منوعات

قنّاص تكساس.. أشهر المغالطات المنطقية (2)

بقلم : وليد الشهري – المملكة العربية السعودية
للتواصل : [email protected]

واحدة من المقولات
واحدة من المقولات “المغالطات” اللطيفة للرئيس الامريكي

أهلًا بك أيها القارئ الكريم مجدّدًا، وقبل أن نستكمل ما بدأناه من استعراض لأشهر المغالطات المنطقية، دعنا نحرّر مصطلح “المغالطة المنطقية”، ونتّفق على أنّها – بإيجاز شديد- عبارة عن خطأ في الاستدلال، الأمر الذي من شأنه الابتعاد عن القضيّة قيد المعالجة أو النقاش، ومن ثم تتلاشى الموضوعيّة، ويصبح الأمر شذر مذر، فحينها يكون لأيّ أحد أن يقول أيّ شيء.. أرجو أنّنا اتفقنا على ذلك.

استعرضنا في المقالة السابقة ستّ مغالطات، وفيما يلي نواصل سرد المغالطات الجديدة القديمة، فقد تكون جديدة من حيث إحاطة علمك بها أخي القارئ، غير أنّها متمادية في القدم من حيث استخدامها دون إدراك حقيقتها. لنتابع..

7- مغالطة الاحتكام إلى النفاق (Tu Quoque Fallacy)

blank
من اشهر المغالطات واكثرها نفاقا .. ارتكاب دولة او شخص لخطأ او جريمة لا يبرر قيامك بنفس الخطأ او الجريمة ويعطيك الحق ان تستمر فيها

وتسمى أيضًا: مغالطة “أنت كذلك”، أو مغالطة عدم الاتساق الشخصي، وتتحقق هذه المغالطة حين يحتكم أحد الأطراف إلى حالِ الطرف الآخر في قبول حجّته أو رفضها.

مثل أن تنبّه جارك إلى طريقته الخاطئة في رَكن سيّارته، بحيث تأخذ مساحة سيّارتين، فيجيبك قائلًا: “توقّف عن إزعاجنا بصراخ أطفالك، وحينها سأركن سيارتي بطريقة صحيحة!”.

لاحظ أنّ جارك لم يلتزم بموضوع النقاش، واختار إقحام خطئك في الحديث كقاسم مشترك بينكما، فإن كان يرتكب الأخطاء، فأنت كذلك، على الرغم من عدم وجود ارتباط شرطي بين الأمرين، فخطؤك في إزعاج جيرانك ليس مسوِّغًا لمواصلة جارك في ركن سيّارته بطريقة خاطئة!

8- مغالطة قنّاص تكساس (Texas Sharpshooter)

blank
مغالطة واضحة ومعروفة .. محاولة اسباغ الصدق على الكذب و الخطأ الواضح

ومن مسمّياتها كذلك: هوس التنبّؤ، أو مغالطة الانحياز، ويعود سبب التسمية إلى “قنّاص” من ولاية تكساس الأمريكية قديمًا، حيث كان يصوّب فوّهة البندقيّة نحو الجدار بطريقة عشوائية، ثم بعد أن يطلق النار، يبدأ في الرسم حول المكان الذي اخترقه في الجدار، لكي يبدو الأمر كما لو أنّه أصاب عين الهدف!

تتجلّى هيمنة هذه المغالطة على الحديث حين ينحاز المتحدّث إلى استحضار ما يدعم رأيه ويؤيد فكرته من المعطيات عن قضيّة ما، متجاهلًا وجوه الاختلاف والتعارض.

كأن يستشهد أحد المحلّلين الاقتصاديّين بانخفاض الناتج المحلّي لإحدى الدول الأوروبيّة كمؤشّر على اتجاه الاقتصاد الأوروبي نحو الانهيار، ويتغافل عن تزامن ذلك الانخفاض مع ارتفاع أو استقرار الناتج المحلّي لسائر دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، هذا عدا عن أنّ المسألة أكثر تعقيدًا من مجرّد انخفاض الناتج المحلّي لدولة واحدة!

9- مغالطة التشبيه الزائف (False Analogy)

blank
كان الاساتذة يقرعونا يهذه العبارة او المغالطة الغير منطقية .. لان الاكل والشرب امور اساسية لاستمرار الحياة ولابد منها .. وليس من الانصاف تشبيهها بالفروض .. فأنا لن اموت لو نسيت انجاز فروضي! ..

ويُطلَق عليها: مغالطة القياس الضعيف، أو التشبيه السيئ، وتقع حين يستغلّ المجادل – بقصد أو دون قصد – وجود تشابه جزئي بين أمرين، لتضخيمه (تشبيه زائف) بهدف تسخيره في خدمة قضيّته وتدعيم رأيه.

ومثال هذا أن يطالب أحدهم بانتقال بعض البشر إلى العيش في الكواكب المجاورة قائلًا: “الأرض كوكب، وكذلك زحل والمشتري والمريخ وغيرها من كواكب المجرّة، وبما أنّها كواكبٌ كالأرض، فيمكن للإنسان أن يعيش فيها”!

نلاحظ هنا أنّ المدّعي يستغلّ التشابه الجزئي بين الأرض وأنواع من الأجرام الكونيّة الأخرى من حيث كونها كواكب، بينما يجهل أو يتجاهل الاختلاف الشاسع بينها من حيث احتوائها على الظروف الملائمة للحياة البشريّة.

دعكَ من المثال السابق، وتصوَّر معي طبيبًا متحذلقًا يرشد مريضه الذي يعاني من فقر الحديد في الدم بقوله: “خلال الأسبوعين القادمين، يجب أن تكون وجبة إفطارك عبارة عن قطعة من الحديد بحجم مكعّب روبيك”!

إن كنت تضحك الآن، فقد أدركت حتمًا جوهر المغالطة!

10- مغالطة المقامر (Gambler’s Fallacy)

blank
عدم انطلاق الرصاصة لا يعني انها لن تنطلق المرة القادمة .. المقامرون غالبا ما يخدعون انفسهم بأنه يوم سعدهم وحظهم ..

وتدعى: مغالطة الإحصاء، أو مغالطة نضج الفرص، أو مغالطة الماضي المخادع، وتظهر حين يتم الربط بين أحداث أو احتمالات مستقلّة تمامًا عن بعضها البعض.

كأن يرمي أحد اللاعبين مكعّب النرد بعد مراهنة أصدقائه على ظهور الوجه الذي يحمل الرقم خمسة، وذلك لعدم ظهور ذلك الرقم خلال محاولاته العشرين السابقة، فلا بدّ إذن أن يظهر في هذه المحاولة!

بقليل من التأمل في قانون الاحتمالات الرياضي، ثم تطبيقه على مكعّب النرد، سنجد أنّ المكعّب يحمل ستّة أوجه، وعلى كل وجه يوجد أحد الأرقام من واحد إلى ستّة، فيكون احتمال ظهور أحد الأرقام في كلّ مرّة يتم فيها رمي المكعّب هو واحد إلى ستّة، أو ما يقارب 17%، وهذا بالطبع يشمل الرقم خمسة الذي يبتغيه صاحبنا في المثال السابق، فسواء حصل على الرقم المنشود مع المحاولة الأولى، أو المحاولة الألف، تبقى كلّ محاولة مستقلّة تمامًا باحتمالاتها عن المحاولات الأخرى، ولا تؤثّر عليها أو تتأثّر بها إطلاقًا !

11- مغالطة التناقض الداخلي (Inconsistency)

blank
صحيح ان العرف جرى ان يدفع الرجل القاتورة في الموعد الغرامي .. لكن هل عدم مشاركتك في الفاتورة يتفق مع قضية المساواة بين الجنسين! ..

وتسمّى: مغالطة المقدّمات المتصارعة، أو مغالطة التضارب، وفي هذا النوع من المغالطات، تكون الحجّة في نفسها متناقضة، وإن شئت فقل: تحمل الحجّة نعشها بين يديها!

ومن أشهر العبارات التي تندرج ضمن هذا النوع من المغالطات، ما يردّده البعض بقولهم: “لا توجد حقيقة مطلقة”، وفي هذه الحالة يكونون أمام خيارين لا ثالث لهما:

فإمّا أن تكون العبارة المذكورة في حدّ ذاتها حقيقة مطلقة، ومن ثمّ فقد نقضت نفسها بنفسها، وأصابت عين المغالطة. وإمّا أنّها ليست كذلك، والحقيقة أنّها ستقع في التناقض أيضًا وتصيب عين الهذيان هذه المرّة.. خذ قسطًا من الوقت في تقليب المسألة، وسوف تكتشف السبب بنفسك!

12- مغالطة تسميم البئر (Poisoning The Well)

blank
كاريكتور من الانترنت .. يظهر دور الاعلام في تلويث الحقيقة والعدالة والتضحية بها مقابل الحصول على مشاهدات اكثر واثارة الجماهير

وهي المغالطة الأخيرة في هذه المقالة، ولها عدّة مسمّيات أخرى، مثل: مغالطة التلويث، أو مغالطة الإهانة، وتظهر معالمها حين يشرع أحد الأطراف في التلاعب بحجج الطرف الآخر، وإطلاق الأحكام الجائرة عليه بغرض التقليل من شأنه والنيل من مصداقيّته وصرف الناس عن الاستماع إليه، خصوصًا حين يعجز مجابهة حججه وتفنيدها.

كأن يَعِد أحد المرشّحين للرئاسة في مناظرة تلفزيونيّة بتوفير عدد غير مسبوق من الوظائف للعاطلين عن العمل من شعبه، فيجيب نظيره في اللقاء بسخريةٍ مخاطبًا الجمهور: “من المتعارَف عليه في أوساطنا السياسيّة أنّ نظيري بارعٌ في إطلاق الوعود، لكنّه دائمًا ما يعجز عن إنجازها، لذلك لم نعد نأخذ كلامه على محمل الجد منذ زمنٍ طويل، وأرجو ألّا تفعلوا غير ذلك”!

في الختام..

ماذا لو أخبرك أحد سكّان الحي الجديد الذي انتقلت إليه قبل أيّام بأنّ جميع قاطني هذا الحي كذّابون؟! كيف ستتصرّف في تلك الحالة؟! هل ستشكره على معلومته الثمينة؟! أم ستعتقد أنّه يسعى بالنميمة وتقرّر إسكاته؟! والسؤال الأهم: هل ستكتشف المغالطة المنطقيّة التي ارتكبها؟! .. دمتم بخير.

————————–

ملاحظة مهمة من ادارة الموقع : الموقع لا يخوض بالسياسة، بالنسبة لصورة الموضوع الرئيسية فهي مغالطة شهيرة وطريفة وجدناها منتشرة على النت ولا تتعلق بالسياسة، ذلك أن سقوط الثلوج وحدوث الصقيع هو امر سنوي روتيني في مدينة نيويورك ومن المغالطة استخدامه كدليل لدعم وجهة نظر الرئيس الامريكي ترامب في كذب نظرية الاحتباس الحراري وذريعة للانسحاب من معاهدة المناخ.

تاريخ النشر : 2019-11-12

وليد الشهري

السعودية
guest
70 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى