أشباح و ارواح

فتاة أمهرست: اغرب قضية مس شيطاني في كندا

 
بقلم : حسين سالم عبشل – اليمن
للتواصل : [email protected]

 

قضية غريبة اثارت الكثير من الحيرة والخوف
قضية غريبة اثارت الكثير من الحيرة والخوف

 

في جوٍ عاصفٍ سار الرجلان في طريقهما إلى أحد المنازل بالقرب من البحيرة ، و عند دخولهما المنزل خلعا معطفيهما ، كان يبدو على أحدهم مظهر الهيبة و الوقار بزيه الأنيق الذي يرتديه و حقيبة الجلد السوداء التي يحملها ، أما الشخص الأخر فقد كان يرتدي ملابس مهترئة مثل التي اعتاد الفلاحون و رعاة الماشية ارتداءها ، و دار بينهما حوار قصير . 

– سيدي الطبيب إن حالة الفتاة تزداد سوءً ، أرجوك أن تساعدها .

عدل الطبيب نظارته و استطرد قائلاً : مما تشكو المريضة ، و منذ متى و هي تعاني من المرض؟ .

– لقد أصابها المرض منذ أيام قليلة و لكن تدهورت صحتها بسرعة مما أثار قلقنا و لهذا طلبنا قدومك إلى هنا على عجل .

– و لكنك لم تخبرني عن أعراض مرضها!.

– الأمر معقد جداً و لا استطيع وصفه و لهذا أرجو منك أن تتفضل معي لتعاينها بنفسك .

blank
كانت حالة الفتاة غريبة مما ارعب الطبيب

فُتح باب الغرفة و دخل الرجلان ، لتقع عيني الطبيب على فتاة متوسدة على السرير ، يظهر على ملامح وجهها أثار المرض و الإرهاق ، تقدم الطبيب لمعاينتها ، و لم يلبث وقتاً طويلاً حتى تأكد أن ما تعانيه تلك الفتاة لم يرى مثله طوال مسيرته المهنية و أنه أمر خارق للطبيعة ، فالسرير كان يهتز بعنف و كأن هناك أيادي خفية تحركه و حرارة الفتاة ترتفع و تنخفض بشكل مفاجئ و سريع ، كما لاحظ أن جسدها يتورم في أجزاء مختلفة ثم يعود إلى طبيعته و كأن هناك جرذان أو أفاعي تتحرك تحت جلدها ، شعر الطبيب بالذعر و غادر مسرعاً الغرفة بعد أن حقنها بحقنة مهدئة ، و أمام الموقد جلس الرجلان يتحدثان.

– ما هو تشخيصك لحالتها يا سيدي ؟.

– لا اعلم ما أقول لك ، لكن أعتقد أن عليك أن تعرضها على رجل دين فربما هي ممسوسة من قبل الشياطين .

غادر الطيب المنزل تاركاً الرجل في حيرة من أمره و خشيته أن ينفضح أمر العائلة و تصبح حديث أهل القرية و هذا ما حصل فعلاً .

فمن هي تلك الفتاة و ما قصتها ؟

blank
المنزل الذي عاشت فيه الفتاة

دارت أحداث هذه القصة بين عامي 1878 – 1879 م في قرية صغيرة تُدعى أمهرست ، التي تقع بمقاطعة نوفا سكوتيا بدولة كندا ، حين انتقلت إستر كوكس تلك الفتاة المراهقة اليتيمة ذات 18 ربيعاً للعيش في منزل شقيقتها أوليفيا تيد و زوجها دانيال ، وبالرغم من أن منزلهم كان مكتظاً بأولاد دانيال و إخوة و أخوات دانيال إلا أن إستر لقيت الترحيب و القبول بينهم ، و عاشت بينهم بسعادة كأي أسرة كبيرة فقيرة لم يعكر صفوها الفقر و شظف العيش ، و لكن هناك شيء طرأ على حياة إستر … فقد نبض قلبها لأول مرة من أجل الحب ، فأثناء رعيها للمواشي شاهدت إستر أحد شبان القرية يتبختر في مشيته و قد بدا من مظهره و ملابسه الأنيقة أنه من أسرة غنية ، وقعت إستر في غرامه و قد شعر بوب ماكنيل بذلك و صار يتقرب منها مهدياً إياها الورود و الهدايا ، و صارا يلتقيان قرب البحيرة …

لم تكن إستر تعلم أنها مجرد فراشة بريئة وقعت في شباك ذلك العنكبوت الماكر ، و في إحدى الجلسات حاول ماكنيل التقرب منها بأسلوب فظ و وقح و عندما حاولت دفعه عنها استل مسدسه من جيبه و هددها به ، شعرت إستر بالصدمة و لكنها استجمعت قوتها و ركلته بقدمها و انطلقت هاربة إلى منزلها ، لم تخبر أحداً بما حدث معها و صعدت إلى غرفتها و أغلقت الباب على نفسها ، ربما احتاجت إستر إلى بعض الوقت لتجلس مع نفسها لتعاتبها كم هي ساذجة ليخدعها ذلك الشاب بكلامه المعسول و لتبكي على حبها الزائف الذي لم يُقدّر له الاستمرار و طحنته عجلة الفوارق الطبقية بين الأغنياء و الفقراء و أحالته إلى رماد تذروه الرياح.

blank
امور عجيبة بدأت تحدث في المنزل

لم يمر وقت طويل حتى استطاعت إستر جمع شتات نفسها و عادت إلى حياتها الطبيعية ، و لكن هناك أمور و أحداث غامضة بدأت تظهر في ذلك المنزل و ارتبطت بوجودها ، و أول تلك الأحداث عندما كانت تذهب للنوم على فراشها كان الجميع يسمع أصوات صرير و ضجيج يصدر من أسفل السرير ، مما دفعهم إلى الاعتقاد أن هناك وكراً للفئران بسبب قذارة إستر و عدم تنظيفها لأسفل السرير ، و صارت محل سخرية من جميع أفراد العائلة .. لكن ما لبثت ضحكات السخرية أن تحولت إلى صرخات من الفزع عندما اكتشفوا أن ذلك الضجيج لم يكن بسبب الفئران بل من قوى خفية تهز السرير بعنف.

و تطور الأمر عندما أُصيبت إستر بحمى غريبة .. اذ ترتفع حرارتها تارة ، وحينا يتحول جسدها إلى ما يشبه قطعة من الجليد! .. هذا بالإضافة إلى تورم غريب يظهر ثم يختفي في جميع أنحاء جسدها ، و بعد أن عاينها الطبيب اقترح على عائلتها أن تُعرض حالتها على الكنيسة حتى يقرر رجال الدين ما إذا كانت هذه حالة مس شيطاني أو ضرباً من الجنون!

ترددت العائلة كثيراً قبل أن تخبر الكنيسة ، فخبر مثل هذا سوف يثير ضجة كبيرة و ربما يتعرضون للأذى و الطرد من سكان القرية بسبب وجود ساحرة في منزلهم ، كان رجال الدين أكثر تفهماً لحساسية الموقف و قد تعهدوا بكتمان الأمر ، و في غرفة شبه مظلمة يتخللها ضوء خافت من مصباح الزيت المثبت على أحد الجدران ، وقف ثلاثة من القساوسة حول السرير الذي تنام عليه إستر و بدأ أكبرهم بقراءة بعض النصوص من الكتاب المقدس و قام الأخر برش الفتاة ببعض قطرات من الماء المقدس فيما اكتفى الرجل الثالث بالوقوف و مراقبة ما يحصل ليدونه في كتاب كان يحمله … و بشكل مرعب بدأت أركان السرير بالاهتزاز حتى كادت أن تُقلع من مكانها و بدأ جسد إستر بالتورم و صارت تتلوى على السرير بحركات يعجز أمهر الرياضيين عن تأديتها …

و مع سماع صوت خدش فوق رأس أستر أشار أحدهم بأصبعه المرتجف نحو مقدمة السرير الخشبي حيث تضع الفتاة رأسها و قد ظهرت عبارة ” إستر كوكس أنتِ لي ، سوف أقتلكِ”.

blank
إستر كوكس أنتِ لي ، سوف أقتلكِ

و تصاعدت حدة الأحداث و بدأت الأغراض بالتطاير في الهواء و كأن هناك أيدي خفية ترفعها و تقوم برميها ، أما سقف الغرفة فقد كاد أن ينهار عليهم ، و كان يُسمع أصوات طرق عنيفة و كأن هناك من يضرب بالفؤوس و المعاول ، مما دفع رجال الدين إلى المغادرة بسرعة و قد ارتسمت علامات الرعب و التعجب على وجوههم.

قصة إستر و مسها الشيطاني سرعان ما صارت حديث أهل القرية الذين تناهى إلى مسامعهم تلك الأصوات المزعجة الصادرة من كوخ العائلة.

و في شهر ديسمبر أُصيبت إستر بمرض الديفتيريا و تم نقلها إلى منزل أختها في قرية ساكفيل بمقاطعة برونزويك لتلقي العلاج ، و خلال الأسبوعين التي قضتهما هناك اختفت أعراض المس الشيطاني حتى ظن الجميع أنها قد شُفيت ، و بعد أن تماثلت للشفاء عادت أستر إلى منزلها و مع عودتها عاودت الظواهر الغريبة إلى الظهور من جديد و أشد من ذي قبل ، و لاحظت عائلتها اندلاع الحرائق في الكوخ من دون سبب ، و ما زاد من رعبهم هو عندما أخبرتهم إستر أنها رأت ذلك الشيطان و قد ظهر لها في المنام و هددها أنه سوف يحرق المنزل إذا لم تغادره .

blank
اصورة استر كوكس

و في يناير عام 1879 م اضطرت استر إلى الانتقال من منزلها لتعيش مع عائلة محلية، و بالرغم من ذلك لم تختفي الظواهر بشكل نهائي و صارت إستر مثار جدل و استغراب لكل من سمع أو ألتقى بها.

و في أواخر شهر مارس سافرت إستر إلى مدينة سانت جون القريبة من قريتها تلبيةً لدعوة عدد من الباحثين في الظواهر الماورائية الذين قرروا أن يلتقوا بها للقيام بدراسة حالتها عن قرب ، و هناك جلست إستر على مقعد خشبي وسط القاعة و قد أحاط بها عدد من الباحثين. و خلال استجوابها اعترت إستر نوبة من الصرع و لكنها كانت ترد عليهم بالهمهمة و طرق رجليها على الأرض ثم تكلمت بشكل مقتضب و كأنها تقول الشعر أو ما يشبه كلمات أغاني الراب ، و كان من ضمن ما فُهم من كلامها أنه من تلبسها هو شبح يدعى بوب نيكل و كان صانع أحذية ، هذا بالإضافة إلى ذكره أسماء عديدة مثل بيتر كوكس و ماجي فيشر الذين لم يُفهم أحد علاقتهم به ، هل هم أشباح ايضا أم أقاربه ؟ ..

بعد تلك المقابلة تعرضت إستر للتشكيك من الحاضرين ، وسط اللغط و الضجة التي علت في القاعة تقدم أحد الحاضرين نحو إستر معرفاً نفسه بالسيد والتر هوبيل ممثل و باحث في الظواهر الغريبة و أنه مستعد لزيارتها في منزلها لأجراء مزيد من الأبحاث ، سعدت إستر بدعوته و أبدت قبولها لزيارته ، و لكنها لم تعد إلى منزلها و قضت بعض الوقت في مزرعة عائلة فان أمبرجس التي تقع بالقرب من قرية أمهرست ، ثم عادت إلى منزلها في يونيو عام 1879 م حيث تصاعدت الأحداث الغريبة من جديد ، و ترافق ذلك مع وصول السيد والتر هوبيل الذي قرر أن يقضي بضعة أسابيع في منزلها لمراقبة حالتها عن كثب و تأليف كتاب يروي قصتها.

خلال فترة بقاءه بجانبها شاهد والتر العديد من الأحداث الغريبة في المنزل منها الحرائق التي تندلع بدون سبب بين الحين و الأخر و تحرك الأشياء و اختفاءها ثم ظهورها في أماكن أخرى ، هذا بالإضافة إلى نوبات الصرع التي تعتري إستر و تورم جسدها بين الحين و الأخر ، و مما أكد له صدق ما تقوله أنه كان يراقبها طوال الوقت و تأكد أنه ليس لها يد فيما يحدث ، كما أنها تعرضت للأذى الجسدي بعد أن هاجمها ذلك الكيان الشيطاني بالآلات الحادة من دبابيس و سكاكين.

برغم وضعها المأساوي حاول والتر هوبيل إقناع استر أن تقوم بتقديم عروض مسرحية تعرض من خلال ما يحصل معها من أمور غريبة مقابل مبالغ من المال ، لكنها رفضت خوفاً من اتهامها بالسحر و الشعوذة ، و فضّلت أن تعمل في حضيرة للخيول يملكها السيد آرثر دافيسون ، و لم يمضي شهر حتى شب حريق هائل ألتهم الحضيرة و وُجّهت أصابع الاتهام نحو إستر التي اعتقلتها الشرطة و حكم عليها بالسجن لمدة أربعة أشهر ، قضت منها شهراً واحداً بعد أن عفى عنها مالك الحضيرة لاحقاً.

blank
نوبات الالم والصرع تعتري إستر

الغريب بالأمر أنه بعد خروجها من السجن بدأت الأحداث الغريبة بالتناقص شيئاً فشيئاً حتى اختفت تماماً ، و عادت إستر إلى حياتها الطبيعية حتى أنها تزوجت مرتين و أنجبت أبن ثم سافرت إلى مدينة روكتون في ولاية ماساتشوستس الأمريكية مع زوجها الثاني ، و توفيت في 8 نوفمبر عام 1912 م بعمر 52 عام .

رغم غرابة قصة إستر إلا أنها أضحت طي النسيان و لم يعد يتذكرها أحد ، و يعود الفضل في نقل قصتها إلى السيد والتر هوبيل الذي قام بتأليف كتاب يروي قصتها و التي حقق نجاحاً كبيراً و بيعت منه 55 ألف نسخة .

هل كانت إستر صادقة أم أنها اختلقت تلك الأحداث لكسب التعاطف معها ؟.

لقد تعرضت إستر لصدمة عاطفية شديدة عندما حاول من أحبته اغتصابها و نتيجةً لهذا دخلت إستر في حالة انهيار عصبي تسبب في انعزالها عن عائلتها و تكونت حولها طاقة سلبية هائلة جذبت نحوها كيانات ظلامية شيطانية ، و من المعلوم أنها تلك الكيانات تنجذب إلى المشاعر السلبية مثل الخوف و الحزن الشديد .

أما الظواهر الغربية مثل تطاير الأغراض بالهواء و التغيرات الجسدية و افتعال الحرائق فقد أكد السيد والتر هوبيل الذي كان شاهداً على تلك الأحداث أن إستر كانت قريبة منه عند حدوث الحرائق و قد رأى بعينيه الهجمات المتكررة التي تعرضت لها إستر بالسكاكين و تركت جروحاً بالغة على جسدها .

المضحك بالأمر أن الأحداث الغريبة اختفت بعد خروج إستر من السجن و كأن ذلك الشيطان قد تأدب و نال جزاءه ، و لو حللنا الأمر بمنطقية فربما سجن إستر شكّل صدمة بالنسبة لها  أزالت عنها صدمة محاولة اغتصابها .

و قد يقول البعض أن تلك الفتاة حاولت لفت الانتباه لها بتلفيق تلك القصة بالتواطؤ مع الكاتب والتر هوبيل لتحقيق مكاسب مادية ، و لكن لو أمعنا النظر و عدنا بالزمن إلى تلك الفترة من الزمن لعلمنا أن من يدعي مثل تلك القصص فمصيره العزلة و تجنب الناس لها خوفاً من اللعنة و ربما تعرض للسجن و القتل بتهمة السحر و الشعوذة كما حدث قبل مائتين عام و نيف من ذلك الوقت عندما تعرضت الكثير من النساء للقتل و الحرق بتهمة السحر و الشعوذة.

و ربما كانت إستر تملك طاقة حيوية أو كهرومغناطيسية تنطلق عندما تشعر بالغضب أو الحزن ، و هذا أمر غير مستبعد فنحن نسمع بين الحين و الأخر عن أشخاص يستطيعون جذب المعدن بأجسادهم كالمغناطيس أو تحمل أجسادهم للحرارة العالية جداً .

كل هذه الفرضيات و الاحتمالات قمت بكتابتها في محاولة مني لتفسير قصة إستر كوكس الغامضة و لم أنقلها من أي موقع إلكتروني ، لكون المواقع العالمية الأخرى أكتفت بعرض القصة دون أي فرضيات ، فأرجو من زوار الموقع ابداء رأيهم في ترجيح أي الفرضيات الأقرب للحقيقة أو إضافة المزيد من الفرضيات .

المصادر :

Great Amherst Mystery – Wikipedia

تاريخ النشر : 2019-10-26

guest
43 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى