بقلم : مستشعر بالطرفِ الآخر (Ali_Mohammed) – اليمن
|
إنهم يمتلكون أجهزة تقنية راقية ومتطورة مقارنةً مع التقنية التي نصنعها نحنُ البشر |
هذه واحدةٌ من الأحداثِ التي حدثت لي من العالمِ الآخَـر ، المكان : مدينة تعز وخصوصاً الضاحية الجنوبية الغربية من المدينة ، الزمان : 1996م أو نهاية عام 1995م .
كنتُ قادماً من وسطِ المدينة إلى بيت أحد أقاربي في الضاحية الجنوبية الغربية من مدينة تعز ، للمبيت هناك ، حيث لم يتسنّى لي ترتيب الغرفة في بيت جدي ، وكنت في الفصلِ الدراسي الأول من المستوى الأول في الكلية ، كنت راكباً وماشياً وعقلي مليءٌ بالأفكار و دروس المواد التي كانت مقررة علينا في الكلية ، ومن كثافة المنهج ، إلخ
صعدت الباص وعند وصولي نزلت منه لأتابع سيري على الأقدام حيث المنزل هناك في إحدى الحواري الغائرة بين فجاج الأرض ! والطريق يمر بجوارِ احدِ المصانع الكبيرة ، و ظليتُ أمشي ولكني عندما وصلتُ لمنعطفِ الطريق المنحدر ، فضلتُ أنّني اختصر طريق السيارات غيرِ المعبّد من خلال طريق يختصرها الأشخاص بالنزول من جوار عنبر المولدات التابعة للمصنع ، كمنحدر شبه جبلي ، وهو فيه بعض الوعورة . طريقه لا تتعدى خمسة عشر متراً ، لتلتقي مجدداً بطريق السيارات الوعِر قليلاً ، وبينما أنا كذلك أعبر الطريق الملتوي و في ذاك المنحدر شبه الجبلي ، إذ اسمع وأرى أُناساً من أصل الزنوج الذين يعيشون في اليمن منذُ قرونٍ مضت ، ينقلون الماء من مضخة تتبع للمصنع في الأسفل،
وكانوا يتحدثون رجالاً ونساءً وأطفالاً أيضاً ، وكان صوتهم يأتي إلي شديداً ، ولكنه يشبه جلبة الصوت التي تأتي من مكانٍ بعيد ، حيث لا يستطيع المستمع أن يميز كلمةً واحدة مما يقال ! و بسبب انشغالي الذهني لم أتنبه إلى هذه النقطة ! بعدها بمجردِ أن حطّت قدمي طريق السيارات ، إذ بي أتفاجأ بأنّ ذلك الصوت وذلك الضجيج من أولئك القوم ، أنخفض بشدّة ! وكما أخبرتكم بأن الصوت كان ” جلبة ” صوتُ جلبة ، أي أنه الضجيج الضعيف الذي يأتي قادماً من مكانٍ بعيد ، وليس من أُناسٍ يبعدون عني مسافة خمسة وعشرين متراً فحسب !
بل أنّ أولئك الناس ، لم يكونوا كما كنتُ أراهم قبل وأثناء نزولي من جوارِ المصنع ، بل إنهم يبعدون عني مسافة أكثر من ثمانين متراً !.
حينها حاولت التنبه لما يجري معي فأبطأتُ المشيَ وصرت امشي ببطء ، أتلفت إلى الطريق أمامي وإلى و بالأخص إلى مفترق الطرق الذي سأمرُ به ! فكانت المفاجأة ، أنَّني أرى رجلاً عجوزاً قصيرَ القامة منحني الظهرِ قليلاً يرتدي قميص طويل إلى الركبتين ومِعطف قصير (كوت) أسود اللون ممسكاً بيده اليمنى على طرفِه وعمامة من النوع المطرّز بالخيوط الصفراء ، وكان متجهاً نحو الشمال وكأنه يريد أن يسلك الطريق الشمالي ! أو الشمال الغربي ، وأنّ طريقي حينها هي من الشرق إلى الغرب ،
والغريب في الأمر أن الرجل في حالة ثباتٍ مريب ، أي أنّه لا يتحركُ أبداً ، ثم أنّ دماغي تنبه لشيءٍ آخر وهام ، ألا وهو أنّ ارتفاع الرجل يماثلني ، أي أنه يكادُ أن يوازيني في الطول ، وهذا غيرُ ممكن أبداً ! حيث كنت أنا في علو من الأرض بينما هو على أرضٍ منخفضة ، فأبطأت التحرك أكثر ، بل وقررتُ التوقف لأتأمل في حالِ ذلك الرجل المُسِنِ قليلاً ، فبدأتُ أحدقُ إليه بطريقة تشبه عملية المسح ، ليس شبراً شبراً بل كل سنتيمتر ، تبدأُ من نقطة هامة الرأس وحتى بلوغ القدمين ، وفعلتُ ذلك ، أنظرُ بحدّة وتركيز مبتدأً بالرأس إلى الإسفلت وبلغتْ عيناي نهاية قميصه من الأسفل وكان القميص ينتهي عند أسفلِ الركبتين بل بالأصح نهاية الركبتين فقط !.
بعدها أصبتُ بالذهول والخوف ، لما رأيتُه ! فُزعتُ فزعاً شديداً ، لم يكنْ هناك أقدام أو أرجُل ، من بعدِ نهاية القميصِ الأبيض ، بل كان هناك فضاء ، هواء طلق فقط ، بمعنى أنّ الرجلَ معلقٌ في الهواء ، ولكنّه في ثباتٍ تام ، ! لا يهتز ولا يترنح ، فقررت أن أرجع بنظري من الأسفل إلى الأعلى وببطء ، لأرى ما كان أشدّ وأعتى من ذي قبل ! وجدتُ الرأس قد اختفى ، أي تحول الرجل إلى جُثّة من دونِ رأس ومن دونِ أرجل .
يا للهول !.
فشعرتُ كأنّني أُغمسُ في قدرٍ مملوء بالماء المغلي ، من القدمين حتى بلوغِ الرأس ، و زاغ بصري لحظةً من الوقت ، وهو معتاد على ذلك في مثل تلك المواقف مع العالمِ الآخر ، حيثُ يتدخلُ العقلُ الباطن في مثل هذه الحالات ، ثم يعود البصر ، بالطبعِ بعدما أختفى إبنُ العفريته ، ثم تأتي الخطوةُ التالية وهي نابعة من العقل الإرادي ، أي بإرادتي وهي أن أتجاهل ما جرى ، وأن ذلك مجرد تهيؤأت ، ولأمضي في طريقي وبالفعل ولن أقسم لكم ، كنت على ما يرام أسيرُ بثباتٍ ، واثقُ الخطوة ، لا خوفَ يعتريني ، ولا قشعريرة تنتابني ، وكأنّ شيئاً لم يكن ، ومشيتُ بالطبع ثلاث خطوات حتى مررت بالبقعة التي كان فيها الرجل ثم تليها سبع خطوات إلى تسع ، لأقطع المنعطف ، وبلوغ أسفل الجبل التالي ، ثم سبع خطوات شديدة سريعة ، حتى بلغت ثُلثَي الطريقِ الصاعد
( يُطلق عليه في اليمن نقيل أو عقبة ) ، بعدها أحسستُ ، بشيءٍ لم افعله في حياتي إلى الآن ألا وهو الانضمام إلى الأندية الرياضية ، حيث شعرت بأنني متسابق في مباراة للعدّائين ( رياضة الجري ) ، لمسافة كيلو مترٍ واحد فقط ، حيثُ انهارت قوايَّ البدنية ، وتابعتُ المشيء ببطيءٍ شديد ، بعدما اقتربت من الحارة ، ومن المنزلِ الذي أقصد المبيت فيه ، ولم أخبر أحداً ما بما حدث ، ومرت ليلتي بسلام وحتى الصباح ، وذهبتُ إلى الكليّة في الصباح وعدت لذلك المنزل بالطبع نهاراً وليلاً ، ولم أُصب بشيء والحمد لله ، لكنني بعد ثلاثة أيامٍ بعدما عدتُ من الكلية إلى ذلك المنزل الثانية عشر ظهراً ، ذهبتُ لأتوضأ لصلاة الظهر وبعد الانتهاء ، نظرتُ للمرآة التي كانت أمامي ، رأيتُ وجهي مصفرّاً ، وهي أول مرة أرى وجهي بنفسي مصفراً .
وفي الختام ، عندما أتذكر أو أمر على هذه الحادثة ، لأتأملها وكيف قام أولئك القوم أو شخصٌ واحدٌ منهم فقط ، يمتلك تقنية لتقريب البعيد وتبعيد القريب ، وفي الوقت نفسه يقومُ بتقوية الصوت وتقريب مكان مصدره ، ليترآى لي أن المكانَ آمناً وأنه لا خوفَ عليّ ، كي يجعلني أطمئن وهو بالتأكيد تخطيط مسبق منهم ، إنهم يمتلكون أجهزة تقنية راقية ومتطورة مقارنةً مع التقنية التي نصنعها نحنُ البشر ، وما أقصده هنا ( تقنية الإلكترونيات والاتصالات ) !.
وللعلم لا رجاءَ فيهم ، أي لا خيرَ في أولئِك الجن ، كالمثلِ القائل في مجتمعنا ( لا من خيرهم خير ، ولا من مطرهم سيل ) ، وبالأخص أولئك الذين يحشرون أنفسهم في حياتنا ، فقط العبث ببعض بني آدم أو ببعضِ ممتلكاتهم ، لكن علينا نحنُ البشر أن نتربصَ بهم ، كما يتربصون بنا ، وذلك افضل قرار رجعتُ إليه في حياتي للتعامل مع أولئك الخسَسَةِ من الطرفِ الآخر (الجن) وقد أثمر في أكثر المواقف ، على الرغم من أنني تمنيّتُ بعضَ المواقفِ أن تعود من أولئِك الهمج ، حينها لأكونَنَّ بهم من السّاخِرِين !.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
تاريخ النشر : 2020-06-24