سينما ومرئيات

منسي : ربما حياتك مجرد خدعة!

 
بقلم : mehdi ontiti – المغرب
للتواصل : [email protected]

 

المنسي .. فيلم يصعب نسيانه!
المنسي .. فيلم يصعب نسيانه!

 

ربما يتبادر لذهنك عند ذكر التحف الفنية مجموعة من الأفلام الأمريكية التي أذهلت عقلك وأذابت روحك وأثرت فيك بشكل كبير جعلك تضع السينما الأمريكية مركزا للسينما العالمية ، ولهذا قد تعتقد أن الأعمال الأسيوية مجرد أعمال صغيرة لا تحمل من الأثر ما ينال رضاك ، إما لأنها تملك قصة ضعيفة لا تجذبك نحوها أو لأن تلك القصة تحوي خيالا تعدى حدود المنطق بطريقة جعلت من الفيزياء علما زائفا… ولهذا قررت أن أقدم في هذا المقال أحد أفضل الأفلام الأسيوية التي تنافس الأفلام الأمريكية بحصوله على تقييمات عالية من النقاد و الجماهير ، بحيث أجمع الجميع على أنك عند مشاهدتك له سينفجر عقلك من العبقرية ويضعك في حالة من الذهول والإنبهار بفضل الحبكة الرائعة التي تميزه والإحساس الغريب الذي يتركك فيه وكثرة التساؤلات التي لن تجد لها جواب ، هذا الفيلم هو الفيلم الكوري الرائع الذي ينبغي عليك مشاهدته “المنسي” أو “Forgotten” فإن لم تشاهدته فلا تكمل قراءة المقال فهو يحتوي على حرق للأحداث وإن شاهدته أكمل معي. 

طبيعة قصة الفيلم

قصة الفيلم تحكي عن “Jin-Seok جين سيوك” وهو مجرد شاب عادي ينتقل هو وعائلته إلى منزل جديد وعائلته تتكون من والده ووالدته وأخوه “Yoo-Seok يو سيوك” والذي يمثل مثله الأعلى في الحياة ، ويعيشون بشكل عادي في المنزل إلى أن يتعرض أخوه للخطف من طرف إحدى العصابات فتبدأ أحداث الفيلم بالتغير داخل إطار مليئ بالدراما والغموض والرعب والمفاجات.

ما الذي يميز الفيلم

blank

بكل صراحة يتميز الفيلم بمجموعة من الأشياء والعناصر الجميلة , كالموسيقى و كطريقة التصوير التي تم اعتمادها في شخصية البطل بحيث تجعلك كمشاهد تنغمس وتتقمص شخصية البطل ، وتدرك ما يدور في عقله ولو كانت هذه الطريقة كلاسيكية يتم اتباعها في أفلام الرعب إلا أنها خدمت الغرض الذي استعملت لأجله وهو إضافة الغموض والتوتر والرعب والمفاجأة إلى جو الفيلم ، بالإضافة إلى الطاقم التمثيلي الرهيب الذي أتقن دوره بشكل مبهر ونذكر بالخصوص الممثلين “Kim Mu-yeol” الذي جسد دور يو سيوك و”Kang Ha-neul” بدور جين سيوك ، واللذان أديا أداء تمثيلي خرافي بحيث جعلا من إظهار هذه الشخصيتين لنا أمرا ممكنا بعد أن كان ذلك مستحيلا كونهما شخصيتين مركبتين ومعقدتين فأمتعانا طوال الفيلم وبالأخص آخر عشر دقائق ، ونضيف إلى كل هذا تقنيات الإخراج التي اعتمدها “Hang-jun Zhang” حيث استخدم مجموعة من الأساليب الرائعة التي جعلت الفيلم غامضا طوال الوقت كأسلوب الإستدراج وإحداث الضجة و الإنتقال بين الفترات الزمنية والمكانية في الفيلم.

ملاحظة : الفقرات التالية تحتوي على حرق لأحداث الفيلم.

العائلة السعيدة

blank

تبدأ أحداث الفيلم باستيقاظ “جين سيوك” وهو مفزوع بسبب حلم غريب راوده ، لكن عائلته تطمئنه أن كل شيء بخير ، ومباشرة عند الانتقال إلى المنزل الجديد يخبرونه بعدم الاقتراب من إحدى الغرف التي تركها المالِك القديم ، وتدور حول هذه الغرفة بالضبط هالة غريبة من الخوف والغموض ، لكنها ما تلبث حتى تترك الفتى “جين سيوك” في حالة من الفضول والجنون كونها تراوده في أحلامه ، بحيث تصدر منها أصوات غريبة كالطرق أو سقوط بعض الأشياء ، فتنكر العائلة حدوث ذلك ويدعون عدم سماعها وأن ذلك من وحي خيال “جين سيوك” فقط ، فيفترضون أن الأحلام التي تراوده حولها هي بسبب عدم تعاطيه لدواء الاكتئاب الخاص به في أوقاته المحددة.

وفي وسط كل هذه المخاوف التي تراود “جين سيوك” ليل نهار وتنبش عقله ، في إحدى الأمسيات الممطرة يتعرض أخوه الكبير الوحيد “يو سيوك” للإختطاف ، ويرى “جين سيوك” شقيقه الأكبر “يو سيوك” وقد ألقي به في سيارة صغيرة من قبل مجموعة من الرجال، وهو أخوه الحبيب الذي يعتبره مصدر إلهامه وعزته وفخره ومثله الأعلى ، كونه يتحلى بكل الصفات التي تجعل من الإنسان ناجحا فهو شخص ذكي ،محبوب وذو أخلاق عالية مما يتركه في حالة من الفزع والحزن والإكتئاب بعد اختطافه.

الأخ المريب

blank

بعد 19 يوما كاملا من اختطاف “يو سيوك” من طرف إحدى العصابات يعود هذا الأخير للمنزل سالما ، بعدها يلاحظ “جين سيوك” التصرفات الغريبة المشكوك في أمرها التي يفعلها “يو سيوك” كخروجه ليلا ومحاولة فقء عينه بقلم الرصاص خلال نومه ، فيقرر “جين” تتبع ومراقبة “يو” ليلا عبر أزقة المدينة التي لا يدخلها إلا الأشخاص البذيئون والمجرمون ، ويستمر بتتبع أخيه إلى أن يشاهده داخل زقاق يحدِّث أحد الأشخاص الذي يبدوا فردا من عصابة ما بلغة شوارع رذيئة ورخيصة ، فيستغرب وتزداد الأمور تعقيدا حين يتبين في الحال أن أخاه “يو سيوك” هو رئيس العصابة ، ليعلم “جين سيوك” أن الشخص الذي عاد ليس هو نفسه أخوه “يو سيوك” الذي كان يعهده ، فهذا الذي عاد شخصٌ آخر لديه مشاعر و دوافع و شخصية مختلفة تمامًا عن أخيه.

بعد كشفه للشخص الذي عاد مكان أخوه يقرر “جين سيوك” الهرب والعودة للمنزل لكنه يفشل في ذلك عندما يقع في قبضة “يو سيوك” ويخدره ، بعدها يستيقظ “جين سيوك” من على مكتبه فيهاجم على الفور أخاه الذي استيقظ للتو أيضا فيحاول “يو سيوك” إخباره أن ما يعتقد أنه رآه هو مجرد كابوس راوده ليلة أمس وذلك بسبب دواء الإكتئاب الذي لا يتناوله في أوقاته المحددة ، حينها يصبح “جين سيوك” هادئا فيعتقد هو الآخر أنه كابوس أيضا فيطمئن…

بعد لحظات يغادر أخوه الغرفة ويجلس “جين سيوك” في مكتبه، فيلاحظ قلم الرصاص الذي خلَّفه “يو سيوك” الليلة الماضية في محاولة لإيذائه ، فيتيقن أن كل ما حدث الليلة الفائتة حقيقي فيحاول إخبار أمه بحقيقة الشخص البديل الذي حلّ محل أخيه.

مؤامرة الأسرة السعيدة

يخبر “جين سيوك” أمه بسر الشخص البديل فتتوتر هي الأخيرة وتشكك في قوله وتشعر بالخوف ، ثم يخبرها بخطة ينفذاها هم وأبوه في الليل لكشف هوية الشخص الجديد وفضحه وذلك بترصده ليلا…

بعد مرور بضع ساعات وخلال تناوله لدوائه ليلا يسمع “جين سيوك” أمه وهي تحدث أحد ما على الهاتف… وهي تخبره أن “جين سيوك” قد كشف خطتهم ، عندها وفي خوف شديد وبخطى لا تسمع يحاول “جين سيوك” الهرب من خلال نافذة غرفته نحو الخارج لكنه يفشل في ذلك ليعود للغرفة مدعيا النوم ، فتوقظه الأم وهو مبلل بالماء فتتعجب من تعرقه الشديد فتغادر الغرفة ، فتكمل الأم اتصالها وتخبر الشخص من على الهاتف أن أمرها قد كشف أيضا فتدعوه للعودة إلى المنزل ، بعدها يهرب “جين سيوك” من الباب الأمامي فيلاقي أباه محاولا أن يباغته لكن الثلاثة يجتمعون حوله مشكلين مثلثا…

تحت سماء تمطر وفي ليلة مضيئة يحاول “جين سيوك” الهرب من العائلة ، فينجح في ذلك بالذهاب نحو مركز الشرطة الذي لاتفصله سوى بضعة أزقة من المنزل…

حياة “جين سيوك” مجرد خدعة كبيرة

blank

بعد وصوله لمركز الشرطة يخبر “جين سيوك” الشرطة بما حدث له منذ احتجاز تلك العائلة له إلى هروبه منها… فتتعجب الشرطة من قصته وكيف أنه صدق أن تلك العائلة أنها عائلته بمجرد إخبارها له بذلك ، فذلك ليس كافيا… وليس منطقيا , فتتأكد الشرطة من هويته سائلة عن رقم التأمين الإجتماعي الخاص به للتأكد من عدم فقدانه ، فتخبره بأن عمره 41 عام كونه مواليد سنة 1977 ، فيخبر ضابط الشرطة بأن هذا غير صحيح وبأن عمره 21 عامًا ,فيسأله الضابط ما هي السنة الحالية ، فيجيب أنها عام 1997 ، ثم يشير الضابط إلى التقويم الذي يوضح أنه قد مضى قرابة 20 عامًا منذ عام 1997 ، والآن عام 2017 وبذلك يتبين أن جين في الواقع يبلغ 41 عامًا.

لا يصدق “جين سيوك” أنه كبير في السن فينظر للمرآة وسط ضحك الجميع ، فيخرج من المركز مفزوعا ومصدوما ، ليتم اختطافه على يد “يو سيوك” داخل شاحنة ..

وبعدها تتوالى الأحداث المليئة بالدراما والشرح السلس … ليظهر لنا أن حياة “جين سيوك” ليست كما هي عليه على الإطلاق ، حيث يتبين أن “جين سيوك” شخص متورط في ارتكاب جريمة قتل في حق عائلة “يو سيوك” وهي أمه وأخته ، لكنه تعرض لحادث منذ زمن بعيد بعد سنوات من الجريمة منعته من تذكر ما حدث بالضبط بتلك الليلة الممطرة من عام 1997 ، لذلك كان من غير العدل عقابه و قتله لعدم اعترافه… كونه لا يتذكر ؛ فتم استدعاء طبيب نفسي وهو الذي لعب دور والده لاستخراج الذكرى المكبوتة الخاصة بالحادث , عبر تعريض “جين سيوك” لحالة من التنويم المغناطيسي جعلته يعيش في عام 1977 ، فتم إشراك أيضا ممثلة لتلعب دور والدته و “يو سيوك” للعب دور أخيه وذلك بهدف إعادة خلق ليلة القتل التي نسيها “جين سيوك” ، لعله يتذكر ما حدث، فذاكرته عن انتقال عائلته إلى منزل جديد هي ذكرى حقيقية تخص عائلته الحقيقية المكونة من والده و أمه و شقيقه ، فتم اعتمادها بغرض معرفة دوافع قتل تلك العائلة…

بعد مجموعة من الذكريات المصورة والأحداث التي عرضت بشكل عبقري لما مر به “يو سيوك” يُكشف لنا أن تعرض “يو سيوك” للخطف السابق كان من طرف الشرطة وقضاء فترة حبسية لمدة 19 يوم بسبب تورطه بقضايا رشوة وأعمال إجرامية ، فيظهر كل شيء لـ “جين سيوك” فيصدق كل ماأخبروه به إلا شيء واحد…وهو قتله لتلك العائلة.

الماضي المؤلم لـ “جين سيوك”

يستمر جين سيوك في إنكاره قتل عائلة “يو سيوك” فيقاوم و يهرب من الشاحنة عن طريق الخروج منها أثناء القيادة , ويتعرض “يو سيوك” لحادث أثناء مطاردته لـ “جين سيوك” ، أما “جين سيوك” فيهرب إلى أن تصدمه سيارة في الطريق مسقطة إياه ، فتحضر الشرطة و أثناء ذلك يفقد “جين سيوك” الوعي وبفلاش باك يتذكر كل شيء حدث قبل علم 1977 ..

في الفلاش الباك يظهر لنا المشهد التي ابتدأ به الفيلم غير أنه كان مع عائلته الحقيقية ، وهو نائم مستندا على كتف أمه عندما تتعرض العائلة لحادث بالسيارة ينتج عنه موت الأبوان و إصابة شقيقه “يو سيوك” وبلوغه حالة حرجة داخل المستشفى .

بعد مرور ستة أشهر يخبره الدكتور المسؤول عن حالة أخيه أنه يحتاج لعملية مستعجلة تتطلب الكثير من النقود ، فيحاول البحث عن وظيفة لتوفير نقود للعملية في مرحلة تعاني خلالها كوريا الجنوبية من ضعف في الاقتصاد فيقصد إحدى غرف الدردشة على الإنترنت التي ظهرت عام 1997… فيتلقى رسالة من مجهول يعرض عليه فيها مبلغ كبير من المال مقابل قتل امراة ، فيرسل له العنوان ومفاتيح المنزل ، وبحزن شديد ويأس واكتئاب كبير يقبل جين سيوك العرض ، فمن أين سيأتي بالمال الكبير في هذه المدة القصيرة إن لم يستغل هذه الفرصة…

في ليلة الجريمة الممطرة يذهب “جين سيوك” مضطرا إلى المنزل ، حاملا سكينا بهدف قتل الزوجة فقط فيدخل المنزل ، ثم يتدارك نفسه ويندم ويحاول التراجع والخروج من المنزل لكن ترآه الزوجة فتصرخ فيخبرها أنه تراجع عن فكرته وسيخرج من المنزل فقط إن هدأت ، يزداد الطين بلة حيث تراه الإبنة وتبدأ هي الأخرى بالصراخ ، فتحاول الأم تهدئتها … لكن يشتد الصراخ بين “جين سيوك” والإبنة والأم لينتهي بمقتلهما هما الإثنتين ، ويرتعب “جين سيوك” مما فعله ويسير نحو الباب مغادرا ، فيرى صدفة صورة تجمع العائلة كلها الأم والإبن والزوجة والأب… والذي هو الدكتور المسؤول عن حالة أخيه ..

بعدها خلال بزوغ الفجر يلتقي جين سيوك بسطح المستشفى وهو غاضب بالدكتور المسؤول عن أخيه ثم يسأله عن فعلته الشنيعة تلك التي أمره بها ، فيا ترى من يقتل زوجته هكذا…  فيشرح له الدكتور أن الزوجة كان لديها تأمين ، وكيف أن هذا سيغطي الأزمة المالية التي يمرون بها خلال هذه الفترة ليمنع أطفاله من التشرد ، وهو الآخر يستطيع أن يجري عملية لأخيه بواسطة النقود التي كان سيكسبها عقب جريمته ، أما الآن فلن يحصل عليها بقتله للطفلة البريئة فيشتد النقاش بينهما بالكلام ثم بالأيادي… إلى أن يقوم “جين سيوك” بالخطأ بإلقاء الطبيب من على السطح.

النهاية الغير المتوقعة

يسترجع بعدها “جين سيوك” وعيه وهو في المستشفى بعد أن صدمته السيارة، متذكرا كل شيء حيث أصبح الماضي والحاضر شيئًا واحدًا يعتمر داخله , فيأتي إليه الشاب الذي لعب دور “يو سيوك” حاملا إبرة سامة ليتأكد “جين سيوك” أن ذلك الشاب هو نفسه الطفل المتبقي من تلك العائلة منذ 20 عاما ، فيدور حديث بينهما حيث يسأله عن سبب عدم قتله أيضا حيث يخبره أنه قد نشأ في دار الأيتام بعد أن أخذ أقربائه كل أموال عائلته ، ويسأله عن المتسبب الحقيقي في كل هذه الآلام محضرا معه أوراق التأمين التي تثبت تورط أبيه…

وبأداء تمثيلي مبهر ودراما واقعية يخبره “جين سيوك” وهو يبكي بأنه هو المسؤول عن كل ما حدث و بأن والده ليس له علاقة بالجريمة رغم أن ذلك ليس صحيحا ، فيغادر الشاب بعد أن علم الحقيقة التي أنكرها “جين” مكتئبا ملقيا بالإبرة في الأرض… وتزامنا مع مغادرته يتوجه “جين” نحو الإبرة منتحرا عبر حقن نفسه بالسم ، وفي نفس الوقت يتوجه الشاب “يو سيوك” (البديل) نحو أحد نوافذ المستشفى منتحرا أيضا عبر إلقاء نفسه.

في النهاية وفي رأيي الشخصي أعتقد أن فيلم “المنسي” هو فيلم يستحق المشاهدة بكل تأكيد ، حيث يُعتبر تجربة فلسفية و فكرية فريدة من نوعها كونه فيلم يسبب انفجارات متتابعة بالعقل تليها صدمات مهولة جرّاء ما حدث لشخصيات الفيلم , وإلى اللقاء إلى مقال آخر جديد…و أتمنى لكم مشاهدة ممتعة.

المصادر :

Forgotten (2017 film)

تاريخ النشر : 2019-12-03

mehdi ontiti

المغرب
guest
19 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى