أدب الرعب والعام

الخطّة القاتلة

بقلم : سارة عيسى – سوريا

لم تحسّ إلّا على يديه تفلتانها وترميانها في الهواء، لتتهاوى نحو الأرض،
لم تحسّ إلّا على يديه تفلتانها وترميانها في الهواء، لتتهاوى نحو الأرض،

تختلج فينا مشاعر الحزن والغضب والكره عندما يرى الإنسان الخيانة أمام ناظريه وتذوب في أذنيه الألحان الشجيّة لتصبح لحناً سوداويّاً ممزوجاً بعزف الخيانة وسيمفونية الألم . هذه المشاعر التي اجتاحت بطلتنا ” ليان” و التي كمّمت فاهها بيديها بعد أن عرِفت خيانة زوجها… ولكن كيف حدث كلّ شيء ؟

 

منذ بدايةِ زواجهما، كانت تشعر برقّته وعطفه عليها . فقد كانت يتيمة الأبوين ولا تملك إخوة ولا أقارب . هذا الشاب يدعى ” زيد”، وهو موظّف في إحدى شركات الإتّصال . تعرّفت عليه عندما كان يوقّع لها على إحدى المعاملات . جذبتها إليه نظراته السّاحرة . وذاب قلبها على ضحكته الفاتنة . فصارت تأتي كلّ يوم وتقف على باب الشركة كي تراه . كان يبتسم لها . فكانت تقول في قلبها حينها : « هل يبادلني هذا الشعور ؟ » لقد كانت فتاة ساذجة، تبحث عن الحبّ بأية وسيلة. ربّما لأنّها فقدت جميع أناسها . وبالفعل، في إحدى المرّات، تقدّم منها ودعاها إلى مقهى قريب من الشركة…. 

 

ذهبت معه، جلسا، تحدّثا، وفي نهاية اللّقاء، اعترف لها بحبّه ممّا شجّعها هي الأخرى على الإعتراف بحبّها له . خطبها، تقدّم لها، وتزوّجها . في بداية زواجهما، كانت الأيّام سعيدة جداً، كأنّهما يعيشان في ألف ليلة وليلة . مرّت خمس سنين على زواجها ولكن لاحظت ليان تغيّر زوجها عليها . فمنذ ثلاثة أشهر، وهو كثير الغياب عن المنزل بحجّة أن لديه مناوبات وأعمال كثيرة . وفي تلك اللّيلة المشؤومة، وصلها إتصال من شخص مجهول . كان صوت فتاة على صوت طفل . لم تفهم مزيج الأصوات التي كانت تحادثها ولكن المتّصل كان واحد وقال جملة واحدة :

– زوجك يخونك!
– ألو من معي؟؟
–  !زوجك يخونك.. غداً الساعة الثانية والنصف تعالي إلى شركة الاتصالات
– من معي؟؟؟
– فاعل خير فقط لا غير
– ولكن كي…
قُطِع الإتصال . 

صدمت ليان . وقالت في نفسها :« قد يكون اتصال خاطئ ولكن كيف عرف المتصل بمكان عمل زوجها؟؟؟ » شكوكها حول زوجها مازالت قائمة لذا قررت الذهاب فلن تخسرَ شيئاً… ذهبت في ذلك اليوم وذلك الوقت . دلفت إلى مبنى الشّركة . ودخلت إلى مكتب زوجها . حاولت فتحه لكنّه كان مغلقاً . سألت أحد الموظفين فقال :

– السّيد زيد غير موجود
– أين هو؟؟؟
– لا أدري.. لم يخبر أحد
– شكراً
– العفو

 

ازدردت ليان ريقها :« ترى أين يكون ؟ هل عاد إلى المنزل ؟ » اتّصلت على الهاتف الأرضي لمنزلها من مكتب إحدى الموظّفات بعد استِئذانها لكن لم يجبْها أحد . ظلّت شكوكها في محلّها . فخرجت إلى الخارج وبدأت تمشي على غير هدىً ثمّ تذكّرت المقهى الذي كانا يجتمعان فيه قبل زواجها . فقرّرت الذهاب إليه . وبالفعل، ذهبت وجدت سيّارة زوجها مركونة أمام ذلك المطعم . ونظرت عبر النافذة لتفاجأ بزوجها ومعه فتاةٌ أخرى . كانت الفتاة تتحدّث بلهجةٍ غاضبة . بينما كان زيد يهدّئها . 

خرجت الفتاة وهي غاضبة . كانت تلعنه وتسبّه، بينما كانت ليان تراقبها من خلف إحدى الأشجار الموجودة بالقرب من المطعم . سمعت الفتاة تقول : 
– يا إلهي ! لا يريد أن يدعني وشأني…..
ذهبت ليان وراءها كانت الفتاة مازالت تلعنه . تقدّمت منها ليان وقالت لها :
– ما بك ؟؟؟
– من أنتِ ؟
– ذلك الشخص يحاول التّقرب منك ؟؟؟
– نعم اللعين لا أدري ماذا يريد منّي.. فقط لأنّني لا أملك إخوة وأهل 
– عزيزتي إهدئي وانظري في عيني !
– من أنتِ؟؟
– زوجة ذلك الشاب
– ماذا ؟ زوجته ؟؟
اتسعت عينا الفتاة وتابعت :
– متزوّجٌ أيضاً؟؟
– دعينا نجلس على هذا الكرسي وأفهميني كلّ شيء !

جلسا على كرسي في إحدى الحدائق وبدأت الفتاة بالتحدث :
– اسمي روز . وأنا جديدة في هذه الشركة . يتيمة الأبوين لا أملك سوى شقة بسيطة . جعلني المدير أجلسُ في مكتب ذلك الشاب . لم أعره اهتماماً ولكنّنا تعرّفنا على بعضنا من صفة الصداقة فقط لكنّه وبعد شهر في إحدى الأيّام، اعترف بحبّه لي . لم أفهم شيئاً. فكيف تحوّلت الصداقة لعاطفة غير مبرّرة؟ وقال لي بأنّه غير متزوّج ويريدني زوجة له . طبعاً هو يكبرني بخمسة عشر عاما . بالتأكيد لم أقبل ففي حياتي شخص آخر…. وأجبرني على الذهاب معه إلى هذا المقهى . ذهبت ولكن بعد إلحاحٍ شديد منه . يكفي أنّه كذب عليّ وقال أنّه غير متزوّج 
– هوّني عليك يا عزيزتي ! لا تقلقي….. هل لديك خطّة للتخلّص منه  
– ماذا أتخلّص منه ؟ هل جننت؟؟ 
ضحكت ثمّ أردفت : 
– ليس التخلص منه يعني قتله.. بل التخلّص من مضايقاته 
– كيف ذلك؟؟ 
– الحقيقة لديّ… لكن أنا أحتاجك 
ثمَّ تهامسا فيما بينهما فضحكت ليان على ذكاء هذه الفتاة……….

كان يقود سيّارته بعد أن أخبر زوجته أنّه ذاهبٌ إلى صديقه تميم . قاد سيّارته باتجاه إحدى المباني النائية والمهجورة . دلف إليها ثمّ طرق الباب . كان يحمل معه ما لذّ وطاب من الحلويّات . فتحت له روز . كانت قد تزيّنت بأبهى زينة . كان سعيداً بها فقد قبلت به .

وأخيراً دلفت إلى الداخل لتحضر الطعام، بينما ظلّ جالساً ينتظر تلك اللحظة المنشودة . ينتظر حتّى يحلّ الليل وينعم بملذّات الحياة . لم يكن قد تزوّجها البتّة بل يريد تزوّجها بعد ٨ شهور وبالسرّ . أُطفِأت الأنوار . وشعر بخطواتٍ تقترب منه ثمّ أُنيرت الأضواء . ليفاجأ بزوجته.. نعم.. إنّها ليان.. تلعثم زيد في الكلام، لم يعرف ماذا حدث، عقد لسانه، لم يعرف ما يقول، لكن فجأة وبدون أيّ سابق إنذار، فقدت ليان الوعي مغشياً عليها..  

استيقظت لتجد نفسها في سطح المبنى المهجور . لقد كانت مربّطة بالحبال . تقدّم منها زيد لتفاجأ بروز معه أيضاً… كانت تهمس روز لزيد :« لقد وضعت لها منوم في القهوة  »
صرخت ليان في وجه روز : 

– ماذا يحدث ؟ لم فعلت هذا بي؟؟ 
– يالك من ساذجة يا عزيزتي ! كل شيء مدبر 
– ماذااااااا؟؟ 
– دعيني أخبرها أنا يا روز… حسناً منذ البداية أحببت روز وتعرّفت عليها بعد أن جعلها المدير تأتي إلى هنا . كلّ شيء تعرفينه لكن ما لا تعلمينه هو أنّني أنا و روز أحببنا بعضنا البعض . وكلُّ شيء كان ملفّقاً . الإتّصال كان من روز، فقد اتصلت بكِ من إحدى الهواتف العامّة . ومع برنامج تحسين الصوت فقد تمّ خداعك بسهولة…. والذهاب إلى المطعم كان أيضاً خطّة فأنا كنت متأكّدا بأنّك ستأتين إلى هذا المطعم لأنّه المكان الوحيد القريب من الشركة…. شاهدتك عبر زجاج النافذة وأخبرت روز التي بدأت بالتمثيل أنّها غاضبة . وكلّ السباب والشتائم كانت ملفّقة والغضب من أجل أن تتحدّثي إليها وتخبرك بأنّها لا تحبّني ولا تريدني وأنّها تريد التخلص منّي وأخبرتك بعدها بهذه الخطّة الرائعة التي ستؤدّي مفعولاً رائعا .

ثمّ أدار وجهه إلى روز قائلاً : 
– لقد تفنّنتي بذلك يا عزيزتي.. أنتِ ماكرة !
صرخت ليان قائلة: 
– وما ذنبي أنا حتّى تقوم بعمل هذا معي ؟… فكّ قيدي !
اقترب منها زيد وهمس : 
– هل تتوقّعين منّي أن اُذهِب كل هذه الثروة من بين يدي؟؟ أنا لا أملك سوى شقّة بسيطة لا تأويني حتّى، بينما أنتِ لديك أملاك لا تعدّ ولا تحصى . فقد توفّي والداك وتركا لكِ ثروة كبيرة وأنتِ لا تملكين إخوة ولا أقارب . ثمّ صفّر قائلاً : 
– يا إلهي !! أملاكٌ لا تعدُّ ولا تحصى ؟!!
– وماذا يعني هذا؟ دعنا ننفصل !
– هذا هو.. وصلت لطرف الخيط… إذا انفصلنا يا عزيزتي فلن آخذ أي شيءٍ من ثروتك الرائعة، لديك خمسة أراضي وبيتين أمّا إذا متّي فأنا من سأرث هذه الثروة 
– ؟!  ماذاااا ؟ ولم قد أموت ؟
– سأقتلك !
– ماذا ؟ لماذا ؟  
– أعجبتني هذه.. ماذا لماذا ؟ ههه حسناً.. لأنّني أحبّ روز . و روز تحبّني كثيراً . لذا أنت لن تقبلي بأن تعيشي مع زوجة ثانية 
– بالتأكيد لا 
– إذن سأقتلك 
– يا لك من مجرم !
– عزيزتي.. إذا قتلتك سأملك زوجة جميلة جداً تصغرني بخمسة عشر عاماً ! وسأحصل على ثروة كبيرة لا ينافسني فيها أحد . وسأملك خمسة أراضي وبيتين هذا كلّه سيحدث لي إذا متّي . وأنت لا تملكين أحد . لذلك الموت أحسن لكِ .  

لم يسمع منها أيّ كلمة . قام بحملها وتقدّم من طرف السطح الذي يبتعد عن الأرض حوالي تسعة طوابق، وهي تحاول فكّ القيد لكنّها لم تنجح ! ولم تحسّ إلّا على يديه تفلتانها وترميانها في الهواء، لتتهاوى نحو الأرض، وهي تنظر إلى زيد يبتعد ويبتعد . 

مرّ شريط حياتها أمامها . ذرفت بعض الدموع إلى أن اصطدم رأسها بالأرض لتسيل منها الدماء الغزيرة كشلّالات سريعة تشبه الخيل في سرعتها وتدفّقها . كانا في الأعلى يضحكان فقال زيد لروز :
– لقد اختفت ولم نجد لها أثراً !
– أو لقد هربت مع حبيبٍ لها !
– من سيسأل عنها ؟ إنّها بلا أهل !
– نعم.. ويكفي بأنّنا اخترنا مكاناً بعيداً عن المدينة بعيداً جدّاً 

ثم ضحكا بعد أن غادرا السطح تاركان في أسفله جثّة هامدة . كان الموت قد سلب روحها . ومازالت سيمفونيّة الألم تعزف في أذن هذه الجثّة الهامدة . فالخيانة شيءٌ صعب والتضحية في من عاشرك في سبيل المال والنساء شيءٌ أصعب .

يالَ هذه الحياة القاسية التي تسلب من الفرد كلّ شيء !!

تاريخ النشر : 2019-04-24

guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى