تجارب ومواقف غريبة

عندما يكون للجمال ضريبة

بقلم : مهند – سوريا – حلب

كانت تنظر الى المراة لوقت طويل

 

السلام عليكم أصدقائي الكابوسيون ، إن قصة اليوم قد حكاها لي صديقي وهي عن جدته ، ولذا سأتكلم بلسان صديقي أو الراوي ، لم أكتب بأسلوب سردي أو بالفصحى البليغة بل بألفاظ بسيطة ناقلاً القصة لكم فقط .

إن بطلة القصة هي جدتي راحيل التي كانت مغترة بنفسها وبجمالها ، وصفها أهل الحي بأنها أجمل امرأة يمكن أن تراها في حياتك ، شعرها أشقر فاتح إلى البياض وبشرتها تكاد تكون شفافة وعيونها زرقاء بلون البحر ، ملفتة للانتباه في كل مكان تكون فيه بسبب ملامحها الجميلة ، بل آية من الجمال وكما نقول في حلب على تلك الملامح -جمال حلبي –  مرت راحيل بعدة مصائب وعقبات  وقسمت في حياتها لعدة مراحل ، أولها كان الحسد ، أصيبت بالعين وقتها في بداية مراهقتها عندما كانت بالثانية عشر تقريباً

، من الحوادث التي حدثت معها أنها مرة كانت تمشي في الشارع مع أمها وصرخت أمرأة غريبة لزوجها : أنظر كم شعرها طويل وجميل ! وكانت النتيجة تساقط كمية كبيرة من شعر راحيل في اليوم الأخر ، أو تعرضها للتعثر أثناء المشي عندما ينظر لها أي أحد ، عانت كثيراً من العين ومرت بقصص عديدة لا يمكن ذكرها جميعها حتى أنها نفسها لم تعد تتذكرها عندما كانت تقص لي ، إلا أنها لم تشكل أي خطر على حياتها مقارنة بما حدث لاحقاً.

في عمر ال17 تقريباً كانت راحيل قد خرجت من مرحلة الطفولة تماماً ، كانت تحب الرقص كثيراً وتلهي نفسها به ، تبدأ من الساعة التاسعة ليلاً حتى بعد منتصف الليل في غرفتها وحدها ، كانت تظن أنها وحدها في الغرفة وكما كانت تحب بطلة قصتنا أن تفعل ، كانت ترقص أمام المرآة لكي ترى نفسها وهي ترقص وتمضي الساعات والساعات ، وفي الصباح كانت تنظر إلى نفسها في المرآة بالساعات أيضاً ! أخبرتني أنها كانت تلعب لعبة مع نفسها فكانت تقرب وجهها من المرآة بشكل كبير حتى يلاصق أنفها المرآة وتبقى تنظر إلى عينيها معجبة بهما إلى ساعات حتى تشعر أن ملامح وجهها قد تغيرت قليلاً فتهرع وتبعد وجهها ثم تعيد الكرة ، وفي يوم من الأيام عندما كانت ترقص توقفت نبضات قلبها من الخوف و ارتعشت قدميها و ركبتيها ، لقد رات رجلاً شاحب الوجه ، اسود الشعر والملابس ينظر إليها في المرآة ويقف وراها ، صرخت راحيل ونظرت إلى الخلف وهي ترتجف فلم ترى أحداً ، التفتت مرة أخرى إلى المرآة وهي ترتجف فرأت ظهر الرجل فقط وكأنه يقف أمامها وينظر إليها وهي لا تراه ، عندها سقطت مغمياً عليها ، واستيقظت على أصوات أخواتها اللاتي تجمعن حولها و بدأن يسألنها عما حدث ، توالت الأيام و راحيل لم تعد ترقص أمام المرآة بل إنها لم تعد تنظر إليها حتى ، لكنها بدأت تعاني من أمور أخرى ، كانت ترى كوابيساً مخيفة تجعلها كل يوم تستيقظ وهي تصرخ بهيستيرية ، أحلاماً جنسية مع أشخاص غرباء كالاغتصاب وأمور أخرى مزرية ، وفي يوم من الأيام كانت قد ذهبت مع أمها وأخواتها إلى عرس في منطقة ريفية ، كان العرس للنساء فقط وفي وقت متأخر من الليل كما هي العادة في بلادنا العربية ، كانت راحيل تشعر بالغثيان ولم تكن في أسعد أوقاتها ، أمسكت يد أختها بقوة وهمست لها..

– هل ترينه ؟ .

– من هو راحيل ؟ .

الرجل الذي يقف هناك !.

– رجل ، أي رجل سيكون بيننا جميعاً ؟ وكيف لم تلحظ وجوده أي أمرأة ؟

– لا بد أنني أتوهم.

كان الرجل ينظر إلى راحيل وكأنه يريد أن يقول لها شيئاً ، أما هي فكانت فاقدة لتركيزها لذا خرجت إلى حديقة المنزل في الخارج ، وهي تشبه المزرعة كما هو حال بقية البيوت الريفية ، جلست على الأريكة الحجرية وهي شاردة الذهن تفكر ماذا حل بها ، من هو ذلك الرجل الذي رأته عندما كانت ترقص منذ فترة ليست بقصيرة والان أيضاً ولا أحد يراه غيرها ؟ ارتعشت وانتصبت شعيرات جسدها ، بدأت تقرأ المعوذات وأية الكرسي فسمعت صوت ضحكة زائفة من صديقتها المقربة وكانت قد اقتربت.

– المكان مرعب أليس كذلك ؟ (بسخرية).

– أنا لست على ما يرام أوديت .

وكانت أوديت فتاة يهودية تبلغ من العمر ستة عشر عاماً ، صديقة راحيل وجارتها ، عائلتها لطيفة للغاية وصديقة لعائلة راحيل ، إلا أنها لم تكن لطيفة كعائلتها ، كانت تحسد راحيل على جمالها وكونها محط الأنظار ومحور الاحاديث في كل يوم تخرج فيه العائلتان معاً  وكانت دائماً تحاول أن تحرج راحيل في الحديث أو في أي فعل كانت تستطيع تفعله ، إلا أن فتاتنا لم تكن تأبه لذلك بل كانت تعتقد أنها صديقتها وتلك التصرفات ليست إلا مضايقات بغرض المزح والدعابة بين أي صديقتين.

– ألست تستمتعين بالعرس ؟ لماذا لم ترقصي ؟

– لا أعلم ، اشعر بالغثيان ولست على ما يرام..

– إنه حالك المعتاد يا راحيل ، إلى متى ستبقين مكتئبة هكذا ؟ هل تخبئين عني شيئاً ؟.

– أي شيء تقصدين ؟ .

– لا أعلم ، هل أنت مسحورة مثلاً ، قالتها وهي تضحك .

– لم أعد استغرب شيئاً بعد حادثة سقوطي في الحمام ، لقد رأوا حولي دماً أسوداً من دون أن أخدش خدشاً واحداً ! .

– اعرف ، لقد حدثتني بذلك فاطمة أختك ، هيا لنقوم فقد اقترب موعد الذهاب.

مرت السنوات وقد بلغت الفتاتان الواحد والعشرون ، مرت على راحيل كالجمر و لم تفارقها كوابيسها ، ولا الحوادث الغريبة التي طالما أقلقت أهلها. العديد من القصص مرت معها ، مرة رأت أفعى سوداء في الحمام وعندما كانت تريد قراءة القرآن تشعر بأنها قد بدأت دورتها الشهرية – والعفو عن ذكر ذلك – أو تشعر بوسواس الطهارة ، إلى أن حان الوقت الذي وجب فيه استدعاء الشيخ أو الراقي إلى المنزل.

كانت راحيل في الأسبوع الذي مضى قد رأت حلماً عجيباً.

رأت نفسها عالقة داخل المرآة و في يدها علبة صغيرة فيها خاتم ملطخ بالدماء السوداء وأمامها رجل جميل ينظر إليها نظرات مكر.

– أخيراً استطعت أن اتحدت إلى سارقة قلبي .

– من أنت وأين أنا ؟.

– أنتِ تحلمين يا راحيل ، لكني حقيقة أنا حبيبك الذي لم تريه إلا قليلاً ، هاتي يدك.

وادخل الخاتم في أصبعها ، كانت تشعر وكأن أحدهم قد صعقها بالكهرباء في يدها.

استيقظت وهي تصرخ وشعرت بشعور غريب ، دخلت إلى الحمام ثم نادت إلى أمها وهي تبكي ، لقد فقدت عذريتها دون أن تفعل أي شيء ، كان موقفاً محرجاً ، إلا أن أمها تفهمت الوضع واتصلت بالراقي لكي يحضر في أي وقت يراه قريباً.

حضر الراقي إلى المنزل وبدأ بقراءة القرآن على راحيل التي كانت تشعر بالدوخة والألم كلما اكمل في قراءته ، كان يوماً عصيباً ، انتهى بتأكيده أنها قد أُصيبت بسحر وليس من نوعاً واحداً بل سحراً كبيراً قد سُلط عليها من أحد شياطين الأنس .

عاود الشيخ على زيارة المنزل كل يوم لقراءة القرآن وبعون الله تعالى تم معرفة أماكن السحر في المنزل ، وجدوا في الشرفة ثلاث خيوط مربوطة في طرف الحبل الذي تعلق به الملابس لكي تجف ، وكانت الخيوط معقودة إحدى عشر عقدة ، كلما هبت الرياح وتحركت الخيوط تتألم راحيل وتسقط طريحة الفراش ، وبعد إزالتها من المنزل لم تتحسن راحيل كثيراً بل تحسنت قليلاً ،  كان الأهل والأصدقاء متجمعون في المنزل يناقشون من قد يكون الفاعل ،  إلا أنهم لم يتوصلوا إلى نتيجة ، كان يشغل بال أمها مشكلة أخرى وهي عذريتها. فكما تعلمون الأجيال القديمة وطريقة التفكير في ذلك الوقت ، كانت تريد أن تزوج أبنتها بأسرع وقت ممكن وخصوصاً أنها قد بلغت سن الزواج وهي تريد أن تحمي أبنتها كونها ملفتة للانتباه وفتنة لكل ناظر ، إلا أن راحيل كانت ترفض كل تلك الفترة بحجة الدراسة وقد وصلت للصف الثاني عشر أو البكالوريا وهو أمر عظيم في ذلك الوقت ، وهو ما جعل أمها تقرر أن تقبل بأقرب عريس يدق باب البيت ، ولكن مع الأسف كانت الأمور تتعثر في كل مرة ، سنة كاملة من الألم في جسد راحيل فقدت نقاء بشرتها وجمالها الذي اشتهرت به بل وبدت عليها ملامح التعب والشقاء ، إلى أن رأت في يوم من الأيام في منامها  جدها المتوفي منذ سنين عديدة وهو مثالاً للطيبة والكرم والخلق الحسن ومثل الشخص الصالح عند كل من يعرفه ، رأته وقد بدت عليه ملامح القلق ، كان ينظر إليها وهو يقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، حسبي الله ونعم الوكيل ، ثم أمسك يدها وذهب بها إلى مكان بعيد ، إلى المقبرة القريبة من الحي أو الأقرب إليه من بقية المقابر الأخرى ، ذهب إلى قبر معين وبدأ الحفر فيه إلى أن مسك حجرة متوسطة الحجم ، بحجم اليد في قاع الحفرة التي حفرها وقال لها : هذا حظ الشيطان منكِ ، وانتهى الحلم .

أصرت راحيل على الذهاب إلى ذلك المكان مع سوء حالتها ، وقد لبى أبوها طلبها بعد عناء شديد ، دخلت المقبرة وكانت تتذكر كل مكان فيها بالتفصيل وكأن حلمها حقيقة ، ذهبت إلى ذلك القبر المميز وبدأت تحفر فيه إلى أن وجدت شيئاً لامعاً نحاسي اللون ، سحبته بقوه فكان قفلاً نحاسياً محكم الأغلاق على صورة فتاة وُضع دبوسين مكان عينيها وكتب فوقها بالعبرية وبرموز غير مفهومة ومن الطرف الخلفي للصورة كتبت سورة الناس بالعكس – أي أحرفها معكوسة – لقد كانت هي ! هي تلك الفتاة التي وضعت صورتها في القفل ، صرخت مذعورة و ركضت إلى أبيها مع الصورة التي أخذوها إلى الشيخ من فور خروجهما من المقبرة ، فك السحر وعادت راحيل إلى سابق عهدها ، الفتاة الفاتنة ذات البشرة المشرقة وكشف الله لها أن أوديت صديقتها هي من قامت بهذا الفعل الشنيع في عدة مواقف اثبتت ذلك ، لم تعد تتكلم مع راحيل بعد تلك الحادثة وكأنها أتخذت موقفاً منها بعد شفائها ، ولا حتى راحيل لم تعد تكلمها ، وتزوجت راحيل بعد شهور وانتقلت إلى بيت زوجها ، أنجبت ثلاثة أولاد و منهم أبي ، وعاشا حياة سعيدة رغيدة ، وبعد سنين عديدة وعندما أصبحت في الخمسينات من عمرها في يوم من الأيام اتصلت بها أختها الكبيرة تخبرها أن أوديت قد ماتت ،ماتت وحدها في المنزل بعدما سافر إخوتها وتوفي أهلها ، لقد وجدوها في الحمام غارقة بدمائها ولم يعلموا ماذا حصل لها ، إلا أنهم قد رأوا المنزل غارق في القاذورات والروائح الكريهة ، لم تتوقف عن أذية الناس طَوال سنين طِوال ، حتى أن بعض أهل الحي قالوا أنهم وجدوا القرآن الكريم في المرحاض عندما دخلوا إلى المنزل ، تلك نهاية من يؤذي الأخرين ويسيء لله وكلامه المقدس ويقوم بالفواحش ، إن قصة راحيل قد علمتني العديد من الأشياء ، ما رأيكم ، هل تعتقدون أنها ضريبة الجمال؟.

تاريخ النشر : 2019-08-21

guest
28 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى