أدب الرعب والعام

منارة الغرق

بقلم : منال – الجزائر
للتواصل : [email protected]

أنهم موتى و لكن الموتى عادوا.... إياك أن تفتح لهم إياك
أنهم موتى و لكن الموتى عادوا…. إياك أن تفتح لهم إياك

 
“منارة الغرق ” أسم غريب أُطلق على منارة تقع في جزيرة قرب قريتنا ، بل سأذهب و أقول أنه أسم مخيف لما يجب أن نعتبره الضوء الهادي في الدجى بين الأمواج المتلاطمة ، و لكي أتوقف عن الثرثرة و أبدأ في سرد قصتي ، سأقول لكم أنني و لسوء الحظ عُينت الأسبوع الماضي كحارس لهذه المنارة بعد موت حارسها في حادث عرضي على حسب قولهم.

***

السبت  وصلت بقاربي الصغير إلى الجزيرة ، كانت الشمس قد شارفت على الغروب مما اضفى على السماء لوناً دموياً ساحراً انعكس على المنارة الضخمة القائمة على الجزيرة ، كان مشهداً رائعاً ، أخذت أغراضي و  أخرجت القارب من البحر و وضعته بعيداً عن الشاطئ كي لا تصل اليه الأمواج اذا ما هاج البحر ، بعدها أخذت ممراً حجرياً وعراً بعض الشيء لكنه الطريق الوحيد المفضي إلى وجهتي .

الغرفة التي كان من المفروض أن أبيت فيها كانت بداخل المنارة بجانبها مطبخ صغير ، و لكي أذهب إلى الحمام علي أن أصعد الدرج فهو قريب من مكان تشغيل المنارة ، على العموم بدا المكان مريحاً بالداخل ، لذلك لم أشغل بالي كثيراً في كيفية موت الحارس السابق ، استمعت يومها بعشاء خفيف مع كوب شاي بالنعناع ثم صعدت لأتفقد أحوال مكان التشغيل و بما أن كل شيء كان على ما يرام ، عدت إلى غرفتي و شغلت المذياع ، لم ألبث كثيراً و حملتني أمواج النعاس.

كانت الغرفة مظلمة و النور الوحيد الموجود هو ضوء المنبعث من المنارة ، سمعت صوت الباب السفلى ينفتح ، خفت بل ارتعبت على حد علمي أنا وحيد في هذه الجزيرة الخالية بل أنا متأكد من أنني وحيد فلا يوجد أي مكان يستطيع أي شخص الاختباء فيه ، قطع حبل أفكاري سماع صوت خطوات تصعد الدرج ثم رؤية نور خافت ، أردت أن أقوم لأرى ما هناك لكني لم أستطع ، أردت أن أصرخ نفس الشيء أنا مشلول تماماً و لا أملك من حواسي إلا البصر ، اقترب النور و صوت الخطوات من الباب لحظات و ظهر لي شخص في الخمسينيات من عمره كان يرتدي معطف مطر مبلل رغم صحو الطقس و كان يحمل فانوساً كالذي يُحمل في رمضان ، كان الضوء المنبعث منه أصفر شاحب زاد نوره المنعكس  الرجل شحوباً ، نظر الرجل إلي في شرود اصطكت أسنانه ببعضها تلفت يمنة و يسرة ، جال ببصره الغرفة بعدها أشار بإصبعه لي أن اصمت و قال:
سيُقرع الباب ، سيحاولون الدخول ، سيخرجون من البحر…. أنهم موتى و لكن الموتى عادوا…. إياك أن تفتح لهم إياك !.

كرر قوله هذا ثلاث مرات ثم انصرف ، نزل الدرج و صفق الباب خلفه فاستيقظت.

كانت الشمس قد أشرقت اذا كنت أحلم اغتبطت لهذه الحقيقة و لكن سرعان ما تحولت غبطتي إلى خوف ، هناك على الدرج ماء و وحل و خطوات شخص خطوات الزائر الليلي ، لم يكن ما رأيته حلماً إذاً.

لم أعرف كيف مر علي اليوم فقد كنت شارداً طوال النهار خائفاً أفزع لأدنى صوت اسمعه،  لن اخفي عنكم حقيقة أنني جبان فأنا لا أملك أعصاباً قوية بل أعصابي تالفة بشدة ، قبلت هذا العمل لأنني أردت الابتعاد عن الناس ، أردت أن ارتاح و لكن ما حدث أمس أرعبني بشدة.

اسدل الليل ستاره و زاد خوفي ، حضّرت أبريقاً من الشاي و صعدت إلى مكان التشغيل ، أنا لن ابقى في الغرفة اليوم محال أن ابقى هناك ، هنا يوجد الضوء ، هنا يوجد الخلاص !.

مرت ساعتان على تواجدي بالمكان ، هبت في هذه الفترة عاصفة هوجاء ، صوت الأمواج المتلاطمة مخيف و كالعادة ما من ضوء ما عدا ضوء المنارة ، لا بل انتظروا هناك أضواء بعيدة ، لعلها سفن ، مع اقتراب الأضواء هدأت العاصفة بعض الشيء ، نعم أنها سفن و لكنها… لكنها…. سفن قديمة صدأة متهالكة و رباه هناك أشياء تخرج من الماء بل أشخاص أو بالأحرى جثث غرقى زرقاء شاحبة أخذ الموت منها ما أخذ ، ماذا قال الرجل ” انهم موتى و لكن الموتى عادوا ” رست السفن على الشاطئ إضافةً إلى جثث الغرقى الموجودة هناك ، نزلت من السفن جثث أخرى بعضها كان شكله عادي كل ما يميزه الشحوب و البعض الأخر كان أشبه بجثث الغرقى ، بينما كانت هناك جثث حقاً من الصعب أن تنظر اليها ، اطراف مبتورة ، محاجر فارغة ، هناك جثث من دون رأس ، ببساطة المشاهد الماثل أمامي كان عبارة عن كوكتيل جثث غرقى على الشاطئ و هو الأن متجه نحو المنارة ، لم أعد استطع الحركة الأمر ليس كما في الحلم بل أنا لا احلم هذه المرة ، تحاملت على نفسي و انزويت في مكان ما تحت لوحة التحكم ، سمعت صوت اصطكاك أسنان مألوفاً خلفي لكن الرعب كان قد نال من جسدي و لم امتلك الجرأة لألتف و جلست مكاني ارتجف ، زاد صوت الاصطكاك و تبعه همس..
– موتى… ولكن الموتى عادوا… لا تفتح.. إياك… لا تفتح !.

في هذه اللحظة بدأت اسمع طرقات بباب المنارة تتبعها صرخات الأناس تغرق يدخل الماء أفواهها فيجعل الصراخ أمراً صعب ، نعم لقد كان الأمر أشبه بالجحيم ، حمدت الله الأن أعصابي تالفة فهي لم تستطع تحمل كل هذا ، لأنني بدأت افقد الوعي… أخيراً !.
استيقظت على صوت خطوات الممرضات في المستشفى ، فور استيقاظي هرعت إلى عائلتي تسألني عن حالي ؟ لم اعرف بماذا علي أن أجيبهم فلتزمت الصمت ، حتى دخل الطبيب :
-هااا …لقد استيقظ ، حمداً لله كيف حالك يا سيد ؟.
-ب بخير
-هذا جيد هناك ، ضابطان يريدان استجوابك بشأن ما حدث في المنارة !.
مجدداً لم اعرف بماذا أجيب فاكتفيت بهز رأسي ، دخل بعدها ضابطان في الثلاثينات من العمر جلسا قبالتي و قال الضابط الأول:
– سلامتك يا سيد ، بعض الأسئلة هل يمكن ؟.
هززت رأسي أن نعم فقال:
في ٣٠ من ماي ٢٠١٣ م تلقينا من المنارة اتصالاً فور الإجابة عليه سمع الموظف صوت باكي يقول يريدون الدخول …يريدون فتح الباب .. ساعدوني…. بعدها انقطع الاتصال ، بالطبع حاول أن يتصل بعدها لكنه لم يفلح ، لذا أرسلنا قارب شرطة للبحث عنك ، أين وجدوك مغمى عليك ، اذاً يا سيدي يمكنك أن تخبرني من كان يحاول الدخول مع أننا لم نجد أي أثار أقدام أو محاولة لفتح باب المنارة على الأقل باستخدام العنف ؟ فما الذي حدث هناك ، ما هو الشيء الذي أرعبك ، اخبرنا ؟.

مرةً أخرى لم استطع الإجابة على سؤاله لكن هذه المرة ليس لأنني لا أعرف ما علي قوله ، بل لأنني ببساطة قد تعرفت على زميله فقد ، رأيت وجهه بين غرقى تلك الليلة .

تاريخ النشر : 2019-12-05

منال

الجزائر
guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى