بقلم : يزيد بوسعد – السعودية
|
كأنهم شياطينُ أبليس مُترصَّدة ينتعلون الهواء بمسافةِ اصبع سبابة |
كل ما له شأنٌ في أن يجعلك مُتغيّرًا من جذرك درجة ستلجأُ له ، حتى وإن كانت الدرجة تلك هي العتبة الرفيعة لباب منزلك.
أن تخرُجَ من قاعِك ومن هذا السياج الذي كبّلَـك ، نحو الخارج الغير مألوف كأن تجُرَّ أفكارك المجنونة معك التي تبنيتها إثر فيلمِ رُعبٍ شاهدته أو مشاهد مرئية مُنتقاة لتشبع فضولك ، أو كتابًا تقرَأُه ليقودك بكل أسراره نحو العالم الآخر ، ذلك العالم الخفيّ الذي تظنهُ لعبة تستطيع خوضها من باب الخوض ، لتختار شريكًا لك ، شاهد عيانٌ في المأزق الذي تظنهُ أرجوحة لِـلّعب ،
لقد كُنا شَراكةً يا سادة ، فضتُ من حيث لم يفيض الناس ، فقط هو و الآخر أنا ، اثنان فقط في المأزق دون تعريف للهوية التي قد تكون مجهولة في نهاية المطاف ، تشاجرنا لأننا لم نحسم الأمر ، في المطبخ تحديدًا ، كِلانا لقد جرَّ الآخر من باب المُزاح “من مِنا سيختار ! ” “فيلم رعب يتحدث عن الأرواح أم قصص إذاعية مسموعة تُشبِعُ فضولنا الذي سيقودنا أكثر و أكثر لسلك هذا الطريق ، لم نحسم الأمر في الأخير أيضًا لذكرنا أنها إما أفلام عن الأرواح و إلا فلا ، فانقلبنا على أعقابنا عندما انقلب زُجاج دولاب المطبخ بطريقة غريب و أكثر غرابة وإلفات ، كِلانا نظَرَ إلى الآخر وقد تجاوز ذلك ، فرسينا بهذه النظرة ، بالقصص المسموعة بعنوان “جاري الغريب” ثم دلَفنا إلى غرفة نوم واستلقينا بسريرٍ واحد، تشاركنا سماعة واحدة وعُمنا في القصةِ كما لو كُنا – ناصر – ضحية القصة ، و عند منتصف الانسجام اخترق مسامعنا الأذان من المنبر، لم نكن نعي مدى رهبة الأذان في حضرةِ الخوف ، توقفنا لنُصلي من أجل هذا الخوف لعلَّهُ ينطفئ.
انتعلنا أحذيتنا ذاهبين بكل الرجاء لله إلى الجامع ليجمع قوانا من جديد التي أسرفناها في قصَّة ! وعلى عتبةِ بـاب دورةِ المياه لأتوضأ ، طفلاً أرصدُ عمرهُ في ذاكرتي ذا تسعة أعوام وإن تزيدون يحوم حولي بطاقيّته المؤذِّنة بطريقة غريبة ليقول “أنا جني” فيلمسُ ذراعي بسبابتهِ ليقول مُكرِّراً ” أنا جني” و ثالثة ثُم أخرى “أنا جني” ! ارتعدتُ فنظرتُ الشريكَ لي في مأزِقي فارتعدَ مُنصرفًا ومتجاهلاً ما يحدثُ لي ثم استجمعتُ قوايَ فقلتُ ” لعنكَ الله إن لم تبارح مكانك لأبرحنّك ردةَ خوفي ” فأكملتُ طريقي للصلاة ، وعندَ انتهائي من صلاتي وعندَ سلامي أدركتُ أنهُ بجانبي ، لقد قلت في داخلي “يا للمأزَق ! ” ثم انصرفتُ لأنتعِل حِذائي فترصد هذا الكائن الذي لا تُحتمَل خِفَّته خطواتي ليُردِّدَ وأنا ذاهبٌ من على الباب مرة أُخرى ” أنا جني”…”أنا جني”.
أسرعتُ خطواتي لأخرج من هذه اللعنة التي تحدُث ليلحقني حتى صار و بكل تلك اللعنة ثلاثة صِغارًا آخرين فخرجتُ من الجامع بعيدًا ، حيث نظرتُ ورائي يقفزون على عتبةِ باب الجامع غير متجاوزين ، كأنهم شياطينُ أبليس مُترصَّدة ينتعلون الهواء بمسافةِ اصبع سبابة.
يقفزون ثم يقفزون غير متجاوزين بملامحٍ موحَّدة بينهم ، تقاسيم حادة ، فأكملتُ طريقي مُتماسِكًا وإياي صاحب المأزق ، صاحب هذا الصبر، للعودةِ إلى الديار حيث التوبة من كل تلك الأشياء ، في الحقيقة لم نتحدَّث عن الأمر ، لقد تشاركنا الصمت الطويل ، كُنا نتحدث صامتين لهول الموقف ، لقد آمنتُ حينها أنَّ الصمت سيدُ الموقف حتى أننا لقينا في مشينا هذا نصبًا عندما رأينا قطةً بيضاء تُفصِّلُنا نظرةً و يسيلُ من فمها دماء بعيون سوداء نظرت إلينا حتى نهاية الطريق ، فأي حماقةٍ ارتكبنا ! أن نختار الشجاعة من باب اللهو فنظن أننا سننجو أبطالاً.
عدتُ بياتًا و لم أخرُج إلى الجامعِ مرة أخرى ، عندما كتبت في ورقةِ التدوين ” أنا في البيت في هذا المأزق الكبير ، لم أجد صاحب هذا الصَّبر، الجار الغريب ، فمن هوَ إذن ؟ “.
تاريخ النشر : 2020-03-29