تجارب من واقع الحياة

ببرودة أعصاب

بقلم : نسيم الصحراء – المغرب

كانت أعصابي كالثلج لم اذرف دمعة واحدة وهي التي ربتني

 

قاسية القلب ، هذا ما يطلقه علي جل الأهل والأصحاب ، و ربما كانوا يقصدون بذلك باردة الأعصاب فهم لا يعون الفرق بين الاثنتين ، قد لا أكون بارعة في السرد وقد تكون لغتي العربية ليست جيدة لكني استنفدت كل ما بجعبتي من كلمات متواضعة لأسرد لكم ما حصل لي بالضبط في ذاك اليوم المشؤوم واليكم قصتي :

لم تكن الأمور على ما يرام منذ البداية ، فمع ذلك الجو الحار في عز الربيع وأشعة الشمس اللاسعة التي منعت الكثيرين من الخروج لطلب رزقهم ، جلست في غرفتي المغلقة بإحكام مُحاطة بين كومة من الأوراق والمجلدات ، فقد كنت على مشرفة من تجاوز امتحاني الدراسي المصيري والأخير ، لكني لم أكن سعيدة بالطبع كيف لا والامتحان على الأبواب و أنا متأخرة عن المراجعة بمعدل 3 مواد لم يتبقى على الامتحان سوى 3 أيام فقط ، لو كان أحد أخر في مكاني لجن جنونه ، لكن كانت هذه طريقتي للتعامل مع المواقف الصعبة ، دائماً أتعامل ببرودة وكأن شيئاً لم يكن ، مع أني لم أكن راضية تماماً عن ذلك والأخرون أيضاً ، بل وصل بهم الأمر لدعوتي لزيارة طبيب ،  بينما كنت غارقة في التفكير في حل مشكلتي صُعقت بخبر وفاة جدتي الحبيبة وصُعق الجميع بردة فعلي بعد سماعي الخبر ، بل بعد رؤيتها ممددة على الأرض في انتظار وصول المغسلة ، فكالعادة كانت أعصابي كالثلج لم اذرف دمعة واحدة وهي التي ربتني وأعطتني اسماً و وقفت إلى جانبي وأزرتني كثيراً ، على الرغم من أني كنت احبها وكنت أدرك أيما فجوة عميقة سيحدثها فقدانها في حياتي لكن ماذا فعلت بعد رحيلها ؟ لا شيء ، جبت البيت كله باحثة عن مكان عازل لأصوات النحيب والصراخ لعلي أتمكن من إكمال مراجعتي و وجدت ضالتي في الغرفة التي غُسلت وكُفنت فيها جدتي ، كانت شديدة البرودة على الرغم من حرارة الجو ولم يتواجد بها غير طاولة كبيرة متهالكة استعملوها في عملية التغسيل والكفن ، وفاحت رائحة قوية من جنبات الغرفة أظنها ناتجة عن المواد المستعملة لكنها كانت رائحة زكية ، و على الرغم من كل ذاك السواد الذي اكتسته الغرفة وكل أصوات البكاء والصراخ استطعت إنهاء مادة اللغة العربية التي بدأتها صباح اليوم ، لم أكد اغلق كتابي حتى هبت ريح خفيفة من حولي لتكسر الأجواء هناك ، لا أدري لماذا خُيّل لي أنها روح جدتي أتت تبارك لي انتصاري اليوم أمام تلك الكتب ولتشجعني على الباقي ،

بعد 3 أيام تمكنت من تجاوز الامتحان الحمد لله وانتظرت لأكثر من شهر ونصف لأتمكن من معرفة النتيجة ، كان الكل مرعوب من أن لا أتمكن من النجاح في هذا الامتحان المصيري ، لكنهم ذهلوا جميعاً بعد معرفتهم أني حصلت على درجة مشرفة و حجزت على مركز بين الأوائل ، كنت مجتهدة في دراستي لكن من كان ليتوقع أني كنت سأحصل على تلك النتيجة على الرغم من الظروف التي مررت بها في ذلك اليوم ، فقط بكيت وانهمرت الدموع من عيني بغزارة والتي اختلطت بالحزن القديم وفرح الحاضر .

تاريخ النشر : 2019-06-07

guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى