أدب الرعب والعام

عشتار إله الجنس

بقلم : أحمد محمود شرقاوي – مصر
للتواصل : [email protected]

كان تمثال منحوت ببراعة لامرأة عارية ذات جسد صارخ بالأنوثة
كان تمثال منحوت ببراعة لامرأة عارية ذات جسد صارخ بالأنوثة

 
الجنس هو أكثر ما يشغل تفكير الرجال ، وهذا شيء مسلم به كما نقول السمك يسبح في الماء والطيور تطير في السماء ، وأنا لا أستنكر الأمر لأنه شيء بديهي تتركب منه نفسية الرجل ، ولكني أستنكر ما قد يفعله هذا التفكير بصاحبه ، وهنا يقص علينا مراهق ما حدث معه بفضل غريزتنا البشعة  ” الجنس “.

وحينما نذكر الجنس فيجب أن نذكر إله الجنس ” عشتار “.
بداية بسيطة لتعرفني يا من تقرئ تلك السطور البسيطة ، ينادوني بعمار، يقولون أنني أبلغ من العمر ثمانية عشرة عاماً ، كل هذا لا يهمك ، ولكن القادم هو ما يهمك.
 
” غريزة كاسحة تعصف بعقول الرجال وقد تدفعهم لخوض المستحيل لأجل أن يلبوا تلك الرغبة التي تجري في الدم كما الشيطان “.

كتبت تلك الكلمات ثم طويت الورقة و وضعتها بحرص في كتابي الخاص وشردت بعيداً أفكر ،
كل ما حولي يدفعني إلى التفكير في تلك الرغبة ، ما يعرضه التلفاز يقودني لهذا وكأنها مؤامرة كونية على المراهقين ، ما تراه على الأنترنت من نساء عاريات ولو بالصدفة يشعل بداخلك تلك الرغبة الملتهبة ، حديث أقراني ينتهي دائماً عند تلك الرغبة ، حتى نظرات الفتيات ترى بداخلها تلك الرغبة مدفونة تنادي عليك لكي تخرجها.

أنا بارع في كتابة مذكراتي ، وبارع في تحليل كل ما يدور من حولي ، ولكني عجزت عن تحليل سبب تلك الرغبة التي تشتعل في كل لحظة دون وجود سائل لإطفائها.

نعم ، الدين وضع حلول لكل شيء ومنها تلك الرغبة ، ولكن من الذي يهتم بالدين في تلك الأيام ؟.
أفقت من شرودي على رنين الهاتف ، كان صديقي الثرثار عمر ، أجبت عليه بابتسامة و أنا أقول :
– مرحباً بالأحمق.
سمعت ضحكاته الصارخة والتي تذكرك بضحكات أمرأة متمرسة في العهر ، و قال :
– مرحباً بالشاعر الولهان.
– ما سبب اتصالك ؟.
– هناك رحلة غداً تابعة للكلية وقد حجزت لك.
شعرت بالغضب وقتها وقلت:
– وهل أنت وصي على شخصي لتفعل هذا ؟.
– أهدئ يا ولهان فهي رحلة لمتحف السماء و ستفيدك في البحث الخاص بك.
– لقد مللت من كلية الأثار ومن البحوث ومن كل شيء.
– لن تمل غداً حينما ترى سلمى التي تمتلك قوام يعجز الفرزدق عن وصفه.
– هذا ما تبرع فيه التركيز على أجساد الفتيات.
و قبل أن يثرثر أكثر أغلقت الهاتف ، أتعرفون لماذا ؟.
لأن الحديث ينتهي دوماً لتلك الرغبة ” الجنس “.
وجاء الغد سريعاً كما تمر الأيام ، واجتمعنا أمام مبنى الكلية وصعدنا إلى الحافلة ، وطوال الطريق كنت أسمع حديث زملائي عن الفتيات وعن مقوماتهم الجسدية.
ألم أخبركم أن كل حديث يقود في النهاية إلى تلك الرغبة المميتة.

وصلنا لمتحف السماء وهبطنا من الحافلة ومعنا وفد من الفتيات الاتي يرتدين ما لذ وطاب من الملابس التي تؤجج بداخلك نفس الرغبة ، تجاهلت كل هذا و بدأت أفكر في البحث الخاص المطلوب مني ، يجب أن أختار شخصية تاريخية لأكتب عن حياتها كل شيء.

بدأت أفكر في أحمس وخفرع و تحتمس وكليوباترا ، ولكن لقد مللنا من كثرة الحديث عن هؤلاء، نشتاق لشيء جديد ، أريد أن أكتب بحثاً يبهر الأساتذة بعيداً عن التكرار الممل.

بدأت الجولة وسرنا في طابور طويل لنشاهد التماثيل المنحوتة بعناية وتلك الفتاة القبيحة تتحدث عن كل تمثال بحماس شديد وكأنها تحكي عن أبيها ، كانت سمراء ممتلئة الوجه ، أما جسدها فكان …… تباً لي ، نعود من جديد لنفس الرغبة حتى حينما كنت أصف فتاة قبيحة الوجه ، طردت هذا الهاجس سريعاً ثم بدأت أحاول التركيز على ما يدور من حولي ، ثم اتسعت عيناي بذهول حينما وقعت عيناي على تلك التحفة الفنية.

كان تمثال منحوت ببراعة لامرأة عارية ذات جسد صارخ بالأنوثة ، أما وجهها فقد كان أية في الجمال ، شعرت بوعيي ينسحب وبأنفاسي تتباطأ وأنا أشاهد هذا ، ترقبت حديث الفتاة لأعرف شخصية هذا التمثال ، وبدأت تتحدث بصوت يشوبه رهبة من نوع خاص ، أو ربما حياء لا أدري حقاً.
” الآلهة عشتار هي آلهة من بلاد الرافدين
و هي آلهة الحب و الجمال و الغواية و الجنس و الحرب ، عُرفت بجمالها الأخاذ الذي يسحر القلوب و يسلب العقول و أيضا بمفاتن جسدها الساحرة
، كل من اقترب منها و حاول الوصول إلى قلبها إصابته لعنة الموت أو الحزن الكبير ، و قد انتقلت عبادتها من بلاد الرافدين إلى بلاد أخرى مختلفة فهي إنانا عند السومرين و يقابلها عشتار لدى البابلين و إيزيس عند الفراعنة و عشاروت عند الفينيقيين و أفروديت عند اليونان ، و فينوس عند الرومان ، و هي نجمة الصباح والمساء ( كوكب الزهرة ) رمزها نجمة ذات ثماني أشعة منتصبة على ظهر أسد ، على جبهتها الزهرة ، و بيدها باقة زهرة و صولجان العظمة .

و هي آلهة العزى عند العرب التي هي جزء من الثالوث الإلهي الأنثوي (اللات و العزى و مناة) الذي عبده العرب.

الآلهة عشتار آلهة الحرب التي يبتهل اليها سكان بلاد الرافدين بمراسيم احتفالية مهيبة أثناء توجههم إلى الحروب و المعارك.
يعتلي رأسها التاج المقدس الإلهي و لها جناحين كبيرين لارتباطها بالسماء
، و تقول الأساطير أن الآلهة عشتار عندما نزلت إلى العالم السفلي لبضعة أيام ، المتّ بالأرض أمور مريعة ، فقد هجر الرجل زوجته و أبتعد الثور عن أنثاه ، فهي آلهة الجنس و الحب ، لذلك قرر مجمع الآلهة استعادتها إلى الحياة مجدداً و ذلك بالتضحية بزوجها ديموزي (تموز) و هذه كانت جزء من لعنتها على كل من أحبها و أحبته عشتار ! ” جزء منقول للأمانة الأدبية “.

راودني شعور عجيب لم يزورني في حياتي كلها حينما داعبتني تلك الكلمات ، شعرت بسحر خاص يتغلغل داخل كياني ويمتزج بروحي ودمي ، شعرت بنفسي تذوب في عينيها وجسدي يشتعل في حضرتها ، تمنيت لو كانت حية ما كنت لأتركها و لو لحظة واحدة حتى أظفر بها ، وهل جعلوا أيضاً للجنس إلهاً ؟ ما أشد كفركم ! ولكن نقول أيضاً ما أشد جمالك أيتها المرأة !.

أبتعد الحضور و بقيت أنا شارداً في تلك التحفة الفنية وأفكاري تتأجج بداخلي كألف ألف بركان ثائر ،  أفكار جنسية ملتهبة ومشاهد من وحي الخيال تتدفق بداخلي كما الشلال ، تستنكر حديثي أليس كذلك ؟ هذا لأنك لا ترى ما أراه ولا تشعر بما أشعر.
ثم ما الذي تنتظره من مراهق لم يتعدى الثامنة عشرة بعد.

تمنيت لو لامست التمثال بكل وجداني ، و بكل شغف و رغبة مددت أصابعي وتحسست جسد المرأة الحجرية ، وهنا أصابتني صاعقة كصاعقة عاد وثمود حينما شعرت بحرارة الجسد ونعومة الجلد.. لقد … لقد.. لقد كان التمثال حياً…
………………..
 
هذا ما حدث حقاً ، كانت حية ، الجسد كان دافئاً يشع حرارة والجلد كان ناعماً مشدوداً كجلد الأطفال ، ضربني شعور عجيب مزيج من الفزع والغريزة ، تخيل معي شعورك حينما تراودك أنثى من الجان عن نفسك ، هل ستترك غريزتك وقتها تتغلب على خوفك أم عقلك من سيصرخ فزعاً ليذكرك أنها ليست ببشرية ؟ وقفت شارداً متأملاً كتمثال من الشمع ، أتأمل تلك العينان التي تشبه المحيط العميق ، هذا الوجه الساحر والجسد الفاتن ، أشعر بوعيي يذوب وبغريزتي تشتعل ، أريد أن أذوب في هذا التمثال.
أفقت على وغزة في كتفي فنظرت لصاحبها فكان من العمال في المكان ، تسأل :
– هل أنت بخير ؟.
نظرت له بتعجب و قلت :
– وماذا عساي أن أكون ؟.
ثم نظرت بعيني لأبحث عن الفريق فلم أجدهم ، تساءلت بدهشة :
– أين الفريق الذي كان هنا ؟.
– سيدي ، لقد رحلوا منذ ساعة.
تطلعت له بذهول و قلت :
– ماذا ؟.
– سيدي أنت تقف مكانك تتأمل هذا المنحوت منذ ما يزيد عن الساعة و قد رحل زملاءك بعد أن أتموا جولتهم و قد أوشك المتحف على الأغلاق ،
تماسكت بما تبقى لي من وعي حتى لا أفقد اتزانه وهممت بالرحيل ، ولكن لتكن نظرة أخيرة ، نظرت للتمثال من جديد وكانت صدمتي الثانية ، لم يكن هو ما كنت أراه منذ لحظات ، كان منحوتاً بسيطاً جداً ليس به لمحة واحدة من الجمال ، ضربني زلزالاً عاتياً في رأسي وكدت أن أفقد اتزاني ، نظر لي العامل بتوتر وقال :
– هل أنت بخير ؟.
حادثته باضطراب و قلت :
– عش.. عششتااار ، أين هي ؟.
ثم شعرت بدوار عنيف وسقطت أرضاً بعد أن ضربني وابل من ظلام دامس.
 
أفقت على رائحة غريبة و تطلعت في وجوه من حولي ، كانوا من عمال المكان ، اطمئنوا على صحتي فأخبرتهم أنني بخير ثم رحلت عن المكان كله.

عدت لمنزلي وجلست على الفراش ولا يشغل بالي سوى عشتار ، لا أفكر إلا فيها ولا شيء أخر ، شعرت بقوتي تضعف وبأنفاسي تتسارع ثم نمت على الفور ، في الأيام التالية أصابني سحر عجيب ، لم أجد في نفسي قوة للنهوض من الفراش ، فقدت القدرة على دموعي فراحت تتدفق من عيني كما الشلال بدون أي سبب و في كل وقت ، لقد مسني سقم عجيب ، اشتياقي لعشتار بلغ حد السماء وحد النجوم ، حبي لها فاق أرجاء الكون ، قلبي أصبح يبكي دماً في كل لحظة لأجلها و غريزتي تصرخ مطالبة إياها بالمجيء ، زارني الأطباء فلم يجدوا حلاً ، ساءت حالتي يوماً بعد يوم حتى زارني الشيوخ والسحرة بعد أن ملئت أمي الدنيا صراخاً وعويلاً.
 
أشتد مرضي واشتياقي ، زاد حبي لها واشتعلت غرائزي أكثر وأكثر ، هزل جسدي واحمرت عيناي وتحولت إلى مسخ غريب ، أصابني وابل من الهلاوس والوساوس وبت أرى عشتار في كل مكان ، حتى أنني أصبحت أناديها كل ليلة بصوت جريح دامي.

و في منامي ظهرت عشتار ، كانت تجلس على عرش ممرد بقوارير وأحجار كريمة ، كان الكرسي من تحتها يتموج كمياه النهر ، ومن حولها كانت الجواري مضطجعات ، وكانت هي في غاية الفتنة بل كانت الفتنة نفسها متمثلة فيها ، وجهها قد فاق وجه القمر جمالاً وسحراً ، و جسدها قد بزغت منه الأنوثة لهذا العالم البائس ، كانت ترتدي رداء من نور أبيض نقي ، أشارت لي فرحت أصعد لها وأنا مسحور أكاد أن أموت عشقاً لها ، نزعت عنها ردائها فظهر جسدها الشفاف الذي كان يشبه المرمر ، وبأنفاس مبهورة و روح مشتاقة صعدت لها ومددت لها يدي ، ولكنها دفعتها بعيداً ، شعرت بالانزعاج لفعلتها وكدت أن أبكي من جديد ولكنها أشارت بعيداً ، نظرت لما كانت تشير له ، لقد كان تمثالاً ، نعم أذكره ، لقد كان نفس التمثال الذي رأيته في متحف السماء ، نظرت لها من جديد ولكنها ذابت كقطعة السكر في الماء ، اختفت من أمام عيني لأصرخ صرخة تتمزق لها أحبالي الصوتية وأستيقظ من نومي باكياً ، بكيت كما لم أفعل من قبل ، نهضت من الفراش وأنا عازم على أن أدفع كل ما تبقى لي من عمر لأحصل على عشتار ولو لدقيقة واحدة ، تسللت من منزلي بعد أن عادت بعض القوة لجسدي ، كان الليل يمارس سطوته على الأجواء ، أشرت لسيارة أجرة فأقلتني إلى متحف السماء.

تواريت بعيداً أراقب المكان فلمحت الحارس يدلف سريعاً لغرفته الخاصة أمام المتحف ، سرت بكل حرص و مررت بجانب الغرفة فسمعته يقول :

” ما الذي ترتدينه ؟ “.
لعنة الله عليها تلك الغريزة التي أفقدت الرجال عقولهم ، ولكن ما تعجبت لها أن حديثه ذكرني برداء عشتار فاشتعلت رغبتي ألف ألف مرة.

 وقفت أمام الباب الذي كان مغلقاً ، رحت أبحث عن نافذة أو مكان لأتسلل منه إلى الداخل ، وبالفعل وجدت نافذة غير مغلقة تماماً ، دفعت جسدي عبرها و استطعت أن أطأ بقدمي أرضية المتحف ، كان الظلام دامساً ، أشعلت مصباح هاتفي لأبدد بعضاً منه و سرت ناحية التمثال ، وصلت للمكان وكانت المفاجأة حاضرة ، لقد كان التمثال غير موجوداً بمكانه ، فقدت اتزاني وأنا أشعر بغضب و عات للمكان وكدت أن أحطم كل شيء من شدة الغضب لولا أن سمعت صوتاً رقيقاً ، ساحراً من الخلف ، وقبل أن التفت بزع ضوء رقيقاً من اللامكان وبدد كل الظلام من حولي ، نظرت للخلف وشهقت من الشوق والانبهار ، كانت عشتار بنفسها تقف من أمامي كساحرة من ساحرات أرض السحر والخيال.

كانت فاتنة بحق ، جميلة بوجهها الذي أضاء الموجودات ، ساحرة بجسدها المثير الذي قد جاء بالأنوثة لهذا العالم البائس ، لم أجرؤ على قول أنثى لأنها تخطت هذا المصطلح بمراحل ، اشتعلت رغبتي وشعرت ببركان ثائر يتأجج بداخلي ، نزعت عنها ردائها وقالت بصوت حنون ” تعال إلى عشتار أيها الفتى ، تعال لتحصل على المتعة التي يبحث عنها الجميع “.
 
في اليوم التالي ، جريدة وطني
” جريمة بشعة هزت حي الفسطاط حيث تم العثور على جثة لشاب في متحف السماء بمظهر بشع بث الفزع في قلب كل من راه و قد أكد الحارس أنه سمع صوتاً ليلاً وحينما اقترب من الباب سمع وكأن هناك علاقة حميمية تدور بالداخل وقبل أن يقتحم المكان سمع صوت صراخ رهيب جعل شعر رأسه ينتصب فزعاً ثم صوتاً لا يمت لعالم البشر بصلة يقول ” هذا جزاء كل من تحركه غرائزه ، أنا عشتار ملك الغواية ” وبعد أن اقتحم المكان بمساعدة زملائه وجد جثة مروعة “.
 
النهاية ….

تاريخ النشر : 2020-03-20

guest
32 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى