منوعات

الوباء : شاهد قبر يروي قصة مرعبة

بقلم : اياد العطار
للتواصل : [email protected]

ما كتب على هذا القبر مرعب

مع نهاية الحرب العالمية الأولى شهد العالم ظهور وباء مميت حاصدا أرواح ملايين الناس في مختلف ارجاء المعمورة. الغريب في ذلك الوباء المميت هو أنه ظهر على موجتين ، الموجة الأولى كانت اعراضها طفيفة وتماثل معظم المصابون للشفاء سريعا باستثناء بعض كبار السن والحوامل ومن لديهم أمراض مزمنة ، وبحلول صيف عام 1918 تنفس العالم الصعداء مع انحسار اعداد المصابين وظن الكثيرون بأن الوباء انتهى .. لكنهم كانوا على خطأ .. فالمرض عاد ليضرب بقوة مع بداية فصل الشتاء ، وكانت الموجة الثانية للمرض قاصمة وقاتلة ، حيث شهد الفيروس تغيرا في طبيعته نتيجة طفرة جينية فأصبح مميتا بدرجة كبيرة ، العجيب أن الآية انعكست ، حيث أصبحت نسبة الموت أعلى ما تكون في فئات الشباب والكهول* ، ويفسر العلماء ذلك بأن الفيروس كان يتسبب بردة فعل مميتة للجهاز المناعي ، كانت من الشدة بحيث تؤدي إلى التهابات وفشل في اجزاء عديدة من الجسم ، وعليه فأن اولئك الذين يتحلون بمناعة قوية – اي فئة الشباب والكهول – كانوا هم الاكثر عرضة للموت.

الانفلونزا الاسبانية اجتاحت العالم بأسره ، ونحن هنا في غنى عن الجدل الدائر حول مصدر الفيروس وأين ظهر اول مرة ، سواء في الصين او الولايات المتحدة أو النمسا .. المهم أنه بالنهاية لم تسلم أي دولة في العالم من ويلات الوباء ، وطبعا منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان لها حصة لا بأس بها ، لكن أخبار الحرب والمجاعة طغت على اخبار المرض ، فالمجاعة حصدت نصف سكان لبنان ونسبة كبيرة من سكان سوريا والاردن والعراق ، لهذا نجد صدى الوباء ضعيفا في المصادر العربية ، فالناس كانوا يموتون بالجملة في كل الاحوال. كما أن ضعف الصحافة والأوضاع الغير مستقرة والافتقار للمستشفيات لعب دورا في التعتيم على أخبار الوباء.

وفي ايران ، كان تفشي الوباء شديدا ، حيث أتى الجنود الروس بالفيروس معهم خلال احتلالهم لشمال البلاد ، اضافة إلى العمال الهنود الذين كان يؤتى بهم للعمل في حقول النفط بالجنوب .. وكان الناس يموتون بالجملة بسبب المرض ..

في بلدة ممسني الايرانية غرب شيراز يقف شاهد قبر ليصف لنا باختصار ما حدث في تلك الحقبة السوداء ، حيث نقرأ الآتي :

” وفاة المغفور له ، علي رضا ولد صدق ملا علي نجابت جاويد الله ، في سنة 1337 هـ أبتلي الناس بمرض وقف الحكماء والاطباء عاجزين ومتحيرين أمامه من غرة شهر صفر – يصادف 4 / 11 / 1918 – وحتى منتصف الشهر المذكور ، المرض قسم البشر إلى ثلاثة أقسام ، قسمين يموتون ، وقسم يبقى ، والقسم الباقي يكون من الضعف بحيث يعجز عن دفن القسمين الميتين. وعلامة هذا المرض العطاس والسعال. وقد كتبنا ذلك لجهة الاتعاظ والاعتبار”.

المفارقة أنه اليوم بعد 100 عام على كتابة شاهد هذا القبر المخيف يعود فيروس مميت آخر ليضرب العالم ، ولأيران حصة كبيرة منه ، فهل هذا من باب الصدفة أم أن التاريخ يعيد نفسه؟ ..  

وهل سستطابق احداث الوبائين ..

– وباء الانفلونزا الاسبانية وعلى عكس توقع الناس استمر في التفشي خلال الصيف ، وهو أمر غير معهود بالنسبة للانفلونزا ، فهل سيعاود وباء كورونا الكرة ، هل سنشهد صيفا خانقا ليس بالحر فقط ، بل بالمرض أيضا ؟ ..

– وباء الانفلونزا الاسبانية شهد طفرة في طبيعة الفيروس ، فهل سيتكرر نفس السيناريو مع كورونا ، هل سنشهد وباء أشد فتكا مع حلول الشتاء القادم ؟ ..

***

* كهل : الكهولة هي المرحلة العمرية التي تقع ما بين الشباب والشيخوخة ، اي تشمل اولئك الذين تتراوح اعمارهم بين 35 – 55 عام.

تاريخ النشر : 2020-03-18

guest
48 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى