أدب الرعب والعام

وسط الصحراء

بقلم : عبدالعزيز الحجي – الكويت

أنه يجلس على الأرض بتلك الوضعية ويتلفت بخوف وترقب وينتحب بشدة
أنه يجلس على الأرض بتلك الوضعية ويتلفت بخوف وترقب وينتحب بشدة

 
إنه اليوم الثاني لنا في هذا المعسكر.
معسكر مخصص لتدريبات الجيش وُضع في مكان نائي ومعزول وسط الصحراء ، نحن هنا في مهمة بسيطة ومحددة ، ألا و هي حراسة هذا المعسكر ،
بالطبع نحن نقضي الوقت في المقصورة المخصصة لذلك عند البوابة الخارجية للمعسكر ،

عادةً ما يتكون فريق النوبة الواحدة من شخص واحد أو شخصان على أبعد تقدير ، كنت أسمع أفراد العسكر يقولون أن من يتم اختياره ليكون مسؤول نوبة الحراسة في هذا المكان يكن صاحب أتعس حظ في العالم ! لا أعلم ما الذي يدفعهم لقول ذلك ؟ صحيح أن المكان يكون موحش وكئيب في الليل كونه معزول وسط صحراء جرداء مترامية الأطراف من حولنا ، إلا أننا قضينا أنا وهذا الشخص من أفراد العسكر يوم أمس وهو اليوم الأول لنوبة الحراسة بدون مشاكل تُذكر ، صحيح بالنسبة لهذا الشخص الذي معي هو غريب الأطوار إلى أبعد حد ممكن ! لم يمر علي سابقاً شخص مثله قط ! إنها المرة الأولى التي أراه فيها في هذا المكان ، لذا أنا لا أعرفه على الإطلاق ، بل والأغرب من ذلك هو صمته المطبق طوال الوقت ، هكذا صامت دون أن يفعل أي شيء ، أمضى يوم أمس كامل وهو يجلس ويحافظ على هدوئه فقط دون أن يشاهد التلفاز أو يقرأ أحد الكتب أو يقوم بأي عمل يمضي به وقته ، ما هذا البرود واللامبالاة اللذان يلازمان هذا الشخص المجهول ؟ إنه يغيظني بشدة بهدوئه المستفز للأعصاب ذاك.

على كل حال نوبة الحراسة دائماً ما تأخذ يومين على كل فرد من أفراد الجيش ببزوغ فجر هذه الليلة سأرتاح من هذا الشخص الغريب الأطوار الذي فرضوه علي هنا.

*******

غريب ، قد دخلنا ليلة اليوم الثالث لنا بالنوبة ولم تأتي السيارة المتخصصة لنقل أفراد العسكر من هنا ! أسمع الشخص الذي معي يصرخ على الشخص الذي يتحدث معه بالهاتف.

لا أعتقد أن ما يفعله يجدي نفعاً فهذا حاله طوال اليوم مع مسؤولي الاتصال في مركز القيادة بالجيش وحتى الآن لم يصل أحد.

إنها المرة الأولى التي يحدث بها هذا الأمر معهم ، لا أريد أن أهول الأمر فلنفترض أنه قد حدث أمر طارئ مع الفريق الذي يقود السيارة القادمة إلى هنا ، ربما سيصلون متأخرين قليلاً لا بأس.

مسكين هذا الشخص الذي معي يبدو أن التوتر قد بدأ يظهر عليه جلياً ، لا أعتقد أني أستطيع أن أهدئ من روعه ، فهو في حال لا يسمح بأي ضغط إضافي عليه ، هذا ما كان ينقصنا ! بدأ صدى أصوات عواء قطيع ذئاب الجبال المشردة بالدوى في أرجاء المكان ، يبدو بأن هذا الشخص الذي معي أجبن مما تصورت بكثير ، فقد بدأ توتره يصبغ بصبغة خوف خفيفة ، ليس من مصلحته أن يخاف في مثل هذه المواقف ، ليته يحذر من هذه النقطة جيداً !.

*******

ما يحدث لا يُصدق !.
دخلنا ليلة اليوم الرابع وحتى الآن لم يأتي أحد !.
أين الفريق المناوب الذي من المفترض أنه سيستلم النوبة الجديدة ؟.

لا أعلم ماذا سيكون رأي من يرى وضع هذا المسكين الذي معي هنا ؟.

لقد بدأ يفقد أعصابه و هو يدور في المقصورة وهو يصرخ ويشتم حظه التعس الذي قاده ليكون هنا في هذه النوبة اللعينة.

أخيراً قد هدأ وجلس في مكانه ، ولكن مهلاً ما هذا الصوت ؟ صوت وقع خطوات أقدام يمر مسرعاً من جانب جدران المقصورة.

عبثاً يحاول الذي معي تحديد مصدر هذه الخطوات ولكني أعلم أنه لن يقدر أبداً.
أنا أعرفهم جيداً !.
أنهم يلهون معه محاولةً منهم لإثارة أعصابه فقد لاحظوا عليه خوفه.
مراراً يأخذ هاتفه ويتصل على قيادة الجيش ليتبادل الصراخ معهم دون جدوى.
الفزع بدأ يخيم على أجواء المكان .
أخشى أن قلب هذا المسكين لن يحتمل.

*******

صوت مواء قط يأتي من جانب الباب الخارجي للمقصورة والذي أقفله من معي جيداً بعد ما سمعه بالليلتين الماضيتين.
تباً ، إنها ليلة اليوم الخامس !.
هل ما يحدث حلم ، أم هو كابوس ؟.
لا شك أنه كابوس مزعج.
خصوصاً بالنسبة لهذا المسكين.
لقد انهار تماماً ، نعم أراه يجلس على الأرض ينتحب من البكاء بسبب حالة الخوف الشديد التي وصل إليها !.

المسكين لم يأكل شيئاً منذ ليلة البارحة ، فقط يجلس على الأرض بتلك الوضعية ويتلفت بخوف وترقب وينتحب بشدة.

ليتني أستطيع مساعدته وتخليصه من خوفه هذا.
لا أعتقد أنه سيصمد كثيراً ، على هذا المنوال فإن نهايته المحتومة قريبة.

*******

أخيراً ، ها نحن في اليوم الثامن .
لقد وصل أفراد الجيش الآخرون.
حملوا معهم جثة الشخص الذي كان معي بالمقصورة بعد أن توقف قلبه من هول الفزع لنقلها إلى السيارة .

أسمع أحدهم يقول لزميله:
إنا لله وإنا إليه راجعون ، مسكين لا يستحق ما حدث معه.
رد عليه الآخر :
هذا هو يومه الذي قدره الله له.
قال الأول بإصرار :
ولكننا السبب فقد تأخرنا عليه كثيراً وهو وحيداً في هذا المكان الموحش .
رد عليه الآخر :
صحيح ، ولكن لا تقل ذلك هذا يومه الذي قدره الله له ، كما قلت لك لو لم يتوقف قلبه لمات لسبب آخر
قال الأول :
معك حق والنعم بالله سبحانه.
ظللت أراقب ابتعاد سيارة الجيش من هذا المعسكر الذي أحببت الإقامة فيه منذ سنين طويلة .
مسكين ذلك الشخص لا شك أنه أحد العساكر المبتدئين لذلك لم أعرفه.

أتمنى أن لا يكرروا نفس الخطأ ويتركوا مبتدئ وحده وسط هذه الصحراء المليئة بأبناء نسلي الذين لا يتركون شخصاً إلا وهم يحبون أن يلهون معه !
رحمك الله يا ابن آدم كم أشفقت عليك وأنا أراقبك بالأيام الماضية !.
رحمك الله أيها الأنسي !.

النهاية …..
 
عبدالعزيز الحجي : كاتب في مجال الرعب وما وراء الطبيعة منذ 5 سنوات وصدر لي حتى الآن ثلاث كتب مجموعة قصصية بعنوان الغرفة ، و رواية  بعنوان جزيرة المزاد ، و رواية بعنوان لعبة الحياة ، بالإضافة إلى عدد من القصص القصيرة التي نشرتها بحساباتي الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي .
 

تاريخ النشر : 2020-02-23

guest
13 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى