أدب الرعب والعام

لـوحـة – الجزء الأول

بقلم : البراء – وفاء سليمان – مصر – الجزائر
للتواصل : [email protected]

كانت أمامي لوحات من مستوى آخر وكأنها من عالم موازي

 

ملاحظة :

رغم أن القصة مستوحاة من حيوات أشخاص يعيشون معنا كل يوم إلا أنها – قد- تكون غير واقعية ومسرفة في الخيال ، والحقيقة أن هذا الإسراف لو وُجد فإنه كان لغرض الاستمتاع والتأثر لا لغرض تحطيم الواقع أو الاستخفاف بعقل القارئ .

يـزن

ما أنا الآن ؟! .

شاب في العشرينيات يجلس في مقهى شعبي .

شاب في العشرينيات بذقن عشوائية غير مهذبة وعينان تحيطهما هالة مميزة من السواد.

شاب تمر من أمامه طفلة صغيرة ضاحكة لا تعرف شيئاً عن العالم ، تقفز في مرح ، تجد بقعة من التراب الممتزج بالماء فتتجنبها بطريقة طفولية ، طريقة ملائكية.

ما أنا الآن ؟!.

شاب يجلس مع صديقه الوهمي ، يحدثه ولكن في عقله فقط .

ما أنا الآ…

“كفّ عن هذا !”.

“هاه ؟!”

“لقد نعتتني لتوك بالوهمي!”.

“نعم ، أنت وهمي”.

“إذن لماذا تحتاجني ما دمتُ في خيالك ؟!”.

“لأنني ربما كنت سأُجن إن لم تكن موجوداً ، كنت سأمشي في الشوارع أكلم نفسي ، فقط أحتاج شخصاً ما لأحدثه بين الحين والآخر، الآن أتركني وشأني ، سأناديك حينما أحتاجك”.

ما أنا الآن ؟!.

“لماذا تفعل هذا ؟”.

“عليّ أن أسأل نفسي هذا السؤال كل يوم “.

“متی ستتوقف ؟ “.

” سأتوقف حينما أعرف نفسي”.

” لماذا لا تحكي لي قصتك ؟”.

“مجدداً ؟! “.

“أجل ، أنت تخيلتني من أجل هذا أليس كذلك ؟ “.

” بالطبع ، لأنني أريد فقط أن أتكلم ، أن أحكي عما حدث لي… وللآخرين.

“تكلم إذن ، إحك”.

“من أين أبدأ ؟ “.

“منذ البداية ، منذ محمود”.

آه.. محمود ، دائماً ما كانت تصيبني وعكة تفكيرية كلما بدأت أفكر في محمود ، أدخل في عالم فلسفي نفسي عميق للغاية ، عالم نواته هي المشاعر ، كان هذا وقتها .

محمود هو فتى ثري ، رسام ، أو فنان كما يحب أن يناديه الناس ، يرسم بجد وتفان لامثيل لهما ، يضع حياته كلها فيما يرسمه ، حلمه هو أن يصبح فناناً عظيماً ، أن يرسم اللوحة فيخرس النقاد ويقرروا وضعه في خانة العظماء بجانب فان جوخ وبيكاسو ، كان نجل رجل يعد من أثری الأثرياء ، ولكنه لم يفكر قط في استغلال ثروة والده ، وصمم علی أن يشق طريقه بنفسه .

يملك إصراراً عجيباً أحسده عليه في كل لحظة أتذكره فيها ، احترمته كثيراً من أجل هذه الأشياء ،

لكن ما أحزنني وأدهشني في نفس الوقت هو أن محمود ليس لديه أي موهبة علی الإطلاق ، يرسم ما يرسم و دائماً ما تكون رسمته عبارة عن خربشة وأشياء فشل في رسمها ، و كأنه لا يزال يتعلم أصول الرسم ! .

كما تری ، بسبب هذا كدت أن أفقد عقلي ، محمود صديقي منذ الصغر ، أعرفه قلباً و قالبا ً، مجرد رؤيته في هذه المكانة وفي مثل هذا المستنقع يجعلني دائماً أريد أن أخرجه منه ، أريد فقط أن أخبره أنه لن يصبح شيئاً مهما حاول ، ليس لأنني لا أؤمن به ، بل لأنه ظل يرسم لمدة عشر سنين ، يرسم ويرسم و يرسم  وفي النهاية يكون الناتج رسمة غير مفهومة ، لو كانت هناك نتائج لكانت قد ظهرت منذ زمن .

لا أخفيك سراً ، كنت أحياناً أحس أنه يقصد أن يرسم بسوء ، أقصد أن الإنسان مهما انعدمت لديه الموهبة لفعل شيء ما فإنه إن ظل يفعل هذا الشيء مراراً وتكراراً فلا بد من أن يتحسن في النهاية أليس كذلك ؟! حسناً مع محمود أشعر أنه يتأخر ولا يتقدم ، من الناحية الأخرى أسأل نفسي سؤالاً أجده مزعجاً دوماً ، هل أنا قادر علی تحطيم حلمه ؟!  علی إفقاده لعزيمته ولأمانيه ؟! هل حقاً سأستطيع أن أفعل هذا بدون أن أفقد جزءً من عاطفتي نحوه ؟! .

ولهذا دوماً وقتها كنت أغرق في دوامة من التفكير كلما كنت أفكر في معضلة محمود ، أغرق لدرجة أنني أنسى معضلتي الخاصة ، هيام ..

هيام ثم هيام ..

إنني لهائمٌ مع هيام ، وهي حقيقة من حقائق العالم ، كالجاذبية وسرعة الصوت ، هي تلك الرقيقة التي لا يمكنها أن تفعل أي شيء آخر سوی أن تكون رقيقة ، كانت تدرس بكلية الفنون أين يدرس محمود ، هناك رأيتها ، كانت فتاة جميلة أحببتها وهِمت بها والباقي كلّه لا يهم .

ما يهم حقاً هي الطريقة التي تنظر بها لي ، وجدتها نظرة هادئة تخفي ورائها سؤالاً ، وبالتأكيد هو ليس حباً من طرفها أو شيئا من هذا القبيل ، سأكون أحمق إن ظننت هذا ، كانت وكأنها تريد أن تسألني ، لكن تسألني عن ماذا ؟ هذا هو السؤال …

القصة الحقيقية بدأت عندما استيقظتُ ليلاً علی صوت طرقات عصبية علی باب شقتي ، الجرس يرن بلا هوادة والطرقات تزيد بشكل مثير للأعصاب ، أحسست أن هناك مصيبة من نوعٍ ما فاستيقظت فزعاً وهممت مهرولاً نحو الباب ، فتحته لأجد منذر جاري يقف هناك بوجه ممتقع يتلعثم بكلمات غريبة ، سرعان ما فهمت رميه ، ثمة من يموت ، وأنا طبيب ، الطبيب ينقذ من يموت ، للأسف الأمور لا تعمل بهذه الطريقة أبداً .

بمرور الوقت الذي استغرقناه في الوصول إلی الشخص المعني كان الكتاب قد أغلق ، قُضي أمر الله .

الآن هنا ، هنا بالذات بدأ كل شيء ، هنا بدأت العجلة تدور ، وبدأ الزمن يتحرك ، ما الذي حدث ؟! أشياء ما كان من المفترض لها أن تحدث .

بعد أن انتهي كل شيء وحينما سألت نفسي ما دوري في كل هذا لم أتوصل لإجابة سوی أنني كنت سفيراً بين نزاعات البشر النفسية ، ولأن السفير يتأثر دوماً بقضيته فقد تأثرت بقضاياهم ، الأمر الذي تركني علی حافة الجنون .

دعني أكمل وستعرف ما قصدته .

بعد هذه الحادثة بفترة وبطريقةٍ ما بدأ منذر بالنظر نحوي علی أنني سبب رئيسي في موت شخصه العزيز، نظرات تقول أنه كان يجب ألا يكون نومي ثقيلاً هكذا ، أو أنني مثلاً كان يجب علي أن أظل مستيقظاً ، لم أجادله و لم أرد عليه بطريقة ساخرة قط ، راعيت مشاعر الرجل وحزنه علی فقدانه لشخص عزيز عليه ، فقط كنت أصمت رداً علی كلامه ، ظننت أنني هكذا أتجنب خطأ كبير ، ولكن اتضح أنني كنت أفتح الباب لخطأ عملاق .

منذر ظن أنني ولصمتي فإنني أعترف بأنني مخطئ ، وبدلاً من أن يهدئه هذا الأمر زاده غضباً ، كان هذا هو ملخص علاقتي بمنذر آنذاك ، لم تتغير الأمور أبداً.

مرت سنة كاملة علی هذه الحال ، أيامها كنتُ قد تخرجت لتوي من كلية الطب وأعمل في مستشفى المدينة بأجر زهيد منتظراً حدوث شيء ما ليخرجني من ذلك المستنقع .

خلال فترة عملي مرت عليّ الكثير من الحالات والكثير من الأمراض وعملت في جميع التخصصات تقريباً ، تخصصي الأصلي كان العظام ، ولكن نظراً لأن المستشفى كانت قليلة الأطباء بسبب الأجر الزهيد فكان يوجد الكثير من العبء علی الأطباء هناك .

كما كنتُ أقول مرت عليّ العديد من الحالات هناك ، لم تدهشني أي واحدة سوی حالة الطفل الصغير تلك ، طفل في عامه الأول يعاني من ضعف عام في البنية الداخلية ، تشمل هشاشة في العظام ، نقص حاد في المناعة ، وأشياء أخری كثيرة لا يجب أن تتواجد في طفل بمثل هذا العمر، و إن تواجد نصفها علی الأقل فيعني هذا الموت حتماً ، هذا ما درسناه في الكلية .

ولهذا كنت دوماً أقف وحدي ليلاً في قسم الأطفال أراقب هذا الكائن المعجزة ، فقط أنظر له بينما هو نائم قائلاً في نفسي : “لو كانت الأمور علی ما يرام لكان ميتاً الأن “.

في ذلك الوقت لم أكن أعرف شيئاً عن المدعو ب-شهاب ، لا شيء سوی أنه يتولى قسم الأطفال في المستشفى ، ليس حتی عرفت قراره بإخلاء سرير هذا الطفل المعجزة ، والسبب هو أنهم لم يتوقعوا بقاءه حياً كل هذه المدة ، أما السبب الآخر والأكثر أهمية هو تخلي أهل الطفل عنه ، كدت أن أفقد عقلي حينما سمعت بالخبر، يقولون افصلوا عنه أجهزة الإنعاش التي تبقيه حياً ، نحن لا نريده حياً من الأساس ، هنا السؤال الطبيعي الذي سيخطر في بال أي بشري ، من هم أهل الطفل ؟! .

السيدة إحسان والسيد عاطف ، هما زوجان ثريان في منتصف عمرهما ، هذه هي المعلومات المتوفرة فقط عنهما ، جعلني هذا في حالة حيرة مجدداً ، لماذا يجلب شخصان ثريان ابنهما إلی هذا المكان ؟! أعني هذا مشفى حكومي ، أسوأ الأماكن المستقبلة للمرضى تقريباً ، والسؤال الأهم كيف يتخليان عنه بهذه البساطة ؟! أليس ابنهما ؟!.

أرقتني هذه الأسئلة كثيراً ولم أعرف لها إجابة حتی وقت متأخرٌ للغاية .

بالعودة للطفل بالطبع لم أستطع تركهم يفعلون هذا ، إنه طفل لا يزال حياً هل ستقتلونه ؟! هذه جريمة !

تحدثت مع شهاب كثيراً كي أثنيه عن قراره هذا ، الولد لا يزال حياً ومن الممكن أن يعيش حياته بشكل طبيعي بعد ذلك ، كان عنيداً وكنتُ مصمماً بدوري ، وفي النهاية كانت القضية إما أنا والطفل في المستشفى وإما أنا والطفل خارجه .

كان رهاني علی أنهم يحتاجونني أكثر مما يحتاجون سرير الطفل ، لم أعرف وقتها بأن الدفعة الجديدة قد تخرجت وأن واحداً منهم قد قرر البدء من حيث بدأت أنا منذ سنة  من المشفى الحكومي ، والصدفة العجيبة هو أنه يعمل في نفس تخصصي ، هذا الواحد الذي عرفته باسم حسين .

ثم وهكذا وجدت نفسي أقف علی باب المستشفى أحمل في يد حقيبة صغيرة فيها متعلقاتي  وفي اليد الأخرى أحمل كتلة صغيرة مغطاة بعناية ، طفل صغير لم يكمل عاماً واحداً ، طفل صغير علی فمه قناع أكسجين ، صدقني ذاك المنظر لم تكن لتراه كل يوم ولا كل سنة حتی .

القضية لم تكن قضية شفقة علی الطفل الصغير بقدر ما كانت قضية إنسانية بحتة ، لم يكن بإمكاني أن أری كل هذا يحدث دون أن يكون لدي ردة فعل ، ربما لو تحولتُ لتمثال في يومٍ ما لاختلفت الأمور.

لكنني شيئاً فشيئاً بدأت أدرك الورطة التي وقعت فيها ، ليس لأنني طبيب فهذا يعني أنني يمكنني الاعتناء بطفل يحتاج الرعاية، احتجت للكثير من الأشياء ، الأجهزة والمعرفة والخبرة ، وفوق كل هذا المال .

لذا بدأت بالهرولة معه من مكان لآخر ، وفي كل مرة كان يخبرني فيها موظفو الاستقبال أنه لا يمكن التكفل بنفقات الطفل عن طريق دفعات متأخرة ، كنت أفقد جزءاً من إنسانيتي ، جزءاً من شفقتي وتعاطفي مع هذا العالم .

مرت الأيام بسرعة بينما أنا أبحث وأسافر مع الطفل من مكان لآخر ، جربت جميع الطرق وفقدت الأمل ، تربية الطفل مرهقة للغاية ، نفسياً وجسدياً ، كانت فترة سيئة حقاً ، بكاء ما بعده بكاء ، ولا أعرف هل نحيبه هذا بسبب ألمه أم بسبب أنه طفل ، معضلة من معضلاتي الكثيرة معه .

علی كل حال في يومي الثامن معه وجدت أثناء بحثي إعلاناً عن مستشفى خيرية للأطفال فقط ، تستقبل جميع الحالات وبالمجان ، اتصلت بهم وقالوا : نعم أحضر لنا الطفل ! .

ربما المشكلة الوحيدة كانت هي أنه كان علي السفر مع الطفل لأربع ساعات متواصلة كي أصل إلی ذلك المشفى ، لكن حينما نتحدث عن مسألة حياة أو موت فلا يجب أن نعد هذه مشكلة حقيقية .

فجأة بدأ أن العالم كان مستعداً لتقبل هذا الطفل ، تذكرت حينئذ المثل الشهير ” في الوقت الأشد ظلاماً من الليل يظهر الفجر”، متلازمة إقراضك بعض الأمل حينما تفقده كله ، لا بد من أن هذا هو آخر ما كنت أفكر به قبل أن أغفو نائماً في القطار، فقط لأستيقظ علی صوت سكون عجيب لم أعهده مع هذا الطفل ، وجدت يده أمامي فأمسكتها لأستشعر نعومتها ، لكن ما شعرت به هو أنها كانت باردة ، أبرد من اللازم ، تحسست ذراعه و……. كان جسده كله بارداً ، برودة نسميها برودة الموتى.

حتماً تبلل وجهه بالكثير من دموعي آنذاك ، كان يفصلنا فقط ساعة عن الوصول ، و أين كنت أنا ؟! كنت نائماً ، لا أعرف هل بكى كثيراً قبل أن يتوفاه الله أم لا ؟ لا أعرف هل كان موته هادئاً أم لا ؟ لا أعرف ماذا كان سيحدث لو كنت قد بقيت مستيقظاً ، المثير أنني كنت أحتاج للنوم بشدة بسبب بكاءه في الليلة السابقة .

دعك من هذا لو ظللت أتكلم عن ما حدث لن أصمت طوال حياتي ، و ربما قد أبدأ في النحيب ويظن الناس أنني مجنون ، ما أعنيه هو أنني في النهاية دفنته بجانب أمي وأبي في مقابر العائلة ، هذا هو حفيدهما .

بعد هذا الفصل من حياتي ظننت أنني قد رأيت ما يكفي كي أكون حكيماً ، ألا أتأثر بأي شيء ، لكن في الواقع أنت ما زلت حياً إذن أنت ما زلت تتعلم ، هذه هي حقيقة الأمر باختصار .

دعني أكمل ..

* * *

مر بعض الوقت قبل أن تبدأ الأشياء الغريبة بالظهور مجدداً ، تلك التي تمثلت في محمود أولاًّ.

كنت أبحث عن عمل في كل مكان كالمجنون حينما تلقيت ذاك الاتصال من محمود ، يريد أن يراني وبشدة ، اتفقت معه علی أن نتقابل في مكاننا المعتاد ، وقد كان .

يومها كان يبدو شارداً بطريقة تجذب الانتباه ، حتماً ظننت أنه قد توصل إلی الحل بنفسه ، أنه أصبح يعرف مشكلته ، إنعدام موهبة الرسم تماماً ، كنت مخطئاً ومحقاً في نفس الوقت ، لكن لم أعرف هذا إلا متأخر للغاية كعادتي .

كما كنت أقول محمود لديه ذلك الشيء الغريب في حاجبيه ، يحركهما لا إرادياً أثناء استخدامه لعقله بجدية ، كونت نظريتي الخاصة عن هذا الأمر “حاجباه يعكسان الأشياء التي يفكر بها ، وبالطبع مدی جدية هذه الأشياء” .

سألته عمّ به بغرض الفضول ، لكنه لم يتجاوب معي بالشكل الذي أردته ، فقط نظر لي بحاجبين منكمشين ثم أخرج من جيبه علبة سجائر وسحب منها سيجارة بطريقة احترافية ، بعدها أخرج ولاعة من مكانٍ ما ثم أشعلها بطريقة أكثر احترافية .

محمود!!….. يدخن ؟! .

كانت هذه صدمة بالنسبة لي ، لم أعهده مدخناً قط ، الفتی كان يسعل حتی الموت إذا مرت بجانبنا سيارة تخرج بعض العوادم الثقيلة ، الآن هو يدخن ! .

ما أدهشني أكثر أن الطريقة التي يتعامل محمود بها مع الموضوع هي ليست طريقة مبتدئ ، إنه مدخن ثقيل و علی الأرجح هو يدخن منذ فترة طويلة ، ليس أقل من سنة .

قال فجأة نافثاً هواءه الأبيض علی غير هوادة :

“أريدك أن ترى آخر أعمالي”.

كنت لا أزال تحت تأثير الصدمة لذا أومأت برأسي موافقاً بدون أن أنبس ببنت شفة ، لم تكن هذه أول مرة أزوره فيها لهذا الغرض بالذات ، كثيراً ما كنت أزوره كي أشاهد آخر ما رسمه بصمت ، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفا ً، في العادة كان يدخلني إلى غرفة خصصها لهذا الأمر ، مرسمه بمعنى أكثر دقة ، هذه المرة أدخلني إلی الغرفة الملاصقة لغرفته ، كدت أن أخبره أن هذه هي الغرفة الخطأ لكني اندهشت لما رأيته ، لوحات كثيرة للغاية أكثر مما توقعته .

بدأت أقترب أكثر من اللوحات وأفحصها ، الانطباع الأول ، هل يمكن أن تُرسم هذه الأشياء ، هل يمكن أن توجد مثل هذه الأشياء ؟!

كانت أمامي لوحات من مستوى آخر وكأنها من عالم موازي ، شيء لم أره من قبل قط ، لقد رأيت الكثير من اللوحات المبهرة لكن هذه ، هذه مرحلة أخرى من الإبداع ، من الجمال ، عالمٌ آخر تماماً .

مع كل لوحة أنظر لها تصيبني القشعريرة ، ينتصب شعر رأسي ويدق قلبي بعنف ، ما هذا الذي أراه ؟! .

ثم رأيت تلك اللوحة ، منزلٌ ما في بقعة أرض يشوبها البياض ، قد يبدو الأمر طبيعياً لوهلة لكنه ليس كذلك ، نهائياً و علی الإطلاق ، أشياء خياليةٌ كانت هي محتوى اللوحة الحقيقي .

ركعت علی قدمي أتأمل اللوحة التي كانت علی مستوى منخفض ، فجأة سمعت صوت محمود من خلفي :

– “نعم هذه من المفضلات عندي ، منزل علی القمر ، رائعة أليس كذلك ؟! “.

أفقت من الصدمة و وقفت وأنا أسأله :

– ” ما هذا ؟ “.

 

–  “رسوماتي “.

قلتُ بتعجب :

– “رسوماتك ؟!.. أنت ؟! “.

– ” ماذا ؟! ألا تعتقد أنني أستطيع رسم هذا ؟! “.

أجبته ساخراً :

“محمود الذي أعرفه لا يستطيع رسم فراشة ، إنها الحقيقة”.

رد وقد ارتفع حاجباه في دهشة :

– “الآن أنت تتخلى عن الأخلاقيات والمشاعر ؟! فيما سبق كنتَ تقول أنني أتحسن “.

ثم عاد له هدوءه وعاد بنفس الوجه الجامد قبل أن يردف :

– “علی العموم محمود الذي تعرفه يرسم في الغرفة الأخرى ، محمود الحقيقي هنا و يرسم في هذه الغرفة “.

قالها ثم رفع كلتا يديه في إشارة للمكان كله مسترسلا ً:

– “كل هذه اللوحات من رسمي ، هذا هو عالمي الحقيقي”.

أخذت أنظر للوحات حولي بانبهار لم يسبق وأن شعرت به من قبل ، كل لوحة فيها شيء ما ، لمسة قوية من الإبداع والإتقان ، قاطعني محمود مرة أخری قائلا ً:

– “هاك ، رسمتها من أجلك “.

أبعدت ناظري عن اللوحات و وجهته نحوه فإذا به يمد كلتا يديه بلوحة نحوي ، أخذتها منه بحركة تلقائية و بدأت بتفحصها ، ومن النظرة الأولى استشعرت أن اللوحة كانت تحمل ذات البريق وذات اللمسة الإبداعية اللتان تمكنت من رؤيتهما في جميع اللوحات الأخرى ، بداخل اللوحة تمكنت من رؤية شخص يشبهني تماماً يجلس علی الأرض ماداً قدميه بلا هوادة ، سانداً ظهره علی ما يبدو وكأنه حائط ، ثمة حفرة ما بجانبه ، كانت صغيرة و بدء أنه يحاول أن يردم هذه الحفرة بحفنة من التراب في يده .

الجزء المثير لم يكن هنا ، الجزء المثير هو أن هذا الشخص كان ينظر للفضاء شارداً بينما كانت هناك الكثير من الأذرع التي تمتد نحوه وكأنها تطلب المساعدة منه ، هنالك يد صغيرةٌ تمسكه من ذراعه وكأنها تجذبه ، وهناك ذراع تلتف حول عنقه وكأنها تحتضنه ، وأخرى علی رأسه وغيرهم الكثير، لا يظهر قط من هم أصحاب هذه الأذرع فبعض الأذرع تمتد من خارج الإطار والبعض الآخر الذي يمتد من داخل الإطار لا يظهر له جسد ، فقط أذرع.

رسمة متقنة للغاية وتحمل الكثير من التفاصيل التي يصعب إظهارها سوى بالريشة العادية أو حتی بالقلم ، حتی أنني لا أستطيع وصفها بالشكل الصحيح .

أذكر أنني وقفت محدقاً فيها لفترة علی الأغلب تزيد عن خمس دقائق ، فقط أتأمل وأنتقل بمركز نظري من منطقة لأخرى في ذهول .

– “إحتفظ بها ، إنها لك “.

نظرت نحو محمود الذي كان يتكلم وهو يشعل سيجارته الخامسة تقريباً مذ رأيته ، لم يمنعني هذا من سؤاله :

– ” ماهذا ؟! هل هي من رسمك ؟!.

همهم بصوته مشيراً بالإيجاب ، عدت أسأله:

– ” ماذا حدث ؟! “.

– ” حدث لماذا ؟ “.

وضعت اللوحة من يدي و رددت بعصبية :

– ” لكل شيء ! للوحاتك ، لطريقتك في الحديث “.

ثم تقدمت نحوه وانتشلت السيجارة من فمه ولوحت بها وجهه قائلا ً:

– ” لهذا الشيء اللعين !”.

سحب السيجارة من يدي بهدوء ثم وضعها في فمه مجدداً و قال :

– ” بالنسبة للسجائر لم أردك أن تعرف أليس هذا واضحاً ؟! “.

قالها ثم توجه نحو اللوحة التي كانت في يدي وحملها من علی الأرض و مشى متجهاً خارج الغرفة نحو الصالة الصغيرة التي تتوسط شقته ، تبعته بينما هو يكمل حديثه :

– ” أما بالنسبة للوحات فلم أردك أن تعرف أيضاً “.

-” لماذا ؟! “.

– ” لنقل أنني لا أعتقد أن العالم مستعد لإبداعاتي ، ليس بعد “.

نظرت للوحة التي في يده مفكراً ، علی الأغلب هو محق ، هذه ليست لوحات عادية يمكن لأي شخص أن يرسمها ، بل إنني شبه متأكد من أن هذه اللوحات ربما قد تحدث ثورة في عالم الفن المعاصر إن خرجت للعلن ، رددت عليه بغضب :

– ” كم من السنوات مرت علينا ؟! ثلاثة عشر ؟!”.

– ” لقد استمتعت بهذا “.

– ” بألا تخبرني؟! أنا صديقك !”.

تلفت نحوي ونظر في عيني قائلاً :

– “النظرة في عينيك حينما ترى اللوحات وتعتقد أنني لست مؤهلاً لأن أكون أي شيء ، قتالك البائس من أجل ألا تخبرني بأنني لن أنجح أبداً في هذا المجال ، شفقتك تجاهي واعتقادك الخاطئ عني ، كنت أعرف هذا ، رأيته في عينيك كل يوم ، وكأنك تريد إخباري ولكنك تمتنع لكي لا تحبطني ، وهذا هو الجزء الممتع في الأمر برمته”.

تملكني الغضب فجلست صامتاً أفكر فيما قاله ، عاد يردف وقد صار صوته أكثر جدية :

– ” لقد قمت بزيارة الطبيب ، طبيبي النفسي ، قال إنني مريض نفسي وأحتاج للعلاج ، لكنني لم أطعه في هذا ، أفضل أن أعيش بظنون الناس الخاطئة عني ، إنه شيء ممتعٌ للغاية “.

ضحكت ضحكة عصبية وقلت ساخطاً :

– ” أنت ؟ مريض نفسي؟! أنت الآن تبدو لي من أعقل الناس علی الأرض ، ربما أكثرهم موهبة “.

– “نعم ، لن أنكر الأمر ، لكن لن أنكر الحقيقة كذلك ، أنا مجنون”.

ثم اقترب مني وقال بصوت أشبه بالهمس بعد أن اتسعت عيناه عن آخرهما :

– “جنون العبقرية”.

تجنبت النظر في عينيه وعدت أسأله :

– “والأن ما خطوتك التالية ؟ دفن كل هذه التحف الفنية بسبب رغبتك المريضة “.

– ” لا أعرف بعد ، حتی الآن كنت أنت متعتي الوحيدة ، الآن يجب عليّ أن أبحث عن مصدر متعة آخر”.

وقفتُ من مكاني وأنا أنظره إليه ، يجب أن أرحل من هذا المكان ، لو بقيت أكثر واستمعت لما يقوله ربما ينتهي بي الأمر بالانقضاض عليه لأفتك به ، الكائن الذي يجلس أمامي لم يعد محمود الذي أعرفه ، أو أن الكائن الذي كنت أعرفه لم يكن محمود الحقيقي ، أيهما أقرب للواقع ؟! لا أريد أن أفكر ، الإجابة ستثير أعصابي في كلا الحالتين .

في النهاية رحلت من بيت محمود وأنا أحمل اللوحة إياها في يدي ، كنت مشوش العقل والتفكير لا أعرف ما الذي يجب فعله بشأن محمود ، لم أعرف قط.

لكن منذ حينها اعتبرت أنني آسف لكل لحظة ظننت فيها ظناً خاطئاً عن محمود ، ولكل لحظة شعرت بالإنسانية أو الصداقة تجاهه .

إلی هنا وانتهى الفصل الثاني من الحكاية ، ومجدداً ظننت أنني قد اندهشت بكل الاندهاش الموجود بالعالم وأنه لم يعد هناك شيء من أجل باقي الناس ، لكنني كنت أحمقاً ، القدر كان يجهز لي لعبة أكبر بكثير من كل هذه التفاهات .

فقط دعني أكمل ..

* * *

الكثير من الكوابيس.. والاستيقاظ مليئاً بالعرق في منتصف الليالي ، كان هذا هو حالي في تلك الفترة ، الكثير من نظرات الكراهية من أعین منذر كلما كنتُ أقابله علی السلم ، الكثير من الإحباط والحزن ، الكثير من كل شيء لا أطيقه ، البحث عن عمل والنظرة في وجوه من يخبرونك أنك لا تزال مبتدئاً كي تعمل هنا ، أنك فاشل لأنك طُردت من مشفى حكومية وهو ما لا يمكن أن يحدث حتی لأفشل الناس ، إنك عار علی هذه المهنة ، كل شيء بدء وكأنه ينبذني من ذاك العالم ، كل شيء كان ثقيلاً علی كاهلي .

حتی زارني الملاك ، الملاك الذي أحببته حقاً ، والذي ظننت في يومٍ ما أن العالم يقف عند قدميه ، وفي الوقت الذي ظننت فيه أن العالم يبتسم لي ، فقط أستيقظ مرة أخری لأجد أن الملاك كان يزورني في الحلم ، تخطيت هذه النقطة ، يمكنني أن أتقبل أن كل هذا كان حلماً ، لكن لم أستطع أن أتخطى نقطة أنها كانت تطلب المساعدة ، أنها كانت تبكي ، هيام تبكي !.

أول شيء فعلته ذاك اليوم كان الاتصال ببعض الأصدقاء الذين يمكن اعتبارهم حلقة الوصل بيني وبين هيام ، معلومات هيام تصلني عن طريقهم ، سألتهم عنها بلهفة تمكنت من إخفائها آنذاك ، وأتاني الرد بأنها مختفية منذ فترة ، وأن أمورها لم تعد بخير ، وأفعالها صارت غريبة ، أنت تعرف ، هذا النوع من الأشياء الذي يقلقك حقاً ، هنا قررت أن لا بد لي من وقفةٍ ما ، سأذهب لأزورها .

هي تعيش في عمارة من الطراز القديم ، تلك التي يخيفك كل شيء فيها ، درجاتها العملاقة ، الشقوق الغريبة في جدرانها ، منظرها من الخارج يبدو كقصر قديم يصلح مكانًا مثالياً ليولد فيه فرانكشتاين  أو أن يختبأ في قبوه دراكيولا ، لهذا وجدت نفسي أصعد درجات السلم بتوجس وحذر ، ولا أدري هل كان هذا بسبب رهبتي من المكان أم بسبب أنني لا أعرف ما الذي سأقوله لها إذا ما سألتني عن سبب زيارتي ؟ وسرعان ما تبخرت كل هذه الخواطر حينما رن هاتفي فجأة ، كانت مكالمة من إحدى المقابلات التي أجريتها سابقاً ، قالوا شيئاً عن أنني قد نلت الفرصة وأن الرأس الكبيرة ، رئيسهم قرر بمعجزة ما أن يعطيني الفرصة كي أكون شيئاً مهماً ، كل ما علي فعله هو الذهاب إلى مقر العمل بأسرع وقت لأن – الرأس الكبيرة – ينتظرني هناك كي يتكلم معي قبل أن أبدأ فعلياً في العمل .

مقر العمل لم يكن سوی مشفی خاص جديد نسبياً تحاول توظيف الأشجار اليافعة مثلي ، والرأس الكبيرة لم يكن سوی مدير المستشفى ، أما من كلام مُحدثي فيبدو أن المدير يمقت الانتظار حقاً .

آنذاك انقسمت إلی نصفين ، كنت أقول لنفسي “حسناً أيها المناضل ها قد جاءتك الفرصة ، ستصبح شيئا ً، عليك فقط أن تتخلى عن القليل منها ، المشاعر يا فتى المشاعر، أتذكر آخر مرة مشيت فيها وراء قلبك ؟ أتذكر؟! أوه أنا ذلك الشخص المحب والعطوف لن أتخلى عن الطفل أبداً ، لدرجة أنني سأفقد وظيفتي من أجله ، وماذا حدث بعد ذلك ؟! مات الطفل ! ماذا حدث أيضاً ؟ أنفقت مالك كله عليه لدرجة أنك بعد أسبوع كنت ستصبح مشرداً حقيقياً ، أتذكر حينما سايرت رغبة والديك بدراستك للطب ؟!  ركضت وراء مشاعرك وتركت حلمك وراءك إرضاءً لهما ، والآن ماذا حدث ؟  هما في القبر الآن بجانب الطفل ، لمرة واحدة فقط في حياتك أتبع عقلك لا قلبك ، لمرة واحدة فقط قل لا لمشاعرك ، ستفقدها ؟! ستفقد ما يبقيك إنساناً ؟! لابأس ، هذه هي الطريقة الصحيحة للحياة علی كل حال ، اسمع لا يجب عليك أن لا تتخلى عنها كلياً ، فقط لأن الوقت ضيق عليك أن تتركها مؤقتاً ، فلتعد لها لاحقاً “.

كنت أفكر وأفكر ، وذلك الجزء الآخر الذي كان يحاول أن يدافع “إنها تحتاجك ، أنت قد رأيت هذا بنفسك ، ستجد الكثير من الوظائف فيما بعد ، أما الآن فلتكمل صعودك لها ولتر ما بها أيها الأحمق”.

كانت حجته واهية للغاية ، أدركت هذا حينما وجدت نفسي أنزل درجات السلم ببطء ، كنت قد قررت للمرة الأولى في حياتي سأمشي وراء عقلي ، وظننت فعلياً آنذاك أن هذا هو الطريق الصحيح .

– “أشعر أنك ستفقد أعصابك ، هل أنت بخير؟”.

– “أنا بخير ،لا تقلق”.

– “هل أنت متأكد ؟! تبدو لي وأنك سـ.. “.

– “لا ،  لا تقلق”.

– “حسناً حدثني عن وظيفتك الجديدة إذن ؟ “.

-“وظيفتي الجديدة ؟ نعم ، قل لي هل سمعت من قبل بما يُسمی الإخصاب الصناعي ؟”.

– ” سأسايرك وأقول أنني لا أعرفه “.

الإخصاب الصناعي كما هو واضح من الاسم هو ببساطة بدء عملية الحمل بطريقة غير طبيعية ، طريقة صناعية ، هي طريقة يستخدمها من هم مصابون بالعقم ولا يستطيعون الإنجاب ،

يُنشئون لها ما يُسمى ببنك الحيوانات المنوية ، حيث يتبرع أشخاص مجهولو الهوية بها ، وهذا بالطبع بعد إجراء فحوصات مختلفة وكثيرة للغاية للتأكد من سلامة صاحب العينة وخلوه من أي مرض من أي نوع .

الأن قد تتساءل عن سبب إخباري لك بهذا ؟ السبب هو كما تری أن المشفی الجديدة كانت تتضمن ذاك القسم ، بنك الحيوانات المنوية ، والدكتور علي كان يريد مني أن أترأس هذا القسم بنفسي .

هو ليس تخصصي ولكن الأمر لا يحتاج تخصصاً ، نحن نتحدث عن شخص يقارن بين نتائج الاختبارات ويتأكد من صحتها فقط لا غير ، ولكن لماذا أنا ؟ حسناً لأنهم جميعهم رفضوا أن يكونوا جزءً من هذه المهزلة ، أي شيء عدا هذا ، هو ما قالوه .

الآن قل لي ماذا ستفعل لو كنت مكاني ؟!  هل ستترك مشاعرك وراءك مجدداً ؟!.

لا أعرف عنك ولكنني قبلت ، لا يهمني الأمر ما دمتُ لن أؤذي أحداً بطريقة مباشرة و واضحة ، كانت هذه هي فكرتي و هذا ما أقنعتُ به نفسي وقتها علی كل حال ، لم أظن أني سأعرف أشياء ستجعلني أترك العمل هناك بعد أقل من يومين ، أشياء لو كنتُ قد عرفتها قبلاً لكنت قتلت نفسي منعاً لقدوم ذلك اليوم الذي قررت فيه ترك مشاعري خلفي ، اليوم الذي تخليت فيه عن إنسانيتي حقاً ، واليوم الذي قبلت فيه بهذه الوظيفة .

اسمعني جيداً وأرجوك لا تحكم علّي ، أحكم على البشر وأفعالهم ، أحكم علی العالم ، اسمعني جيداً وتعلم عن الحياة وما يمكن أن تفعله بك في لحظة غفلة بسيطة منك ، اسمعني جيداً أرجوك وحاول ألا تفقد هدوءك إثر كلماتي ، اسمع ما حدث .

في أول يوم عمل لي كان أول ما فعلته هو إحصاء البيانات ، كان عملاً من ناحية و كان أمراً شخصياً من ناحية أخری ، قتلني الفضول لأعرف من هم المتبرعون، لم يكن هناك الكثير من الأسماء ، المستشفى تعد حديثة الإنشاء و لم تتعقد أمورها بعد ، قرأت الأسماء بتأن وتوقفت عند ذلك الاسم. “منذر عبدالفتاح” لا بد من أنك قد عرفت من هو الآن .

إنه جاري ، ذاك الذي ظل يحقد عليّ لشهور طويلة ، هل تذكرته ؟!.

بالطبع زاد فضولي وتتبعت مسار العينة حتی وجدت أنه قد تم استخدامها بالفعل ، علی من ؟! علی السيدة إحسان زوجة السيد عاطف ، الزوجان الثريان اللذان كانا في منتصف عمريهما ، هل بدأت الصورة تتضح ؟! هل بدأت تفهم ؟! .

السيد عاطف عقيم ولا ينجب ، هو يحب امرأته و يريد طفلاً منها ،  ما الحل ؟! يخبره صديقه عن ذلك المشفى الخاص الجديد ، لديهم كل شيء لازم لعملية التخصيب الصناعي ، يقلب السيد عاطف الفكرة في رأسه ويجدها شيئاً رائعاً ، فلنجرب لم لا ؟ .

يتم كل شيء بنجاح وبعدها تمر الأيام بسرعة وتجد السيدة إحسان نفسها في خضم عملية ولادة معقدة ، تتم العملية بنجاح ويخرج الطفل للعالم ، لكن الطفل يعاني من ضعف عام في البنية الداخلية ، والسبب ؟ حسناً المشفی جديدة وأخطأوا بالحسابات ، عملية الإخصاب لم تتم بالشكل المطلوب ، هي أخطاء تحدث بين الحين والآخر ! .

لكن لا بأس الطفل ليس طفلاً يستحق أن يعيش من الأساس ، هو ليس ولدنا الحقيقي و لا بد من أن هذا هو ما قاله السيد عاطف والسيدة إحسان لبعضهما البعض قبل أن يقررا الزج بالطفل في المشفی الحكومي الرخيص ، أعني لماذا ندفع مالاً في المشفی الخاص لطفل هو ليس طفلنا بالأساس ، فقط لنتخلى عنه هناك ، سيموت وسينتهي الأمر بعد كل شيء ، وهكذا تنتزع من تُدعى إحسان هذه كل ذرة إحسان وأمومة من قلبها لتترك الطفل هناك ، فقط كما رمى من يُسمى بعاطف بكل عاطفته في البحر، وفقط لينتهي الحال بي أنا من أحاول أن أجعل من نفسي أباً وأماً للطفل في آن واحد ، لكنه رحمه الله لم يعش حتی أحكي له عن أصل أبيه وأمه ، و لا زلت حتی هذه اللحظة أتأمل في حكمة موته .

ثم بعدها عرفت لماذا تبرع منذر اللعين بالعينات المقيتة تلك ، إن منذر متزوج من فتاة جميلة و كانت حاملاً في شهرها الثالث حينما داهمتها تلك السكتة الدماغية أو القلبية أياً كانت فجأة ، يصل زوجها للمنزل فيجدها كذلك ، يهرول نحو أقرب طبيب يعرفه والذي لم يكن سوی أنا ! .

أتكاسل أنا لأنني كنت نائماً وبمرور الوقت الذي نصل فيه إليها تكون قد أسلمت أمرها إلی الله ، يشعر منذر بالغضب ، هو لم يكن بجانبها في آخر لحظات حياتها ، هو أحمق كبير ، لا بد من أنها نادت باسمه كثيراً كي تستشعر وجودها معه ، لا بد من أنها قاومت الآلام فقط لتنادي عليه بينما هو لم يكن موجوداً هناك ، إنه الغضب علی ذلك الأناني الغير مسؤول الذي ينام وقتما يشاء .

إذن ما هي أمنيتها ، ما الذي كانت تقوله دوماً لمنذر؟.

” أريد أن أراك أباً و لو ليوم واحد فقط “.

بالطبع منذر لن يتزوج دونها أبداً ، لكنه يريد أن يحقق أمنيتها ، فظهر له الحل ، يمكنه أن يكون أباً دون أن يتزوج ، لقد أرادت زوجته أن يكون أباً ، و ها هو الأن سيصير كذلك ، كل ما عليه فعله هو التوجه لقسم الإخصاب في ذاك المشفی الجديد ثم سيصير كل شيء بخير .

آنذاك وحينما عرفت كل هذه المعلومات شعرت أنني أغرق ، شعرت أني أحتاج لمعجزة ما تنتشلني من الدوامة التي كنت فيها ، بتُّ أشعر أنني كلما قاومت كلما صرت أغرق أكثر وأكثر نحو القاع الذي لم لا توجد له نهاية ، فقط سأستمر في الغرق و لن أصل للقاع أبداً .

اعتقدت أن الأمر لا يمكن أن يكون أسوأ ، إن الحياة لا يمكن أن تكون أكثر قسوة ، حتی عرفت أن هيام قد ماتت !.

دعك من الأسباب ، دعك من كل شيء ، دعك من أي شيء ، فقط دعك ، هيام ماتت !.

هيام لم تعد هناك ، هيام لم تعد موجودة في عالمي ، هيام ذهبت للأبد ، هيام لم تعد موجودة في عالم الحاضر ، كم بكيت يومها ؟! لا أعرف ، لكنه بالتأكيد لم يكن بكاءً يكفي كي أخرج كل ما في نفسي من حزن وأسى ، إنني لأقسم أن وجهها ما عاد يفارق ذهني منذ أن تلقيت هذا الخبر في رسالة نصية ، الدفن عصر يوم استقالتي من المشفى الجديد .

وهناك لم يلحظ أحد بكائي الهستيري لأنهم كانوا يفعلون المثل ، هناك وقفت ودفنتها ، وبيدي هذه أنزلت التراب عليها ،  و وجدت أن دموعي تبلله فبدأت أكفكفها بأكمامي دون أن أتمكن من السيطرة عليها ، لم أكن في حالة تسمح لي بأن أنتبه لما هو حولي ولم أنتبه قط لكلمات محدثيني، إنما فقط بدء أن صوت أحدهم يشبه صوتاً أعرفه جيداً ، لم أفكر بهذا الأمر سوی بعد أن انتهى الدفن وصرت أستعيد شيئاً من وعيي الغائب عني ، جاهدت كي أتفقد ما حولي بعد أن أصبح من الصعب للغاية فتح عيني ، نظرت للأشخاص حولي ، بعضهم أعرفه وبعضهم لا أعرفه ، وتوقف ناظري عند صورة آخر شخصين توقعت أن يكونا هناك ، محمود و حسين ! .

أخذت وقتاً حتی أدركت أين رأيت حسين من قبل ، ثم تذكرت أنه هو ذلك الوغد نفسه الذي وافق علی أخذ مكاني رغم معرفته وإحاطته بجميع جوانب ما حدث ، كان يعرف جيداً أنه لو تراجع عن طلبه فسيضطرون للإبقاء عليّ في المستشفى وبالتالي الإبقاء على الطفل ، لكنه اختار أن يحصل علی الوظيفة بدلاً من ذلك ، لم أجد القوة كي أفكر في مدی كرهي لعديم القلب هذا آنذاك ، تركته كما تركت محمود وعدت أقرأ علی روحها طالباً رحمة الله ، ولم أنتبه حتی قال لي حارس القبور : أن الليل قد حل وأن الجميع قد رحلوا ، لكني لم أرحل قط ، بقيت هناك أقرأ وسط القبور بجانبها حتی طلع الفجر علی كلان ا، لا أعرف ما إذا كان ما فعلته صحيحاً أم لا ، لكني لم أستطع تركها وحيدة بأول ليلة لها في وحشة القبر .

* * *

حينها لم أكن أعلم أي شيء عن سبب وفاتها ، لم يكن الفضول هو الشيء الأساسي الذي يتوجب علّي التفكير بشأنه آنذاك ، ولا حتی التساؤل بشأن حسين .

علی أنه في اليوم التالي بدأت المزيد من الحقائق تتضح وتنجلي ، إن حسين هو أخو هيام ، هو أخوها ولكن لم أعرفه قط ، لم أعرف أي أحد في عائلتها سوی أنهم جميعاً ارتادوا كلية الطب وأنها لم تفعل مثلهم ، اختارت طريقها بنفسها ، وجدت نفسها في كلية الفنون بدلاً من الطب .

لكن إذا كان حسين هو أخوها إذن ما علاقة محمود صديقي بها ؟ هو لا يعرفها شخصياً ، إذا كان يعرفها فهو فقط يعرفها بسبب أنني أخبرته أنني أحبها ، أنني أحب فتاة تُدعی هيام وهي في نفس كليته ، كلية الفنون ، لا شيء أكثر من هذا .

ومرة أخری لم يكن لدي الوقت لجعل هذه الهواجس تدخل إلی عقلي وتتملك منه ، حالتي النفسية كانت سيئة جداً ، لم أنم الليلة السابقة لأنني كنت في المقابر معها ، صبيحة ذلك اليوم احتجت للنوم بشدة لكن لم أفعل شيئاً سوی الاستلقاء علی الأريكة محدقاً في السقف ، منتظراً حدوث أي شيء، وهنا دق جرس المنزل ، فتحت الباب لأجد أول شخص توقعته ، إنه محمود ، جاء ليطمئن عليّ وليكشف لي بعض الحقائق الأخرى عن حقيقة علاقته بهيام.

أذكر أنني كدت أن أفقد الوعي عدة مرات أثناء حديثنا لكن لا زلت أتذكر تفاصيل هذا النقاش حتی لحظة معينة ، أذكره وقد بدأ يعرض لي بتروٍ حقيقة كل شيء قد حدث لهيام بقوله :

-“أنا فاشل” .

لم أرد عليه ليردف:

-” ألن تقول شيئاً ؟!”.

رددت بنفاذ صبر :

– “محمود ماذا تريد ؟! ليس وقتاً جيداً لهكذا حديث”.

“بل صدقني هو الوقت المناسب تماماً “.

قالها ثم أخرج علبة سجائره وسحب واحدة منها ، مدّ يده بالسيجارة نحوي وقال :

– ” أتسمح لي ؟! “.

ولم ينتظر إجابتي فأشعلها وسحب منها نفساً سريعاً قال وهو ينفثه :

– “لم أتخيل أنني قد أخبرك بهذا يوماً ، لكن البقاء لله !”.

قلت بصوت عال بعض الشيء وقد بدأت أفقد اتزاني :

– “ماذا تريد ؟!”.

نفث هواءه الأبيض مجدداً وقال :

– ” أريد أن أخبرك بالحقيقة ليس إلا ، و لأفعل هذا عليك أن تعدني ألا تفقد أعصابك ، تحامل معي واسمعني حتی النهاية بعد إذنك”.

– “هل سيطول الأمر قبل أن تخبرني ماذا تريد ؟!”.

– “حسناً ما دمت متعجلاً ، لا أعرف هل ستتقبل الأمر لكن هي الحقيقة، برأيك ما هو سبب موت هيام ؟ “.

لم أرد عليه وأخذت أفكر ، لا تهم الأسباب ما دامت النتيجة واحدة ، لا يهمني أي شيء ، هيام قد ماتت وهذا أمر مفروغ منه.

أردف محمود بعد أن رأني شارداً :

– “هيام ماتت بسبب جرعة زائدة من مخدر كانت تتعاطاه ، وصدقني هذه هي الحقيقة ، جزء منها علی الأقل “.

همهمت متسائلاً عما قاله ، فاسترسل :

– “كما سمعت ، هيام كانت مدمنة مخدرات ، لا بد من أنك سمعت الأخبار ، كانوا يقولون أنها لم تعد علی ما يرام ، تغيرت ، ليست طبيعية ، الآن أنت تعرف السبب”.

كدت أن أضحك لكنه قال بسرعة موقفاً إياي بيده :

– “لكن هذا ليس كل شيء ، هيام كما تعلم ليست بهذا الثراء الذي يسمح لها بشراء المخدر الذي تريده بالكميات التي تريدها ، لذا فقد احتاجت للمال …”

سكت قليلاً وكأنه يحاول ترتيب جملته ثم نطق بها دفعة واحدة وكأنه كان يريد أن يجهز عليّ :

“وأنا ثري كما تعلم ، لذا أعطيتها المال ، والمقابل…. كان تلك اللوحات التي رأيتها ، نعم لم تكن لوحاتي قط ، كانت لوحاتها هي ، هي من رسمتها وادعيت أنا أنني رسمتهم ، لقد كذبت عليك حينها ، فأنا ابتعت منها الكثير من اللوحات ونسبتُ فضلها إلي ، كانت هيام موهوبة وتحب الرسم حقاً ، لهذا درست بكلية الفنون ، حلمها هو أن تظل ترسم ، فقط أن تظل ترسم لا أن تجعل الناس يرون رسمها “.

كانت الدموع قد بدأت تتجمع في عينيه ، وملامح الألم والشعور بالذنب ترتسم على ملامحه ، وشيئاً فشيئاً طارت عني كل الأفكار التي تقول بأنه يمزح معي مزاحاً من العيار الثقيل ، لم يبد قط وأنه يفعل هذا ، لم أرى هذا في عينيه ولو حتی لثانية واحدة .

آنذاك فقدت الشعور بكل ما حولي ، فقدت القدرة علی فعل أي شيء ، فقط تسمرت في مكاني أحدق في الفراغ ، وكل ما أراه حولي هو ألوان فقط لا غير ، لا معالم ، لا شيء واضح ، فقط صورة ضبابية وصوت خافت في الخلفية ، حاولت جاهداً أن أستمع للصوت فوجدته محمود وقد عاد يقول :

– ” وفي تمام الساعة الثانية ظهراً أخذت تلك الجرعة الزائدة من المخدر ثم…. لم تجد من ينقذها، قيل بعد الكشف عن سبب الوفاة أنه لو كان أحد هناك لكان من الممكن أن يتم إنقاذها “.

وجدت نفسي أقول بصوت لم أتعرف عليه :

– “الثانية من أي يوم”

– “يوم وفاتها بالطبع ، منذ يومين ، يوم الأحد”

-“……….. “

* * *

نعم لقد خمنت صحيحاً ، يوم الأحد كان هو اليوم الذي كنت أزورها فيه ، والساعة الثانية هي الوقت الذي رن فيه هاتفي ليخبروني بضرورة حضوري للمشفی ، الثانية ودقيقتين كان هو الوقت الذي غادرت فيه المبنی ، هو الوقت الذي تركتها فيه بينما كانت تحتاجني ، الوقت الذي قررت فيه أن أمشي وراء عقلي مرة واحدة فقط طوال حياتي .

بالطبع عند هذه النقطة كنت قد بدأت أهذي ولم أكن أستمع لما يقوله محمود ، لكنني من الذي فهمته منه آنذاك أنها قد رسمت اللوحة التي أعطاها لي خصيصاً من أجلي ، لوحة الأذرع تلك .

قال أنه أخبرها ذات مرة بأنني أحبها ، ومنذ ذلك اليوم ظلت تسأله دوماً عن سبب حبي لها ، ثم قررت أنها سترسم هذه اللوحة من أجلي .

هيام رسمت من أجلي ! لم تكن تحبني قط لكنها أرادت أن تعرف لماذا أحببتها ؟ ربما لو عرفت لكانت قد أحبتني ، لم تكن تحبني لكنها رسمت لوحة خصيصاً من أجلي ، لم تكن تحبني قط ……..

كما تری هذه هي قصتي ، هذه هي تجربتي في الحياة ، بالطبع ظلت هناك بضعة أمور لم أعرفها إلا متأخراً أو من باب الصدفة ، أشياء مثل أن المدعو ب-شهاب مدير قسم الأطفال لم يكن في الحقيقة سوی صانع وموزع هذه المخدرات التي كانت تتعاطاها هيام ، ألقي القبض عليه وهو قابع في السجن بانتظار المحاكمة ، كان أخوها حسين يعمل تحت إمرته وهو لا يعلم شيئاً ، لا بد أنه عرف الآن أنه كان يعمل تحت إمرة من قتل شقيقته ، لا تسألني عن كيفية معرفتي بهذا ، لا بد من أنك تدرك الآن أنني صرت أتعاطى المخدرات أيضاً ، وعلى ما يبدو أن الشيء الوحيد الذي يمنعني من أن أموت مثل هيام عن طريق جرعة زائدة هو أنني لا أملك المال مثلها ، عرفت كذلك أن هيام مرت بحالة نفسية سيئة للغاية ولهذا اتجهت لطريق المخدرات ظناً منها أنها قد تنسى آلامها هناك ، مرة واحدة من أجل النسيان ، لكنها لم تكن تعرف أنها ستقع فريسة للإدمان ، يبدأ الأمر بقرص صغير بعدها يصبح قرصاً بتركيز أعلى ، بعدها تسوء الأمور أكثر و…

دعك من هذا ، الخلاصة  لقد أخفت هيام تعاطيها طوال سنة تقريباً ظهرت عليها بعض الأعراض خلالها ، والمصيبة أنني أنا الطبيب لم ألحظ ذلك !

أياً يكن يقولون أنها مرت بهذه الحالة السيئة التي جعلتها تضع قدمها علی طريق الإدمان بسبب موت صديقتها المقربة جداً والتي كانت تنتظر طفلها لأنها – صديقتها – كانت حاملاً في شهرها الثالث ، لم أربط الأمور ولم أعرف أنهم يتحدثون عن زوجة منذر إلا بعد مرور بعض الوقت ، عرفت متأخراً أيضاً أن اللوحات التي رأيتها في بيت محمود – والذي اختفى كلياً بعد آخر محادثة بيننا – كانت جميعها تحمل حرف “H” صغير في زاوية كل لوحة ، ولكنني لم ألحظ هذا قط أثناء وجودي معه ، كنت فقط منبهراً باللوحات ، بالطبع كان هذا هو توقيعها ، هو نفسه التوقيع الصغير الخاص المذيل بجملة كُتبت خلف اللّوحة التي رسمتها هيام من أجلي .. ««من هيام.. لماذا أحببتني؟!»»

بعدها انبثقت تلك الأسئلة من عقلي ، هل من الممكن أن تكون اليد الصغيرة التي كانت تجذب ذراعي هي يد الطفل الصغير الذي مات ؟

هل من الممكن أن تكون تلك اليد التي تلتف حول عنقي وتحتضنني في اللّوحة تعود في الأصل لهيام ؟! هل يمكن أن تكون كل تلك الأيادي تعود للجميع؟! هل يمكن أن تكون الحفرة التي كنت أحاول ردمها هي في الأصل قبر هيام ؟! دعك من هذا ، ربما أنا أتوهم أن ما في اللوحة قد حدث ، أنت تعرف كما أعرف أن هذه خيالات شخص مدمن ، لا تثق أبداً في خيالات شخص مدمن ، ليس وهو جالس يتحدث مع صديقه الوهمي .

و الآن ..

هل ستُدهش لو عرفت أن القصة لم تنتهي بعد ؟! .

 

يُتبع …….

تاريخ النشر : 2019-09-24

guest
28 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى