أدب الرعب والعام

لا أحد يسري في أبردين

بقلم : احمد علي – مصر

كان هذا الكائن برأسه الشمطاء البشعة منشغلاً بمضغ شيئاً ما وسط الظلام الدامس

 

في يونيو 2005 م شبت سلسلة اختفاءت متلاحقة مرتبطة بمنزل صغير مبني على الطراز القديم معزول في براثن القطب المتجمد الشمالي ، مما اضطر الشرطة أن تضعه صوب أعينها ، حيث كان ملك عجوز قد تغلب الدهر عليها وجعلها مشبعة بالشمط الأبيض الذي قد نال من شعرها وجسدها الذي التصق فيه الجلد باللحم ، يختفي مستأجرو منزلها فجأة في غموض مبهم ، كان المنزل وحيداً في هذه المنطقة الجليدية الباردة ، عدا برج المراقبة الطويل المهجور الذي انتصب بجانبه ، و أكثر ما ميزه هي حديقته الخلابة التي اكتست أشجارها الخضراء باللون الأبيض ، وبالذات هذه الشجرة الخضراء الكبيرة المظلمة القابعة في المنتصف .

و في هذه الجبال الشاسعة التي اكتست حوافها بالجليد وفي مهب هذه الرياح العاتية الباردة ، نرى نوافذ هذا المنزل مضاءة و كأنها تتحدى قوى الطبيعة من حولها ، ولو اقتربنا قليلاً سنسمع صوت همهمات خافتة لتظهر بعدها أمرأة عجوز تنتحب قائلة : نحن لا نعرف ماذا حدث سيد جيك ، كانت نائمة بالأمس بشكل طبيعي حتى اقتحمت أمها الغرفة صباحاً فوجدتها صريعة في سريرها وكان جسدها متيبساً بشكل لا يُصدق ، أنا بعت لهم المنزل أخيراً بعد أن مللت من استئجاره مرات عديدة ، ولا زلت امكث معهم حتى اللحظة لأنني عجوز ضعيفة لا اقوى على الذهاب لأبني الأن إلا بعد انقضاء العاصفة وانكشاح المطر ، أنا عشت عمري كله فيه ولم يحدث شيئاً مثل هذا ! أرجوك لا أريدهم أن يتأذوا بسببي .

وقد ظهر أمامنا سيد جيك وقد كان محققاً مهيباً يرتدي ملابس رسمية وقبعة تليق على مهنته وأناقة منصبه الكبير ، وقد انتصب ورائه رجلان ضخام الجثة وعلى ما يبدو أنهم شرطة ، و أن هناك خطباً ما حدث هنا تسبب في وجودهم معه ، وقد رد جيك بعد حملقة طويلة على هذه العجوز المنتحبة التي كانت تقبع ورائها أمرأة فتية مع فتاة صغيرة و رجل ضخم بشعر أشقر يبدو أنه في الثلاثينات من عمره " المستأجرون " .

" الأمر مريب سيدة صونيا ، ابنتكم قتلت عمداً ولكن بطريقة غريبة جداً ، صراحة لم يسبق لي أن رأيت ذلك من قبل ! ".

ثم تنهد قليلاً وكأنه يزيح حملاً ثقيلاً من على صدره وقال :

" حسناً ، عامة تعالي لنلقي نظرة مجدداً على جثة السيدة تمارا ، لا تأتي أنتِ حفاظاً على أعصابك والسيدة سارة أيضاً عليها أن تظل بجوارك فهي أم الضحية ، سأصطحب معي السيد المر لنرى الجثة مجدداً ، هيا بنا سيد المر نحو العلية ، أنا اسف على ذلك ".

نظرت العائلة في وجوه بعضهم البعض وترجل المر وصعد أولاً و ورائه المحقق جيك ومعه رجال الشرطة ، ثم انتصبوا فجأة أمام باب غرفة تبدو أنها من الداخل ثقيلة الهواء ويبدو أنها شهدت مأساة كبيرة ، وفور أن قبض المحقق بيده على مقبض الباب و فتحه ظهر أمامه خلفية لغرفة كئيبة تمتاز بجدران خشبية مطلية باللون الأبيض ، وعلى هذا السرير الأرستقراطي ذو الفراش المتسخ ، تمددت فتاة ترتدي فستان نوم أبيض كشف أقدامها المرصوصة بشكل عشوائي ، و أكثر ما يفزع هو وجهها الشاحب بلونه الأزرق المختنق ، وكانت عيناها مفتوحة بشكل بشع يثير الريبة .

نظر المر وقال للمحقق جيك :

" أرجوك سيدي ، لا استطيع النظر لابنتي وهى هكذا ، فسر لي واخبرني رجاءً كيف حدث ذلك ؟ ".

حملق جيك قليلاً في شباك الغرفة المفتوح من أمامه ، و بعدها نظر لالمر و أنحنى ليجلس بجانب جثة الفتاة ذات الجسد المتيبس على السرير ، و أخذ يتمعن في وجهها وخصلات شعرها بشكل دقيق ، ومن ثم وضع يده على خدها و أخذ يتفحص و وجهها وعيناها المفتوحة التي لا تنغلق ، ومن ثم تنهد وقال بنبرة خافتة محدثاً نفسه بعد أن رأى أثار لندبات على يدها سببها أصابع غريبة .

"هذه الفتاة ماتت وهى تصارع أحداً ما ، وفي عالم النساء عندما تتشاجر عليك أن تصرخ ، تباً .. كيف لم يستطيعوا سماعها وبين غرفهم بضعة امتار معدودة ؟.

ثم بعدها اتسعت حدقة عينيه وعلى ما يبدو أنه اكتشف شيئاً غريباً جعله ينتفض .

يا الهي .. هل هذا هو الغرض من قتلها ؟ ".

تنهد قليلاً ونهض من مكانه ونظر للسيد المر قائلاً:

"سيد المر لا يوجد لص عادي يستطيع مقارعة ثلوج ابردين ليبلغ غرفة أبنتك ، كما أن الأمر صعب لعدم وجود أي مناطق سكنية من حولكما ، كما أن جسدها خال تماماً من الدماء ! "

قال المر وهو مفزوع :

– ماذا تقول سيدي ؟

" نعم .. للأسف إن جسدها متيبس بسبب ذلك ، عروقها خالية من الدماء تماماً وكأنه القاتل شفطه منها ، وفي حالة كهذه يعد الأمر لغزاً لا يحل بالنسبة لمحقق مثلي ".

ثم بعدها أتبع قائلاً وهو يتابع النظر للنافذة المفتوحة والتي انسدل منها الهواء :

"القاتل غريب ولا توجد له أي أثار أقدام تدل أنه زحف من الأسفل إلى الأعلى ليبلغ الشرفة والأكيد أنه دخل من النافذة ، ولا أعتقد أنه قد قفز من برج المراقبة الذي في جواركم إلى منزلكم مباشرة فأنا كرجل شرطة أتعقب المجرمين و أمسك بهم ، ولكن بدون أن يطيروا ! ".

ثم تابع قائلاً وهو يقف أمام النافذة ويعطي ظهره للاب المكلوم .

خذوا الجثة وادفنوها فقد رفعت عنها كل الملابسات التي احتاجها ، ولكن لابد أ …

و بعد هذه الجملة دخلت العجوز صاحبة المنزل والتي كانت تمتاز بشعر أبيض مشعث وعجاز خشبي تتوكز عليه ، وكانت ترتدي ملابس فيكتورية رثة وقالت للمحقق :

أتركوها هنا قليلاً ، أين ستدفن ؟ هذه الأيام العاصفة شديدة للغاية ونسبة بقائكم في خطم العاصفة شيئاً مستحيلاً ، أبقوها لحين انتهاء الثلوج ، كما أنك سيد جيك لم تنتهي من تحقيقاتك ، أستترك قاتلها طليقا ؟.

نظر جيك للعجوز بغرابة قائلاً :

" على رسلك سيدتي ، أنا لم أقل أنني سأتركه حراً طليقاً ، أعدك بكل شيء أنني سأجده في مكان ما قريب ، ولكن أرجو أن تكوني هادئة قليلاً ".

قالت والدة الفتاة وهى تنظر للمحقق :

" أرجوك ساعدنا سيد جيك ، نحن خائفين للغاية ".

نظر جيك لهذه السيدة المفزوعة وارتسمت ابتسامة أمل خفيفة على ثغره قائلاً :

" لا تقلقي سيدتي ، طوال عملي كمحقق كنت أعرف أن اللحظة الأخيرة ستحين أثناء مطاردتي لأوغاد العدالة الهاربين ، ومهما كان هذا المجرم خارقاً أعدك بأنني سأمسك به قريباً ، أوصدوا باب المنزل والغرفة جيداً ، بعد أن تفحصنا كل شيء سنرحل الأن وسنحضر غداً مع دورية للبحث في ابردين عن الجاني ، أظن أن المكان لا يزال بعيداً عن المدينة الإسفلتية ، لا تقلقي سنجده قريباً وسط الثلوج لأنه لن يقاوم أكثر ".

خرج المحقق من باب المنزل ومن معه نحو سيارتهم المتوقفة أمام المنزل ، وقد حل الظلام بعد عدة ساعات في منزل العائلة المصون ، ومع اكتمال القمر عوت الذئاب لتشكل ملحمة درامية احتضنت المنزل في وجل ، وقفت العجوز التي ابتاعت لهم المنزل وهى تسمع عواء الذئاب في ذعر شديد ، وبعدها لمحت الأم وهى حزينة فذهبت إليها قائلة وهى تربت على أكتافها بأصابعها الطويلة المقززة :

– لا بأس ، لا بأس فينيسيا ، أعرف أنك لن تنسي ذلك ، أعتذر عن كل شيء .

" أرجوك أعطينا نقودنا ، لا نريد المنزل ".

" أسفة عزيزتي لقد شحنت النقود عبر الطرد لأبني ، وهى ليست معي الأن ، اعذريني".

أعتقد أن الذئاب هي من فعلت ذلك لابنتك ، ثم قالت وهى تعتصر قبضتها :

" إنهم ملاعين ! ".

تدخل الأب الذي كان جالساً في الجوار قائلاً بعنف .

" اسمعيني ، أعطينا نقودنا ، منزلك لعين ".

قالت له وهى تستدير ببرود لتشعل المدفأة الكبيرة والتي انتصب فوقها رأس أيل بقرون كبيرة لتجلس على كرسيها المتحرك وتمسك بعكازها :

"قلت لك ، لقد شحنت النقود سيدي ، أرجو أن تتفهم الأمر".

"بطريقة أو بأخرى سنرحل من هنا سيدة صونيا ، سنرحل قريباً وأنا أعدك ، و سنأخذ معنا كل ما دفعناه لك ، وحتى لو اضطررت لقتلك كما قتلت أبنتي تماماً ".

ابتسمت العجوز بشر مقيم .

وهنا صرخت الزوجة و وضعت يدها على كتف زوجها لتهدئه قائلة :

– المر ، توقف عن هذا الكلام ! أرجوك.

وعندما كانت المرأة تدير ظهرها لهما كانا ينظران إليها متعجبان بعدم مبالاتها ، وقد ابتسمت ابتسامة عريضة للغاية وكأنها تسخر من الأب الغاضب و زوجته وقالت وهى تجلس على كرسيها وتقلب المدفأة بعصا حديدية :

" وهل ستقتل أمرأة ضعيفة يا بني ؟  دعيه فينيسيا ، أنا اعذر السيد المر ".

كشر الزوج جبينه واصطحب زوجته إلى العلية وهو ينظر إلى العجوز التي جلست صامتة أمام المدفأة تترنح بكرسيها في بقعة مظلمة قائلاً لزوجته :

"غدا سندفن تمارا ، ايقظيني باكراً قبل وصول المحقق جيك ".

بكت الأم وارتمت في أكناف زوجها ، و أخذها هو بدوره إلى غرفتهما و أوصدها بقوة ، وفي الليل كان الظلام يعم المنزل بسبب غفوة الجميع ، وقد كانت الأخت الصغيرة في حالة نوم عميق جداً بجوار أبويها ، وقد كانت تصدر هديراً رقيقاً للغاية من فمها .

" كانت مدينة جيدة للغاية تعم بالسلام في براثن العصر الفيكتوري البدائي ، وتحديداً عندما انطلقت تلك الطفلة الصغيرة ذات الوردة السوداء من فوق رأسها ، وقد كانت تلهو بسعادة وحنان بشعرها الأسود الغزير المتطاير مع فتاة أخرى ترتدي وردة بيضاء على رأسها الأشقر ، إلى أن اقتربت أمرأة غريبة يبدو أنها والدة الفتاة ذات الوردة الحمراء بسبب وقوفها بجوارها واحتضانها في ذعر وهي تحملق للفتاة ذات الوردة السوداء :

" تبا .. إنها مصاصة دماء من المدينة العازلة في ابردين ! لا تلعبي معها مجداً جيسي ، هيا ابتعدي من هنا ".

عادت الفتاة ذات الوردة السوداء حزينة إلى منزلها الخشبي الرائع إلى جوار جدها المسن الذي احتضنها في حنان منقطع النظير ، وكانت والدتها تعد لها مشروباً بلون أحمر لذيذ للغاية ، ثم ناولته إياه وهي في أحضان جدها ، و أخذت تحملق في وجه أبنتها الصغيرة بحنان وهى تحتسي المشروب وقد لطخ فمها وصنع شارباً ، وابتسمت الأن في وجه الصغيرة في حنان شديد وظهرت أنيابها المستدقة ناصعة البياض ، وفي قلعة بعيدة عن هذا السور العازل ، اجتمع فرسان المائدة السوداء وقاموا بالاتفاق مع رعاع وصيادين على إبادة جنس مصاصي الدماء للأبد و دحره من ابردين ليعيش البشر في سلام ، ثم أعدوا الأسلحة والكلاب المدربة و خرج الفرسان و ورائهم خرج الشعب ليدحروا شاربي الدماء للابد ، وعندما كانت الأم تنسق الوردة السوداء على شعر ابنتها اقتحم المنزل فرسان حديديون ومعهم كلاب شرسة مدربة لاغتصابهم وقتلهم ببشاعة ، وهجم على الأم فجأة كلباً شرساً للغاية وطرحها أرضاً ، و دخلت كلاب أخرى و بجوارهم رجال غلاظ للغاية ، وقام الفرسان بغرس السيوف في الصدور وقطع رؤوس مصاصي الدماء الذين لم يكونوا قد تطوروا كثيراً حينها ليدافعوا عن حرمات منازلهم ، و بعد هذه الملحمة رحل الفرسان وتركوا ورائهم المدينة مليئة بالأطلال المهدمة والجثث المعلقة ، وبعض الأسرى الذي سيحرقونهم في وهيج الشمس غداً ، عدا ذلك قد أبادوا الجميع عن بكرة أبيهم ولم يتركوا مصاص دماء واحد ، أو هكذا اعتقدوا ، عندما جلست تلك الفتاة ذات الوردة السوداء تبكي وسط جثث أبويها ، وقد احتضنت أمها التي برقت عيناها في السماء وظهر نابها المستدقان وقد كانت رقبتها مليئة بالجروح البالغة ، أما جدها فقد كان جالساً مكانه وقد اخترق سيفاً فضياً فمه نزولًا في أمعائه خارجاً من شرجه ، وقد استوطنت الفتاة بعد ذلك هذا المنزل الخشبي الذي بقى ، وبعد سنوات مديدة أصبحت شابة وقد كانت تقطف التوت من الشجرة الضخمة التي أمام المنزل ، حتى ظهر أمامها فجأة ذئباً رمادياً ضارياً بجسد مهيب وقد أخذ ينظر إليها في مكر ودهاء وهى تبادله النظرات في خوف وترقب حذر ، وبعد لحظات شعر الذئب بشعور غريب لم يشعره تجاه بشر من قبل ، وتحرك و هجم عليها مطبقاً فكه بقوة على ظهرها ليثبتها أرضاً ، وقد كانت هي تتعارك معه وتحاول عضه بأنيابها لكن دون جدوى ، وبعد انقضاء عدة أيام تبلورت بطن الشابة بشكل غريب للغاية حتى أنها أخذت تحملق في نفسها بغرابة ، وبعد فترة وجيزة خرج منها شيئاً صارخاً للغاية لم يسبق له مثيل .

أفاقت الأخت الصغيرة من بين أحضان أبويها مفزوعة ، ونظرت حولها وقد كان المكان هادئاً و لا يشوبه شيء ، لقد كان حلماً غريباً للغاية لم يسبق له مثيل ، لم تهتم كثيراً بالنسبة لطفلة استوطن عقلها الباطن حلماً غريباً ، وترنحت متوجهة نحو الحمام خشية من أن تبلل فراشها كعادتها ، وبعد أن وضعت قدماً خارج الغرفة ، سمعت أصوات الذئاب الرمادية خارج المنزل وهى تعوي بشكل غزير ، فتوجست في مكانها خوفاً ، ولكنها ما لبث أن استعادت شجاعتها وتحركت في ثبات نحو السلم المؤدي للأسفل ، وقد كان المنزل معتماً وبالكاد لمحت درجة السلم التي وضعت قدمها الصغيرة عليها في الظلام الأزرق الدامس ، أظهر المشهد أقدام الفتاة و وجها المرتعب وهى تخطو على السلم متوجهة إلى الأسفل تتبع هذا السائل الدامي ذو اللون الأحمر في فزع ، والذي أرتسم من أعلى السلم هابطاً نحو الأسفل غير محدداً وجهته الطويلة ، اتبعت الفتاة الخيط وهى تبحلق بفزع شديد حتى كادت أن تبكي ، وقد انتهى هذا السائل الممزوج بالهيموجلوبين عند باب المنزل الذي تناثرت أمامه قطع من الثلج وكأن أحدهم كان يجول في الخارج عابثاً ودخل إلى المنزل للتو ، اتسعت حدقة عين الفتاة من الخوف وتشجعت وخطت متوجهة إلى هذا الصوت الغريب المنسدل من وراء الكرسي الضخم .

قضم ، قضم ، قضم .

كان هناك شيئاً عابثاً وراء الكرسي وقد كان يقضم شيئاً ما بسبب مسلكه الدرامي البحت .

وما أن كشفت بأعينها المكان من وراء يد الكرسي الكبير ، حتى رأت شيئاً لعيناً للغاية لم يسبق له مثيل ، كان بشعر أبيض عجائزي مشعث ،

ويمتاز بحدب دهني كبير ، وتم تزيين هذا الحدب في الظهر بأجنحة صغيرة تبدو للوهلة الأولى عديمة القيمة " لا تطير " منبثقة من لحمه المحرشف الأخضر ، وقد كان هذا الكائن برأسه الشمطاء البشعة منشغلاً بمضغ شيئاً ما وسط الظلام الدامس وكان يدير ظهره للفتاة الصغيرة ولا يعيرها اهتماماً من الأساس بسبب عدم شعوره بها ، اكتست عين الطفلة الصغيرة التي كانت تمسك بدبها القطني الصغير بالدموع وقد أوشكت على البكاء ، وسقط من تحتها على الفور سائل أصفر أغرق الأرض من تحتها وامتزج بخط الدماء الذي كان منسدلاً من مكان المخلوق اللعين ، وبعد عدة همهمات قضمية من هذا الشيء الغريب أدار وجهه للفتاة أخيراً وقد شعر بها تنتصب من ورائه ، وقد كان وجهه وجهاً لعيناً لا يوصف ، فقد كان يمتاز ببشرة وحشية بها نتوءات متضحة الملامح ومحرشفة بشكل مقزز وكأنه مسخ أفلام رعب عاتي لا يرحم ، مع وجها أنثوياً لعجوز ممسوخة ظهرت ناباها الكبيران المستدقان بلونهما الأصفر وهى تمسك برأس ذئب رمادي ضخم قد أدخلته داخل المنزل بجسده المهيب لتقضمه بهدوء حذر ، ومن علامات العض و الأنياب على جسدها يبدو أن قطيعه طاردها حتى كاد أن يفتك بها ، وقد تركت الذئب من فمها وأخذت تبحلق في وجهه الفتاة ببرود ، و أكثر ما كان يخيف فيها هو أعينها البراقة اللامعة ذات اللون الأحمر التي كانت تلمع وسط جفيف الظلام ، بعدها رفع المخلوق يده الممسوخة ذات المخالب الحادة وفرد أصابعه الخمسة في الهواء وكأنه يرحب بالصغيرة التي كانت منتصبة أمامه في خوف ، ثم ابتسم الكائن العجوز ابتسامة شريرة وغمز للفتاة ، وبعد ذلك مباشرة صرخت الفتاة صرخت عاتية دوت في جميع أرجاء المنزل برمته وقد غطت وجهها بيدها منعاً من أن تتلاقى عيناها بأعينه الجاحظة ، بل وقد خرج ودوى ضجيج صرختها وسط الثلوج المهجورة من حولها ،

وبالفعل وصل ضجيج صوتها إلى هذا العجوز الذي كان يغطي عيناه بقبعته منتصباً بكرسيه أمام بنزينته الخاصة على ضفاف الطريق الأسفلتي الطويل ، وقد كان بجواره كلباً نابحاً كشر عن أنيابه و أخذ ينبح عندما سمع هذه الصرخة وكأنه يألفها ، وهنا رفع العجوز قبعته ببرود وقال ناظراً نحو الأفق :

"حسناً ، صونيا تحصل على طريدة أخرى ! ".

ثم بعدها نهض من مكانه وكانت هناك شرط سوداء مرتسمة على الحائط مشطوب على بعضها ، فقام هو بشطب واحدة منهم .

لمعت تلال ابردين بصرخة بشرية مفزوعة قادمة من منزل صونيا ، وعلى الفور اخفى الوحش الأنثوي نظراته وقفز من فوق الفتاة الصغيرة بأقدامه النحيفة ذات المخالب المعقوفة على عكس جسده السمين قفزة عاتية ، وقد انتقل إلى ظلام المطبخ من ورائها ، وقد ترك الذئب و أثار الدماء ورائه و أمام الطفلة الصغيرة المنتحبة في خشوع أمام جثة الذئب المهيب ، وعلى الفور أفاق الأب وألام من غفوتهم مذعورين ، وتوجهوا مسرعين نحو الأسفل تاركين فراشهم الدافئة ، وقد أضاءوا الأنوار ليدحروا الظلام من المنزل ، وعندما هبطا وجدوا طفلتهم وقد تبولت على نفسها باستسلام شديد ، و أمامها قبع ذئباً مهيباً مصروعاً والدماء متناثرة في المكان من حوله ،  احتضنت الأم الطفلة و أخذ الأب ينظر بذهول لهذه الدماء وقد بحلقت عيناه بغرابة .

"يا رباه ! ما هذا بحق السماء ؟ ".

احتضنت الأم الطفلة وهى تبكي معها ، ثم بعدها زمجر الأب قائلاً للام :

"مولي اذهبي للعلية واجمعي ملابسنا ، لقد طفح الكيل ، سنرحل الأن ".

أمسكت الطفلة بأمها قائلة :

" لا تذهبي أمي ، إنها في الأعلى".

" عن ماذا تتحدثين عزيزتي ؟ ما خطبك ؟ " .

وعلى الفور قطع صراخهم خطوات العجوز وهي تنزل من الأعلى متوجهة اليهم وهى تمسح وجهها بعد أن أفاقت من النوم العميق ، وقد نظرت اليهم ونظرت للذئب والدماء من حوله قائلة :

– ماذا حدث ، ما هذا الشيء ؟.

" فينيسيا ، قلت لك اصعدي للأعلى واجمعي ملابسنا حالاً ولا تلتفتي لهذه الشمطاء الحقيرة ؟ ".

كانت العجوز منتصبة أمامه تنظر اليه بحقد وبغض .

ثم بعدها استشاط هو و تناول بندقية كبيرة ذات مخدعان كانت معلقة فوق رأس الوعل المحنط فوق المدفأة ، وعلى الفور صوب فوتها المستديرة نحو العجوز متوعدها قائلاً بغضب :

"اسمعيني ، نحن سنرحل الأن بشكل أو بأخر ، تعطينا نقودنا أو تعطينا حياتك ، أنا لا أساومك سيدتي ، أنا فقط أخيرك ، ماذا تقولين ؟ ".

انتصبت العجوز أمام فوهة البندقية الجبارة في ثبات وقوة غريبة قائلة و كأنها تتحدى طلقاتها العنيفة لترفع رأسها للأعلى في شموخ و دهاء قائلة :

" ما بك سيد المر ، هل أصبت بالجنون ؟ الذئاب دوماً ما تزحف هنا ، عليك أن تهدأ الأن  ".

وعندما كان مصوباً بندقيته وكان هو والعجوز ينظران لبعضهما خاطبته زوجته قائلة :

" المر ، توقف أرجوك ".

"اسكتِ يا فينيسيا ، اصعدي أنتِ للعلية فوراً واحضري ملابسنا لنرحل من هنا ".

" ليس بعد أن تنزل سلاحك يا عزيزي من وجه الجدة ".

"هذه الجدة المصونة اللعينة مجرد عجوز محتالة وخبيثة ، أنتِ لا تعرفين شيء ".

وهنا قضبت الجدة جبينها و ارتسمت على ثغرها ضحكة غريبة وقالت :

"هل سمعتها ؟ لقد قالت لك توقف ، ألن تفعل ذلك يا المر ؟ ".

" لا ، لا أظنني سأفعل ، و أنتِ ألن تعطينا نقودنا ؟ ".

رفعت المرأة أصبعها الطويل أمام المر ولوحت به يميناً ويساراً إشارة منها بالرفض ، وبعدها نظرت إليه الزوجة والزوج بغرابة شديدة وكأنها تتبدل ، و بعد زوال الاستغراب هنا ألقى المر السلاح بعيداً وقال بغضب :

– يا أبنة ال …

وهنا وجه قبضته العنيفة تجاه المرأة العجوز قاصداً ضربها ، وقد كانت الأم تحتضن أبنتها في خوف وهى تراقب قبضة زوجها الضخمة وهى متوجهة نحو وجه العجوز الضعيفة والتي ربما تقتلها ، وقبل أن تلمس قبضة الرجل وجهه المرأة بحركة خاطفة رفعت العجوز كفها وصدت ضربة الرجل بقوة وهى تضحك ! وهنا تعجبت الأم وقالت بدهشة :

" يا إلهي ! ما هذا ؟ ".

تعجب الأب وقد كانت قبضته محصورة في كف العجوز الهلامي الذي التصق فيه الجلد بالعظم ، ثم بعدها ضغطت على كفه و أخذ ينحني شيئاً فشيئاً يتألم بسبب قوة قبضة العجوز الضعيفة والتي دب فيها شباب الرجال فجأة ، فقد اعتصرت قبضة الرجل بكفها و أحنته أرضاً وكأنها بقوة عشرة رجال ، كان الأب ينظر اليها وهو يتألم ، وقد صرخت الأم من ورائها مراراً مطالبة إياها بتركه يذهب ولكن دون جدوى ، وهنا قربت وجهها من وجه الرجل وكأنها تنافسه قائلة بضحكة خفيفة

"ما رأيك الأن أيها الوغد ؟ هل هذا كافياً أم أنك تريد رؤية المزيد ؟ ".

وبعد أن اطلقت هذه الجملة فتح الرجل فمه ونظر اليها في دهشة ومعه زوجته التي صرخت وهي تحتضن أبنتها ، فلم يكن هذا هو صوت المرأة العجوز التي قابلوها في البداية ، إنما كان هذا صوتاً غليظاً للغاية وكأنه صوت وحش متأجج من أعماق الجحيم ، فقد تبدل صوتها كثيراً ، و مع هبوب العاصفة الثلجية مجددا ًو التي دوى صفيرها وهز مصابيح المنزل ، حاول الرجل المقاومة أكثر والوقوف على قدميه وقام بتسديد لكمة قوية بيده الأخرى إلى وجه المرأة العجوز الملعونة ، التي نالتها بالفعل و أسقط وشاح رأسها ، أدارت العجوز وجهها للناحية الأخرى وهى تمسك بكف الرجل متأثرة بضربته ، ثم استدارت اليه وابتسمت في سخرية ، ثم تركته وقبضت بيدها على ملابسه و رفعته في الهواء بيد واحدة ، ثم نظرت اليه وأطاحت به وكأنه لعبة في الهواء ليرتطم في دولاب خشبي بداخل المنزل و يكسره لأجزاء و يسقط بينها مردوماً مدحوراً ، وهنا نهضت الأم من مكانها وتركت طفلتها لتهدئ هذه العجوز الضارية ، ولكنها عندما لمست كتفها بيديها الرقيقة استدارت الأخرى و ناولتها ضربة عنيفة أطاحت بها هي أيضاً لترتطم في جدار المنزل الخشبي بقوة .

" ابتعدي عني أيتها الحقيرة ".

نفض الرجل غبرته ونهض من بين حطام الدولاب الضخم ، واستل خنجراً كبيراً من بين الحطام قاصداً أن يسدد للمرأة طعنة نافذة تقتلها للابد ؛ ولكنها كانت تتملص من السكين ببراعة شديدة للغاية ، زمجر الرجل وقاتل بشجاعة إلى أن قامت بضربه برأسها ضربة قوية أسقطته ، ثم تناولته من على الأرض وقامت برفعه في الهواء بيد واحدة ، ولكنه كان يمسك بخنجره وحاول غرسه فيها ولكنها تملصت وأخذته من بين يداه واصبح معها الأن ، وبدلاً من أن تطعنه به رمته بعيداً ، ثم فجأة نظرت للرجل وارتسم ظلهما على حائط المنزل الخشبي ، ونبت من ظل المرأة فجأة أجنحة صغيرة ونبت من أصابعها مخالب حادة كالشفرات ، أدخلت المرأة مخلب يدها في عنق الرجل وهى ترفعه في الهواء كاشرة عن نابيها المستدقان الغير أدميان ، نزف الرجل دماً من عنقه و فمه  وسقط من الأعلى على أنف المرأة و وجهها في مشهد سادي بشع ، وقد ارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغرها وهى تلعق وجهها من الدماء الثقيلة بلسانها المشقوق الطويل ذو اللون الأحمر الدامي ، وهنا كانت الزوجة على الأرض بجوار أبنتها الباكية تنزف من رأسها أثر الخبطة القوية التي تلقتها ، وقد قامت بمحاولة الاتصال بشخص ينجدهم وتحديداً المحقق جيك ، ولكنه لم يكن ليرد ، لتجرب بعدها خاصية الدردشة والتي كانت متاحة بسهولة :

"مولي المر" .. سيد جيك ؟.

جيك" .. أهلاً سيدة المر."

"مولي المر" .. أرجوك نحتاج أن تأتي الأن ، نحن في خطر ، إنها تقتل زوجي !.

"جيك" .. ماذا يحدث ؟ تريثي وافهميني ؟.

"مولي المر" .. العجوز تقتله سيد المر ، إنها القاتلة ! إنها القاتلة ! إنها القاتلة سيد جيك .

"جيك" .. حقاً شككت في ذلك ؟ لا بأس ، امسكوا بها سأكون عندكم بعد قليل ".

"مولي المر" .. إنها تتشاجر مع زوجي الأن وتقطعه.

"جيك" .. كيف هذا ؟ إنها مجرد عجوز بليدة ، لا أظنها ذات خطورة على شخص مثل السيد المر !.

"مولي المر" .. إنها تقتله ، تقتله !.

جيك "  أنا قادم في الحال ".

"مولي المر" .. أبنتي تموت ، لقد تحولت لوحش ثائر .

"جيك" .. سأكون عندك.

"مولي المر" .. هيا جيك .. تعال بسرعة !.

جيك " .. مرحباً ؟ ".

"مولي المر" .. أنا في انتظارك ، لا تتأخر .

جيك"  من أنت ؟ ".

مولي المر غير متصلة .

وبسرعة اخمد جيك سيجارته ، وقال وهو يرتدي سترته وقفازه الجلدي الأسود ويجهز سلاحه :

" تباً ، يبدو الأمر خطيراً هذه المرة ! ".

ثم لف خزينة مسدسه وقال وهو يحشوه بالرصاص :

"حسناً ست طلقات تكفي ".

ترجل جيك من مكتبه وارتدي قبعته واصطحب اثنين من رجاله قائلاً لهم بوجل :

"هيا بنا ، لدينا حالة طارئة ".

هبط الثلاثة و ركبوا السيارة الكلاسيكية السوداء التي كانت تقبع في الأسفل ، وعندما هم أحد الرجال بالركوب للسيارة سأل المحقق قائلاً :

– ماذا حدث سيد جيك ؟ و إلى أين سنتجه ؟.

"إلى تلال ابردين حيث ذهبنا في المرة الأولى".

" مقتل الفتاة ".

نعم وجدنا القاتل ، لقد كانت العجوز اللعينة و يبدو أنها ليست وحدها ، هل جهزتم الرشاشات في مؤخرة السيارة .

" نعم سيدي ".

أدار جيك السيارة وانطلق بها على غير هدى في الطريق الأسفلتي الطويل متجهاً مع رجاله نحو المنزل المنكوب ، وبعد نصف ساعة من السير توقفت سيارة الرجال الثلاثة وكبحت فراملها أمام بنزينة يقبع أمامها رجل ثمل ، وقد أحاطه الذباب من كل حدب وصوب ، وبجواره قبع كلبه الأليف الذي انتصب يحدق في جيك وهو يقترب من صديقه ببرود ، وهنا اردف الرجل مترنحاً وهو يقول لجيك :

" أظنك تقصدني بنظراتك تلك ؟ لا تظنني أنني سأمول سيارتك بدون الدفع أيها الثمل".

وهنا اردف جيك قائلاً لهذا الرجل الذي نطر إليه بتقزز :

"لا سيدي ، أريد فقط الذهاب إلى تلال ابردين ، ولكن من طريق مختصر أكثر بسبب اشتداد العاصفة ، هل من مسلك أخر هنا ؟ ".

" إلى أين بالضبط في أبردين ؟ ".

" إلى منزل معين وحيداً هناك ، أظنك تعرفه ، لدينا فقط أمر بالقبض على مشتبه بها ، أتمنى أن تساعدنا و تدلنا على طريقاً يدلنا للمسلك ، سيدي أرجوك ".

قال الرجل بنبرة خفيفة محدثاً نفسه :

" نعم ، العجوز التي تؤجر منزلها للغرباء".

ثم بعدها التفت لجيك وقال له :

" من الأفضل لك أن تذهب من حيث أتيت سيد بووجيز".

"ماذا بك ، هل تعرف شيئاً ؟ ".

" لا شيء ، اصطحب معك فقط ذئباً رمادياً للقبض على مجرمك الهارب أفضل من فحلاك اللذان ورائك ، فهي تخيف الجميع في ابردين ".

ثم بعدها نهض من مكانه و أدار ظهره لجيك وقال مستنكراً وهو يلوح بيده :

" أسمع ، أبتعد الأن ، أنا لا أعرف أي طريق هنا ، أغرب عن وجهي .. هيا " !.

"حسناً ، سأذهب وسأقبض عليها ، واذا عرفت أنك طمست أحد الطرق سأقبض عليك أيضاً ، احذر على نفسك سيد ذبابة ".

ثم بعدها ضحك الرجلان اللذان كانا متوقفان في ظهر جيك وهما ينظران للرجل في سخرية ، وبعدها توجها وراء جيك لركوب السيارة المنتصبة على ضفاف الطريق ، أنارت السيارة أضوائها وتحركت نحو الطريق الجليدي متوجهة إلى هضاب ابردين ، وهنا قد أخذ العجوز الثمل يراقب سيارة الرجال الثلاثة وهى تختفي في طريق الجليد الأبيض السحابي المبهم ، وقد كان يتابع بعيناه من وراء شراعة شباكه ذات الخطوط المفتوحة ، وبعد أن تناول ريقاً من زجاجة الخمر التي في يده كسر عينه اليمنى قائلاً بتأجج وكأنه يرد على جملة جيك التي قالها له في البداية :

" بل أنت الذي يجب عليه أن يحذر سيد وغد ! ".

قبض جيك على مقود السيارة بقفازه الجلدي الأسود منطلقاً بها بأقصى سرعة ممكنة ، وبعد ساعة إضافية أخرى ظهر منزلاً خشبياً مطموساً وسط لهيب العاصفة الهباء ، ومن هنا قال أحد رجال جيك :

"سيد جيك ، ها هو المنزل ! انه منتصباً هناك ".

اقترب جيك بالسيارة أكثر وتحديداً أمام حديقة المنزل التي غطى الثلج ورودها الزاهية وتحديداً الشجرة الكبيرة التي في المنتصف ، اطفأ جيك أنوار سيارته التي ارتسمت على نوافذ المنزل المظلمة والشجرة الكبيرة التي أمامه وهبط منها .

– تباً ، ماذا حدث هنا ؟.

ثم تناول بعدها من الحقيبة الخلفية للسيارة رشاش توماس ذو خزينة دائرية وعمره بقبضة قفازه الجلدي الأسود قائلا ً:

" كنت أظن أن ست طلقات تكفي ، كأفضل ما يكون ".

" سيدي هل سنقتحم بالأسلحة ، إنها مجرد عجوز جبانة ! ".

لا تكن غبياً دومنيك ، المرأة ليست وحدها ، إنه فخ لاصطيادنا ، المنزل مظلم جداً ".

"هيا بنا إلى الداخل الأن ".

تحرك الرجال الثلاثة وعلى الفور دهسوا بأقدامهم حشائش الحديقة الرثة وهم ممسكين بأسلحتهم العاتية جيك برشاشه ذو الخزينة الدائرية والرجلان الأخران بمسدساتهم الفضية البراقة ، وعلى الفور كسر جيك الباب بقدمه ودخل الثلاثة أرضية المنزل الحالك الظلمة والتي ارتسم عليها الضوء من الخارج بسبب الباب المفتوح ، وقد كان المكان صامتاً بدرجة تثير الفزع في صدور اعتى الرجال ! تناول جيك مصباحاً قديماً كان أمامه  و أخرج قداحته واشعل الفتيل القطني التي بداخله ، وما هي إلا لحظات حتى اتشح نوره المكان وارتسم بفجيج قاتم على وجه الرجلان اللذان معه ، استدار جيك و وجه المصباح ليرسم الطريق إمامه وقد كشفت أنواره جدران المنزل الخشبية من بين الظلام ، وبعد أن دقق جيك بعينيه هناك وجد أحداً ما مستلقياً هناك ، بل وجد شيئاً أخر منبثقاً من أعماق الجحيم .

كان الأب المر معلقاً على الحائط الخشبي مثل البراويز المسمرة ، وكان فمه مشقوقاً بدرجة فظيعة حتى أن لسانه تدلى بشكل رهيب ، وقد نزعت مقل عينيه ليظهر الفراغ الأسود فيها ، وقد كانت يده اليمنى مثبتة بوضعية جعلته يشير بأصبعه فيها نحو الأعلى ! وكُتبت فوق رأسه عبارة ملطخة تلطيخاً مهيباً من دمه تقول :

إنها ورائك !.

نظر جيك والرجلان واستدار هو بمصباحه في الوراء ليتفاجأ بشيئاً غريباً ذو ملامح بدائية خضراء و أسنان دامية منطلقة من شفة بشعة كان يقبع خلفه هو ورجاله بدون أن يشعروا ، قفز فجأة من على الأرض قفزة مهيبة متوجهاً للعلية واغلق الباب من ورائهم وهنا ساد الصمت .

سقط أحد الرجال على الأرض مصروعاً فور رؤيته ذلك .

"يا الهي ! ما كان هذا ؟ ".

بينما قال الأخر وجبهته تتصبب عرقاً .

" ما هذا بحق السماء ؟ هل نحن في الجحيم أم لا زلنا داخل المنزل المقصود ؟ ".

بينما كان جيك منتصباً بمصباحه وسط الرجلان وهو ينظر نظرات جامدة نحو شيئاً ما .

"لا أصدق أن هذا الشيء كان بجوارنا عندما دخلنا في الظلام ! ".

فجأة انحنى جيك على الأرض وقال بصوت عالي منادياً رجاله :

– كارل دومنيك ، صوبوا عليها ، ستقفز مجدداً !.

وفجأة انبثقت المخلوقة من أعماق الظلام متوجهة بمخالبها نحو دومنييك والتي قفزت فوقه وأسقطت سلاحه وكان يصرخ بتأجج ، شحن جيك سلاحه ذو الخزينة الدائرية و أخذ يتمعن لوجه المخلوقة بشعرها الأبيض الأشعث ، وما هي إلا ثواني حتى باغتها بطلقات عنيفة من رشاشه أردت جسدها وضايقتها جداً لتبتعد عن دومنييك وتقفز للعلية مجدداً تاركة الرجال مذعورين ورائها ، هنا نهض كارل و انهض دومنييك الذي تناول سلاحه وهو مذعور ، وهنا قال جيك :

"يبدو أنها ترتدي سترة واقية للرصاص ، فطلقاتي لم تؤثر فيها ! ".

فزع الرجلان بشدة و أخذت الأسلحة ترتجف في أيديهم بينما أخذ العرق يتصبب من جبهة جيك وهو يتطلع إلى العلية المظلمة ، وهنا قال :

"سنصعد للأعلى ، هي هناك ".

تحركت أقدام جيك و بخطى ثابتة وضع أقدامه على السلم متوجهاً للأعلى وكان يصعد بحذر وترقب وهو يراقب المكان من فوق عارضة السلم ممسكاً بمصباحه المنير ، اشتدت العاصفة في الخارج ودوى صفيرها ، وصرخ جيك في الرجلان اللذان وقفا في مكانهما مترددان .

" دومنيك .. كارل … تحركا الأن".

تبعه الرجلان و تحرك الثلاثة و صعدوا درجات السلام ممسكين بأسلحتهم وهم ينظرون في الأفق ، واصبحوا بعد فترة وجيزة في الرواق الطويل الذي ارتصت فيه 3 غرف قاتمة وكبيرة ، وقد عرف جيك أن الشر قابعاً من بين غرفة واحدة من تلك الغرف أو تحديداً في الرواق نفسه ، ضرب جيك باب الغرفة الأول بقدمه واطلق عدة طلقات فاذا بها فارغة ، ومن ثم تحرك مع رجاله وضرب باب الغرفة الثانية بقوة "غرفة الفتاة تمارا "واطلق عدة طلقات ، وبعد أن تمعن الدخان الصادر من فوهة رشاشه فجأة في ظلام الغرفة هدأ قليلاً ، حتى ذهب سكونه فجأة بسبب تلك العينان الحمراوتان التي ظهر بريقهما من ظلام الغرفة ، وقبل أن يفعل شيء قفزت المخلوقة من الغرفة لتسقطه أرضاً وامتدت قفزتها من ورائه لتتجاوز عارضة السلم ولتصطدم فيها وتكسرها متوجهة نحو الأسفل بسبب مضايقة الرصاص لها وتعطيله قفزتها .

لملم الرجال أنفسهم ونهض جيك وتناول مصباحه المنير الذي انطفأ نوره وسلاحه العاتي ونظر من الأعلى بعد أن أنار مصباحه مجدداً

إلى أرضية المنزل الخالية قائلاً :

"إنها في الأسفل ، ماذا كانت تفعل في الداخل بجوار جثة الفتاة ؟ ".

دخل جيك ومعه كارل للغرفة ، بينما وقف دومنيك منتصباً في الرواق أمام الغرفة يوجه سلاحه يميناً ويساراً ، و بعد أن دخلا وجه جيك أنوار مصباحه على السرير الخالي و تفاجأ في ذهول أن جثة الفتاة قد اختفت من على السرير من الأساس ، وكانت هناك بصمة أصابع دامية تمتاز بمخالب إبليسية حادة على الزجاج الذي ضربته العصافة بثلجها ،

وبينما كان جيك وكارل ينظران للنافذة ويديران ظهرهما لدومنيك الذي كان منتصباً أمام الغرفة ظهر من ورائهما فجأة جسد أخضر مزرخش واحتضن دومنيك وهو واقفاً فجأة وسار به في لمح البرق مختطفاً إياه من وراء المحقق وزميله وكأنه يطير ، والصوت الوحيد الذي أصدره وراءه هو صوت سلاحه الذي سقط على الأرض منبهاً جيك وكارل .

استدار الاثنان معاً وقال جيك بفزع :

"دومنيك ؟ ".

خرج الرجلان بسرعة من براثن الغرفة و أطلق كارل طلقات من مسدسه بشكل عشوائي ، وقام جيك بتوجيه أنوار مصباحه نحو السقف فوجد

الأم المسكينة وهى معلقة في السقف ومربوطة في النجفة الكبيرة بجانب أبنتها الصغير وبجانبها دبها القطني والثلاثة إلى جوار بعضهما البعض ، وكانت الأم وابنتها شاحبين للغاية و منزوعتان المقل والدب أيضا كانت مقلاته منزوعة بشكل مفزع ، وهنا قال جيك لكارل وهو يتفحص مسدسه :

" كارل توجه إلى الأسفل و سأنير لك أنا الطريق ، حاول أن تصلح لوحة الإضاءة التي تقبع جوار الباب الخشبي بسرعة ، لو استمررنا في قتال الكائن اللعين في الظلام سنهلك في القريب العاجل ".

قرب جيك أنوار مصباحه من اللوحة وهبط كارل للأسفل وقد مر من جوار جثة المر وأعطاها ظهره ، بينما أنار جيك الأرضية من الأعلى بواسطة المصباح الذي في يده ليرشد كارل إلى طريقه ، عبث كارل قليلاً بداخل اللوحة وهنا فجأة ظهر نور أحمر من بين أعين جثة المر المنزوعة ! و وضح أن عين أخرى قد نمت مكان الفراغ الأسود مكان عينه ، لمح جيك الأمر وقبل أن يتفوه ببنس شفة ليحذر المر  طارت فجأة نحوه المخلوقة السمينة الخضراء والقت بجثة المر واحتضنت كارل لتكسر الباب بعنف وتخرج به إلى الخارج حيث الجو البارد و الثلج الناصع البياض الذي اختلط بالدماء ، وقد ترك جيك وحيداً في العلية ، وقد سقط أرضاً من هول الفزعة و وقع المصباح من يده وتدلى مترنحاً نحو الأسفل من على درجات السلم وقد أنكسر وتشبثت نيرانه بخشب الأرضية البني .

" المسخ يحاول أن يعزلنا ، تباً لهذا ! ".

و بعد أن نهض تفاجأ جيك بنيران المصباح وهي تلتهم أرضية المنزل فتناول رشاشه وعمره وقد ترك قبعته ، وقبل أن يستدير اصطدم من خلفه بجسد صلباً غريباً يبدو مألوفاً ، وعندما استدار وحملق فيه وجد وجهاً أنثوياً عجائزياً بشعاً في صورة كائن اخضر بحدب كبير على ظهره وجناحان صغيران و بنابين كبيرين مثل مصاصي الدماء .

وقبل أن يشهر سلاحه الذي ضرب منه عدة طلقات اصطدمت بجسد المخلوقة ، طبقت يديها على رقبته و رفعته في الهواء و ألقت به من العلية إلى أرضية المنزل مباشرة ، سقط جيك سقطة عنيفة أرهقته وكسرت أحد أصابعه ، و قد نهض منها يعرج و وقف على قدميه في منتصف المنزل وهو شاهراً سلاحه وقد كانت النيران تلتهم المنزل من حوله شيئاً فشيئاً ، ليتفاجأ بعدها بالمخلوقة وهى تمشي على السقف كالوزغ مصدرة همهات مفزعة . صوب جيك السلاح نحوها و أخذ يحاول إصابة جسد هذا الكائن مصوباً طلقات رشاشه العنيفة بدون توقف ؛ ولكنها وبكل بساطة كانت تتفادى الطلقات ببراعة شديدة للغاية وكأنها رجل نينجا ، استمر جيك بضرب النيران نحو الكائن حتى نفذت حزينة السلاح الدائرية فاسرع في شحنها بسرعة ، ولكن المخلوقة البشعة هبطت عليه بأقدامها و أسقطته أرضاً وصعدت للسقف مجدداً وكأنها تتسلى ، نهض جيك وصوب رشاشه بعناية وأخيراً أصابها وضايقها بطلقاته العاتية وأسقطها من على السقف ، هبطت المخلوقة وسقطت تحت أقدامه وعلى ما يبدو أن جسدها لن يتحمل أكثر ، فقام جيك بفتح نيران رشاشه في جسدها و وجهها بشكل عشوائي ،

نظرت اليه ولم تتأثر كثيراً والزبد يتساقط من فمها ببشاعة وهنا أمسكت بأصابعها الطويلة أقدام جيك وعرقلته أرضاً بجوارها ، صوب هو السلاح تجاهها مجدداً وفجر طلقاته في وجهها الأخضر ذو الملامح والتقاطيع البشعة وكأنها كائن زاحف يمتص الدم بنابيه تلك ، لم يكن الرصاص يؤثر فيها بشكل عام وبدا ذلك أنها كانت لا تموت و إنما تصاب بالدوار فقد كان جسدها وكانه درعاً واقياً للرصاص تماماً ، نفذت ذخيرته فقامت هي بالمثول فوقه ودفنت أنيابها في كتفه وعضته عضة دامية أظهرت أسنانها الملطخة بالدماء ، صرخ جيك وقد كان يحاول إبعادها عنه ولكن دون فائدة ، كانت تبتسم في وجهه ثم رفع هو كفيه واطبق بأصابعه على رقبتها ليخنقها و ليبعد وجهها الذي حاولت تقريبه منه شيئاً فشيئاً ، وهنا كانت النيران من ورائهما تقترب منهما شيئاً فشيئاً ، وبحركة مفاجئة عضت المخلوقة كف جيك من على رقبتها وانتزعت أصبعه ولفظته وقامت بعدها بغرز أظافرها الطويلة في لحمه وقد تلوى من الألم ، لكمها جيك بقوة ولكنها لم تتحرك وعضته عضة أخرى اقربته على فقدان قواه والتوقف عن المقاومة ، وبعدها ضربت وجهه ضربة عنيفة بمخالبها جعلت هناك 3ندبات طولية أحاطت بعينيه ، وبعد تفكير مشوش فتح جيك عينيه واستغل اقتراب النار من ورائها وقام برفسها بقدميه ولكنها لم تتحرك ، ثم قام بمد أصابعه وتناول رشاشه الذي قبع ورائه بشق الأنفس و أمطر وجهها بوابل من الأعيرة لتبتعد عنه في ضجر ولتسقط في النيران التي من ورائها مطلقة صرخة مدوية للغاية هزت أنحاء ابردين برمتها

اظهر المشهد عجوز البنزينة الثمل والذي قد اعتاد سماع أنين الصرخات البشرية كل فترة قائلاً وهو فاتحا ًعيناه :

– ما هذا ، ما هذه الصرخة ؟

اندثرت المخلوقة أمام أنظار جيك الذي كان على الأرض ممسكاً بسلاحه ، واختفت برمادها الأسود وسط السنة النيران الملتهبة ، نهض جيك بصعوبة بالغة من مكانه بسبب جراحه المتخمة ، ونهض والقى رشاشه وبعد أن سمع عواء الذئاب تناول من جواره بندقية رامية استخدمها المر في بداية القصة ، وخرج بعدها من باب المنزل المكسور ، و وقف أمام المنزل وهو يشاهده يحترق وكانت النيران تصدر صوتها الجحيمي المعتاد ، وبعدها تبادر إلى أذنه أنين المخلوقة وهى تتلوى ألماً ، وبينما هو يحدق منتظراً موتها انبثقت من بين النيران وكسرت النافذة كالبرق متوجهة صوب جيك وهى تطير بجسد محترقاً مهيباً وكأنها تقاوم النار ببراعة ، وقد رفع جيك بندقيته فوراً مصوباً طلقة عنيفة تجاه القلب مباشرة فأسقطتها وهى تتلوى من الألم ، وكانت هذه الرصاصة التي اخترقت قلبها هي التي صرعتها وهوت بها ، إذ رفعت يدها في الهواء وسقطت على الثلج محترقة بعنف وقد سكنت بدون أي حراك ، رمى جيك البندقية و أخذ يترنح بسبب جراحه البالغة ، وقد نظر وراءه و لاحظ خطاً طويلاً من الدم وهو يتجه خارج المربع الثلجي نحو المدينة " كارل لا يزال حياً ".

أسند جيك رأسه على الشجرة الضخمة التي في المنتصف و أخذ يتلوى قليلاً وهو ممسكاً بجرح كتفه الغائر ، وفجأة لفت نظره قطرة من الدم سقطت من فوقه أي من الشجرة لتنتصب على انفه تحديداً ! وعندما رفع رأسه ليتأمل أغصان الشجرة المغطاة بالثلج وجد مشهداً مهيباً لم يتخيله أبداً ، لقد وجد جسد تمارا ويبدو أنه قد سُرق من المنزل لفوق الشجرة لغرض ما ، ولكن جسدها كان يتحرك ويتلوى وكان هناك شيئاً مجهولاً يقضم فيه بسبب صوت القضم الذي سمعه ، وبعدها بحلقت عيناه إلى الأعلى وكأنه شاهد شيئاً ما استوقف بؤبؤ عينه مذهولاً في مكانه ، وبعدها دوت صرخة مهيبة للغاية لم يسبق لها مثيل انبثقت وخرجت إلى خضم ابردين البارد ، وقد سمعت الذئاب صوت الصرخة وأخذت تعوي بشكل غريب ممجدة هذا الأنين المبهم .

وفي الطريق الأسفلتي على ضفاف ابردين كانت هناك سيارة كلاسيكية سوداء تمشي فيه متمخترة ، فاعترضها فجأة شخصاً مدمياً ينزف بغزارة من أنحاء جسده وقد كان كارل الذي زحف هرباً ،و وقف في طريق السيارة ملوحا ًللسائق ..

" توقف ، أرجوك توقف ! ".

توقف السائق وأنار الأضواء أكثر في وجهه كارل ولقد كان مجروحاً و مدمياً بشكل بشع و قميصه ممزق بمخالب المخلوقة البشعة ، فزع السائق من منظره المخيف وحاول أن يتملص ولكن كارل قال له معترضاً طريقه :

" أرجوك ، أنا رجل شرطة ، حاول أن توصلني إلى أقرب دورية ، هناك أمراً مريعاً في تلال ابردين"

هدأ السائق ذو الذقن الكبيرة و أركبه في المقعد من ورائه ، و أخذ ينظر اليه في مرأة السيارة متأملاً جراحه المميتة وهو يقود ، كان كارل هادئاً ينظر للسائق بهدوء وقد خرف بعدها بكلمات غريبة لم يفهمها السائق ولم يبالي بها .

وبعدها قال كارل وهو يتلوى :

" أسرع ، أنا جائع للغاية ! ".

تعجب السائق و أخذ يحملق في كارل بدون أن يرد ، " فكيف لرجل مجروح هكذا أن يفكر في الأكل ؟ " بعدها أغلق كارل عينيه ويبدو أنه يغفو ، وبعد لحظات قليلة اقترب المشهد من عينيه المغمضة ليفتحها مجدداً ، ولكن مهلاً ! لم تكن هذه عين البشر المعتادة فقد كانت عينا ذات بريق قططي لامع يشوبها الاحمرار ، ومع هذه الابتسامة الشيطانية ظهرت أنياب كارل فجأة وكأنها تنمو من جدرها وحدها وغاب المشهد هنا على الطريق .

 

النهاية ……

تاريخ النشر : 2019-11-18

guest
24 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى