تجارب من واقع الحياة

ضياع وسط الغابة

بقلم : أيوب بن محمد – المغرب

ضل الشباب طريقهم وسط غابة موحشة مترامية الأطراف

 السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته ، أحبائي الكابوسيين الطيبين كيف حالكم، رمضانكم مبارك سعيد وتقبل الله صيامكم وقيامكم وجعل الجنة مثواكم.

قصة اليوم لا علاقة لها بالجن وبالعالم الآخر لكنها تخص صديقاً لي خرج في رحلة مع أصدقائه وفجأة وجدوا أنفسهم في دولة الجزائر الشقيقة ، والآن إلى التفاصيل :

تعود هذه القصة إلى حوالي خمس عشرة سنة خلت ، وقتها كان صديقي قد حجز لنفسه مقعداً ضمن قائمة المشاركين في أحد المخيمات المدرسية خلال عطلة الصيف ، واستقر رأي المنظمين على اختيار مدينة وجدة للتخييم فيها ، وكما يعلم الجميع فمدينة وجدة تقع في أقصى شرق المغرب وعلى الحدود المغربية الجزائرية ، و جاء يوم السفر وانطلق الجميع صوب المدينة المعلومة.

وبعد وصولهم اختاروا إحدى الغابات فقاموا بتثبيت الخيام وأخذ قسط من الراحة ، و قرر صديقي هذا برفقة مشاركين آخرين استكشاف المكان والتنزه وسط الأحراش الكثيفة ، فأخذوا يتضاحكون وهم يتوغلون وسط الغابة وقد مالت الشمس للمغيب ، وظل الرفاق يستكشفون جنبات الغابة وهم لا يشعرون بمرور الوقت ، و بدأ الليل يسدل ستاره وهبط الظلام على الغابة

أحس أولئك المشاركون بالرهبة وبدأوا يحاولون الرجوع لكنهم فشلوا ، لقد ضلوا طريقهم وسط غابة موحشة مترامية الأطراف ، ظلوا يحاولون تذكر الطريق لكن الليل كان حالكاً والأشجار منتصبة كأنها أشباح ، وكلما قطعوا مسافة أيقنوا أنهم قد ضلوا سبيلهم ، توقف الجميع وقد عرفوا فداحة خطئهم وخطورة موقفهم ، في ذلك الوقت لم تكن الهواتف الذكية منتشرة ولا أجهزة GPS متوفرة مثل وقتنا الحالي ، لكنهم استمروا في محاولة العثور على الطريق حتى لاحت لهم فجأة أضواء من بعيد.

بدأ الرفاق بالركض نحو تلك الأضواء فوجدوا أنهم على أبواب المدينة ، غير أنها لا تشبه مدينة وجدة ، لم يجدوا بُداً من الدخول إليها.

وهم في طريقهم نحو تلك المدينة وقد تركوا الغابة وراء ظهورهم ، صاح فيهم رجل عجوز من داخل أحد الحقول وطالبهم بالتوقف ، اقترب منهم وعلامات الحذر بادية عليه: من أنتم؟ و من أين جئتم ؟ تكلموا وإلا…

نطق أحد الرفاق : نحن تائهون يا عمي ، جئنا إلى مدينة وجدة ودخلنا الغابة و وجدنا بعدها أنفسنا هنا.

العجوز: هكذا إذن…اتبعوني…

تبع الرفاق العجوز بعدما أيقن هو أنهم ليسوا قطاع طرق ولا تظهر عليهم صفات اللصوص ، واستضافهم في بيته.

دخل الجميع بيت العجوز وأخذوا مجالسهم وقال لهم : الآن أخبروني بأدق التفاصيل كيف وصلتم إلى هنا وفي هذا الوقت المتأخر؟.

فقص الأصدقاء حكايتهم على العجوز الذي استمع بكل جوارحه قبل أن يقول : غريب أمركم ! هل تعلمون أين أنتم ؟ إن الأضواء التي رأيتموها هي لمدينة مغنية الجزائرية ، لقد دخلتم إلى الأراضي الجزائرية وهذا كفيل لتقديمكم للمحاكمة بتهمة التسلل ، لكن اطمئنوا لن أسلمكم للسلطات ، لكن ما يحيرني بحق هو كيف وصلتم إلى هذا المكان دون أن تطالكم أيدي الجيش ؟ إن وحدات الجيش الجزائري تنتشر على طول هذا المكان لمراقبة الحدود ومن سابع المستحيلات دخول مناطق النفوذ الجزائري دون أن يلاحظوكم ! وكذلك عناصر الجيش المغربي تنشر مناطق للمراقبة ، هذا أمر محير !.

قال أحد الأصدقاء: ولكننا قضينا وقتاً طويلاً وسط الغابة نحاول الخروج منها دون أن نلاحظ ولو جندياً واحداً.

العجوز: هذا من حسن حظكم ، فلو وقعتم بأيدي الجيش فلن يتردد في تقديمكم للسلطات وستتم محاكمتكم ولكن الله سلم ، على كل حال سنتعشى الآن جماعة وتقضون ليلتكم هنا ، لكن عليكم بالمغادرة قبل الخامسة فجراً ، ففي ذلك الوقت تخفت مراقبة الجيش للحدود قليلاً وسأريكم طريقاً للعودة إلى وجدة.

وقضى الرفاق ليلتهم في ضواحي مغنية الجزائرية وعملوا بتوجيهات العجوز الذي وصف لهم طريق العودة ، وبدأ النهار يطلع وهم وسط الغابة وبدت الأشجار وكأنها تنفض عنها سواد الليلة السابقة ساعة الدجى ، حتى لاحت لهم مدينة وجدة مع بزوغ شعاع الشمس ، وما إن دخلوا المخيم حتى وجدوا حالة استنفار قصوى عند المنظمين وعلامات الخوف بادية عليهم ، وما إن رآهم رئيس المنظمين حتى أمطرهم بالأسئلة : أين كنتم وأين ذهبتم ؟ لقد فتشنا الغابة شبراً شبراً دون جدوى وكنا على وشك إعلام السلطات والشرطة لولا أنهم يفرضون مرور 48 ساعة على الاختفاء قبل الشروع في البحث.

فأجابهم أحد الأصدقاء: تلك حكاية طويلة ، دعنا نسرد تفاصيلها بعدما نستريح قليلاً.

كانت هذه قصة صديقي وهي حقيقية والله شاهد على صدقها ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وإلى اللقاء في قصة أخرى بحول الله.

تاريخ النشر : 2019-05-24

guest
12 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى