أدب الرعب والعام

أسطورة عازف الحافة

بقلم : صديقة الليل

جسَدي قَد وقفَ يتمَايل.. فُستانِي كَذلك النَسيمُ وشِعري ..كُل شَيء يتراقَص
جسَدي قَد وقفَ يتمَايل.. فُستانِي كَذلك النَسيمُ وشِعري ..كُل شَيء يتراقَص

فِي مُنتصف اللَيل .. القمرُ نائِم ، النُجوم مستيقِظة، نسمَة بارِدة تتراقَص مَع موسِيقاه.

فِي كُل يومٍ فِي مثلِ هذَا الوقتْ.. أنَا أختَبيء، أختبِئء خلَف صَخرةٍ عملاقَة فِي هذَا الوادِي .

أصغِ ،أصغِ لحدِيثَه الذِي يصُوغَه فِي شَكل الْحان بمزمارهِ.
عَينَاي تتقِدان بِشُعلة زَرقاء عَندمَا يبدَأ كُل شَيء بالرقصِ مع لَحنهِ.. العُشبُ الأخضرُ القاتِم، النَسيمُ البَارد ، شعَره القهوِي المُتطَايِر..،
جميل.. بلْ سِحرِي !

أُصابُ بالخيبةِ عندمَا يبدأُ اللحنُ بِالتلاشِي، يتوَقفُ دائماً في النوتةِ نفسِها.
يتوقفٌ وينطَفيء نورُ عينَاه الشهدِيتَان، تُصبحتَان
فارغتَان، كالفَراغ الذِي سيصيبُ المكانَ الانْ.

” جَميل! “

ترجَلت؟ ﻻ اعْلم !
لكنْ سأقومُ باللازمِ لكَي لا يتلاشَى هَذا اللحنُ كَما المُعتاد.
يقفُ ساكنَاً، أظنُه يُحدِد مصدَر صوتِي.. إلتفتَ ناحيتِي بِهدُوء ..

أستطيعُ رؤية السَماء الكبيرَة عبرَ قميصُه الابيَض.

شَفافْـ؟

” اممم أنَا مُتيمةٌ بلحنِك مُْنذُ بِضعةِ أَيام وَقدْ تَدَربــ ..، “

ﻻَ ردْ أَو إِكترَاث..،

لكِنه قَد رَمق بنظراتٍ فارِغة مزمارهُ الخشبِي، عَله يُصغي لِما أَقُوله ..

” مَا أُحَاوِل قولهُ لحُنك يبدُو كرِسَالة
كأنَه يُنادِي النُجُوم لترقُص.. “

نُجومْ؟! رَقصْ؟!
مَا هَذا التشبِيه بِحق !

لكِنها الحقيقَة..، هَذا فِعلًا ما شَعرتُ بِه ..،وحَاولتُ تَقلِيدهُ.

فِي كلِ مرةٍ يبدأُ العَزف هُو لا يَكترثْ لتمايلِ جسَده .. لا يكترثْ للنَسيمِ .
هُو فقطْ ينظرُ للنجومِ برجَاء، ولكنَها لا تَأتِي .
يُدخِل المزيدَ مِن الهواءِ إلى رئتيهِ.. وتَتمايلُ انامِلهُ بِخفة على فوهاتِ المِزمَار.
ويعْلو الصَوتْ.. لكِنهَا صَماء ﻻ تَسمَع لحنهُ.
إنهُ يُدرِك ذلكَ فيتوقفْ بِخيبةٍ.

إقترَبتُ بحذرٍ ناحيَته نحْو الحافةِ المُطِلة عَلى بَحر قاتِم الزُرقَة تَبرقُ على سَطحهِ النُجوم وكأنهُ قَد إِبتلعَها

” أُدعَى كَلاي، أخبرُوني أَهل القريةِ عَن وٌجودَك هُنا. “
مُجدداً يُظهِر تلكَ التعابيرَ الفارِغة ناحيتِي ..
أكملتُ عَلى سجِيتي المرحَة بينَما تَهاوى جسَده أرضاً ليلتقطَه العُشبْ..
” شابٌ لمْ يُكمِل الثامِنةَ عشْر بعْد .. حَسناً أَكبَر مِني بعامين.ِ
يَعزِفُ كلَ ليلةِ هنَا.. وصَدقنِي عَزفُك لسِحر!

يَنتظِر أَن تَتوَهج لعزفِه نجْمة ليرحَل. “

بالطبعِ لَن أقولَ له أنهُ إنتَحر أَو أنهٌ طَيفْ!
هَويتُ بجسدِي بقربهُ جَالسة وسَاقَاي لحجْري وَ أحكمْتُ على فُستانِي مِن النسيمِ المشَاكس ..
قَد تَركتَه بدلًا عَن ذلك يعبثُ بشَعرِي الليلكِي ناحيةَ الهاويةة .

” عُذراً ولكِن هلْ تَعلم لِما أنتَ هُنا “

شَرد مُطولًا فِي سُؤالي نَظرَ لِيَداه الشَفافتَان .. ثُم تجاهَل سؤالِي عَابساً مُعطِني ظَهرَه، وكَأني ضغطتُ عَلى وترٍ حسَاس.

أدخلتُ هواءً وحبسْته فِي فمِي ليَنتفِخ خَداي إغتظتُ مِن تصرُفه، لمحتٌ مِزمَاره بِقربِ ظهرهِ لألتقِطه وأقومُ بِفعْل مَا تدربتُ عليهِ .

إِدخَال نسمةٍ لطيفَة وإِخرَاجها بِتناغُم مِن الفُتحات..

عَزفتُ لحناً مشابهاَ للحنهِ ركيكاً قليلاً ولكنهٌ قَد صَغى إليه مُندهِشاً، حدقتَاه إنهُما مضِيئتَان !
جسَدي قَد وقفَ يتمَايل.. فُستانِي الزَهري كَذلك، النَسيمُ وشِعري ..، كُل شَيء يتراقَص.
والانْ هدَفي النُجومْ.

أُغمِضُ العَينَين وأتخيلُ أنِي مُناجِية لها ..، بِثوبِ سهرةٍ أُقحَوانِي طويلْ وشَعر مَشدُود للخَلف كزَهرِة وبعضُ الخُصلات حٌرة، أُناجِيها لترقصُ بَعد أَن تَحوَلت الحَافة لمسرحٍ مِخمَلي أَرى إِنعكَاسِي فيه .

ليسَ كافياً ،لحنِي لا يصِل لها .. عِلي أن أَرفع الصَوت .. علي أَن أصرٌخ.
سحبتُ كلَ هواءٍ إِستطعتُ سَحبهٌ إِلى جَوفِي ..،
مِن جَديد بِصوت أعلَى ، أَصغِي .. إِرقُصي مَعي .. هيَا !
لا تفعَل.
مَهلا، صَوتِي يَتلاشَى .. المَسرحُ يَتلاشَى، فُستَاني ..،
حَافة .
إِنطفئت عَيناَي.. جَسدي خائِب ، المِزمَار سَقط هَاوِياً مُتدحرِجا ليبتلعَه البحرَ.
لقد تدربتٌ حقاً، تدربتُ مُنذ أولَ مرةٍ سمعتُ لحنهٌ ..،
ظننتُ أَني قادِرة على مَناجَاة النُجوم للرَقص..لأجلهِ
صمّاء ..، غبيّة !

وقعُ أقدامهِ يقتربُ مِني كصخرَة صغِيرة عَلى بِركة مِياه .
صَفير؟!
لحَن مختلف تعزفهُ شفَتاه، لكِنه ليسَ بمستقِل عِن الأول .. أَيٌكمِله؟
حركات شفتاه.

بِضع لحظَات وأَكملَه، هذِه المرَة كُل شِيء قَد تمايلَ متبسماً غيرَ عنيْف ..
صِحت بغضَب للحْن الذِي أَولدتُه شفتَاه كَحركَة إختاتَمية ينحني فيها الراقصان مع إنتهاء الموسيقى .
” أحمق هذا ليس عدلا ! “
أشحت بوجهي جانبا بسخط..، لا يعلم مقدار السخرية التي عانيتها من عائلتي عندما بدأت تعلم العزف !
صوت، ضحكة مكتومة؟!
إنه يبتسم، بتعابير ممتلئة بالإمتنان .. حدق بي لبرهة ثم ناحية السماء .
شهاب، اثنان، ثلاثة .. اربعة .. خمسة!
تتساقط الشهب تباعا وكانها تتراقص! اهذا ما كان ينتظره؟!
إنه في غاية الجمال السحري..
نظرت ناحيته مبادلة له الإبتسامة .. كانت اضواء الشهب تنعكس علينا .
اطلع تصفيرة أخرى وعاود اللحن ..، بسلاسة.
عاد المسرح .. عدت انا .. والشهب كذلك ..،
مد يده لي وما زال يعزف اللحن ..،
إستدارة، خطوات سلسة يلامس فيها جسدي ويجعله يطير ثم إستدارة متكررة ..
المرح ينسكب علي .. رحت ادور وادور وادور واراه يصفر متبسما ..،
يبدو ابهت ، إنه يتلاشى.. اشعر بالدوار واريد التوقف ..خطوت على الفراغ لافقد توازني واتهاوى للأسفل ..
قبل ذلك لمحته ، لمحته يتحول لنقطة مضيئة تحلق بسرعة لتصطدم بشهاب .

ارتطمت بالماء ..، في القاع.
النجدة!
.
.
.
.
يقظةة ! انا بالحافة !
استطيع رؤية النجوم من خلالي، شفافية
.. هو لم يعد موجود ..،
عقلي يأبي الانصياع والتفكير بما حدث.
مزمار ابتلعه العشب؟
مالذي حدث لي انا لا اذكر .. ولكن تجتاحني رغبة للعزف طويلا .. للعزف ودعوة النجوم لترقص معي بلحني انا !

” إنه لحن جميل ! “

.
.
.
.
يقال أن من يستطيع سماع لحن من على الحافة، سيحرر تلك الروح وسيغدو العازف عليها.
ويتكرر الامر.

تاريخ النشر : 2019-08-26

guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى