أدب الرعب والعام

أمنية بألف أمنية _الجزء الأول _

بقلم : مهدي _ك – الجزائر

كل همه كان مرتكزا على ذلك المصباح السحري
كل همه كان مرتكزا على ذلك المصباح السحري

حاملا معه كتاب ضخم أكل عليه الدهر وشرب ،مع إبتسامة شريرة على محياه الجميل أنبثق من تلك الدائرة السحرية التي كانت حوافها عبارة عن أحرف عربية وأعجمية كائنا لا تمت له البشرية بأي صلة ،مع كل الدخان الخارج من ذلك البخور والعنبر المنتشر في الغرفة وضوء الشموع الخافت زاد هذا الكائن بطلته المكان رعبا وخوفا فتكلم قائلا :”يا من ذكر إسمي المعظم وعرف أسرار أجدادي وأسلافي جئتك طوعا وأمرا “

ثم التفت ذلك الكائن لينظر من الذي تجرأ على استدعائه فرأى أمامه صبي تلوح من عينيه شرارة الإنتصار والفوز فتحمس قليلا ومد عنقه نحو ذلك الصبي فطالت عنقه كالأفعى ثم قال مستهزئا :”حسبت أنني سأرى عجوزا خرفا كعادتي ،لكني أرى أمامي صبي من بني آدم !!”

رفع الصبي رأسه لمواجهة ذلك الكائن الرهيب فجمدت عروق الصبي في مكانه لكنه قال ببطىء له :تجسد لي بصورة آدمي لأني لا أريد أن أرى مسخا مثلك أمامي

فإنفجر الكائن ضحكا ثم عاود النظر إلى الصبي ليجد في عينيه نظرة الجد ليس الخوف كأول مرة
فقال الكائن ” ماتقول انفذ فأنا خادم لك هذه الليلة حتى تشرق الشمس “
عندها زادت آبتسامة الصبي أكثر فأكثر وقال :نعم أنا أعرف أنك خادمي اليوم لكن أنا لا اكتفي بشروق الشمس فخدمتك لذلك الوقت لا تكفيني
الكائن : لم أفهم ماذا تريد ؟ 
الصبي : لم تخلق لتفهم بل لتنفذ ثم اخرج من ذلك الصندوق قصة مصورة وقال لذلك الكائن : هل تعرف ماهذه
– ما أدراني بأشياء البشر التافهين
– حسنا قد تبدو تافهة فهي قصة وليست اي قصة فهي قصة للأطفال لتعلمه معنى العمل والإخلاص والمساواة لكن لايخدعك هذا فهي مليئة بالسموم لكن أتعرف مايعجبني في هذه القصة أن جزء منها حقيقي أريدك منك ان تحضر لي هذا الكنز المذكور في القصة أريد منك ان تحضر لي مصباح المارد الأعظم المنفي فيه يا ملك الكنوز !!

اندهش الكائن لكلام هذا الصبي وتعجب من ثقته بنفسه غاية العجب لكن الذي زاد من ذهوله هو كيفية معرفته بأمر المارد الذي نساه التاريخ ودفنه
– هل تعجبت من كيفية معرفتي بهذا الامر ؟ لقد اخبرتك هذه القصة اخبرتني “علاء الدين والمصباح السحري” ثم تبسم منتصرا وهو ينظر لتلك القصة وأردف قائلا كل كتب السحر التي قرأتها وخاصة العربية منها عندما تصل إلى أسماء الجن ومردة الشياطين يتشاركون في شيء واحد وهو القيام بطقوس معينة لإستحضار الجن والشياطين للقيام بعمل ما ، لكن كلها تحكي عن مارد واحد له قدرة على تحقيق الأحلام وقلب الخيال واقع لم يعرف بعد كيفية الوصول إليه ولم يتكلم اي جني عن مخبئه حاول العديد من السحرة الوصول إليه لكنهم لم يستطيعو لأن الكهف المذكور في كتب السحر الذي يحتوي على المصباح لا يستطيع اي احد ان يصل إليه ، عفوا ليس أحد بل آدمي ، وحده جني من يستطيع فعل هذا لكن أبى الجن فعل ذلك حتى وان كان أمرا لهم

– بنغمة ساخرة : ومالذي سيجعلك مختلافا عنهم أنت تعرف اني سأرفض هذا الطلب
– أنا لست مثل السحرة الآخرين أنت ملك الكنوز والطمع ، وسأتمنى لك كل كنوز الدنيا
– انت ستتمنى لي كل كنوز الدنيا ثم انفجر ضاحكا لا تمزح معي يا ابن آدم القذر بالفعل أنا أملكها كلها
– ليس كل شيء فالكنوز المخبأة في كهف المارد ليست لك لكن ماذا إن أعطيتك شيئا لم تملكه بعد ؟
وهو متعجب يقول : اي شيء هذا ؟
– سأعطيك أمنيتان من ثلاث أمنيات سأعطيك أمنيتان فأنا تكفيني  واحدة
 
تبسم الكائن شرا وطمعا ثم قال :سمعا وطاعة يا سيدي ما تقول أنفذ فأنا خادم لك حتى شروق الشمس “
لم يبدو على الصبي اي علامات للدهشة او التعجب كأنه توقع هذا الأمر برمته ، ثم فجأة أخذ الكائن بيد الصبي وفي لمحة عين وجد الصبي نفسه في كهف غريب أجواءه مضاءة رغم انه مغلق مليىء بالكنوز والذهب التي تبدو انها من عالمين مختلفين لكن كل همه كان مرتكزا على ذلك المصباح السحري ،  تقدم ببطىء نحو المصباح وامسك به كانه امسك العالم بأكمله ثم ردد بعض التعاويذ الغريبة وفرك المصباح فخرج ذلك المارد العملاق المهيب من ذلك المكان الضيق وهو يقول “سمعا وطاعة سمعا وطاعة لمن أخرجني “

نظر من حوله فوجد صبي وبجانبه جني آخر لكنه لم يتردد للحظة ولم يأبه ووجه كلامه نحو الصبي وقال : “أمنياتك أوامر “

فتبسم الصبي ضاحكا وقال حسنا يا ملك الكنوز ماذا تريد
فقال ملك الكنوز : أولا أريد أن أمتلك هذه الكنوز التي هنا فهي محرمة علي
ثانيا أريد ان اكون ملك على الجن على جميع الجن ، 
فقال الصبي سمعته أيها المارد لبي له هاتين الأمنيتان ، فقال الجني : سمعا وطاعة
وهكذا تحقق للكائن ماكان يريده فبقي الصبي مع أمنية واحدة
ثم مشى الصبي قليلا وسط الكهف العجيب متأملا تلك الكنوز التي أصبحت الآن ملكا للكائن الآخر ثم تكلم متسائلا : أيها الجني هل هناك قواعد لأمنياتك ؟!
فرد عليه الجني : نعم يا سيدي أن لا تتمنى أمنيات أكثر
لا أستطيع أن أقتل أو أحيي أي شخص
لا أستطيع أن أجعل شخص ما يحبك
لا تستطيع ان تتمنى السلام في العالم
فقال الصبي مستنتجا : إذن أمنياتك تعمل علي فقط ؟
فرد الجني موافقا
فتبسم الصبي كأنه وجد ضالته إذن : أنا أتمنى أن تنفذ جميع أوامري أيها الجني وأن تصبح خادما لي حتى مماتي .

فإندهش الجني غاية العجب لكن قوانينه حركته فقال له : سمعا وطاعة يا سيدي
أما الكائن فقد زاد تعجبه وخوفه من ذلك الصبي ، فالتفت الصبي نحو الكائن وهو يحدث الجني : أتعرف الآن بما أنك ستطيعني في كل أوامري فإن إحدى قواعد أمنياتك ستسقط
فرد الجني قائلا : عفوا يا سيدي ؟
فقال الصبي : أنا الآن أأمر ولست أتمنى وأنا آمرك الآن أن تقتل ملك الكنوز ،

اندهش الكائن وتعجب من خبث هذا البشري الواقف أمامه الذي فاق كل توقعاته وتراجع بعض الخطوات إلى الخلف ورغم هيئته المرعبة إلا  أن الخوف بدا واضحا على محياه ، ثم صرخ قائلا دون وعي منه : أنا الآن أصبحت ملك للجن لن تستطيع أيها المارد أن تقتلني

فضحك الصبي كعادته وقال : أنت ملك فقط والملوك تموت أيضا إضافة  أنك نسيت شيئا مهما ، هذا المارد لا يطيع سوا أوامري اي انك لست بملك عليه بل أنا أملكه

توقف الكائن في مكانه وهب بالهروب إلا ان رأسه سقطت اولا بفعل مخالب ذلك المارد الذي أصبح كشيطان في تلك اللحظة

نظر الفتى إلى الكهف بفخر وإلى خادمه بنظرات أكثر فخرا كأنه ملك الدنيا بأجمعها
، ثم جلس فوق إحدى الصخور الموجودة في الكهف وراح يلعب بقلادة ماسية تخطف الأبصار بيديه وحدث المارد قائلا : أيها المارد اخبرني ، إن أخذ أحد غيري مصباحك السحري وتمتم بتلك التعويذة واستدعاك ماذا سيحصل ؟؟

– حسنا سيكون ذلك الشخص سيدي الجديد
– حتى وأن امرتك ان لا تطيع احدا غيري  ؟
– كونك تحمل وعائي السحري فأنت ذو نفوذ علي لكن ان حمل شخص ما غيرك المصباح واستدعاني سأصبح خادما له فوجودي مرتبط بالوعاء الذي يحويني

هذه الكلمات لم تعجب الصبي كثيرا فبدا بعض من الإنزعاج على وجهه ثم وقف ورمى تلك القلادة وقال للمارد : ايها الخادم فلتخفي المصباح في مكان لا يعلمه إلا انت وانا فقال المارد : سيدي لقد قلت لك بإن وجودي مرتبط بالمصباح فإذا اخترت مكان بعيد لأخفي المصباح لذهبت انا مع المصباح ولأصبح امر ايجادي صعب لك حتى وان كنت تعرف المكان ، ثم انحنى المارد لسيده تقديرا له رغم ان وجهه لا يظهر اي من مشاعره واردف قائلا : يا سيدي ام أقول يا ملكي كونك تعرف الكثير من الأشياء إلا انك قد سقطت الآن ولو كانت هذه امنية لاختفيت انا الم تكن تعلم بأن كل شيء يعتمد على التفاصيل الصغيرة لكن كوني خادمك الان سأنصحك ان تضع تلك التفاصيل الصغيرة في حسبانك لأنها هي التي تفصل الأمور وتغير الاحداث ، وقد كان يحدثه كأنه عاش على تلك التفاصيل لملايين من السنين

بالطبع تلك الكلمات قد زادت من غضب الصبي لدرجات كبيرة وقد عرف حينها امرين اثنين :
– ان ذلك الجني اذكى وامكر منه ويجب عليه الحذر عندما يتعامل معه لأن تلك النغمة كانت عبارة عن دق طبول الحرب .

– انه سقط في لعبته نسي شيء مهم وقد ذكر في اتفه القصص التفصيل الصغير الذي كان سيفشل كل مخططه
هذان الأمران جعلا من الصبي يدرك مدى حماقته فإزداد قلقه اكثر من قبل فمسك على يده بقضبة وظل مركزا عينيه على ذلك المصباح وكيف سيفعل معه وهنا نظر إلى قصة علاء الدين و المصباح السحري فتراءت له فكرة بدت عبقرية فقال متسائلا : ايها الجني العظيم سمعت في احدى كتب السحر العربية القديمة أنك تحول الخيال إلى واقع ،اخبرني كيف تفعل ذلك ؟

– حسنا يا سيدي لقد الهمنا نحن معشر المردة في القدم بقوى خارقة او بعلم خارق بالأحرى فكما تعرف كل شيء في الدنيا قائم على علم معين وعلمنا فاق كل التوقعات في بساطته وسهولته وعظمته ،لكن مع كل علم عظيم كارثة حتمية وهذا ماحل بنا فبعد وقوع الكثير من الكوارث جعل من علمنا لغيرنا ،فأصبح كل مانعرفه نقدمه لغيرنا تكفيرا عن اخطاءنا ونعم هذا العلم يستطيع ان يجعل الخيال واقع فأستطيع بعلمي ان اعزز الاشجار واجعلها تنبت ان افهم الحيوانات وامرها ان اعرف قوانين الارض واجعل الاشياء تطفو ان اعرف القوانين التي تحرك الجسم واعالجه .

فتبسم الصبي مجددا وقال بصوت اعلى :حقا ؟ كل هذا لم يكن وصفكم بالمردة مجرد كلام فقط ،لكن فجأة تغيرت نبرته صوته واصبحت اقل هدوء وقال متسائلا : أستطيع ان تجعل الواقع مجرد خيال ؟

– ماذا ؟ لم افهم مالذي تحاول ان توصله يا سيدي
– لا تحاول ان تفهم فأنت ستعرف هذا على الفور : انا آمرك ان تخبىء هذا المصباح في هذه القصة
وهنا عرف الجني ماذا كان يقصد الفتى بتحويل الواقع إلى خيال ثم انحنى وقال :سمعا وطاعة يا ملكي

وهنا غطى غبار سحري عجيب المصباح ليجعله يدخل الى تلك القصة فتغير المصباح الذي كان يحمله علاء الدين الى مصباح ذهبي جميل منقوش برموز تأسر الأنفاس
بعدها ساد الصمت فجأة ثم تنهد الصبي وقال : والان لنبدأ بعملنا

_حاضر يا مولاي
بما ان احدى قوانينك سقطت وانت تنفذ كل اوامري الأن اريد منك أن تقتل كل رؤوساء العالم وكل الجماعات الإرهابية الموجودة في العالم وان تقضي على كل متسبب في العنف بالاضافة الى كل مجرم في العالم ،ثم انفجر ضاحكا وقال نعم كل مجرم في العالم إلا أنا فأنا لست بمجرم لأني سأجعل العالم مكان افضل فأنا هو منقذ العالم لاني في النهاية لن اتمنى السلام بل سأجعله حقيقة !

منظر لفتى في العشرنيات من عمره اذهل كل سكان العالم جاء فجأة على كل جهاز تلفاز موجود في العالم على شاشة اي حاسوب او هاتف او لوح رقمي ،راحت الدول تتخابط والاجهزة المختصة تتسأءل عن هذا الهجوم الرقمي الذي حدث فجأة لكن دون جدوى لم يستطع اي خبير ان يعرف مصدر هذا الإرسال ،بعد ثلاث دقائق من الصمت المهيب التي دامت كأنها زمن طويل كسر ذلك الصمت تنهد الفتى ثم بابتسامة شريرة على وجهه قال :
– مرحبا كل من في العالم ثم صمت
كان واقفا على ما يشبه بعرش ملكي فخم وسط مكان تسوده بعض من الظلمة ثم اردف قائلا :
– أريد ان اتحدث إلى من هم مثلي اريد ان اقول للذي يفكر في نفس الشيء الذي افكر فيه لماذا الحرب لماذا العنف لماذا المعاناة والتشرد لماذا هذا الكذب وادعاء السلام بينما الملايين من الاشخاص يموتون كل يوم بسبب الجوع او الفقر بينما في اماكن اخرى يرمون الطعام اسرافا وتبذير لماذا المجرم يعيش بيننا بهناء وتقدير بينما الشخص الصالح يجب عليه الموت لماذا يجب علينا ان نحترم المجرمين ؟؟ الم تيأسو من هذا الواقع المزيف الم تكرهو استغلال الاقوياء لكم ،ثم تنهد واكمل الم تسأموا من سخرية القدر لنا ثم اردف قائلا وهذه “المرة بحزم واكثر جدية “الى كل من تاتيه هذه الافكار فلتعتنقها لأن الاوان قد حان سأخبركم بالذي سيحدث الأن .الدقائق الثلاث التي كنت صامت بها كانت لسببين الأول هو لتتأكدو بأن لا احد منكم يستطيع تعقب مصدر اشارتي لانه ببساطة انا اتحكم في القدر اما الثاني فقد كانت دقائق صمت للارواح القذرة التي سنضحي بها

فاندهش كل سكان العالم لهذا المخبول الذي يتحدث ثم نهض وقال الان فليختفي الظلم ولنعاود البناء، لكن لغرس شجرة جيدة يجب نزع الاعشاب الضارة أولا والان تفقدو احوالكم كل الاعشاب الضارة قد ازيلت الان لقد مات في هذه اللحظة كل رؤساء العالم تبسم كأنه مفترس وجد فريسته

وبالفعل حصلت الكارثة في مراكز العالم بأجمعه حيث وجد ان كل رؤوساء العالم جثث هامدة تحمل قلوبها في يدها منظر تقشعر له الابدان ،فعمت الفوضى والحيرة والتساؤولات بين جميع سكان الارض الواعي منهم والمجنون ثم اكمل الفتى قائلا : حسنا الان ولقد التزم كل رئيس بما وعده لبلده لقد قدم له قلبه اليس ذلك اعظم شيء،لكن الوضع لا يقف هنا فقط يوجد الالاف من المجرمين في العالم احرار اليس يجب على احدنا أن يوقف هذا حسنا انتم لديكم الان انا وفي هذه اللحظة لقد قررت بأنه يجب على كل مجرم سيموت ، فهرع الناس وخافو وفجاة في ذلك الصمت بدأت الافراد تتهاوى بفعل جر مخلب خفي او اصابة من شيء ما ، عندما رأى الناس ان معظم الذين من حولهم يسقطون فردا فردا جن جنونهم وهبت في داخلهم عاصفة الموت او نهاية العالم بعد صراخ شمل كل شبر في العالم صراخ لم يدم إلا لربع ساعة ظهر ذلك الفتى في تلك الاجهزة المكسورة والمحروقة منها مقاطعا لآلام الناس وخوفهم قائلا : لم يبقي منكم إلا الصالحون ذو الاحلام الجميلة لماذا تسببون كل هذه الفوضى ، لأجل حفنة من المجرمين الذين لطالما احتقروكم وإستهانو بكم ؟ هيا الان فانتم اسياد انفسكم لامجرم الان يعيش بيننا فلتصنعو ماذا كنتم تتمنون ، صحيح انه يوجد منكم من كان  ابوه او امه او اخوه او حتى جده كان مجرما لكن فليعرف بأن هذه هي نهاية المجرمين الحقيقية الموت والتضحية لتكفير الذنوب

ثم صرخ قائلا : ايها الحالمون انتم المختارون مثلي فل تلامس احلامك عنان السماء ولنجعل شروق شمس غد على كوكب جديد غير الذي عرفته ، ثم اختفى من على تلك الاجهزة ، بقي الناس كالحجر بلاعقل وهم ينظرون إلى  تلك الشاشات التي اصبحت سوداء لكن وجد بينهم من إرتسمت عليه إبتسامة صغيرة .

في الصحراء الكبرى التي تحولت فجأة إلى شبه جنة تأسر كل من يراها بنا ذلك الفتى مملكة ضخمة كانت تعج بالمدن والمناطق الجميلة إضافة إلى جو غريب جدا من السلام والهدوء كان البشر الذي يعيشون بها كخلية من النحل سواء في اعمالهم او استراحتهم ، وفي وسط تلك الامبراطورية الضخمة يقع مايشبه بقصر كبير منقوش بأحسن وادق التفاصيل وعندما تقترب من القصر ستستمع  لشخص ما يلقي بقوانين معينة وهي كالاتي :

وحسب ماذكر في المعاهدة الجديدة انه لكل شخص حرية سواء بالعيش بمدينة الاحلام او خارجها
كل شخص يعيش هنا يتوفر له بيت وعمل دائم إضافة إلى كل مستلزمات الحياة
على كل الدول التي ليست تابعة لإمبراطورية الاحلام ان تلتزم بقواعدها وهي كالاتي : لا وجود للحروب، لا وجود لأي احزاب متناقضة التناقض يكون في الحضارات فقط ،لا وجود للعنف وعقوبة الجريمة هي القتل ففي النهاية هذه الدول لها حرية الاختيار للانضمام إلى الامبراطورية او لا، تحرم جميع الاسلحة وفي حالة وجدنا اي سلاح من نوع معين تعدم المدينة بأكملها ،اما من القوانين الانسانية نذكر الاهم : لا وجود للتميز
واضافة الى كرم الإمبراطورية على كل مدينة ان ترسل صغارها إبتداءا من سن 7 سنوات للدراسة في امبراطورية الاحلام حتى بلوغ السادسة عشر ثم يقرر الفتية اين سيعيشون

كان ذلك الشاب يلقي هذه القوانين الشائبة واكثر بحزم وجدية امام حشد كبير من الناس دون توقف او كلل او ملل وورائه جالس في ذلك العرش ذلك الصبي بكل برودة وفخر والذي اصبح يلقب بملك السلام ، بعد إنتهاء ذلك الشاب من القاء هذه القوانين على تلك المجموعة صمت و تنحى جانبا ليترك الكلمة الاخيرة للصبي الملك

وقف الملك من عرشه ويبدو انه قد ازداد طولا عن اخر مرة وجمالا ايضا ثم قال : قد سمعتم هذا الكلام من قبل ولم تفهمو مغزاه ربما في وقت مضى لكن الان الامر مختلف هيا اذهبوا واجعلو احلامكم حقيقة فلاخوف بعد الان ولاحزن ولاحروب ، احسن إلى العالم سيحسن لك فهو مسكنك في الاخير ،كل العوائق زالت الان في وجه المبدعين عيشوا بسطاء او مترفين لا يهم كل مايهم ان تقدسوا كلمة السلام كن كما تريد لكن اجعل العالم مكان افضل فأنت حر الان من قيود الظالمين.

كلمات لوقالها ملك آخر في مكان وزمان آخر لفرحت بها القلوب وابتهجت لكن ليست هذه القلوب فبعضهم بدا عليه الفرح اما الآخرين الخوف والحزن إلا من فتاة واحدة صاحبة الشعر البني المائل إلى السواد التي بدت على عينيها نظرة غضب او إنتقام .

ثم عاد ذلك الشاب الاخر الذي كان يلقي القوانين حاملا معه ورقة فنادى بأعلى صوت : جيسيكا ،اليكس ،هوانغ لي ،تريشا ،توغاشي ،ليزا ،محمد ،دنيا ،ماكس ،شهرزاد انتاب الفتاة خوف كبير عندما ذكر ذلك الإسم الأخير فتقدمت ببطء نحو المنصة كأنها تتقدم نحو منصة الإعدام ،

وقف الفتية بإحترام امام الملك منهم من انتابه الفخر الشديد ومنهم من انتابه الخوف اما شهرزاد فور أن خطت أول خطوة في تلك المنصة وتقابلت عينيها مع عين الملك تحولت نظرتها من خوف إلى شراسة تامة ،ثم اردف ذلك الشاب قائلا : هؤلاء العشرة من مختلف انحاء العالم قد تميزو وابدعوا خلال تلك السنوات الأربع الماضية حيث ان كل واحد منهم حقق نتائج مبهرة من التفكير او العمل او الإبداع ، هؤلاء العشرة يجسدون المعنى الحقيقي لتحقيق الاحلام ، كان يوجه كلامه لبقية الأشخاص الآخرين كأنه يحفزهم للعمل والاجتهاد اكثر ،ثم تلفت نحو اولائك الشباب وقال بصوت اقل رسمية الأن اذهبوا إلى ملكنا لتجنو حسن اعمالكم ،

توجه الفتية فردا فردا نحو الملك الشاب حيث كان الملك الشاب يسلم عليهم ويقابلهم بتلك الإبتسامة الزائفة وإبتسامة اخرى تعني بأنه حقق كل مايريد ،بالطبع تعرفون مقولة اجعل اعداءك اقرب الاشخاص إليك هكذا كان يفكر هذا الملك هؤلاء الفتية اصحاب العقول الكبيرة والحيل والواسعة لايجب ابدا ان يغيبو عن ناظريه من جهة ومن جهة اخرى سيكونو له ذو فائدة كبيرة في القصر فأصبح كل ما أن يسلم على شخص يسأله بلطف عن اي مهنة يرديها في هذا القصر ، منهم من اختار ان يكون وزير أو قائد ومنهم من أراد ان يكون طبيب او مدرس كل واحد وعمله

فبقيت تلك الفتاة التي لم يفصلها عن ذلك الملك سوى بضع خطوات ، كانت ترتعد من داخلها جف الدم في عروقها وكيف لا وهذا الكائن الذي ابدا ليس هو ببشري الذي قضى على نصف العالم في رمشة عين ماثل امامها وفي نفس مقدار خوفها وقف الغضب داخلها في الجانب الآخر فتضاربت المشاعر في كيانها لكنها عضت على نفسها واحكمت قبضتها وإبتسمت تلك الإبتسامة المزيفة لتقابل ذلك الملك
شهرزاد:مرحبا يا مولاي (قالت هذه الجملة كأنها تلفظ انفاسها الأخيرة )
الملك : انت الذي شرفتنا ، وبإبتسامة صغيرة اكمل قائلا : اذن ماذا تردين ان يكون حلمك ماهو العمل الذي تردين ان تبدعي فيه؟ ، اخبرني وسأجعل كل احلامك حقيقة

هنا انتاب الفتاة نوبة من الغضب والحزن فأرادت ان تصرخ بكل مالديها : اريدك ان تموت ان تختفي ايها الإنسان الحقير لكنها تمالكت نفسها فردت بنفس اسلوب الملك : ايها الملك العظيم ان كنت حقا تريد ان تحقق لي حلمي فإجعلني مسؤولة عن مكتبة القصر

هنا تفاجأ الملك لهذا الطلب البسيط من تلك الفتاة التي كانت تستطيع ان تطلب اي شيء آخر يمكنه ان يجعلها اكثر سعادة ، فقال محاولا معرفة الاجابة واين ستخطئ هي : مكتبة القصر ؟ لكن لماذا ؟

– في الحقيقة كونك نشرت السلام في العالم عم الأمن وزالت الحروب وإنتشر العلم بين جميع الناس أي  أن الجميع لم يعد يحتاج اطباء او مدرسين اكثر اما بالسياسة فأنا لا اهتم بها ،لن اكذب عليك أيها الملك ان قلت لك ان أريد فقط ان اهتم بنفسي اريد أن أقرأ كل كتاب في العالم ،اريد ان اتجول بين هذه الكتب لبقية حياتي

– اذن انت تردين ان تعتزلي الناس وتعيشي فقط بين الكتب ؟
– اليس هذا نوع من السلام يا ملك السلام !
احتار الملك بشأن هذه الفتاة الصريحة التي لم يستطيع ان يجاوب على آخر سؤال لها فبدأت بعض من الشكوك تراود نفسه لكنه لم يظهر ذلك فتبسم وقال : لك ذلك
– فإنحنت وقالت : شكرا لك
ثم هبت بالمغادرة فأوقفها فجأة وقال لها : ما إسمك؟
فالتفتت الفتاة وقالت بكل قوة وعزم : إسمي شهرزاد

غربت الشمس وذهبت معها كثير من المشاعر المتضاربة خلال هذا اليوم وفي تلك لليلة اقيم حفل ضخم في القصر إحتفالا بهؤلاء المجتهدين العشرة لوضع مكانة العلم والعمل كهدف اسمى،

إشمئزت شهرزاد من ذلك الحفل الذي بدا لها مزيفا بأكمله كيف لا وذلك الملك جالس هناك لايحدث احدا سوى بعض المستشارين والواضح على عينيه انه لايهتم بهم ،

خلف زوايا القصر جلست شهرزاد محدقة في زخرفات ذلك القصر الذي في الحقيقة اثار إعجابها وذهولها ثم التفتت فجأة إلى نافذة القصر لترى المباني الشاهقة والاشجار العالية فزادت دهشة وتوترا وهنا تذكرت الفتاة الذي حصل قبل اربع سنين وكيف ان هذا الشاب اخبر العالم بأنه سيبني امبراطوريته في الصحراء لأنه لا يريد ان يستغل المناطق الجيدة للعالم له هو ويريد ان يصلح في العالم، بعد المجزرة التي حدثت لم يشكك احد بهذا وهذه النتيجة كما قال بالضبط ، ثم التفتت إليه خلسة في بادئ الأمر لم تحتمل وإشمئزت منه لكن يجب عليها ان تعتاد لأن مصيرها يعتمد على ذلك في وقت قصير عندما شاهدته يتحدث مع المستشارين عرفت انه غير مبال كثيرا بحديثهم وتساءلت في نفسها : وكيف يبالي شخص مثله ،لا اعتقد ان هذا الكائن يستمع إلى أي احد سوى نفسه وكيف لا وهو فعل كل هذا في رمشة عين ثم قالت بصوت لم يكد يسمع : اااا نعم فهو ليس ببشر في النهاية يجب عليه ان يمثل لكي لا يشعر اي احد بالفرق او التمييز أليس هذا ماتحاول فعله ؟ لكنك فشلت تماما جميع من على هذه الارض يعتبرك شيء آخر إلا بشري عادي ثم نهضت وهمت بالخروج .

عندما نهضت الفتاة وإستدارت تلفت الملك ليلاحظ احد ما يخرج من قاعة الإحتفال فدقق اكثر فوجدها تلك الفتاة السابقة حقيقة اعجب الملك بتصرفاتها فهذا الحفل كان ممل لا يطاق فتبسم قليلا ثم نهض وهم هو بالخروج ايضا .

توجهت الفتاة نحو المكتبة كانت عبارة عن بناء ضخم او شديد الضخامة ذو ابواب خشبية فخمة فتحت احد الابواب ودخلت فتفاجأت ببحر الكتب الذي كان ينتظرها ووسط تلك القاعة كانت فوقها قبة زجاجية تأسر الناظرين تمشت بين رفف الكتب فاصبحت تجر انامل اصابعها على تلك الكتب ودموع تنهمر من عينيها مجرى السيل في النهر تذكرت هذه الاصابع وهي تجر على كتب اخرى في مكان آخر وهنا عادت كل الكوابيس التي كانت تطاردها مجددا فسمعت تلك الأصوات من مكان بعيد.

يتبع ….

تاريخ النشر : 2019-10-30

مهدي _ك

الجزائر
guest
9 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى