقبل أن أركب معه ، لاحظت توقف سيارتك بجانب ذلك المبنى ، في البداية اعتقدت أنك تبحثين عن مكان خال لقضاء حاجة ، ، ثم رأيتك تتلفتين حولك وأنت مترددة وخائفة ، لذلك طلبت من صديقي الذهاب وحده ولحقت بك ، وجرى بيننا ما جرى.

سمية لو لم ألقاكِ اليوم لقتلني الملل ، استمتعتُ كثيراً بالحديث معك ِواستمتعت أكثر بالكذب عليك. على كل حال أرجو أن تجدي فارس أحلامك في المستقبل وإن كان هذا مستحيلاً فأنتِ تعلمين السبب.

أما بالنسبة للحديث الذي جری بيننا اليوم فقد كان مزاحا ًلقتل الملل ، اليوم هو 1 أبريل وكل عام وأنتِ بخير.

 

النهاية ……

 

مصادر :

https://ar.m.wikipedia.org/wiki/كذبة_أبريل

https://ar.m.wikipedia.org/wiki/جون_تيتور

https://www.google.com/amp/s/www.universemagic.com/amphtml/why-black-widow-spider-kill-her-husband_8418.html

تاريخ النشر : 2019-04-21

The Black Writer

الأردن
guest
27 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى