أدب الرعب والعام

لا تنسونا فنحن هنا

بقلم : تقي الدين – الجزائر
للتواصل : [email protected]

شعرت بأني داخل متاهة !
شعرت بأني داخل متاهة !

 

فتحت جفوني ببطء على صوت دقات قوية لساعة عتيقة معلقة فوق السرير الذي كنت فيه، تمددت لحظات فوق الفراش ثم نزعت عني الغطاء الكتاني الأبيض بسرعة و نهضت مفزوعا، ” ما هذا المكان؟” سألت نفسي مرتين أو ثلاث و أنا حرك قدمي فوق الأرضية الخشبية مصدرة صريرا تكاد لا تسمعه الأذن، وقفت في الزاوية و نظرت للأثاث إنه عتيق و مصقول بطريقة تقليدية جميلة . حولت نظري للنافذة بجانبي فوجدتها مغطاة بأوراق حجبت أشعة الشمس و سمحت فقط لخيوط ذهبية رقيقة بالتسلل، توجهت نحوها بسرعة و حاولت فتحها لكن يبدو أنها عالقة، قربت وجهي منها و حاولت استراق نظرة للخارج فرأيت ما يبدو أنه المحيط الأزرق، لم أسمع أصوتا تلاطم الأمواج لذا أظن أنه بعيد بعض الشيء 

توقفت الساعة عن دقاتها فحملت الكرسي الخشبي الموضوع على الجانب الآيسر من سريري ووضعته تحتها ثم صعدت فوقه و تأملتها، ذهلت بها فأنا أحب الآشياء العتيقة، كان يمكن أرى ما بداخلها فقد كانت شفافة قليلا لكن يجب الاقتراب لتلاحظ ذلك، كنت أرى القطع الحديدية تتحرك بداخلها مع كل دقة.
أجفلني صوت عزف عميق على البيانو بطريقة كلاسيكية ففزعت حتى كدت أسقط من الكرسي، لقد باغتتني هذه النوتات الموسيقية فجأة دون سابق إنذار، أردت أن أعرف مصدر هذه الموسيقى و من عازفها فأنا لست وحدي في المنزل على ما يبدو!

توجهت نحو الباب الخشبي و أدرت المقبض لكنه علق ثم حاولت مجددا لكنه لم يفتح، ” هل أنا حبيس هذه الغرفة؟” سألت نفسي بخوف ثم عدت للسرير و جلست فوقه، آخر ما أتذكره أنني كنت جالسا فوق الهضبة الخضراء الجميلة على حدود المدينة و أحدق في وردة حمراء محاطة بآشواك تزيدها نوعا من الرهبة و الجمال، كما كنت أرى المحيط أمامي بلونه الأزرق لذا أنا بالتأكيد قد جئت هنا بعد ذلك لكنني لا أتذكر .

عدت صوب الباب و أمسكت المقبض ثم قلت في نفسي بصوت خافت ” افتح أرجوك” و أدرته ببطئ و أنا أنظر بعين واحدة ففتح، آآه…تنفست بطريقة توحي بالراحة ثم خرجت لرواق ضيق قليلا مفروش بفراش أحمر مطروزة حوافه بلون ذهبي جميل، و على الجوانب أربع غرف متراصفة و متقابلة أبوابها الخشبية قديمة قليلا، لقد اتضح صوت الموسيقى الجميلة وتذوقته أذني، تبعته عبر الردهة و قد بدأ يزداد تدريجيا حتى وصلت للأدراج المتقابلة و نظرت للجانب الآخر فرأيت القسم الآخر من المنزل . إن المنزل مبني بطريقة غريبة فهو عبارة عن جزئين طبق الأصل تصل بينهما أدراج.
نزلت تلك الدرجات الخشبية و أذني تقودني نحو الصوت ثم سرت في المنطقة الواسعة للمدخل و نظرت للباب الجميل الكبير بيضوي الشكل، تقدمت منه لعلي آخذ طريقا مختصرا للخروج من هنا، حاولت فتحه لكنني توقعت بطريقة أو بأخرى أنه سيكون مغلق و قد كان كذلك.

كان الصوت آتيا من يساري فانقدت نحوه لأدخل غرفة واسعة مضاءة بمصابيح صغيرة ملونة معلقة فوقها يتوسطها بيانوا جميل لامع و إمرأة أجمل ذات بشرة بيضاء وشعر مصفف أسود و عينين كبيرتين ترتدي رداءً بنيا من المخمل ، كانت تمرر يديها عبر البيانو بطريقة احترافية و هي تتمايل مع نغماته… تبدو هذه غرفة الطعام فهي مملوءة بكراسي و طاولات دائرية خشبية مغطاة بملاءات حمراء مثل الفراش الذي رأيته في الردهة بالأعلى، تقدمت عبر كومة الكراسي و الطاولات ببطء ثم أزحت كرسيا عن الطريق للمرور فعاد مباشرة ليصدمني بقوة فسقطت و ارتطم رأسي بالأرضية، أحسست بالمكان كله يدور حولي، أغمضت عيني و هززت رأسي لأجعل ذلك الشعور يتلاشى ثم نهضت و نظرت ناحية البيانو فكان… المكان فارغا لكن الموسيقى مازالت تطرب أذني، ” أين ذهبت؟… هل خافت مني؟” سألت نفسي ثم مشيت بخفة للمكان و نظرت للبيانو و للكرسي الجلدي الطويل الموضوع أمامه و أنا أتأكد من أن المرأة ليست هناك بالرغم من أنني أعرف ذلك… يجب أن أجدها فربما تعرف شيئا عن هذا المكان

بدا صوت الموسيقى بعيدا بعض الشيء هذه المرة ، فنويت أن أتبعه و لم أهتم . لمَ هربت مني فلربما لم ترني أو أفزعها سقوطي، عدت باتجاه الكرسي الذي أسقطني و حركته بحذر لكن شيئاً لم يحدث، فأبعدت يدي عنه ببطء و غادرت الغرفة ناحية جهة المدخل ، هززت رأسي للأعلى فتفاجأت وانبهرت بكبر المكان ، لقد كان مكونا من أربع طوابق و السقف بدا معلقا في السماء ، نزلت منه ثرية ضخمة بشكل لا يصدق متلألئة يبدو أنني لم أنتبه لها عند نزولي . نظرت للأدراج المتقابلة و المبنية بنفس الطريقة كالتوائم فلمحت لوحة لعائلتي ملصقة بينهما، اقتربت منها و حدقت لجميع من فيها جدي بملامحه الغاضبة و أبي مبتسما بجوار أمي و أعمامي الذين لم ألتقهم، استدرت و هممت بالصعود لكن هذه المرة من الجهة الأخرى للجهة الأخرى . مررت عبر المساحة الصغيرة الصغير المؤدية لأدراج الطابق الثاني لكنني لمحت شخصا يتحرك في الرواق الخاص بالغرف مرتديا ملابس سوداء تكاد لا تراه فيها، صرخت “هاي أنت” فرددت الجدران صدى صرختي لكنه لم يستدر و اكتفى بالدخول للغرفة الأخيرة وسط ذلك الرواق المظلم، لحقت به بخطوات متسارعة، و فتحت باب الغرفة فانصدمت بأنه لم يكن هناك . 

وقفت لحظات أتأمل الغرفة جيدا و أتذكر هل دخل حقا هنا؟ لكنني متأكد من ذلك، كانت هذه الغرفة مختلفة قليلا عن غرفتي فقد كانت أضيق و النافذة فيها شكلها دائري عكس غرفتي فالنافذة فيها مربعة، لاحظت أنها مظلمة عكس الغرف الأخرى و تحوي مكتبة صغيرة فيها بضع كتب و تحتها أدراج صغيرة، توجهت نحو المكتبة و فتحت الباب الزجاجي الصغير ثم حملت كتابا مغبرا غلافه أحمر و نفضت عنه الغبار بيدي ثم فتحته، قربته للشمعة البيضاء التي انسابت عليها قطرات الشمع وجفت فأصبحت خيوطا رقيقة و ضيقت عيني لأصل للكتابة الرقيقة بداخله و المكتوبة بخط اليد ، قرأت البعض منها ” يوم الخامس من أكتوبر عام 1977، الطقس في الخارج كما عهدته و كما أحبه ممطر و غائم، هناك بعض التسربات في الطابق الأخير لكنها طفيفة، لقد سمعت ذلك الطرق مجددا لكنه أقوى هذه المرة هذه المرة الثالثة هذا الأسبوع…” أغلقت الكتاب و أعدته لمكانه ثم فتحت الأدراج فرأيت ورقة من جريدة حملتها فقرأت وريث عائلة ” غولد ” التي كانت الأغنى في التسعينات و الثمانينات ينوي بيع ملكيته فوق جزيرة “فورب”، هذا إسم عائلتي…. لكنني لم أسمع يوما بهذه الملكية و عائلتي لم تتصدر الأخبار منذ فترة فقد انتهت فترة لمعانها منذ وفاة أمي .

سمعت صوت شيء زجاجي تحطم فالتفت بخفة لأرى قطع زجاج بيضاء مرمية على الأرض، إنه كأس و على ما يبدو يحتوي زخرفات جميلة، لملمت قطعه بحذر وأزحتها للزاوية.
لم أعرف ما الذي يحدث هنا لكنني قررت معرفة من هي تلك المرأة و سأسألها عن هذه اللعبة الحمقاء التي تحدث هنا .

خرجت من الغرفة فوجدت نفسي في الطابق السفلي أمام باب المدخل ، آآه نظرت خلفي فوجدت الباب الضخم الجميل، تصلبت في مكاني و لم أعرف هل أهلع أم أتصرف بهدوء…ما الذي حدث؟ هل غرف هذا المنزل تتحرك؟، بقيت واقفا لحظات ثم مررت يدي على رأسي و صرخت بغضب ” هل من أحد هنا… هاااي”، لا شيء إنه هدوء مقبرة ، لم أرد أن أهلع فعلى الأرجح سأفقد تركيزي و أقوم بعمل غبي . 

عاودت صعود الأدراج لكن هذه المرة أنزلت رأسي و تحركت بسرعة فأنا لا أريد أن ألمح شخصا أو أسمع شيئا، زاد صوت الموسيقى عند اقترابي من الطابق الأخير فأكملت الركض حتى وصلت و توقفت فجأة . هذا الطابق كان مختلف بشكل غريب، الرواق مضاء بمصابيح صفراء لماعة قوية و الأرضية مفروشة بغطاء أزرق نظيف و جميل، كما أن مقابض الغرف تلمع لدرجة أنها تعكس الضوء نحو عينيك فتجبرك على إغلاقهما . 

مشيت ببطء و الموسيقى يزدادا صوتها ثم توقفت فجأة و توقفت أنا معها وسط الرواق ، فسمعت صوت باب يفتح ببطء خلفي ، استدرت بحذر لكن لم أرَ شيئا فتوجهت للغرفة و أكملت فتح الباب الذي كان معرجا و دخلت . إن هذا المكان واسع و كل أثاثه لماع كأنه جديد و السرير منظم ووسائده بيضاء نقية كالسحاب في السماء… كانت الغرفة تحوي مكتبة أخرى جميلة و على جوانبها زخرفات منقوشة بعناية، لكنها كانت فارغة من الكتب، فتحت الأدراج فرأيت كتابا غلافه أزرق و مخاط بطريقة يديوية تدل على قدمه الشديد، فتحته فكانت صفحاته الخشنة فارغة بيضاء تماما قلبت بين الصفحات لكنني لم أجد شيئا فأعدته لمكانه و نظرت في الأرجاء ثم لاحظت أن صوت الموسيقى قد توقف فخرجت من الغرفة لكنه بدأ مجددا 

توجهت نحو الباب الأخير أين صدرت الموسيقى آخر مرة لكنها الآن تعزف بنوتة واحدة مكررة و بصوت قوي كان يزداد مع كل خطوة ، فتحت الباب بخفة فرأيت جثة العازفة وسط الظلام مشنوقة و متصلبة و فمها مفتوح بطريقة مرعبة. أغلقت الباب بقوة من فزع المنظر و عدت للخلف فتعثرت و سقطت، اختلطت الأفكار في رأسي وطبع ذلك المشهد في ذاكرتي، كنت أريد العودة لكن فضولي الأحمق دفعني للتأكد، فإقتربت من الباب ببطء و فتحته فلم يكن هناك شيء مجرد غرفة مضائءة شبيهة بالغرفة التي تركتها، كأن الجثة رفعت للسماء،! 

قذف هذا المكان الخوف و الريبة في قلبي حقا لكن يجب أن أبقى متماسكا… مشيت وسط الغرفة ببطء ، فلاحظت ألا نافذة فيها ، تعجبت للأمر لكنه لم يثر اهتمامي كثيرا وسط كل هذا، لمحت قطعة ورق بيضاء بارزة من تحت السرير فسحبتها لقد كان مقالا من جريدة ” العثور على الموسيقية ميلا مشنوقة وسط ملكيتها الجديدة في جزيرة فورب…” كانت صورتها غير واضحة بالأبيض و الأسود لكنه الرداء نفسه، تبا، هل هي صدفة؟ لم أعرف حقا… إن الموسيقى قد بدأت مجددا… آآه لا داعي لمعرفة مصدرها علي معرفة ما هذا المكان و ما الذي أفعله هنا .

ارتعش جسمي على صوت صراخ قوي لامرأة قادم من الأسفل فركضت بسرعة لبهو المدخل في الطابق الأول يبدو أنه صادر من الغرفة على يميني ، دخلت بسرعة فاختفى الصراخ ووجدت نفسي وحيدا مرة أخرى وسط المطبخ الواسع . كان مليئا برفوف معظمها فارغة و بعضها عليه علب طعام مغبرة قديمة لم يعجبني منظره فاستدرت مغادرا لكن تناهى لأذني صوت صرير خفيف فاستدرت لأرى باب الثلاجة الكبيرة المثبتة في الحائط يفتح تدريجيا ، فتقدمت نحوه بحذر شديد حتى وصلت له ، مددت يدي لأكمل فتحه فأغلق بقوة أفزعتني ، فانتفضت ثم سمعت صوت كسر زجاج قادم خلفي فركضت كالمجنون خارجا من المكان دون أن أنتبه لشيء . أسندت يدي على ركبتي و أنا أتنفس بعمق ثم رفعت رأسي فوجدت نفسي في غرفة نوم ذات سرير واسع و جميل و أضواء براقة و أثاث حديث، يتكئ في زاويتها تمثال حجري متقن الصنع .

لمحت كتابا ذا غلاف أبيض براق موضوعا فوق مكتب صغير مضاء بمصبح مكتبي صغير فحملته و رأيت الخيط الذهبي منسدلا من وسطه ففتحت على تلك الصفحة المعينة و أزحت الخيط كانت الكلمات مكتوبة بطابعة على ما يبدو فقرأت : ” الأول من فيفري عام 2016 سمعت صوت طرق غريب قادم من الأعلى فحملت مضربي و توجهت لمصدره لكن شيئا غريبا ضربني من الخلف فأسقطني وفقدت وعيي…نهضت بعد لحظات في غرفة غريبة لم أر مثلها في المنزل من قبل…” 

هناك غموض حول هذا المنزل و شيء غريب حوله، مررت عبر باب الغرفة مغادرا فتفاجأت بأنني في رواق آخر كان يقف فيه الرجل المخيف ذو الملابس السوداء، تحركت خطوة فتحرك خطوة هو كذلك ثم تحركت خطوتين فقام بالمثل، وقفت لحظة ثم انطلقت مسرعا محاولا مباغتته فاستدار بخفة غير طبيعية و دخل الغرفة بجواره… لحقت به و فتحت الباب فوجدت نفسي في حمام نظيف جدرانه ناصعة البياض، رأيت ملحوظة وسط المغطس فحملتها و قرأت ” لم أعد أحتمل هذا بعد اليوم… ريان” انطفأ الضوء لحظة ثم أنار المكان مجددا فانتفضت على منظر جثة بيضاء هامدة وسط المغطس غارقة في دمائها و علامات الفزع لم تفارقها . استدرت بخفة و انزلقت لكنني تمكنت من الوصول للباب و فتحته لأجد نفسي وسط غرفة أطفال صغيرة وظريفة مطلية بلون أزرق هادئ ، ولأرى تقرير جريدة على ما يبدو موضوعا فوق المهد حملته بسرعة وقرأت ” والد مجنون يقتل زوجته و ابنه ذا الأربع سنوات و يطلق النار على نفسه… حصد منزل عائلة غولد ضحيته الثالثة بعد كل من المغنية ميلا التي وجدت مشنوقة في أحد الغرف و رجل الأعمال ريان الذي وجد مقتولا وسط حمامه..” .

وضعت الملحوظة و خرجت فرأيت طفلا صغيرا يركض و يضحك ثم استدار لي و قال بكل براءة “هيا من هنا” لحقته و أقدامه الصغيرة تداعب الأرضية لكنه ركض بخفة و اختفى ، ثم سمعت صرخته “آآه” فانطلقت نحو مصدر الصوت لكن شيئا عرقلني فوقعت على رأسي بقوة ” أحسست بألم شديد و لم أستطع الوقوف فأغمضت عيني و بقيت بضع لحظات مستلقيا حتى زال الألم ، ثم فتحت عيني فوجدت نفسي فوق سريري الذي كنت نائما فيه عندما استيقظت ، لكن الغرفة كانت مختلفة ، لقد كانت محضرا لما يشبه تأبينا أو مأتما و صورتي أنا كانت أمام كل وردة جميلة موضوعة و كل رسالة وداع لبقة . توسعت عيناي و أحسست بالشلل ” لا… هذا لا يمكن أن يكون صحيحا” قلت في نفسي منكرا ما حصل ثم توجهت نحو النافذة وأسندت رأسي عليها فرأيت صورتي على مقال الجريدة تعجبت و تراجعت للخلف فرأيت عدة صور لي مبتسما موضوعة فوق كل مقال، نزعت واحدة و قرأت ” وفاة آخر وريث لعائلة غولد الشاب تقي الدين بعد أن علق في الطابق الرابع الذي إلتهمته النيران بمنزله بجزيرة فورب . تقي االدين هو الضحية الأخيرة لمنزل الرعب هذا فقد قررت سلطات المدينة اعتبار المكان غير صالح للسكن و تحويله كمعلم لجذب محبي الخوارق” .

لم يعد هناك إنكار و قد حصل ما حصل، ركلت الورود و الرسائل بغضب فتبا لكل من لم يهتم لي قبل وفاتي و جاء الآن محاولا طلب الصفح من جثتي، تلفت فلاحظت الكتاب الأزرق العتيق موضوعا فوق السرير فحملته و فتحته فوجدت حرف ثم قلبت الصفحة وقرأت حرف أكملت قلب الصفحات التي شكلت إسمي و أسماء الضحايا الآخرين، ربما لم أرى طريقة موتي لأنني لم أخف من الموت قط ، بل خفت من التعايش مع فقدان قريب لي . و ربما لأن الحياة رحمتني من ذلك المنظر ، فمن يحب رؤية طريقة موته . كانت لكل من هؤلاء الأشخاص حياته و أناس يحبونه عكسي أنا لعلي لهذا اعتزلت بنفسي في هذا المكان لكنني لا أريد أن أتذكر على ما يبدو.

سمعت صوت الباب يفتح فنزلت لأرى مجموعة عائلات سعيدة و مبتسمة يتقدمهم دليل سياحي هزيل ذو شعر أشقر وابتسامة فارغة مطبوعة على وجهه هو الآخر، كان يمشي ببطء و هو يقول ” ستحبون هذا المكان إنه مليء بالتحف المسكونة” صرخت مرة أخيرة في محاولة يائسة لألتقط بصيص أمل ” هاااي من فضلكم أنا هنا “، لمحت طفلة صغيرة خافت و أمسكت بيد أمها بقوة فاستدارت و نظرت للأعلى لأرى الطابق الرابع كأنه جديد و لم تلمسه و لو شعلة ، و جاءتني رغبة ملحة للصعود هناك، أدركت أن كل ما مررت به كان لإثبات ما حصل لي ، فأنا الآن واحد منهم و يريدونني أن أنضم إليهم . نظرت للطفلة الصغيرة و للعائلات و قلت محاولا السيطرة على دموعي ” لا تنسونا فنحن هنا”.

تاريخ النشر : 2019-06-11

تقي الدين

الجزائر
guest
16 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى