أدب الرعب والعام

برج من اثار مدينة بابل

بقلم : مايا – العراق

وقفت قرب برج مشيد من الآجر الازرق
وقفت قرب برج مشيد من الآجر الازرق

بنى شخص عظيم برجاً من تراث العراق القديم، برجاً آجره ازرق، فيه رسومات هندسية من الآجر الاصفر، انه برج بابلي هدم من زمن بعيد، كان يستخدم للمراقبة، ارتفاعه ثلاثون متراً، لا يملك نوافذ الا في اعلى جزء منه، مرت يدي على الآجر الازرق غير مصدقة ما اراه ..

هربتُ من هزة ارضية عنيفة، هربت في ظلام مدينتي، الارض تتعرض لاعاصير وزلازل، انها النهاية، هربتُ مع اختي واخرين من الناس، لحق بنا وحش عاري الصدر اشعث الشعر يحمل منجلا كبيراً، ساقيه عبارة عن حوافر، بدا وكأنه ظهر من عصور رجال الكهف.
لكنه لم يلحق بنا بل كان يهرب معنا، ولما كان يتبع غريزته فوجد ملجأ، فتبعته وانا احث اختي ان تتبعني، لكنني فقدتها بين ازقة غطتها اغصان نباتات ميتة، واشجار ذبلت اوراقها، تبعته دون توقف، دخل في فتحة صغيرة في الجدار، فتحة خصصت لتسع جهاز تبريد، ودخلت بدوري الفتحة اتبعه …

وجدتُ نفسي سجينة في قوقعة زجاجية مع آخرين مثلي، اطفال وشباب ومراهقين يشبهون البشر من عالمي، هناك طفلة شقراء حثتني على ان اساعدها على الهرب قبل قدوم السجانة – امراة شريرة نحيفة ساقيها طويلة شعرها اسود، انفها مدبب، لا تتحدث لغتي – التي تركتنا عند اول وصولنا في تلك القوقعة الباردة كالثلج، يبدو ان الجو مثلج في الخارج، كل النوافذ مغلقة بزجاج ابيض سميك لا يمكن ان ترى ما يوجد خلفه، لكنني وجدتُ مخرجاً، الباب لم يحرسها احد، وعبرتها الى غرفة اخرى، كانت الغرفة مغلقة باربعة جدران اسمنتية، تركت فيها نافذتين صغيرتين بحجم كف اليد.

وجدتُ لعبةً كنتُ قد تركتها في منزلي، دب صغير بني اللون رث المنظر، اخذتُ اللعبة بين يدي وبكيت لرؤيته، اين انا؟ واين اختي؟ ولماذا لا استطيع العودة لمنزلي، لم اعلم!!.

حثتني الصغيرة ان نهرب، والتفتُ اليها وانا مصممة على الخروج والعودة لعالمي، وجدتُ فتحة بكبر الفتحة التي عبرتها سابقاً مع المخلوق الاشعث الشعر، تكفي لمروري والطفلة، وهربنا من تلك الفتحة…

خرجتُ الى حديقة جميلة، اشجارها عالية تدلى منها حبال، فوق الاشجار بنيت اكواخ خشبية لا اعلم الغاية منها، لكن بعض الحبال تربط الاكواخ ببعض، والاخر بقي يتدلى حتى لامس الحشائش الخضراء، الجو هنا كان ربيعي وليس مثلج كما تصورت، تلفتُ من حولي اراقب المحيط والمحيطين بي، والغريب في الامر لم يلمحني اي من السكان الداخلون والخارجون للمنزل والوافدون الى تلك الحديقة، وانتبهتُ للرذاذ الابيض الذي التصق بكتفي وجسدي عند عبوري من تلك الفتحة، كما انني كنتُ لوحدي ولم ترافقني تلك الطفلة!!. هل هذا الرذاذ هو السبب في حجبي عن الاخرين فلا يستطيعون رؤيتي؟، لكن فتاة قصيرة محدبة وجهها شيطاني شعرها اسود حييتني بإيماءة من رأسها عندما مرت بجانبي، بينما الاخرون لم يروني ..

تراجعت ودخلتُ المنزل عبر درجات بلون بني غامق، وابواب بزجاج ملون كزجاج الكنائس منقوش باشكال هندسية، دخلتُ دون ان يلمحني احد، يمرون قربي ولا يروني، لكن من يملكون وجوهاً شيطانية فقط هم من يستطعون رؤيتي، انهم كالجن ، منهم قصير ومنهم طويل القامة ، اذانهم مدببة، يرونني ولا يهتمون لامري، وكأن وجودي من عدمه لا يؤثر على عالمهم، ثم لمحتُ السجانة من بعيد واقفة تحدث حارساً ولم تراني، مررتُ قربهما وعدتُ للحديقة وعبرتها الى البوابة الرئيسي وخرجتُ الى الشارع اهرب من ذلك المنزل الغريب، وعبرت الشارع العريض الذي يشرف على ضفة نهر.

العالم الذي انتقلتُ اليه كان مختلفاً عن عالمي، شوارع عريضة ونظيفة، عربات تجرها مخلوقات بالوان لم ارها من قبل، وسيارات حديثة تطير بارتفاع منخفض عن الارض، انهر صافية وابنية باشكال هندسية غريبة، خماسية الجوانب او مكعبة ونوافذها وممراتها دائرية، ومنها مخروطية حلزونية غير مستقيمة، نوافذها مثلثة. هذا العالم لا يتحدث سكانه لغتنا، اشكالهم غريبة رقبتهم طويلة اجسامهم نحيفة، طوال و قصار القامة، ملابسهم غريبة ايضاً.

من بعيد اقتربت عربة سوداء، تجرها فتاة نحيفة طويلة حالها حال جميع المخلوقات هنا، ترتدي جزمة سوداء تصل حتى وركها، وملابس ضيقة وردية ، وقفازات سوداء حتى كتفيها، وشعرها اسود مرفوع بتسريحة ذيل حصان، جرت الفتاة العربة بحبال من الجلد حول كتفيها وخصرها وبين قدميها. واقتربت نحوي، ووقفت وحدثتني، لهجتها غريبة، فهمت كلمة “تفاحة” وبقيت تردد هذه الكلمة وتشير نحوي، هل تعنيني بهذه الكلمة؟! لم افهم ما تقوله.

وتوجهتْ الفتاة نحو المنزل الذي خرجتُ منه لتوي، ثم عادت الي واشارت الى العربة، واستندت بيديها على الارض، فتحولت الى مخلوق كالحصان باربعة ارجل، وعلمت انها ستاخذني الى مكان ما. وصعدتُ معها وقادتني في طرق غريبة بغرابة هذا العالم وانفاق عجيبة مضيئة، قادتني نحو ساحة مألوفة، ووقفت قرب برج مشيد من الآجر الازرق، نقشت عليه رسومات بابلية هندسية ورسوم لحيوان بالآجر الاصفر حوط جدران البرج، ترجلتُ من العربة واتجهت الى البرج وانا اميزه، هذا البرج الذي رأيته ينتمي لهذا العالم، وليس لعالمي..

تاريخ النشر : 2019-09-01

مايا

العراق
guest
8 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى