أدب الرعب والعام

اشا -ASHA  – الجزء الأول

بقلم : احمد ابراهيم سليم – مصر
للتواصل : [email protected] – فيسبوك Aibra22

أطلق لغضبه العنان وهو يغرز أظافره وأسنانه الحاده في أجسادهم

 

صوان العزاء.

ليلة الأربعاء ، الساعة 1:44 بعد منتصف الليل ، خيّم الصمت المطبق على المكان إلا من صوت نهام البوم ونقيق الضفادع وحفيف أشجار الصفصاف والتي كانت تشبه في ظلمة الليل وحوش ( لافكرافت )المرعبة التي اصطفت على جانبي الطريق الترابي متربصة بالسائر الوحيد وسطها والذي ارتعشت أطرافه وتصلبت أصابعه الممسكة بلمبة الجاز التي تنير له جزء من الطريق في حين قبضت يده الأخرى على جاروف يستخدم للحفر ، في نفس الوقت الذي ضاقت فيه أنفاسه وكاد قلبة يقفز من مكانة وهو يدور بعينية في وجل فيما حوله

، كان متجه إلى المقابر التي تقع في نهاية ذلك الطريق الترابي والتي يفصل بينها وبين بلدته البلابصه ، ترعة صغيرة يعبر فوقها جسر خشبي مهترئ ، كان يعلم أنه يجب أن يصل إلى المقابر  في تمام الثانية صباحاً لكي تلائم الطقوس التي ينوي إقامتها وقت اقتران زحل بالقمر.

اعلم وفقني الله وإياك أن أوقات الله لها خواص وتلك الخواص هي مراد السائل الطالب وسر الخواص في الكواكب واقترانها فمن الكواكب ما يأتي بالرزق ومنها ما يأتي بالعمر المديد ومنها ما يشفي من الأسقام ، فيجب عليك وفقني الله وإياك اصطفاء الأوقات التي فيها طلبك فأما من اشتهى الرزق فعلية باقتران زحل بالقمر .

كان هذا جزء من نص الصفحات المهترئة والتي وجدها في أغراض جده لأمة الذي توفي منذ ستة أشهر ، عندما بدأت حياته بالانقلاب رأساً على عقب ، فبينما يقف في الصوان لتلقي العزاء في جده والقارئ يصدع بالقران (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ) حتى شعر بتنميل وتراخي غريب في أسفل قدميه ينتشر بسرعة ليصل إلى بطنه ثم إلى كتفيه و رأسه  مع تشوش قوي في العينين ، فأنهار أرضاً ثم بدأ ذلك التراخي في التحول إلى صداع شديد في الرأس كاد يشعر معه أن عينية ستنفجر ، مصحوباً بألم رهيب في الصدر والبطن ، فبدأ في الصراخ والتلوي فتوقف القارئ عن التلاوة وألتف جموع المعزين حول الأول ملتاعين متسائلين : ما الذي حدث لك يا فتي ؟.

فأجابهم الصراخ الذي أستمر لخمسة دقائق حتى وصل الطبيب الذي حاول تهدئته فانقطع الصراخ فجأة وعم الصمت ، وبدون سابق إنذار انتفض الطبيب من مكانه في هلع وصاح : الله اكبر …. لا اله الا الله .. قل أعوذ برب الفلق.

فتطلع المعزون في لهفه إلى مكان تحديق الطبيب ليجدوا زين ابن العطار الذي كان يتلقى عزاء جده منذ قليل قد تغيرت حالته وانقلبت سحنته إلى مسخ دميم بشع مشوه ، جحظت عيناه وتحولت إلى لون أسود قاتم . تفيض بالدماء ، برزت أسنانه خارج فمه وتشابكت ، تشقق نصف وجهه الأيسر وامتلئ بالثقوب الصغيرة المقززة ، نمت أظافره بشكل عجيب وكسي شعر كثيف يدية وقدمية وصدره ، فهرول بعضهم هاربين في فزع أما البعض الأخر فأنهال عليه بالعصي مع تشكيله من ضربات اليدين والقدمين ، أما زين ما أن توقف الألم حتى نظر إلى الطبيب ليجد الضياء قد صار في وجهه ظلام وانقلبت سحنته وانتفض فبهت من ردة فعله ، والتفت إلى جموع المعزين فتفاجأ بهروب بعضهم واندفاع الباقيين نحوه منهالين علية ضرباً وتقريعاً ، كان يتلقى الضربات متسائلاً في حيرة :

ما الذي يحدث ؟.

ماذا فعلت لهم ؟.

هل هؤلاء القوم مجانين ؟.

أنهى التساؤلات ضربة عنيفة على رأسه أنكسر لها عكاز الحاج عوض سليمان عمه ،

وبالرغم من أن الضربة لم تشعره سوى بألم طفيف بشكل عجيب إلا أن حفيظته قد ثارت واحتد غيظه لأنه لم يفعل شيء يسيء إليهم هذا أولاً ، أما ثانياً فلأنها قادمه من هذا الشخص السمج ، الفظ ، ثقيل الظل ، غليظ الطبع ، الجلف ، الذي استولى على أرض أخيه ظلماً وعدواناً مستغلاً مرضه و أنه لا يملك سوى زين الذي يقول عنه دائماً : إنه شاب تافه لا تعطوه اهتماماً.

فتجاهل الضربات الأخرى الموجهة إليه و حرر صرخة كانت حبيسة صدره منذ فترة طويلة خرجت من حنجرة ليست له وبصوت لا يعرفه مع اندفاعه مفاجأة تجاه عمه أمسك فيها عنقه بيسراه فأبصر أمارات الخوف للمرة الأولى باديه واضحة جلية على وجه الحاج عوض الذي لم يكن ينظر إليه بل إلى شيء فوق كتفيه ، فتجاهل نظراته وسنوات عمره الستين واستجمع قوته و غضبه اللذان يشعر بهما بهذا الشكل لأول مرة في حياته و أودعهما قبضته اليمني و أغمدها في وجه عمه الذي ما أن أفلت عنقه حتى وجده يسقط من ارتفاع مترين فوق سطح الأرض ، وقف للحظات يحدق في عمه الذي تكوم مغشي عليه وتفجرت الدماء من وجهه حتى انتبه إلى أنه لا يقف على الأرض بل يحلق في الهواء ، فنظر مشدوهاً إلى المعزون الذين كانوا ينهالون علية ضرباً منذ ثواني معدودة والتي ارتسمت ابشع آيات الهلع على وجوههم ثم تفرقوا في كل أتجاه صائحين : عفريت يا ولد …… عفريت .

انقبض صدرة ثم تحول ببصره إلى النقطة التي كان ينظر إليها عمه قبل أن يفقد الوعي ليجد أنه قد نبت له جناحين أسودين ، ارتعدت فرائسه و أرتبك للحظات كانت كافيه لتفقده توازنه ليهوي أرضاً إلى جوار عمه ، استند على يديه محاولاً الوقوف ، أبصر أظافره التي نمت وشعر يديه الذي غزر فازداد فزعاً فوق الفزع ، تحسس وجهه ليجده قد تشوه ، نظر حوله فوجد نفسه وحيداً بعد أن هرع الجميع ، هام فزعاً محتاراً متخبطاً متجهاً إلى منزله المكان الوحيد الذي يشعر فيه بالأمان ليجد أن البلدة قد أصابها الاضطراب ، كلما مر على قوم هرعوا منه أو تقاذفوه بالحجارة ، لكنه بالرغم من معاناته كان يحس بنشوه خفيه ، نشوه الهيبة التي لم يشعر بها طوال حياته ، الهيبة التي طالما تمناها ، وصل إلى بيته فأستند على باب محل العطارة الخاص بوالده ثم إلى الحائط الطيني الذي تأكل طلائه ، ودق الباب في أعياء بدأ يسري في عروقه على عكس الدقائق الماضية ، فتحت والدته الباب و بهتت للحظات وهو يدلف إلى المنزل وقالت :

ما الذي حدث لك يا زين ، مع من تعاركت يا ولدي ؟.

تجاهلها وهو يستعجب من ردة فعلها المختلفة عن ردود الفعل التي واجهها طوال هذه الليلة الغريبة ، فتسأل مرة أخرى : ماذا بحق شياطين جحيم دانتي الذي يحدث لي ؟ ما هذا السؤال الغير متوافق مع مظهره الذي جعل قرية كامله تفر من أمامه ؟ ألا ترى الأجنحة التي تشبه أجنحة الشياطين ؟ في ماذا كنت أفكر حتى أعود بهذه الهيئة إلى المنزل ؟ هل أنا احلم ؟ هل رامز جلال ترك دبي وفتح فرعاً في الصعيد ؟ هل هذا مشهد من فيلم أو رواية سخيفة من النوع الذي يحاكي (مملكة الخواتم) أو (هاري بوتر) أو حتي (شيفرة دافنشي) بشكل رديء ؟ ما لذي يحدث ؟ ما لذي يحدث ؟.

دارت الأسئلة في رأسه وهو يتسند على الحائط متجهاً إلى غرفته إلى مرأته ليري ما الذي دهاه وبشره رماه ، اقترب من المرأة مترقباً ليرى وجه الشيطان الذي تلبسه وكانت المفاجأة ، لم يجد أي شيء غريب في هيئته سوى بعض الكدمات المتفرقة في الوجه وبعض الدماء التي تناثرت على خديه وكأنها كانت تسيل من عينيه وجرح غائر في رأسه بدأ يشعر بألمه تدريجياً ، تحسس وجهه و رأسه بشك ، تراجع بقدميه إلى الخلف وقطب حاجبيه في دهشه : هل كل هذا من وحي خيالي ؟ هل هذه هلاوس ؟ هل عزلتي للقراءة أصابتني بالجنون ؟ وماذا عن هؤلاء الناس الذين صرخوا عفريت …. عفريت ؟ وماذا عن الارتفاع عن سطح الأرض ؟ وماذا عن هذه الثقوب في جلابيتي ؟.

لا ، أنا لا أحلم ، قالها في استنكار ، كاد عقله يشت لولا أن سمع هرج ومرج قادم من الخارج مع دقات عنيفة على باب المنزل ، فسحب فوطه من على يد سريره المذهب ولف بها رأسه وخرج إلى الصالة ليستطلع ما يحدث ، فوجد أخته هناك تنظر إليه في جزع قائله : ماذا حدث لك يا أخي ؟.

رد عليها في شرود وهو ينظر إلى أمه التي اتجهت للباب : لا شيء يا ورد ، اذهبي إلى الداخل ، انتظري يا أمي سوف افتح ا……….

لم يكمل جملته حتى وجد باب منزلهم الخشبي ينخلع من مكانه وينهار فوق أمه التي اطلقت صرخة مكتومه و وقعت على الأرض تحت الباب الذي ظهر من ورائه عمه عوض والدماء تغرق وجهه و معه ولديه والشر يطل من أعينهم والسلاح يلمع في أيديهم ، نقل بصره بينهم وبين أمه التي رقدت أرضاً فاقده للوعي و أخته التي انكبت عليها محاوله إنعاشها ، فركلها أبن عمه في وجهها ، فاندفعت الدماء الحارة إلى رأسه وثار بركان الغضب بداخله وتطاير الشرر من عينية فأنقض عليهم في قوة وشجاعة لم يعهدها في نفسه سوى من دقائق في صوان العزاء ، تجاهل الرصاصات التي تطايرت حوله وهو يقذف بنفسه تجاههم و يدفعهم بعنف خارج منزله ليشعر بها مرة أخرى بالأجنحة وأظافره التي تنمو وشعره الذي يغزر والزمجرة الحيوانية التي تحتل مكان صوته العذب ،

تجاهل كل هذا وقد أطلق لغضبه العنان وهو يغرز أظافره وأسنانه الحاده في أجسادهم وينتزع أحشائهم في مشهد أشبه بأفلام الزومبي والصريخ والعويل والاستعاذات والتكبير يرتفعون من حوله ، انتهى منهم بعد أن حولهم إلى كومة من اللحم غير واضحة المعالم ، نظر حوله ليجد المكان خالي تماماً إلا من أخته و أمه التي أُغشي عليهما وأبيه الذي حضر في الفصل الأخير من المسرحية بظهره المنحني وعكازة الذي استند عليه مع اتساعه عينيه وانفراجة فمه في مشهد اقرب إلى لوحة الصرخة ، حاول زين الاقتراب منه لكنه رفع عكازة وهو يقول : بسم الله الحفيظ ، من أنت يا ولد الشياطين ؟.

حاول زين أن يرد عليه ، لكن بدلاً من صوته العادي خرجت الزمجرة الشيطانية مع تقدمه تجاه والده ، عوامل جعلت الأخير يلوح بعكازة ويقول : قل أعوذ برب الناس ، أبتعد من هنا لا تأذينا ولا نأذيك ، ابتعد.

حاول أن ينطق ، أن يتلفظ ، أن يحاور ، لكن صوته أختفى ، وعلا من خلفه صوت صفارات النجدة فألتفت إليها وإلى الجثث التي تكومت أمام عتبه منزله و إلى والده الذي تحول إلى Van helsing بعكاز ، فحسم أمره وانطلق يعدو مفزوعاً داخل أراضي الذرة المجاورة لمنزله ليختفي وتنتهي تلك الليلة المشؤمة ، وصل زين إلى المقابر بعد أن عبر الجسر المهترئ بحذر وهو مطفئ الأنوار خوفاً من أن يراه جميل عبد القوي الذي يسقي أرضه في هذه الساعة المتأخرة كما يفعل الكثير من أهل الصعيد والريف ، أشعل اللمبة مرة أخرى و مرر الضوء على شواهد القبور ليقرأ الأسماء المحفورة عليها حتى وصل إلى القبر الثامن في نهاية الصف الأول والمكتوب عليه أسم جده ، وضع حقيبة ظهره و الجاروف أرضاً و لمبة الجاز على القبر والتي انعكس ضوئها على ملامحه التي عادت إلى طبيعتها إلا من بعض الجروح والخدوش ، خلع جلبابه والكلسون والسديري الأبيضان وتبعهم بالملابس الداخلية حتى صار عارياً تماماً ،  فدبت قشعريرة في بدنه الذي فقد الكثير من وزنه وبرزت عظامه في مشهد تفوق فيه على كريستيان بيل في فيلم the machinist ، ثم افرغ الحقيبة والتي كانت تحتوي علي جلد ماعز متسخ ، زجاجتان مليئتان بالسوائل ، صفحات الكتاب الذي وجدها في غرفة جده ، سكينة مطبخ ، ريشتان واحدة لغراب والأخرى لبومة ، مجموعة من عظام الحيوانات ، كيس ممتلئ أرز ، بخور البان ، شمعة ، ولاعة ، منبه قديم ، رأس كلب أسود ، عقد ذهبي مطعم بياقوتة حمراء ، خصله شعر نسائية ، قطعه قماش مشجرة ، بدأ الطقوس بضبط المنبه على أربعين دقيقة ثم التقط إحدى الزجاجتين ومزج خليطهما معاً والذي كان دماء ثعبان الدساس الذي اشتراه من سوق الجمعة الموجود في القاهرة وسائل منوي واظب على استخراجه يومياً طوال فترة اعتكافه الثمانية أيام الماضية ، أخذ يقلب المحتويان المقززان بحرص حتى امتزجا معاً ثم أضاف إليهما العنصر الثالث في التركيبة عندما فتح الزجاجة و قضى حاجته داخلها ، وقلب المحتويات مرة أخرى و أزدرد لعابه في تقزز وتردد للحظات ثم قام بأول خطوة من خطوات الطقس ، وضع الزجاجة على شفتيه وشرب القليل من المخلوط النجس ، تمضمض به ثم بلعه كما هو موجود في المخطوطات ، شعر بلزوجته وهو يقطع المريء في بطء مع رائحة نفاذة وطعم لزج مر تحت لسانه وعلى جدران حلقه مع مقاومة شعور قوي بإرجاع ما في معدته ،

ثم أخذ المخلوط وسكبه على جسده وشعره ليغتسل به وهو يرتل التعازيم الشيطانية ، ثم جلس عكس اتجاه القبلة و أخذ جلد الماعز وفردة أمامه والتقط ريشه الغراب و أخذ ما تبقي من السائل وجعل يغرس فيه الريشة ثم يرسم على جلد الماعز نجمه خماسية وخط على زواياها ، وفي وسطها حروف وكلمات عبرية وسريانية كثيرة ومتشابكة ، وهو يردد نفس العزيمة ثم أخذ ريشه البومه و رسم دائرتان مختلفتان القطر حول النجمة وكتب بينهما عدة كلمات وحروف عبرانية وسريانية مرة أخرى ،

ثم خط مربع أسفل النجمة مكون من سبعة وعشرين صف وعمود ، وبدأ بكتابة آية قرانيه معكوسة الحروف في الصف الأول ، وتحت كل حرف كتب عدة أرقام استنتجها بمعادلة منصوصة في المخطوطات التي معه ، ثم في أسفل الجلد أضاف الرقم المعجز ستون) و قسمه إلى ستة أرقام أخرى

40 4 2 6 8 1 ، ثم أخذ كيس الأرز و أفرغ محتواه فوق النجمة الخماسية ، ثم أخذ عظام الحيوانات الأربعة و وضع كل واحد منها على أحد زوايا النجمة ، ثم التقط سكينة المطبخ وجرح يده وهو يرتل وسكب دمائه وسط الأرز ، ثم وضع السكين على الزاوية العليا للنجمة وألتقط الشمعة وأشعلها ، ثم وضعها على قمه جبل الأرز ثم التقط كومه البخور وأشعلها و وزعها على باقي أضلاع النجمة ، ثم بدأ في السجود والقيام أمام جلد الماعز وهو يرتل التعازيم ، استمر في السجود والقيام لمدة أربعون دقيقة ،  كان اكتسب اللياقة لفعل هذا مع المواظبة على رياضة النفس ، في فترة اعتكافه الإجبارية والتي يجب أن تسبق تلك الطقوس بثمانية أيام متواصلة يبقى في انقطاع تام عن العالم في غرفة مظلمه أمام شمعة مردداً أوراداً و أذكاراً وأقساماً في أوقات معينه من اليوم ، لا يتناول سوى كسرة خبز كل ثلاثة أيام ، وبينما هو كذلك بين قيام وسجود إذ بصرخة طفلة انقبض لها قلبه تأتي من مكان بعيد فتوقف عن ما يفعله في ارتياع ، ثم صوت أمرأة تنتحب على الطريقة الإغريقية ، جعل الرهبة تتغلغله ويديه وقدميه ترتعشان ثم همهمات غير مفهومة قادمة نحوه من كل اتجاه جعلته يتلفت حوله في اضطراب ، بجانب عينه لمح ظل أبيض فإذا بها عجوز ترتدي رداء من الخيش المهترئ شعرها كثيف منكوش تنظر إليه وتبتسم ابتسامة غامضة مقلقة ، ثم تتقدم ناحيته بمشيه غريبة ، جمدت الدماء في عروقه للحظة

وفجأة سمع صرخة الطفلة مرة أخرى تأتي من خلفه ليجد صغيرة جاحظة العيون بشكل مبالغ فيه مقطوعة الأنف وقد برزت عظام وجهها ، وجدها تعدو باتجاهه وفي يدها سكين وتصرخ ، أنخلع قلبه من مكانه و أرتد للخلف فتعثرت قدمه في حجر فهوى أرضاً وهو ينظر إلى الطفلة التي ما أن رفعت السكين لأعلى حتي اختفت ليسمع صوت كلب ينبح ويظهر ستة توائم صلع ارتسمت على وجوههم جميعاً نفس الابتسامة الغريبة وهم يتقدمون باتجاهه و يشيرون بأصابعهم إليه في صمت مهيب ، وعلى حين غفله وجد كلب يهاجمه من الجانب ويحاول غرس أنيابه في عنقه وهو يزمجر في وحشيه ، و فجأة توقف بدون سبب وتراجع في حذر وهو ينسحب إلى الخلف ببطء وينظر إلى شيء ما بجانب لمبة الجاز ، ثم انطلق يعدو هارباً فأعتدل زين ونظر في ذعر إلى ما كان ينظر إليه الكلب فوجد رجل يقف بصمت بالقرب من لمبة الجاز ولا يظهر منه سوى نصفه السفلي العاري بينما غرق نصفه العلوي في الظلام ،

ظل زين ينظر إلى الرجل في رهبة منتظراً منه أي هجوم ، لكن بدلاً من هذا شعر بيد توضع على كتفه فألتفت ليجدها فتاة عارية مقطوعه الأثداء والأصابع ، ذهبيه الشعر غرق وجهها في الدم ، مشقوقة العنق تتحدث وتشير إلى الرجل ، تصف شيء وتصرخ بدون أي صوت يخرج من حنجرتها ، توقفت فجأة وزاغ بصرها إلى أعلى ، ثم تمددت عينيها وفمها إلى أسفل واتسعتا بشكل مريع ليخرج منهم عدد ضخم من الديدان والعناكب والصراصير والفأران وتختفي ، اتبعها صوت صيحة هادرة من الرجل الذي شرع في التقدم باتجاه زين الذي زحف للخلف في جزع وضوء لمبة الجاز يرتفع على جسد الرجل حتى وصل الضوء إلى رأسه التي لم تكن موجوده في مكانها ، ضاق الصدر وفاض الصبر بهذه الليلة الرهيبة فأفلت صرخة مرعوبة : اشااااااااااااااااااا .

توقف كل شيء فجأة وعم الهدوء والصمت مرة أخرى لعدة ثواني أخذ فيها زين يتطلع حوله في حذر ثم أخذ بالتقاط أنفاسه قليلاً محاولاً تهدئه ارتياعه ، ثم هب من مكانه واقفاً و أتجه إلى لمبة الجاز و أمسك بها ، لكن أنشق الهواء فجأة بجوارها عن وجه فتاه جميلة تقول : وحشتني .

 

يُتبع ……..

تاريخ النشر : 2019-09-18

guest
11 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى