تجارب من واقع الحياة

لن أسامح ما حييت

 
بقلم : rania

 

بخنجر الغدر المسموم طعنوني في شرفي ..

أنا فتاة في أواخر العشرينات الآن، بالطبع قد امتحنتني الحياة مرارا، و اختبرت عديد الخيبات و تعرضت للخيانة مرات و لكنّي لم أجد أقسى من خيانة الصديق.

حكايتي بدأت في سنتي النهائيّة في الثانوية، و تعلمون أهميّة ذلك العام في حياة كلّ طالب و خاصّة أصحاب الأحلام الكبيرة من أمثالي، و لا أبالغ إن قلت لكم بأنني كنت أنتظر هذا العام و أعد له العدة منذ سنوات، إذ فيه سأحصد بإذن الله ثمرات جهدي.

… أو هكذا ظننت و ما أسذجه من ظن …

في تلك السنة، شهدت المدرسة نقصا في عدد أساتذة مادة العلوم، فإستقطبت لذلك أستاذا شابا كان فصلنا أول عهده بالتدريس، كان متحمسا و متفانيا في العمل، و لم أكن أقل منه عزيمة و لا رغبة في النجاح.

و لكم أن تتخيلوا يا سادتي، ما قد تفعله فتاة تطارد حلمها بالتفوق، لقد كنت أسبق أقراني بأشواط، و لا أكتفي بما يقدمه لي أساتذتي في الفصل، بل كنت أبحث و أتعمق في مختلف المواد و ألتهم الكتب إلتهاما. و كان ذلك أمرا مألوفا لأساتذتي القدامى و لكنه أثار إعجاب أستاذ العلوم المبتدأ لقلة خبرته، فكان كثيرا ما يمتدحني أمام الفصل.

و يبدو أن ذلك لم يرق للعديدين و هو أمر أتفهمه تماما، و لكن ما لم أستطع و لن أستطيع فهمه كيف قامت صديقتي منذ نعومة أظافري و التي كنت أعدها أقرب إلي من نفسي، بطعني في ظهري لمجرد أنني متفوقة عليها في الدراسة؟ .

نظرا لغبائي و سذاجتي، لم أكتشف ما كان يحدث منذ أسابيع في الخفاء، كنت منهمكة في الدراسة و الفروض و الدروس الخصوصية لدرجة أنني لم أعد أرى شيئا سوى الهدف الذي رسمته لنفسي. و في الأثناء، كانت المدرسة تغلي كالقدر على النار. الكلّ كان يتهامس حولي و أنا كما يقولون “كالأطرش في الزفة”.

إلى أن جاء اليوم الذي تأخر فيه أستاذ العلوم عن الحصة في سابقة غريبة، في ذلك اليوم طلبتني المديرة في مكتبها. شعرت بالريبة و لكنني لم أتوقع و في أسوء كوابيسي، أن أجد نفسي وجها لوجه أمام أستاذي و المديرة بيننا تسأل بكلّ سخافة عن ماهية علاقتنا…

و الأستاذ يقسم أغلظ الأيمان أن علاقتنا لم تخرج يوما عن ما يجمع الطالب بأستاذه، و لما حان دوري، غصصت بعبرتي و لم أقل سوى ” أنا ما عملت شي غلط”.

لا أعرف كيف عدت للبيت و لا كيف أمضيت ليلتي التي كانت ليلاء بأتم معنى الكلمة، فأهلي لما علموا ما حدث استشاطوا غضبا و أصروا على معرفة من يقف وراء المكيدة، و أصبح الأمر برمته قضية شرف فالقصة تعدت حدود المدرسة إلى الحي و الأقارب الذين نقل إليهم أولادهم تفاصيل الحادثة.

و توجهت إلي أصابع الاتهام، و رميت بأفظع الألقاب و النعوت، و توقفت عن الذهاب للمدرسة و ضاعت سنوات كدّي كأنها لم تكن، و لأن أهلي أناس “في حالهم” لم نجد بدا من الرحيل عن الحي و المدينة بأكملها.

و قبل الرحيل عرفت من إحدى زميلاتي أن صديقتي و صديقة لها هما من نسجتا حولي هذه المصيدة، فبالنهاية من سيصدقني و إن قضيت عمرا أنفي الأمر؟ فمجتمعنا المريض لا يعوزه الخيال الواسع، فيلتقط الشائعة و لا يكتفي بنقلها كما هي، بل يضفي إليها بعضا من لمساته و هكذا نكذب الكذبه و نصدقها، و يصبح من المستحيل معها أن نعرف الضحية من الجلاد و لا الحقيقة من الكذب.

هو ابتلاء من الله سبحانه و تعالى، نزل بي فقبلته و رضيت به و كفاني الله شره، فما لبثت بعد سنة أن عدت إلى المدرسة في محافظة أخرى حيث لا أحد يعلم ما مر بي. و بكثير من الإيمان و بعض المجهود الإضافي، نجحت و تفوقت و دخلت كليّة الطبّ كما حلمت دوما، ربما بنفس مكسورة قليلا و لكن يكفيني شرفا أنني لم أتحطم كما أرادوا بي. و ها أنا بحمد الله أزاول فترة التخصص في قسم التخدير و الإنعاش.

لا أعلم ما فعلته الحياة بمن أذوني و لا أهتم بذلك .. و في كلّ يوم أنا أحمد الله أن آتاني القوّة للصمود، فقد قرأت مرّة بأن أربعة من أصل خمس مراهقات يقدمن على إنهاء حياتهن بعد تعرضهن للتشويه من قبل زميلاتهن في المدرسة.

و لكني لم أسامح و لن أسامح ما حييت، و يوم الفصل، أمام الله العادل سأسترد حقي كاملا.

 

تاريخ النشر : 2015-03-16

guest
52 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى