أدب الرعب والعام

مس أم نبوءة ؟

بقلم : كوهين – اليمن

كان هناك رجل ضخم الهامة يرتدي تاجاً ذهبياً مرصعاً بالزمرد والياقوت
كان هناك رجل ضخم الهامة يرتدي تاجاً ذهبياً مرصعاً بالزمرد والياقوت
 
منذ كنت صغيراً رأيت أشياء لا ينبغي لأحد رؤيتها و زرت أماكن غريبة ، سواعد طويلة نحيفة تحملني في منتصف الليل إلى وسط البلدة حيث المقبرة ، ليال كثيرة قضيتها تحت الأرض برفقة أناس غرباء ، في الحقيقة لم يكونوا كلهم غرباء فقد كان أحدهم السيد آدم الخياط الذي توفي حديثاً ، كان شاحباً في كل مرة أراه فيها ، أما تلك السواعد الطويلة النحيفة لم أعرف صاحبها أبداً لكن صلة قوية تجمعني به ، لا اعرف ما هي ؟.

أنا رجب ، في الثامنة عشر من العمر ، شاب تعيس أمضى سنوات عمره الثمانية عشر متنقلاً بين التوحد وهشاشة العظام والعشى الليلي والاكتئاب وكل العلل المقرفة التي يمكن أن تصيب أحداً علاوةً على كوني ضيف شهير على بيوت الشعوذة أو ” بيت الشيخ ” كما يحب والداي أن يسمياه ، الكل يظن أنني ممسوس و أخرون يتهامسون في الظلام خفية أنني ملعون و مسكون منذ فتحت عيناي على هذه الحياة .

” الأشد رعباً من العمى أن تكون الوحيد الذي يبصر ” ، أؤمن جداً بهذه المقولة ، أرى أشياء تحدث كل يوم لا يراها غيري ، و بينما قد يرى البعض هذه كنعمة إلا أنها في الحقيقة نقمة ، ليس من اللطيف أبداً أن يحتضنك أحد غريب خصوصاً إذا كان شكله يوحي بأنه ميت أو أن يشاركك نصف إنسان ونصف ماعز السرير كل ليلة ، أن تحملك السواعد الطويلة دون رغبتك و دون أن تتمكن من إصدار صوت واحد أمر ليس باللطيف إطلاقاً.

أن من حولي يظنوني أعمى بسبب العشى الليلي الذي أعاني منه ، لكن في الحقيقة أنا لست اعمى بل هم ، الكل من حولي أعمى ، أنتم عميان كذلك يا أصدقائي و لا تلاحظون ما يوجد بقربكم كل يوم و يتغذى على خوفكم وآمالكم وآلامكم ، إنهم تحت أسرتنا ويسكنون زوايا غرفنا و حماماتنا و يغزون مطابخنا بعد منتصف الليل وتنبعث منهم روائح الأمونيا القوية التي يمكن إشمامها على بعد ميل ، لحوافرهم صوت مميز يذكرني بأجراس الكنائس و يملكون قرون حمراء و زرقاء مخططة و رؤوس نحيفة بشكل مفرط وطويلة أيضاً وعيون سوداء غريبة.

أذكر مرة كنت في التاسعة من العمر وكانت الساعة متأخرة ، شعرت بيد تدغدغني ففتحت عيناي لأرى أمامي عجوز عاري يضحك و لديه سن فضية تلمع و ذيل طويل ، كان الشعر الكثيف يغطي نصف جسمه السفلي تقريباً ، امسك بيدي وأنزلني من السرير واتجه بي صوب مقبرة المدينة ثم فور وصولنا ، أزاح لحد أحد القبور و نزلنا إلى تحت الأرض وكان هنالك أصوات عواء وصفير ؛ استمر العجوز بالمشي ممسكاً يدي حتى وصلت إلى ما يشبه قصراً تحت الأرض ، دلفنا إلى داخله وكان هناك رجل ضخم الهامة يرتدي تاجاً ذهبياً مرصعاً بالزمرد والياقوت ، نظر إلي ثم تحدث وكانت أول مرة يتحدث إلي أحد هؤلاء الغرباء فقال : آدم ، أنت أنسي مميز وتربطك بنا رابطة قديمة ، يجب أن تحتفظ بهذا السر فيما بيننا ، حتى أبويك لا يجب أن يعرفا بهذا.

أحياناً كثيرة يغني أحدهم في رأسي هذه الأغنية التي حفظتها لكثرة ما ترددت في دماغي :
يا ذا الحب القديم
والحكمة
لوسيفر العظيم
يا ذا الترف
المخلص من الآلام
رؤى أم أحلام ؟
لنا هدف
أن تلد الحمام
ومن آذان النساء
تلقح الأرحام
ومن صلب العقيم
يا لوسيفر العظيم
تحمل الفتاة
الأغنية تشبه في تفاصيل كثيرة أنشودة دينية يهودية “shama Israel ” في الألحان ، لطالما تعجبت من الرابط القوي بين الأغنيتين ، بحثت عن الحقيقة لسنين فلم أجد إلا نظريات متناقضة وكلام إنترنت مستهلك جداً ، لوسيفر هو إبليس تارة والمسيح الدجال تارة أخرى ، بل هنالك من يقول أنه عيسى بن مريم ، لا أعرف ولست مولعاً باللاهوتية فكل ما أريد معرفته هو لماذا أنا بالذات ؟.

و في يوم ما يبدو أن الإجابة على هذا التساؤل أصبحت قريبة ، اليوم الذي صارحت فيه والدي بجزء مما أمر به ليخبرني ساعتها أنني عندما أتيت إلى هذه الحياة و في الأسبوع الأول لي كنت أختفي من المهد فجأة وأعود بعد وقت ما ، كان الأمر مرعبا ًوصادماً لأبويا اللذان أبلغا الشرطة ولكن لم يجدوا تفسيرا منطقياً لكل ما يحدث ، ذهبا بي إلى بيوت الشيوخ “المشعوذين ” فقيل لهم أنني مخاوي الجن والعفاريت وأنني نذير شؤم عليهما ، لكن والداي لم يكترثا بالأمر.

قررت بعزم أن أنتظر موعدي الليلي مع ذي الساعدين النحيفين فسوف أقاومه اليوم ولأول مرة ، جهزت سلاح أبيض وتركت القرآن بجانبي ، مر الليل ببطء ولم يأتي هذه المرة ! لكن في اليوم التالي وجدت والدتي تسعل بشدة وتلفظ دماً ! قالت : أن أحدهم ضربها بقوة في صدرها وهي نائمة وأختفى في الظلال ، أنهم ينتقمون مني ، لم أجد بداً إلا أن أؤثر والدتي و والدي على نفسي وأرضخ لهذه الشياطين التي التزمت بموعدها في الليلة التالية وجاءت في منتصف الليل ، لكن هذه المرة كانت أمرأة فاتنة هي التي تقودني ، كانت تلبس لباس خفيفاً كبائعات الهوى الذين نراهم على الشاشات ، لم تأخذني إلى المقبرة بل إلى قفارة بعيدة ومن ثم حدث ما لم يكن بحسباني ، تقربت مني بشكل مقزز وأرادت أن تمارس الرذيلة معي  لكنني قاومت بشدة ، كانت تركلني بحوافرها البغيضة في بطني و صدري و رأسي ، تمكنت من مبتغاها بينما أنا أنزف ، ومن ثم أخذتني إلى المقبرة إلى الملك مجدداً الذي باشرني بالقول : مهمتك يا رجب إذا أردت عيش حياة طبيعية كباقي الأنس أن تأخذ هذه الجلود وترميها في خزانات مياه البلدة .

وجدت نفسي مجدداً في غرفتي والكدمات لا زالت تغطيني وثياب ممزقة ، لبستها لأجد بجانبي سلة مليئة بالجلود ، احترت قليلاً ولكنني قررت أن أقوم بالأمر بدون تفكير فلا أستطيع احتمال الوضع أكثر ، حملت السلة وكانت الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل ، أخذت مفاتيح الخزانات التي يعمل فيها والدي و ذهبت أجري مسرعاً إلى الخزانات التي لم تكن تبعد كثيراً عن بيتنا ، وصلت وأنا ألهث إلى أعلى الخزان الرئيسي وفتحت غطاءه الحديدي الضخم الذي يحتاج خمسة رجال لأزاحته ، استغربت من طلب الملك الشيطاني فهو قادر على القيام بهذا من دوني ولكن من يدري لماذا ! أزحت الغطاء بسهولة مدهشة ولم أجد صعوبة ، و في اللحظة التي هممت فيها برمي الجلود اخترقت رصاصة ظهري ، كان أبي يبكي بشدة ويصيح :
ما ذنبي أن أنجبت شيطان في بيتي ؟.
بحق الله والقرآن والفلق لأقتلنك.
أيها الشيطان.

أيها المسخ ، تريد تسميم البلدة كلها ، ألم تعرف أن هذا الماء محمي بكلمات الله ، الله جعل من الماء كل شيء حي وأنتم يا شلة الأبالسة تريدون جعل كل شيء ميت بسببه.

نظرت إلى أبي نظرة مصدوم وأغمي علي .
استيقظت لأجد نفسي في مجلس الملك ، وهو ينادي :
جهزوا البيت لوافدنا الجديد ، أهلا بك في مقبرة النور.
 أهلا بك في حزب الظلمة والانتصار.
 
النهاية …….

تاريخ النشر : 2020-03-07

كوهين

اليمن
guest
7 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى