أدب الرعب والعام

سيرينا – لم أقتل أخي

بقلم : أحمد محمود شرقاوي – مصر
للتواصل : [email protected]

لقد رحلت عنا للأبد يا أبي ولن تعود ولكنها ستبحث عن صغير أخر لتجدد معه العهد
لقد رحلت عنا للأبد يا أبي ولن تعود ولكنها ستبحث عن صغير أخر لتجدد معه العهد

 

ها هي تهمس له كي يتقدم أكثر ، يسمع همساتها قادمة من القبو تناديه بإسمه.

جووووووووووون

 

يشعر جون بأن أقدامه ستخونه بعد لحظات ليهوي من فوق الدرج وتتحطم عظامه ، ها هو يهبط درجة درجة.

جووووووووووووووون

قلبه يشق طريقه كي يخرج من أضلعه من شدة الخفقان.

جوووووووووووون

 

يهبط الدرج بأكمله وقد غشيه الظلام من كل مكان ،  ثم يسمع صوت من يتنفس خلفه.

يرتجف..

ينتفض..

ويلتفت للخلف و…..

” أحمد “

ينتفض فزعاً ويلتفت ليرى أخته الصغيرة تمسك ذراعه وتبتسم ، يتنهد في ضيق ويقول في غضب :

” لقد أفزعتني يا مَلك “.

” أريد أن أخبرك أمراً “.

” وهل هذا الأمر ضروري لكي تفزعيني هكذا وأنا أشاهد هذا الفيلم المرعب ؟ “.

” نعم ، فهو في غاية الأهمية “.

” وما هو هذا الأمر يا صغيرتي ؟ “.

” سيرينا تخبرك أنها لا تحب تلك الأفلام الكاذبة وتقول لك لا تشاهدها وإلا ستغضب منك ” ،

” لقد مللت من خيالك هذا ، لقد أخبرتك مراراً ليس هناك بشيء يدعى سيرينا ، أنت فقط تتخيلين ” ،

قبضت بقوة على ذراعه فارتجف جسده من قوة قبضتها التي لا تخبر أبداً بأن من تقبض على ذراعه طفلة لم تتعدى السبع سنوات وقالت :

 

” لقد أغضبتها كلماتك فلا تنطق بها أمامها ” ،

” وهل هي معنا الأن ؟ ” قالها و قد لامس الخوف قلبه من تلك النظرة العجيبة التي سكنت عيني أخته الصغيرة والتي أجابت :

” نعم ، إنها تقف خلفك تماماً “.

 

تجمد قلبه وانكمش على دماءه والتفت إلى الخلف فلم يرى شيئاً ، ابتسم ابتسامة واسعة سرعان ما تحولت إلى ضحكة عالية وقال في سخرية واضحة :

 

” وأين سيرينا تلك يا ملك ؟ هيا اذهبي من هنا حتى أتابع هذا الفيلم “.

تركته غاضبة و وقفت أمام باب الغرفة لحظة ثم مدت يدها الصغيرة ناحية الفراغ وسارت مبتعدة ، واضطرب قلبه ثانية وهو يتساءل في نفسه ، هل حقاً قد رأى هذا الظل الذي كان يسير بجوار أخته منذ لحظات أم أنه الظلام والإضاءة الخافتة لشاشة الحاسوب ؟.

 

لم يهتم كثيراً ثم عاد إلى الفيلم الخاص به ، استمر المشهد يُعرض من جديد.

” ها هو جون يلتفت وقد اعتلت ملامحه علامات من الفزع الحقيقي ثم ينطق بتلك الكلمة التي جعلته ينتفض في مكانه ويصرخ من الدهشة “

لقد قال جون كلمة ” سيرينا ” ثم هوت تلك السكين على جسده لتمزقه شر ممزق وتجعل دماءه تسيل كالنهر ، كانت الكاميرا وقتها تظهر سيرينا من الخلف وهي تجلس على جسد جون وسكينها يرتفع ويهوي عشرات المرات على جسده ، ثم توقف المشهد تماماً ، ثانية ثم ثانيتين ثم ثلاثة ولا شيء ،

 

يبدو أن ملف الفيلم معطل نوعاً ما ، ضغط على زر التشغيل في لوحة المفاتيح ولكن لا شيء ، و قرر أن يغلق الملف ويحاول أن يتماسك قليلاً بعد تلك المفاجأة الغريبة من نوعها.

 

ولكن الأغرب أن الفيلم قد عاد للعمل ” ها هي سيرينا بثوبها الدموي تنهض من فوق جون ، تلتفت في بطء شديد ، أحمد يستجمع أنفاسه التي تأبى الدخول إلى رئتيه ، ثم تهجم سيرينا من داخل الشاشة عليه كالبرق ، يتراجع من مكانه مصعوقاً فيسقط أرضاً ، ينظر بفزع إلى الشاشة فيجدها مظلمة تماماً.

 

لا شيء..

لا شيء نهائياً..

أشعل نور الغرفة سريعاً و راح يلتهم من هواء الغرفة في نهم.

ما الذي يحدث لي ؟.

وكيف عرفت تلك الصغيرة بأنني أشاهد فيلم به شيطانة تدعى سيرينا ؟ الفيلم لم ينزل على الأنترنت سوى منذ أيام قليلة ! وهي تردد اسم سيرينا منذ ما يقارب العام.

 

ما هي تلك الصدفة الغريبة ؟.

سوف أعرف منها كل شيء ، تلك الشيطانة الصغيرة.

عاد لجهاز الحاسوب فوجد أن النسخة قد تلفت تماماً ، لعن الحظ ألف مرة و وقف غاضباً لا يدري ما الذي يفعله.

أمسك هاتفه الجوال و راح يتصفح الفيس بوك في شرود.

وهنا توقف عقله عن العمل وبرزت عينيه كعين الأسماك من شدة الذهول.

 

هناك صديقة عنده تدعى سيرينا ، كيف أتت إلى صفحته تلك الملعونة ومتى ؟ كانت هناك منشور لها تقول فيه .

” لا تنكر وجودي في الحياة حتى لا يمسك غضبي “

تصفح ملفها الشخص ، كان عبارة عن لا شيء حرفياً ، صفحة بيضاء تماماً ، اذاً هي صفحة معطلة فكيف يرى الأن المنشور الخاص بها.

لا وجود لسبيل بأن تقوم بالتعليق على المنشور ولا الإعجاب به.

 

شعر بالغضب والخوف معاً ، هناك أمراً غامضاً يحدث له وهو لا يعرف تفسيره ، ثم قام برفع منشور يقول فيه.

” حتى وإن كنت من أبناء إبليس المقربين فأنا لا أهابك يا سيرينا ” لحظات تمر ولا شيء ، ثم لحظات أخرى.. ثم..

 

تعليق على المنشور.. اضطرب قلبه وازداد خوفه ،

الحمد لله أنه صديقه الفاشل محمود كان يقول .

” هل تعشق أيها المغفل أم ماذا ؟ “.

ابتسم وقام بالرد على تعليقه وهو يقول..

” وهل سيصيبني عشق ولي صديق مثلك أيها المعتوه “.

و….

 

رسالة على الماسنجر..

صورة بيضاء ، فتح الرسالة ليجد ما يلي .

” يا لغباء هؤلاء البشر حينما يظنون أن الشجاعة قد تكون سلاحاً كافياً “.

ثم لا يمكنك الرد على تلك المحادثة ،

شعر بحرارة عاتية ترتفع إلى رأسه وتكاد تذيب خلايا مخه المسكينة و..

سيرينا تكتب من جديد.

” لقد منعتني أختك عنك مرات ومرات ولكنك لا تتعظ ولا تدري ما الذي قد أفعله بك “

أغلق بيانات الجوال وجلس على الفراش يرتجف من الخوف ، ثم قام بفتح النافذة و وقف ينظر إلى الطريق لعله يسيطر على أعصابه التي تكاد أن تنهار تماماً.

و…

 

مفاجأة جديدة.

هناك رسالة ماسنجر جديدة.

يا للمصيبة !.

لقد تأكد أنه أغلق بيانات الهاتف ، فكيف تأتيه رسالة جديدة ؟.

أمسك الهاتف بيد مرتجفة وقرأ رسالة جديدة.

” لا تنكر وجودي ثانية أما أنا فسوف أعفو عنك لأجل الصغيرة فقط “.

وقتها شعرت بغضب عات يفور بداخله ، إنها تعبث معه ، هناك أمر خاطئ وهناك من يتلاعب به ، طوح بالهاتف بكل قوة ناحية الحائط فتحطم تماماً ، ثم اندفع خارجاً من باب الغرفة متجهاً ناحية غرفة الصغيرة.

 

و…

وسمع أخته الصغيرة تقول.

” هل هو قادم حقاً ؟ “.

ثم تصمت للحظات ثم تقول :

” لا تؤذيه أرجوك “.

وهنا لم يتمالك أعصابه وفتح باب الغرفة.

” لا تعبث معي “.

” لا تنكر وجودي “.

” لا تهزئ بصغيرك حينما يخبرك أن سيرينا قد تحدثت معه “.

ابقى آمناً ولا تتعرض لغضبي …stay safe

إمضاء… سيرينا.

……………………………..

 

إنها لحظات معدودة في تلك الحياة ، حينما تقترب من أن ترى ما لا يتقبله العقل ولا تصدقه العين وما يخشاه القلب وما تفزع منه الروح.

 

وكانت تلك اللحظة تنتظره حينما اقتحم غرفة أخته الصغيرة ، توقع كل شيء وقتها.

كيان مخيف يقف أمامها أو أمرأة مخيفة الشكل أو حتى تلك المرأة التي رآها في الفيلم قبل دقائق.

ولكنه حينما اقتحم الغرفة وجد أخته تجلس على الفراش المقابل لباب الغرفة وعلى وجهها ابتسامة بريئة ونظرة طفولية.

 

ولكنه التفت لخزانة الملابس وتصلب جسده تماماً وهو يرى شيئاً قد فاق خياله ، هناك عباءة نسائية تقف بجوار خزانة الملابس ، فقط عباءة منتفخة وكأن هناك من يرتديها ولكنه بالطبع غير مرئياً للعين ، فقط العباءة مكانها تقف كتمثال من الشمع.

 

هنا فقط يتنحى الزمان ويترك الخوف يتحكم في زمام الأمور، وقف هو ينظر لما يراه بعقل خاو وبعين متسعةٍ جاحظة ، العباءة تحلق مرتفعة عن الأرض بسنتيمترات وتقف في شموخ وعظمة ، و…

 

وشعر بمن يلمس يديه في رقة فارتعب وتراجع مذعوراً فإذ به يرى أخته تقف بجواره بنفس الابتسامة وتقول في براءة..

” لا تخاف يا أخي ، إنها سيرينا صديقتي “

” أأأ ننن تتتتس “

” أهدئ يا أخي ، لا شيء يدعو للخوف “.

 

نظر لأخته بعينين جاحظتين خاويتان على عروشها ثم وبكل ما بداخله من خوف على أخته وعلى نفسه أمسك جهاز التحكم الخاص بالتلفاز وقذفه بكل قوته ناحية العباءة.

 

وارتطم الجهاز بالعباءة من الأعلى ناحية الرأس ، ارتطم بشيء غير مرئي ثم سقط أرضاً متحطماً لتزامنه صرخة مروعة حلقت في سماء الغرفة وتردد صداها لعشر ثوان كاملة ، كانت صرخة مخيفة .. مروعة.. مفزعة .. صرخة رجل خشن الصوت ممزوجة بصرخة امرأة يشوبها زئير حيوان مخيف.

 

وهنا همست الصغيرة في رعب حقيقي.

” أهرب يا أحمد “.

وعلى الفور انفجر بركان من الأدرينالين في جسده فحمل أخته بين ذراعيه وانطلق يعدو كالبرق ليخرج من الغرفة ، خرج من الغرفة ومن خلفه انطلقت الأشياء تتبعثر وتتحطم في الغرفة في عشوائية شديدة ، نادى على والده بصوت مرتعب فانتفض والده من نومه وهرع إلى الصالة ليستفسر عن سبب الصياح المخيف الذي يحدث في شقته ،

رأى أحمد يحمل مَلك ويهرول بها في صالة الشقة كالمجنون فهتف فيه مستفسراً.

 

” ما الذي يحدث أيها المعتوه ؟ “.

وجاءه الرد على هيئة نار مخيفة اشتعلت في غرفة الصغيرة ، نار سوداء مخيفة راحت تركض في الغرفة وكأنها أناس يشتعلون في قلب الجحيم الأبدي.

 

هنا قال الوالد في ذهول تام.

” ولعت في الشقة يا ابن ال …. ” لفظ بذئ “

و ركض ناحية الحمام ليحضر الماء ، كل هذا وأحمد على حاله يركض بالصغيرة ويتخبط في حوائط صالة المنزل وكأنه قد فقد الاتجاهات أو أن بوصلة عقله قد أصابها خلل.

 

حمل الوالد دلواً من الماء وانطلق يعدو وهو يصرخ.

” قم بفعل أي شيء مفيد يا معتوه “.

ولكنه لم يفعل فقد بقي على حاله يركض في أنحاء الصالة دون هدف مع ارتفاع بكاء وصياح الصغيرة وهي تقول.

 

” اعتذر لك يا سيرينا ، اعتذر لك يا صديقتي “

ودلف الوالد إلى الغرفة واتسعت عينيه من الفزع وهو يرى ما لا قد يصدقه أحد من العقلاء.

 

أناس ، لا ، كيانات سوداء تشتعل فيها نيران سوداء يركضون في الغرفة فيخترقون الجدار ويخرجون من جديد ، هناك صياح وصرخات مفزعة كتلك التي سمعوها وهم ينقبون في صحراء سيبيريا وقالوا أنها صرخات يأجوج ومأجوج وهم يشتعلون في قلب جحيم الرب.

 

أخذ الأب يستعيذ بالله وينتفض في مكانه من هول ما يراه من الجنون والعبث الشيطاني.

وكما بدأ كل شيء انتهى كل شيء تزامنا مع صرخة الصغيرة وهي تقول.

 

” والدي ليس له أي ذنب فعاقبي من فعل “.

سقط أحمد وقتها على الأرض وراح يلهث وقد زاغ بصره كمن فقد عقله تماماً ، أما الأب فقد وقف ينظر للغرفة وهو يتمتم.

 

” رحمتك يا الله “.

” رحمتك يا الله “.

ثم وفي ثورة من الغضب أمسك حذاءه وانقض على أحمد وراح يضربه ويطلق من فمه سيلاً من الشتائم والصراخ.

” هل تقوم بتحضير الجن والأشباح في بيتي يا ابن المعتوه ؟ “.

كل هذا وأحمد لا يقدر حتى على قول كلمة واحدة ولكنه ابتعد عن أبيه وركض ناحية غرفته وأغلق بابها.

 

جلس على الفراش وهو يلهث كمن تاهت أنفاسه في سباق الألف ميل وراح قلبه يتراقص كسمكة تحاول العودة إلى موطنها..

و…

وانقطع نور الشقة بأكملها.

يا للكارثة !.

ومن الخارج سمع صوت والده يصيح.

” العفاريت قد احتلوا شقتي “

” كله بسبب ابن ال ….. ” لفظ بذئ “

ومن خلفه بدأت الهمسات ، همسات خافتة راحت ترتفع رويداً رويداً.

 

باب الغرفة مغلق وهو لن يقدر حتى على أن ينهض من مكانه.

هناك حرارة غريبة ترتفع في المكان رويداً رويداً ، والهمسات العجيبة ترتفع مصاحبة لتلك الحرارة ،

ثم تغير صوت الهمسات لصوت حشرجة مخيفة ، لا سبيل عن الالتفات للخلف ، ونظر للخلف و رأى .

 

رأى الحائط يشتعل بنيران حمراء قانية ، تراجع مذعوراً ليسقط أرضاً و من أمامه راحت تتشكل تلك الحروف الغريبة لتكون تلك الكلمات.

 

” لا سبيل إلى النجاة إلا لو أطعت أمري “

وفجأة يفتح باب الغرفة لتظهر الصغيرة وظل اللهيب ينعكس على وجهها.

الصغيرة التي أصبح يبغضها وكأنها شيطان بشع على هيئة بريئة ، وقالت بصوتها البريء الذي أصبح بشعاً في أذنيه.

 

” سيرينا تقول لك إنها ستنتظرك الليلة في المقابر ولو لم تحضر الليلة سوف تقتلك ، وأنا أنصحك إن تذهب حتى لا نهلك جميعاً ، والأن هل ستسخر من كلماتي أيضاً ؟ “.

صاح فيها بكل غضب.

” ارحلي من هنااا “.

 

ليسمع صوت والده من صالة المنزل يصرخ فيه ؟

” اخرس يابن ال… ” لفظ بذئ كالعادة “

وجلس على الفراش ينتفض وقد احتل فراغ عقله سؤال واحد.

” هل سأذهب الليلة إلى المقابر الليلة ؟ ” ؟

…………………………………………………………..

الجزء الأخير عما قريب.

 

أنا تلك المرأة التي تلاعب ابنك في منتصف الليل ،

أنا تلك المرأة التي يحكي لك أبنك عنها.

امضاء.. “سيرينا”

 

*******************

 

صمت..

صمت مخيف.

صمت ما قبل بداية الحركة والسكون.

يشعر أنه قد سقط في بعد مظلم.

صامت..

عقله يئن من التفكير ويشتكي.

هل يرفض أيضاً تلك المرة ؟.

ولكنها لن تتركه يهنئ لحظة واحدة.

لقد رأى ما يمكنها أن تفعله به وبمن يعيش حوله ،

لا مجال للأنانية الأن.

 

هذا هو خطأه منذ البداية وينبغي أن يتحمل عواقب خطأه ولا يعرض من حوله للخطر.

سيذهب ، هذا ما صرح به العقل وإن رفضه القلب بشدة.

 

سار في ظلام الشقة في صمت حتى لا يشعر به أحداً ، خرج من باب الشقة ، وما إن خرج حتى عاد الضوء إلى الشقة من جديد ، وهنا تيقن أنه المطلوب ، وأنه كلما ابتعد عن الناس فقد أبعدهم عن الخطر.

 

كانت المقابر قريبة من منزله وكان الساعة وقتها قد اقتربت من الواحدة صباحاً ، سار ناحية المقابر وهو يجاهد لكي يعطل عقله عن التفكير في أي شيء ، حتى لو كان على موعد مع هادم اللذات ، فليمت دون أن يفكر في أي شيء ، و وصل إلى المقابر.

 

حيث الصمت والظلام.

الضباب والخوف.

الوحشة والأموات.

و وقف يتطلع إلى الحارات في سكون وخوف كبير.

ما الذي اقترفته لأصل إلى ما وصلت له ؟.

إنه الاستهتار وتكذيب الأخرين ، هذا ما يجلب المصائب غالباً ، وتناهى إلى مسامعه صوت موسيقى حزين ، موسيقى جنائزية تأتي من قلب ظلام المقابر.

 

وأدرك أنه الموت بلا شك إنها جنازته هو.

ولمح هذا المشهد المخيف ، هل تعرفون الطيالسة ؟

أنهم من سيتبعون الدجال حينما يظهر.

هل تعرفون ردائهم ؟.

نعم ، إنه هذا الرداء الذي يغطي الجسد كله بغطاء الرأس هرمي الشكل.

كانوا يرتدون الألبسة البيضاء التي تغطي الجسد كله مع غطاء الرأس الهرمي.

 

كانوا ستة ، أربعة منهم يحملون نعشاً والاثنين الأخرين يسيران من أمامهما في هدوء مفزع وتلك الموسيقى لا زالت تصدر من قلب الظلام.

و جاءه هاتف في رأسه يخبره أن يتبع تلك الجنازة وإلا فسيهلك هو وعائلته كلها.

 

وكالمسحور سار ناحية الجنازة التي كانت تترأى له في قلب الظلام ، وتحركت الجنازة في بطء شديد إلى قلب الظلمات وهو من خلفها يسير وقد فقد الوعي تقريباً من قوة هذا اللحن الغريب.

 

تسير الجنازة أكثر و أكثر إلى أعماق القبور وهو يتبعها في صمت ، يسير كالزومبي أو السكران.

وتوقفت الجنازة أمام أحد القبور، وبكل هدوء وضعوا النعش على الأرض و رفعوا الغطاء عنه ، كل هذا كان يظهر على ضوء القمر المهيب.

 

ونهض من كان بالنعش ، لقد كانت امرأة برداء أبيض ملطخ بالدم ، نهضت وهي تضع يدها على رأسها وهي تئن وتبكي بصوت طفولي ، ثم نظرت له مباشرة ، وأدرك أنها هي ، نفس المرأة التي شاهدها في الفيلم.

” سيرينا “.

كانت الدماء تنزف من رأسها وهي تحاول أن تمنع تدفقها ، كانت تنظر له بكل غضب الدنيا ، ثم صرخت صرخة هزت الأضرحة ومعها الموتى من شدتها وقالت بصوت مخيف خشن.

” انظر ماذا فعلت بي ؟ “.

 

ما إن قالتها حتى توقف اللحن الجنائزي و زال مفعول السحر من عليه ، ها هو يعي ما يحدث حوله الأن ، إنه في قلب المقابر ومن أمامه تقف سيرينا غاضبة ، متوعدة بالانتقام.

 

وانطلق يعدو بأقصى سرعة مبتعداً عن هذا الجحيم ومن خلفه سمع صوت صراخها وتوعدها ، كان يركض وهو يكاد يرى ملامح الطريق بصعوبة بالغة ، تلك الهمسات تهاجم مسمعه ، وتلك الخيالات التي راحت تزحف فوق الأضرحة في مشهد أسطوري مخيف.

 

وكانت الكارثة حينما علم أنه قد ضل الطريق تماماً في قلب المقابر ، وت وقف بعد أن كادت رئتيه أن تنفجر من فرط الجهد ، توقف أمام هذا الضريح ، لفت انتباهه تلك اللوحة الحجرية.

” قبر المتوفي أحمد السعيدي محمود السعيدي المتوفى يوم 1/4/2020 نسألكم الدعاء “

وشعر بفزع وقتها لم يشعر به في حياته ، إنه نفس تاريخ اليوم ، وهذا هو أسمه.

هل سيموت الليلة ، هل ستنتهي حياته هكذا بكل بساطة ؟.

وانتفض جسده على صوت طرقات عنيفة على باب القبر من الداخل ، هناك من يستغيث.

يستغيث من قبره هو ، وسمع صوتاً ينادي.

 

” النجدة “.

ولم يكن الصوت غريباً على الإطلاق.

إنه صوته هو.

ولم يتمالك نفسه وسط هذا الهول وسقط أرضاً باكياً ، هناك مشاعر تتصارع في داخله ، إحداها تناجيه أن ينقذ نفسه من داخل هذا القبر والأخر يناجيه أن يهرب بأقصى سرعة ، وكان هذا هو الأفضل ، الهرب من المكان كله.

 

وقبل أن يركض من جديد وجدها تقف أمامه تسد عليه الطريق ، ألتفت إلى الخلف فزعاً فرأى أصحاب الملابس البيضاء ، وتوقف صوت الاستغاثة و أدرك أن هذا القبر سيأويه من اليوم.

كانت تحمل سكيناً حاداً في يدها، وتذكر ما شاهده في الفيلم حينما مزقت جسد جون بسكينها.

و….

 

سمع صياحاً عالياً ثم رأى أخته الصغيرة تركض ناحيته وتقف أمامه حائلة بينه وبين سيرينا ،

وانفطر قلبه من الخوف على أخته ، لماذا جاءت ؟ لقد تقبل فكرة الموت ولكنه لن يتقبل فكرة أن تموت أخته أمامه ، تحدثت الصغيرة قائلة.

” انتهى العهد بيني وبينك يا صديقتي ، الأن ارحلي فلن اسمح لك بإيذاء أخي “.

 

وسمع صوت سيرينا المخيف يقول في غضب.

” الدم هو من ينهي العهد وهذا قد تسبب في إيذائي ويجب أن يُراق دمه “.

” إن كان الدم فليكن دمي أنا “.

وفي لمح البصر انطلقت سيرينا ناحية الصغيرة ورفعت سكينها في الهواء وأغمضت ملك عينيها و….

 

لم يكن ليتأخر لحظة واحدة حينما تقدم للأمام واحتضن أخته ثم دار بها في نفس اللحظة التي هوى سكين سيرينا عليهما فاخترق ظهره تماماً ،

شهق شهقة عنيفة وانتفض في حضن أخته الصغيرة ثم نظر لها والدماء تقطر من فمه وقال.

 

” اهربي “.

وهنا ارتفع السكين وغاص ثانيةً في ظهره لينتفض من جديد ويشهق شهقة عنيفة ثم يسقط على ركبتيه.

وانهارت الصغيرة صارخة باكية ، وقبضت على بعض التراب وقذفت به ناحية سيرينا قائلة..

” ارحلي “

 

وعلى الفور اختفت سيرينا ومعها أصحاب الملابس البيضاء وبقي السكين مغروزاً في ظهر أحمد الذي سقط أرضاً و راح ينازع ليأخذ أنفاسه الأخيرة ،

تحسست وجهه بأناملها الصغيرة وهي تقول.

” سامحني فلم تكن لتتركنا سيرينا إلا بالدم “

ربت بكفه على كفها ثم اغلق عينيه إلى الأبد ليرتفع بكاء الصغيرة ونحيبها ، وضعت يدها على السكين ونزعته عنه و..

وسمعت صوت والدها يصرخ منادياً ، كان قد رآها تركض من الشقة إلى الشارع فتبعها فزعاً حتى وصل إلى هنا.

 

و صُدم الأب حينما رأى الصغيرة تمسك السكين وابنه ممدد على الأرض غارقاً في دمائه ،صرخ فيها مذعوراً.

” هل قتلت أخيك يا ملك ؟ “.

أجابته باكية..

” لم أقتل أخي يا أبي ، لقد فعلتها سيرينا “.

وصدقها الأب وهو يبكي دماً بعد ما رآه في شقته منذ قليل ، وسقط أرضاً صارخاً متوعداً لسيرينا بالقتل ، لتجيبه الصغيرة.

” لقد رحلت عنا للأبد يا أبي ولن تعود ، ولكنها ستبحث عن صغير أخر لتجدد معه العهد “.

 

النهاية ……

 

………………………………………..

أعمالي قريباً بالمكتبات.

رواية إن الله سيبطله

العدد الأول من سلسلة ” مائدة الفزع ” بعنوان “حتى زرتم المقابر”.

تاريخ النشر : 2020-05-12

guest
8 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى