تجارب من واقع الحياة

أتمنى أن يختفي مرة أخرى

بقلم : إلياس – الأرض

تمنيت كثيراً أنني لم أوجد على الأرض لأنني خطيئة على الجميع
تمنيت كثيراً أنني لم أوجد على الأرض لأنني خطيئة على الجميع

 عندما تظن لوهلة أن كلمة أبي كلمة رائعة تتجسد في أبهى حلة عند نطق الأبناء لها فهذا ليس صحيحاً ، لأنني لست واحداً منهم . تعبت من كلمة أبي ، مللت من كلمة أبي ، كم أمقت كلمة أبي ، فهي تشعرني بالقرف بالتقزز وعدم الانتماء إلى أي وطن .

يقولون أن الأب قدوة ولكنني لم أرى في حياتي سوى الهم والقهر منه خصوصاً ، من بين جميع البشر تمنيت أن أنهي حياته بيدي هاتين وأجعله عبره للسائلين ولكنني لم ألطخ يدي بسببه فأنا أنقى وأرقى وسيأتي يوم يموت فيه قريباً فلست أنا بالطبع من سيتخلص منه . إنه عبء ثقيل على كاهلي كم أكرهه وأكن له أنواع الحقد الدفين ، أريده أن يتعرض لنفس المرارة التي شعرت بها ويتمزق إرباً إرباً كالذي يحمل الدواء ولكن لا يستطيع علاج نفسه

لقد قتل الحنان وقطف زهرة الأمان ، قتل روحها النقية المكتسية بالضياء ، بسببه فقدت أغلى وأعز ما أملك ، وهي أمي . كم تمنيت أن أحتضنها ، لقد ضاع عمري وأنا أبحث عنها ولكنني لن أجد سوى التراب الذي يغطي جسدها ، كلمة أمي لم أنطق بها في حياتي كلها ، 15 عاماً انتظرت أمي لكنها ليست سوى خيال يسير ويلوح بين فينة وأخرى . عند رؤيتي لصورتها قلبي مازال ينزف دماً أشتاق إلى حضنها . 15 عاماً وأنا كالكرة يتم قذفي من منزل جدتي ، عمتي خالتي ، كأنني غير مرغوب فيه لأن أسمه مرتبط بأسمي ، أشبهه بالشكل وبالطبع ، تفوح مني رائحته النتنة ، وأنا حمل ثقيل كالجبال عليهم . لقد تعرضت لجميع أنواع الإهانات الموجهة لي ، تمنيت كثيراً أنني لم أوجد على الأرض لأنني خطيئة على الجميع ، لقد حرمني من كلمة أب صادقة على لساني

وها هو الآن قد خرج من السجن منذ عدة أشهر ، والغريب أن الجميع نصحني بالعودة إلى أبي بحجة أنه ليس لي غيره ، وهو الذي طلب منهم ذلك . كم هذا مضحك ومبكي في نفس الوقت .

ماذا أقول بعد ، أنه مجرم أم ضحية ! في ذلك اليوم لم أستطيع النظر في وجهه وهو أشار لي وأخبرني أن أنظر إليه وعندما أبيت قام بصفعي وأخبرني أنه عندما يأمرني أفعل كل ما يريد بدون توجيه السؤال . هو لم يعرني أي أهتمام لم يسأل أنت في أي مرحلة دراسية أو على أقل تقدير كيف حالك ، لم يقم حتى بتصحيح أخطائه لي ، بل زاد الأمر سوءا ، لقد جعلني أتغيب عن المدرسة الكثير من المرات بسببه حتى أن درجاتي في الشهادة كانت سيئة جداً بعد أن كانت عادية ، أصبح يأتي بأصحابه إلى المنزل يعقرون الخمر ويتحرشون بي بكلماتهم القذرة ورائحة أنفاسهم العفنة ، وما يزيد الأمر سوءاً أنهم يجبرونني على الشرب والسهر وإذا ما أبيت ذلك يضربونني حتى أن رجل منهم قام بخنقي حتى أنني أعتقدت أني سأفقد حياتي وأخبرني بأنه سيقوم بإعادة تربيتي كي أصبح رجل ابن رجل ، والباقي يضحكون لأنني بكيت ..

لقد بكيت لأن أبي من المفترض أن يحميني لكن ماذا سوف أتوقع منه ، إنه مجرم ، قاتل أمي . لقد تأزمت حالتي وأصبح من الصعب العيش ، إلى من ألجأ ؟ عائلتي طردتني ، وهل من المعقول أن أفضح نفسي أمام الشرطة ، من سوف يأخذ حقي وحق أمي الذي ذهب دمها الغالي هدراً ؟

تاريخ النشر : 2019-06-21

guest
52 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى