حريق لندن الكبير
لكل مدينة عريقة ماض سحيق مليء بالكوارث والماسي فلا تخدعنا المناظر الخلابة الموجودة اليوم |
كانت أحياء مدينة لندن مكتضة و ممتلئة بالقاذورات |
أما بالنسبة للبيوت فقد كانت عبارة عن أكواخ خشبية مغطاة بالقش الجاف ومتقاربة فيما بينها والشوارع ضيقة ، وكثرة استعمال البارود والفحم جعل الجو خانقاً لا يُحتمل ، لذى فضّل الأغنياء العيش في الريف لهوائه النقي والهدوء ، أيضاً بينما انتشرت العشوائيات في ضواحي لندن في ظروف مزرية ، هكذا كانت عاصمة الضباب خلال القرن السابع عشر .
ابتدأ الحريق من فرن توماس و انتشر بين اكواخ الخشب بسرعة |
وقد هرع الجيران للمساعدة و حاولوا إطفاء الحريق بكل الوسائل المتاحة ، لكن الحريق كان قد انتشر بسرعة كبيرة ، و بعد حضور رجال الإطفاء وعدم قدرتهم على السيطرة على الحريق رأوا أنه لا بد من هدم بعض البيوت لمحاصرة النار ومنعها من الانتشار ، لكن السكان اعترضوا بشدة و اُستدعى عمدة لندن ، لكن العمدة تردد في اتخاذ قرار جاد للسيطرة على الحريق الذي كان يزداد انتشاراً واتساعاً وقد زادت شدة الرياح في سرعة انتشاره كما ساعدت البيوت الخشبية وكثرة المخازن و الورشات في إذكاء النار أكثر فاكثر و رغم المحاولات الحثيثة لإخماد الحريق لكن دون جدوى ،
كانت وسائل الأطفاء بدائية و غير فعالة |
ففي يوم الأثنين انتشر الحريق ليصل قلب مدينة لندن ، و ما زاد الطين بلة هو انتشار شائعات بين السكان الخائفين والمذعورين بأن مجموعة من المهاجرين هي من أشعلت النار لإحراق المدينة وقد اشتبه الفقراء وسكان العشوائيات في الجالية الفرنسية والهولندية باعتبارهم أعداء لإنجلترا خلال الحرب الإنجليزية الهولندية التي كانت ما زلت مستمرة آنذاك ، وهذا ما جعل السكان الخائفين يقومون بالاعتداء على المهاجرين بعنف ومنهم من أُعدم دون محاكمة أيضاً ، رغم استمرار الحريق في الانتشار فبحلول يوم الثلاثاء كانت النار قد وصلت إلى كاتدرائية القديس بولس والتي هرب اليها الكثير من السكان رغم أنها كانت قيد الترميم ومليئة بالخشب فاشتعلت فيها النيران بسهولة وأصبحت النيران قريبة من بلاط الملك تشارلز الثاني في وايت هول ،
رسمة توضح انتشار النار بشكل مرعب في مدينة لندن |
فبالرغم كل الجهود المبذولة إلا أن ضعف الوسائل وبدائيتها عطل الجهود ، كما أن انتشار السكان الهاربين مع عرباتهم المحملة بممتلكاتهم في الشوارع الضيقة عرقل عملية الإخماد أكثر فالازدحام كان شديداً جداً ، كما انتشرت عمليات نهب وسرقة مغتنمة فرصة الفوضى وهروب السكان من منازلهم التي تهددها النيران ، أما الأغنياء فقد هربوا إلى الأرياف القريبة من لندن ، وقد استغل الناقلون الأزمة و رفعوا الأسعار بشكل جنوني لنقل الأفراد وممتلكاتهم خارج منطقة الخطر ،
شهدت لندن موجه نزوح كبيرة فقد حمل الناس ما استطاعوا حمله و فروا هاربين |
أما الفقراء فقد أقاموا مخيمات وافترشوا الشوارع بعد أن فقدوا كل ممتلكاتهم ، كل هذا والنار ما زالت مشتعلة حيث وصلت إلى الأحياء الغنية فهرب الأغنياء وأصحاب البنوك محملين بأكداس القطع الذهبية ، كما التهمت النيران مصالح ومرافق الدولة كمراكز البريد والكنائس عدا المنازل والمتاجر .
حتى برج لندن و الكاتدرائية لم يسلما من الحريق |
وأخيراً مع نهاية يوم الثلاثاء كانت النيران قد أُخمدت مخلفة خسائر كبيرة الخسائر والدمار خلف حريق لندن الكبير ما قيمته مائة مليون جنيه ، فقد دمر 13500 منزل و87كنيسة و 44نقابة تجارية ومصلحة الجمارك وبورصة التجارة وكاتدرائية القديس بولس ، كما خسر السكان كل ممتلكاتهم وتجارتهم وأعمالهم ،
خريطة توضح انتشار النيران باللون الأحمر |
لكن الغريب في الأمر أن عدد الوفيات قُدّر آنذاك ب 8 أشخاص فقط وهذا ما يصعُب تصديقه نظراً لحجم الحريق الهائل ومخلفاته ، ما جعل المارخين في دراسات حديثة يؤكدون أن العدد أكبر من ذلك بكثير ، حوالي المئات أو الألاف ، ففي ذلك الوقت لم يتم تسجيل الوفيات في المناطق العشوائية وسكان الطبقة الوسطى.
تم اعدام الساعاتي الفرنسي روبرت هوبرت بتهمة اشعال حريق لندن |
لكن المحير والطريف في الأمر هو أن الساعاتي روبرت هوبرت لم يكن موجوداً في لندن أثناء الحريق بل دخل لندن بعد يومين من إخماد الحريق.
تاريخ النشر : 2020-06-20