أدب الرعب والعام

بين الحياة والموت

بقلم : رنا رشاد – المغرب

أنا في غرفة بيضاء بالكامل وهناك صوت نبضات هادئة تتردد في سكون
أنا في غرفة بيضاء بالكامل وهناك صوت نبضات هادئة تتردد في سكون

مرحباً جميعاً ، إسمي جواهر ، فتاة مقبولة المظهر بعينان سوداوان وشعر بني تتخلله خصلات ذهبية و وجه طفولي أبيض وشخصية طفولية ، أدرس في الصف الثاني ثانوي بـ….

آه دعوكم مني ولننتقل إلى القصة مباشرة ، أجل قصتي التي عنونتها بما بين الحياة والموت فأنا الآن حية ميتة وستعلمون لماذا ، فأنصتوا جيداً.

————————-

  • جواهر إلى أين تذهبين ؟

– أمي قلت مراراً و تكراراً أنا ذاهبة لحفلة ميلاد صديقتي رنا ، لن أهرب.

– لكن الوقت تأخر.

تنفست بغضب : بربك أمي إنها الثامنة مساءً ، ثم بيت رنا لا يبعد سوى شارعين.

– خذي أخاك معك لأطمئن أكثر.

قبل أن أجيب كان أنس يصرخ قائلاً : أمي لدي امتحان ، لن أتحرك من مكاني.

استدارت أمي : لكنها أختك.

–  وأنا لم أقل العكس ، بربك أمي المكان قريب جداً وهي كبيرة كفاية.

تنهدت الأم :

– حسناً ، و لكن كوني حذرة عزيزتي و لا تتأخري.

– سأكون حذرة ، ولكن بشأن التأخر لا أعدك ، وداعاً.

خرجت من المنزل وأغلقت الباب ورائي فلسعتني برودة فبراير القارسة فيما تطاير شعري القصير مطالباً بحريته وصارخاً في أذني بقوة ، مددت يدي و أطلقت سراحه فترددت ضحكاته مع صوت صفير الهواء و أخذ يرقص بعشوائه فرحاً بحريته التي لن تدوم.

أسرعت الخطى مبتعدة عن البيت و أخذت امشي بين الشوارع التي أُضيئت أنوارها

، وصلت للبناء التي تسكن فيه صديقتي وضغطت الرقم سبعة ففتح لي الباب دخلت وأغلقت الباب ، نظرت إلى الدرج الذي لا ينتهي وتنهدت بضجر

: لماذا لا توجد مصاعد ؟ رباه.

أخذت اقفز درجة اثنتين حتى وصلت أخيراً وانا الهث بتعب ، عدلت من هندامي و دفعت الباب لتفاجئني حفلة صاخبة وملايين الضحكات

، تخطيت جموع الفتيات واتجهت نحو صديقتي أعانقها وأتمنى لها سنة سعيدة ، على كل مرت الليلة رائعة ، نكت وضحك ، وحلويات و رقص و لعب وصراخ ، وفي الأخير انتهت الحفلة

، ارتديت معطفي الذي كنت خلعته سابقاً ، فقالت رنا : لماذا لا تبيتين معي فالساعة متأخرة ؟.

– لا داعي ، المنزل قريب و سأصل في غضون دقائق ، ثم أني لا أنام بلا وسادتي الحبيبة.

ملت عليها أعانقها ثم تمنيت لها ليلة طيبة وغادرت

، كان الشارع هادئ تماماً و لا يُسمع فيه سوى صوت خطواتي الهادئة.

توقفت لحظة و رفعت بصري للسماء لأفاجأ بألاف النجوم تزين سماء الليل طاردة وحشة الظلام وعفاريته ، سهوت لحظة في ذاك الجمال الخلاب وليتني لم أفعل ، ففي لحظة أرتفع جسدي بقوة طائراً في الهواء مخالفاً كل قوانين الجاذبية التي عرفها العالم ، قبل أن يرتطم بقوة كسرت معها ضلوعي ، هرب الفاعل  لما رأى فعلته وترك دخان سيارته القذر يدفنني فيما الدماء تهرب من جسدي كشلالات لا متناهية ، رفعت عيناي انظر للسماء آخر مرة قبل أن أغلقهما في سلام معلنة تخليي عن هذا العالم ، فيما هاتفي المهشم يبكي أمامي بأغنية حزينة وعلى الشاشة كُتب أسم “أمي”.

——————————-

ألم حاد في جميع جسمي ، صداع قاتل و ظلام حالك ، فتحت عيني ببطء ونظرت حولي

، أنا في غرفة بيضاء بالكامل وهناك صوت نبضات هادئة تتردد في سكون فيما صوت نحيب لا ينتهي ، استدرت ببطء لأجد أمي تبكي بحرقة وقد انتفخت عيناها ، نقلت نظري للسرير لأجد ما تجمدت له حواسي ، ذاك الجسد ، ذاك الوجه ، تلك الرموش ، إنها أنا !.

تجمدت ثم اقتربت ببطء ونظرت لوجهي ، هل هكذا أبدو للأخرين ، هل هذه أنا فعلا ؟ مددت يدي وتلمست الكدمة فوق جبيني الذي تغطيه الضمادات

وكمن لسعته الكهرباء تراجعت ونظرت ليدي ثم حولي.

أنا .. كيف .. أمي !.

تقدمت نحو أمي : أمي ماذا حدث ، من هذه ، هل هي توأمتي ؟ ولكن أنا ليس لدي تؤام ، أمي اخبريني لماذا تبكين ؟ أمي.

أنهرت أرضاً أترجاها أن تجبيني لكن لا جدوى.

– لا تتعبي نفسك ، لن تسمعك.

استدرت بحدة لأجد شاباً وسيماً حد اللعنة يجلس على طرف سريري بجانبي ، عذراً أقصد بجانب جسدي.

– من أنت ، وماذا تقصد بكلامك ؟.

نظر إلي بهدوء ثم لمس جبين جسدي مبعداً خصلة تمردت عليه.

انتفضت وصرخت : أبعد يدك عني.

ضحك.

– أحسست بها صح ؟ اللسعة .

– لسعة فعلاً ، أحسست بلسعة.

– ما الذي تهذي به ؟.

برمشة عين كان بجواري ، نظر إلي وقال :

أسمك جواهر ، أنتِ في غيوبة ، صدمتك سيارة ، جسدك ميت تقريباً منذ حوالي شهر ، لكن روحك لا زالت عالقة بين الحياة والموت وان بقيت هكذا ستعانين ، أسأليني أنا أنه مؤلم  حقاً .

– لكني لا أشعر بشيء.

– ستشعرين مع الوقت ، سترين عائلتك تعاني ، تبكي أمام عينيكِ ، تنساك ببطء وأنتِ غير قادرة على فعل شيء.

صمت فجأة وظل شارداً في بقعة ثم أبتسم بحزن :

– ستحسين مع الوقت ، والأن هل تساعدينني ؟.

أساعدك ! و لماذا أفعل ؟.

– اسمعي جواهر ، أنا مقيد مثلك لكن أنا ميت بالفعل ، لكن روحي معذبة واحتاج شخصاً يساعدني.

– و لماذا أنا ؟.

– لا أعلم ، لكن أصابتك اللسعة.

– لسعة !.

– أجل ، اسمعي جواهر لا وقت لدي إن اكتملت العدة ولم تحرر روحي سأتحول لروح شريرة ستدمر كل شيء بداءً من عائلتي وعائلتك ، ستعمى بصيرتي ، أرجوك ساعدين لا أريد ذلك ، لا أريد إيذاء أحد.

صمت أفكر ثم نقلت بصري نحو الباب الذي فُتح ودخل أخي انس منه ، تقدم نحو أمي و ركع جانبها ليقول : أرجوك أمي لنعد للمنزل فبقاءك هنا لن يساعد.

دفعته.

– لا ، لن أذهب ، أخبرتك أنت تذهب معها لكنك رفضت ، لو كنت معها لما حصل شيء.

ظهر الندم على وجه أخي ثم خرج مسرعاً من الغرفة و أغلق الباب بقوة وبالفعل رأيت دموعه

، نظرت للروح التي أمامي.

– و ما الذي سأجنيه من مساعدتك ؟.

أبتسم.

– ستحررين أنت أيضاً و ستعودين لعائلتك.

صمت لوقت طويل.

– حسناً ، موافقة.

ابتسم ثم مد يده نحوي و وضعها على رأسي ، و في رمشة عين وجدتني قد انتقلت لبناء مهجور ،

نظرت حولي فلم أجد ذلك الشاب ، تجولت في المكان و كان معظمه محطم مليئا بالشقوق والجرذان والحشرات ، سمعت فجأة صراخاً عالياً لأجد شابين قويين يحملان ذاك الشاب الذي التقيت روحه كان يحاول الإفلات منهما وهو يصرخ طلباً للمساعدة ، رموه بقوة على الأرض فارتطم رأسه ليفقد الوعي ، تقدم الشابين الذين كانا ملثمين واخرجا كلاهما سكيناً حاداً يلمع نصلها في ضوء البناء الخافت

، تقدم أولهما و ذبح الشاب الفاقد للوعي فتدفقت نافورة من الدم من بين أوردته ، خلع رأسه و رماه بإهمال لصاحبه الذي اقتلع عيناه الزرقاوان ببرود ثم وضعهما في صحن خاص و رمى الرأس ، فيما أخذ الشاب الأول يبقر بطن الشاب كمن يبقر ضحية العيد لا إنساناً ، وضعت يدي على فمي غير مصدقة وابتعدت للوراء فيما اكمل الشاب عمله ببرود وهو يلقي نكتاً سيئة لصديقه ، استخرج قلب الشاب الذي رأيت بعض أوردته لا زال تضخ فيهما الحياة قبل أن تتوقف تماماً ، ناوله للشاب الأخر ببرود ثم أخرج الرئتين والكليتين والكبد و جميع أعضائه التي تساوي الملايين ، حتى عضوه الذكري لم ينجوا ، جمعوا جميع الأعضاء في تلك الصحون ثم وضعوها في صندوق خاص

ونظرا نحو الجثة الخالية من شيء قبل أن يبترا أعضائها و يقطعوها قطعاً صغيرة و ينزعا تلك الحلقة الفضية التي كانت تحيط أصبع الشاب اليسرى و أيضاً محفظته التي حوت بضع نقود و قرطاً ذهبياً وصورة رموها بإهمال على الأرض ،

أمسكت جواهر الصورة لتجد الشاب يحيط فتاة منتفخة البطن من خصرها وهما يبتسمان بحب

، انهمرت دموعها غزيرة لا تريد التوقف ونظرت نحو الشابين الذين وضعها الجثة المقطعة في أكياس سوداء ثم نظفا الدم بخرقة بالية و غادرا وهما يضحكان ببرود وصخب ضحكات مقززة شريرة

———————————

أبعد الشاب يديه عنه فعادت لوعيها والدموع تملا عينها السوداويتين ، نظر اليها مبتسماً فانهارت أرضاً تبكي بحرقة ، نظر اليها الشاب :

– لا تبكي جواهر ، ما حصل قد حصل لا شيء سيعديني للحياة الأن فأنا ميت منذ حوالي عام.

نظرت اليه وقالت وهي تشهق :

لماذا فعلو ذلك ، اه لماذا ؟.

لمعت عينا الشاب فحرك رأسه بقوة قائلاً بجدية :

– هل ستساعدينني ؟.

– اجل ، لكن كيف ؟.

– امسحي دموعك وسأخبرك.

مسحت وجهها ونظرت اليه ليركع أمامها قائلاً :

– يجب أن تجدي أعضائي التي رموها و أن تعرفي أصحاب أعضائي الأخرى ، و يجب أن تجدي القتلة .

– سأفعل ، أعدك سأفعل.

– حسناً ابقي على وعدك لي ، والأن و داعاً.

نظرت اليه ليقول :

أنت حية و ستعودين الأن لعالمك ، ولكن لا تنسي وعدك لي ، حققي لي انتقامي.

بدأ يتحول لشعاع من النور.

– مهلاً ، ما أسمك ؟.

– ياسر ، أسمي ياسر.

اختفى ياسر من أمامي فيما شعرت بشيء يجذبني لجسدي الميت لأدخل له رغماً عني.

———————-

شهقت بقوة و أنا انتفض لتنظر إلي أمي بهلع وسعادة.

– جواهر ، أنت بخير عزيزتي ؟.

نظرت اليها

– أمي !.

عانقتني أمي فجاة وبقوة وهي تبكي  .

– جواهر ، أبنتي ، أبنتي.

دخل أخي يحمل أكياساً لتقع من يده ثم يركض نحوي مطبقاً علي هو الأخر.

حبيتين ، روحي ، حياتي ، جواهر ، غاليتي.

أبعد أمي عني ، ثم قال :

– هل أنتِ بخير ؟ تشعرين بألم ، أنا أسف عزيزتي لأني أهملتك ، أسف.

نظرت اليه.

– ليس خطاك أبداً.

قالت أمي : سأنادي الطبيب.

غادرت أمي وبقيت أنا شاردة لا أكلم أخي الذي لأحظ تغير حالتي لكن لم يسألني.

مر شهران تعافيت خلالهما من كل جروحي وحان الوقت لتحقيق العدالة ، نهضت باكراً وتجولت في الشوارع بحثاً عن تلك البناء المهجور ، و بعد بحث طال ثلاثة أيام وجدته أخيراً في شارع جانبي بجوار مقهى يُرثى لها الحال ، تقدمت منه و دخلته و أنا أحس بنظرات مركزة علي لشاب أسمر بعضلات قوية ، لم أهتم له و دخلت ، مررت بجميع الطوابق إلى أن وجدت الطابق المنشود

، دخلت من مكان الباب الذي خُلع منذ زمن طويل

، دخلت الغرفة لتداهمني الذكريات ، ابحث وعيناي تخشاها الدموع ، لم أستطع أن أكمل لأجلس منكمشة على نفسي ابكي بحرقة قبل أن ألحظ بطرف عيني ورقة غريبة مصفرة ، ألتقطتها فكانت نفس الصورة ، أمسكتها و تأملتها لحظات ثم وضعتها في جيبي ، مسحت دموعي و قلت :

– لا تقلق ياسر ، سأحقق لك انتقامك.

نهضت و بدأت أتجول في الغرفة فلم أجد شيئاً ،

خرجت والقيت نظرة على ذاك الشاب الأسمر الذي لا زال يراقبني ، ابتسمت بسخرية و أكملت طريقي غير مبالية ، ذهبت لمقر السجل وطلبت لائحة بوفيات العام السابق متعللة أن لي صديقة غابت عني عاماً كاملاً ، بحثت عن أسم ياسر فوجدت أكثر من شخص يحمل نفس الاسم.

– اللعنة ، نسيت أن أسأله عن أسمه الثاني.

صوت مر باذني : ياسر الكامل ، لن تجدي أسمي هنا ، ابحثي في سجل المفقودين.

استدرت لكني لم أجد شيئاً ، ابتسمت ثم طلبت مرة أخرى سجل لمفقودين ، وبالفعل وجدت أسم ياسر الكامل ، مفقود منذ عام ولا أثر له ، يوجد عنوان و رقم المنزل ، سجلتهم و أعدت السجل لموظفة شاكرة إياها ، لكن عندما ذهبت علمت أن زوجة ياسر باعت المنزل وغادرت إلى مكان مجهول مع رضيعتها الوحيدة ولم تخبر أحد بمكانها ، تنهدت بتعب واستدرت عائدة للمنزل ولكن في منتصف الشارع الذي خلا من المارة تقريباً أحسست بشخص يتبعني ، أسرعت من خطواتي قليلاً لكن تذكرت فجأة ذاك الشاب الأسمر والملثمين الذي رأيتهما ، قللت من خطواتي وانعرجت إلى طريق جانبي أعلم يقيناً أنه مسدود وفارغ ، قد تظنون أنني جننت لكن لا خيار أمامي ، حصل ما توقعت فقد تبعني الشاب ثم حاصرني أمام الحائط وسألني بشك:

– من أنتِ يا فتاة ، وما الذي تريدينه من ياسر ؟.

قلت بهدوء :

– ياسر يكون أحد أصدقائي وقد اختفى ، وأنا الأن أبحث عنه ، هل لديك مشكلة ؟.

– بلى لدي ، أبقي بعيدة عن الموضوع و إلا نلت ما لن يعجبك.

– لماذا ، أتخاف أن يُزج بك في السجن إن علم الجميع أنك قاتل ياسر ؟.

شحب وجهه وجذبني من شعري بقوة :

– ما الذي تهذين به يا فتاة ؟ أنا لم أقتل أحداً ، كان ذلك مجرد كابوس و أنتهى.

نظرت لعينه والبقع السوداء تحتها و لوجهه الشاحب ، يبدو أنه يعاني من الذنب ولا شك أنه دُفع دفعاً لفعل ذلك لكن مهما حصل وكيفما كان يجب أن تأخذ العدالة مجراها.

ركلته بين رجليه وقلت و أنا أعدل وضع شعري

:  أجل هو كابوس ، ولكن أعدك سينتهي قريباً فستبشر.

نظرت اليه ببرود فيما يتلوى هو ألماً ، عادت ذكريات ياسر تهاجمني وشعرت بالغضب يتأجج داخلي.

صرخ : أرجوك لا تعذيبي فقد نلت ما يكفي ، أرجوك ، أرجوك.

نظرت اليه.

يكاد يجن و لم يعد يتحكم في تصرفاته ، لهذا السبب تسرع بملاحقتي وكشف نفسه لي ، لكن هل ينفع الندم ؟.

قطعاً لا.

انحنيت لمستواه :

– أسمع ، سأعقد معك اتفاق.

نظر إلي.

– أتفاق !.

أجل ، ستخبرني بما أريد و سأساعدك في أن ترتاح بقية حياتك من هذا الذنب الذي حملته شهوراً طويلة.

أنهار قائلاً :

سأفعل ، سأخبرك بما تريدين ، خلصيني فقط ، أنا نادم ، نادم فعلاً ، ماتت عائلتي ، دمرت حياتي.

جلست على الأرض .

– حسناً ، أخبرني أين أعضاء ياسر التي رميتوها.

– دفناها في بقع مختلفة من الغابة كي لا تعثر عليها الشرطة.

– والأخرى التي سرقتموها ؟.

– هناك مستشفى مشهورة تدفع لنا مقابل الأعضاء بعناها لها.

– ما أسم المستشفى ؟.

– لا اااا.

– تكلم.

– مستشفى ……أجل.

صُدمت فهذا المستشفى الذي عُرف بقدرته السحرية على انقاد الأف الأبرياء هو بنفسه قاتلهم.

فكرت قليلاً .

– حسناً .

نهضت و قلت :

– سنذهب للغابة سنحضر ياسر .

نظر إلي مشدوهاً !.

– هل جُننت ؟.

سددت له نظرة ثاقبة.

– أنهض.

نهض ببطء في نفس اللحظة التي رن فيها هاتفي فاستدرت أرد عليه.

– نعم أمي.

—–

– لا تقلقي عزيزتي ، أنا بخير.

——-

سأتأخر قليلاً فقد التقيت احدى صديقاتي وسأسهر معها قليلاً.

———–

– أهدأي أمي لن يحصل شيء ، سأكون حذرة هذه المرة ، أعدك.

———

و بينما أنا منشغلة بالحديث مع أمي أحاول إقناعها انتفض جسدي فجأة و وجدتني استدير بحدة وقد فقدت السيطرة على نفسي

، أمسكت يد الشاب الذي كان يحمل هراوة قديمة حاول تسديدها لي ، لويتها بقوة كسر معها العظم ثم خرج صوتي قوياً رجولياً : حاول لمسها مجدداً وسأجعل جسدك عبارة عن فتات ستجعل النمل نفسه يعجز عن إيجاده ، تراجع الشاب بدهشة وهو يمسك يده بألم فيما استعدت سيطرتي على جسدي وقلت :

– هل كنت تحاول قتلي ، ألم تكفيك جريمة لتهدف للثانية ؟.

نظر إلي الشاب بدهشة ثم استدار محاولاً الهرب فانشقت الأرض تحت قدميه مشكّلة حفرة عميقة سقط داخلها ، رأيت روح ياسر على طرف الحفرة بدا غاضباً جداً و يبدو أن قوى الشر بدأت تنال منه – يجب أن أسرع بإيجاد جسده.

– ياسر

نظر إلي فقلت محاولة تهدئته :

أهدأ ياسر ، هذا لن ينفع ، أخرجه ولنذهب لإحضار جسدك.

ضحك

– أخرجه ؟ فات الأوان جواهر ، سينال عقابه الأن وفي التو.

لمعت عيناه لأصرخ بقوة.

– ياااااااسر.

نظر إلي بغضب.

– أسمع ياسر لا تنس أن هناك قاتل أخر لا زال مفقود يجب أن نجده وأعضاءك ، ثم ماذا عن زوجتك وطفلتك هل تريد أن تقتلهما هما أيضاً ، عد لوعيك ياسر لا زال أمامنا الوقت لنستغله.

فرأيت جسد الشاب يرتفع في الهواء خارجاً من الحفرة.

جلس الشاب على الأرض يلهث فيما الأرض بدأت تعود لطبيعتها.

نظرت اليه وقلت :

– هل ستساعدني أم تريد الموت ؟.

– سأساعد سأساعد.

– اذاً لنذهب.

خرجنا متجهين نحو الغابة التي كانت في حدود البلدة ، كانت غابة كبيرة مخيفة لا يوجد بها سوى أصوات الليل المرعبة ، ضحكت من نفسي ساخر

، انظري لنفسك جواهر أنتِ في غابة بعيدة ومع قاتل سفاح ، هززت رأسي حين رأيت نظرات الشاب المستغربة ، لا شك بدأ ينتابني الجنون

، مشيناً في الغابة إلى أن وصلنا لمنتصفها ، فتوقف الشاب لحظة ونظر يميناً ثم اتجه نحو شجرة ضخمة وأشار قائلاً : هنا توجد ، هنا بعض الأعضاء.

– كيف سنحفر ؟.

– دعي لي المهمة.

دار حول الشجرة ثم ابعد التراب عن منطقة لتظهر مجرفة وفأس ، أخذ يحفر في المكان قليلاً حتى ظهرت لي بعض العظام.

– توقف ، توقف.

اتجهت نحو الحفرة وأخرجت العظام ثم نظرت اليها بدهشة ، أصابع لا توجد بها قطعة لحم واحدة ، سرت بجسدي رعشة ثم أخذت أخرج المزيد ، هناك أربعة أيادي و أقدام و بعض الجماجم ،

لمن كل هذا ، كم من الناس الأبرياء فقدو حياتهم بلا حق تاركين عائلتهم وأولادهم وأحبائهم ؟.

تركت الكل كما هو وانتقلنا لحفرة أخرى حتى حفرنا ما يقرب عشر حفر وكل واحدة مليئة بعدد لا يُحصى من العظام والجماجم ، وضعت يدي على فمي وأنهرت أرضاً ثم نظرت اليه :

– كم بقي ؟.

تجنب النظر إلي واخفض بصره.

– هذه البقعة كلها وهناك بقع أخرى في طرف الغابة.

– يا الهي !.

رفعت بصري فجأة حين رأيت ظلاً يتحرك أمامي ،حدقت النظر فكان هناك الأف الأرواح ينظرون إلي ، نساء و رجالاً ، أطفالاً وشباباً ، أقترب مني طفل صغير و قال :

– أرجوك ساعديني ، أريد العودة لأمي ، أرجوك.

احتضنته وأنا أبكي.

– أه صغيري اه.

سمعت صوت ياسر فنظرت اليه .

– الأف الناس يقتلون يومياً بلا ذنب ، جواهر انظري حولك حتى الأطفال لم ينجو.

نظرت إلى الطفل الذي بحضني وأسقطت دموعي مجدداً ثم صرخت بقوة.

– لاااااااااااااااااا.

– نهضت وأخذت اضرب في ذاك الشاب الذي لم يعرف ما يحصل.

– أيها الحقير المجرم ، أيها الوغد الجبان كيف تجرؤ كيف ، كيف ؟.

أحسست بيد على كتفي.

– أهدئي جواهر ، هذا كان قدرنا ، ليس خطاك ، يكفي الأن ، اذهبي للشرطة وبلغي عن الحادث ودعيها تتكفل بالباقي فأنت متعبة.

– وجثتك ؟.

لن تسطيعي التعرف عليها من بين كل هذه الجثث ستقوم الشرطة بفحص الحمض النووي للعظام وستعرف أصحابها ، لا تقلقي عودي الأن و أنهي مهمتك لترتاحي.

نهضت بتثاقل ونظرت للأرواح قائلة :

– أنا أسفة ليتني استطعت إنقاذكم ، يا لتني فعلت شيئاً .

لوحو لي بصمت فيما ابتسم ياسر واتجه نحوهم ثم قال :

– كوني قوية .

ابتسمت ماسحة دموعي ، سحبت القاتل بعنف ورائي واتجهت رأساً إلى أقرب مركز شرطة

، حكيت لهم قصتي و رغم أنهم لم يصدقوا معظمها إلا أن التحقيق فُتح و بدأ التنقيب في الغابة و وجودوا الأف العظام و عرفوا معظم أصحابها ، وكما أُلقي القبض على العديد من أفراد العصابة التي تبيع الأعضاء البشرية ، ولم تتوقف القنوات عن التحدث عن الأمر و أن سبب هذه المساعدة فتاة مجهولة.

بعد مروراربعة اشهر

جالسة في غرفتي أحدق في القمر حين سمعت صوتاً ورائي.

– جواهر.

استدرت لأجد روح ياسر تشع وهو مبتسم.

– ياسر ، كم أنا سعيدة بلقاءك ، هل وجدت راحتك ؟.

أجل ، عثروا على أعضائي وتم تقديمها لعائلتي و دُفنت والحمد لله اليوم بأحسن طريقة ، و رأيت زوجتي وطفلتي ياسمين و لم يكن ليحصل هذا لولاك فشكراً لك.

اغرورقت عيناي بالدموع.

– طيب الحمد لله.

تقدم يمسح دموعي.

لا تبكي فأنت فعلت ما عجز عنه الملايين ، أنتِ قوية فثابري واكملي حياتك فالطريق أمامك طويلة.

هززت رأسي فيما اختفى ياسر بالتدريج تاركاً رائحة مسك عتيق لا زالت أحملها في ملابسي ليومنا هذا.

 

النهاية………

تاريخ النشر : 2019-12-17

رنا رشاد

المغرب
guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى