أدب الرعب والعام

في خانة الذكريات

بقلم : نيكتوفيل – سوريا

ربما تكون الرسالة الأخيرة التي سأطوي بها اسمك للأبد وأضعه في صندوق الذكريات مجددا
ربما تكون الرسالة الأخيرة التي سأطوي بها اسمك للأبد وأضعه في صندوق الذكريات مجددا

إلى حبيبي السرمدي البعيد
أكتب إليك هذه الرسالة في عيد مولدك بعد سنين عديدة من فراقنا..
لا شيئ معي الا كراسي وقلمي ، وفنجان قهوتي الذي كنت تسخر منه…

ها أنا ذا في ضواحي باريس .. أجلس في بيتي الدافئ وأنظر إلى نافذتي الواسعة.. إلى أفق بعيد..
الذكريات تفيض من مقلتي .. كالدموع الحارة التي كنت أسكبها كل يوم وأنا معك..

يداي ترتجفان من جديد ، في كل مرة أذكر فيها إسمك .. على لساني .. في عقلي وفي خيالي ..
مازلت جزءاً من حياتي .. ربما جزءا من الماضي .. فأنا اليوم ، ولأول مرة .. لن أكتب لك رسالة ذليلة كالسابق .. لن اذرف الدموع فوق الورقة ، ولن أجعلها تسيل الحبر الذي ينتفض من القلم مع دقات قلبي وارتجاف يدي فوق الورقة..

بل ستكون رسالة ألخص فيها تلك السنين التي مضت بعيدا عنك .. أو ربما تكون الرسالة الأخيرة التي سأطوي بها اسمك للأبد .. وأضعه في صندوق الذكريات مجددا..

ترى هل تغيرت ؟ أم ما زلت فظا غليظ القلب .. هل علي أن أسالك عن حياتك ؟ عن أولادك؟ عن زوجتك ؟ أم إنك لم تتزوج … لا أعتقد أنك تزوجت .. فلا يوجد امرأة عاقلة على وجه الأرض تقبل بأن تكون أمام وحش يتغذى على مشاعر الآخرين.. وحش .. وحش .. أقولها وأعيدها .. لأول مرة أمامك..

يدي ترتجف أكثر وبدأت كتابتي تصبح أسوأ كما ترى ، لكني سأعيدها مرة ومرات .. حتى إن لم يعد بإمكاني إمساك القلم..
سأعيدها مرة ومرات .. حتى وإن تقطعت أشغاف قلبي من الألم … بعد أن تعافت ببطئ شديد أثناء هذه السنين التي عشتها بدونك

وحش .. لا يستطيع التمييز بين من تحبه بصدق وبين الأخريات .. الأخريات الرائعات .. ذوات القوام الممشوق والوجه المترف بمستحضرات التجميل..
الأخريات اللاتي سحرن عقلك .. اللاتي سرقن قلبك..
قلبك البخس..

أتذكر عندما أعجبت بشعر إحداهن الأشقر أمامي؟ وبدأت تصف جماله ولمعانه الاصطناعي؟.. كلا، لم يكن اصطناعيا .. لن أكذب بعد اليوم .. لقد كان طبيعيا وجميلا .. لكنه لم يكن اجمل من الطعام الذي كنت احضره لك.. ولم يكن أكثر طبيعية من سلوكي معك.. وصدق مشاعري التي كانت سبب انكساري..

لقد كنت محترفا في إهمالي.. وعندما كنت أقبل بذلك الذل والإهمال .. كنت تلحقه بالسخرية والمزاح المبالغ به… بذريعة الصداقة طبعا.. الصداقة التي جعلتك ترمي طعامي عندما التفت !..وتسخر من مظهري البريئ.. لقد كنت غبية.. غبية جدا عندما أتيت إليك ذاك اليوم مقلدة لذلك الفيلم الذي شاهدته.. فقد قامت البطلة بتغيير شكلها وملبسها لكي تغوي من تحب.. فهي كانت مثلي.. بريئة.. طفلة .. صادقة ،والأهم.. كانت غبية …مثلي تماما.. فكلانا وقع في ذلك الفخ الذي جعل أوصال قلبينا تتقطع عندما سمعنا أول قهقهة منك ومنه …..

أسئلة كثيرة تدور في خلدي..
أمازلت تحلم في السفر ؟ هل سافرت إلى إسبانيا ؟ أم مازلت مصرا على السفر مع حبيبة ترافق طريقك ؟ ..
في يوم من الأيام ظننت أن طريقي سيكون موحشا لأني سأخوضه وحدي .. بدونك.. وبدون عيناك الناعسة… لكنه كان جميلا… لقد كان جميلا بقدر صعوبته.. اليوم أستطيع الإعتراف وبكل فخر لك.. أنني حققت كل أحلامي التي كنت أخبرك عنها.. دكتوراه في الطب النفسي.. أعيش في فرنسا بعد أن أتقنت الفرنسية أكثر من حبي لك..
لقد رتبت بيتي كما أخبرتك تماما… الغرف والستائر .. حتى إني اشتريت مزهرية عاجية كالتي أهديتني إياها في عيد مولدي الثامن عشر.. والتي رميتها وتخلصت منها بعنف عندما وجدتك تمسك بيد ساندي بعد أيام …

حتى شكلي.. لابد أنك ستذهل عندما تراني.. فأنا قد تغيرت كثيرا ونضجت ملامحي.. سيدة في بداية الثلاثينيات، فاتنة ، لاتعرف المستحيل، قد تستغرب من أسلوبي في الكلام.. فليست عادتي أن أمدح أو أصف نفسي.. لكن سنين الضعف السابقة قد ولدت داخلي امرأة قوية جديدة..

اه، تذكرت…ساندي.. هل تذكرها؟ أريد أن أخبرك فقط بأنها قد انفصلت عن زوجها العام الماضي.. لم تكمل العامين… إنها منهارة تماما.. على عكس ما كانت تبدو عليه ،وبعكس ما كنت تراها… قوية وراشدة.. هي تبكي كالأطفال.. لم تستطع المضي قدما .. عادت إلى الصفر مجددا بعد أن قبلت بذلك الزوج .. أو بأمواله إن صح القول.. ذلك الزوج الذي لا يريد إلا أنثى جميلة في المنزل تنتظره كل يوم ليفعل ما يريد.. ذلك الزوج المتبلد المشاعر والأحاسيس الذي لا يعرف من العلاقة الزوجية سوى الجنس لا يستحق إلا فتاة كساندي.. فتاة تبحث عن مصلحتها وفقط مصلحتها..

كم أنا سعيدة أني لم أسمع كلامك.. عندما اسندت إلي تلك النصيحة التي أردفتها بضحكة مستهزئة : ( لازم تبدي تصيري تهتمي بحالك .. روحي شوفي حالك عالمراية قبل ما تفتحي الكتاب، اش نفع الكتاب اذا بالأخير بدك تتجوزي؟ خليكي متل باقي البنات، دلوعة وحلوة…)

أرأيت ما نفع الكتاب الآن؟ أين هي وأين أنا… لكن أهمية السؤال تكمن في قسمه الأخير.. أين أنا وأين أنت..

لقد بدأ الحبر ينتهي من القلم.. كحبك تماما… ولذلك سأتوقف عن الكتابة.. فقلمي الجديد سأستخدمه لكي أكتب لحبيبي الجديد في المستقبل.. لابد إني سأحب مرة أخرى.. أنا واثقة.. فإن بعد العسر يسرا.. وإن أحببت غيرك.. فبالتأكيد سيكون أفضل منك.. مهما كان.. فأنا لن أتنازل كما كنت أفعل معك.. ولن أقبل بحب بخس كحبك .. فإن لم أحب شخصا ،فسأكون سعيدة مع نفسي التي لطالما حرمت من محبتها كل تلك السنين .

إنتهى …

تاريخ النشر : 2020-03-18

guest
27 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى