ألغاز علمية
حقائق حول تعدين الكويكبات
للتواصل : https://www.facebook.com/tamertemolion
أصبح التعدين الفضائي واقع ملموس بعد أن كان في السابق مجرد خيال علمي |
يبدو تعدين الكويكب شيئاً من عالم الخيال العلمي ، من المؤكد أنها كانت نقطة نقاش منذ القديم ، وتم أخذها بعين الاعتبار ضمن أفلام الخيال العلمي ! تلك التي تتراوح بين غزو المخلوقات الفضائية وبين كوميديا ريد دوارف (القزم الأحمر) ، لكن لم يتم الأخذ بها في الواقع حتى العقد الماضي أو نحو ذلك .
في 6 أبريل 2020 ، وقع الرئيس دونالد ترامب على أمرٍ تنفيذي يعلن عن أن الولايات المتحدة لم تعترف بالفضاء باعتباره “أرضية مشتركة” للبشرية ، و بحسب وجهة النظر الرسمية الأمريكية ، فإن المؤسسات العامة والخاصة حرة في مشاركة مطالباتها في أي شيءٍ تجده .
أصبح تعدين الكويكبات واقع بعدما كان مجرد خيال |
هذه خطوة هائلة نابعة من قانون “القدرة التنافسية للإطلاق الفضائي التجاري” الذي صدر في عهد أوباما عام 2015 ، والذي لم يصل إلى حد السماح للدول بالمطالبة بملكية أي شيء .
لك أن تتخيل أن هذا سوف يسبب مشاكل مع القانون والعلاقات الدولية ، لكن قبل أن نستكشف هذا ، من الجدير بالذكر أن نبين أولاً لماذا نرغب في القيام بذلك وكيف نخطط له؟.
كمية ضخمة من الموارد :
نحن نعيش في عالم من الآلات الإلكترونية ، والنقل العالمي الشامل ، وتزايد عدد السكان الذين يرغبون في مثل هذه الأشياء ، الذهب والبلاتين والنيكل والحديد كما تسميهم ، و ربما تكون في جيبك أو مركونة في ممر سيارتك الآن ! هذه الموارد محدودة على الأرض ، ونمر بها بشكلٍ أسرع مع كل تقدم تكنولوجي .
ومع ذلك فإن الموارد نفسها لا حدود لها تقريباً في الفضاء ، لنأخذ على سبيل المثال البلاتين ، يُستخدم هذا المعدن في أشياءٍ كثيرة مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب ، ويعمل محفزاً لتحويل النفط الخام إلى شيءٍ يمكننا استخدامه في الوقود والتصنيع .
يعد معدن البلاتين من أغلى المعادن على الأرض و يتواجد بكثرة على الكويكبات |
يعتبر البلاتين نادراً على الأرض ومع ذلك فإن حزام الكويكبات في نظامنا الشمسي وحده يحتوي على البلاتين مليار مرة أكثر مما يوجد هنا على الأرض ، و أنا هنا على الأرض أكتب بكل ثقة هذا المقال وأتحدث عن البلاتين !.
الماء هو المورد الأكثر قيمة :
يبدو غريباً ، أليس كذلك؟ إنك تتواجد حول ما يكفي من المعادن النادرة لسحق الأرض ، ولكن أكثر ما يتوق إليه المنقبون هو الماء ، حسناً ، الماء سر الحياة ، لكنهم لا يبحثون عن الحياة بل الوقود !.
الماء هو سر الحياة و لكن البحث يتركز على الطاقة و الوقود |
عندما ينقسم الماء إلى مكوناته الأساسية ينتج الهيدروجين والأكسجين ، يمكن تحقيق هذا الفصل عن طريق محفز كهربائي بمعدات خارجية . وبمجرد تفكك المياه ، يمكن إعادة استخدام مكونات الماء كطاقة كهربائية لدعم الأجهزة مثل أنظمة دعم الحياة وخلايا الوقود ، لكن إذا تُركت كماء فقد تكون مشروباً منعشًاً ! .
جهاز لفصل الماء الى أوكسجين و هيدروجين لانتاج الطاقة |
تخطط وكالة ناسا لإنشاء مستودعات في الفضاء ، سيقومون باستخراج المياه من المصادر المجاورة ، وتنفيذ عملية المحفز ، ثم سحبها إلى المركبة الراسية ، في الأساس ستكون هناك محطات وقود في الفضاء .
طرق و معدات التعدين الجديدة :
لن تعمل المعدات والتقنيات التي طورناها للتعدين على الأرض عند التعامل مع الأجسام المتحركة في بيئة منخفضة الجاذبية ، اعتماداً على تكوينها ، فهي إما حساسة جداً أو من الصعب جداً تعدينها .
تُعرف الكويكبات الرقيقة باسم النوع C (الكوندريت الكربوني) التي تحتوي على تركيزات عالية من الماء ، يمكن أن يتم تعدينهم عن طريق سرب من الروبوتات بأقدامٍ شائكة ، وبمجرد غلقها ، تستخرج الروبوتات الماء وأي معادن أخرى ثم تعود إلى القاعدة ، هذه الكويكبات حساسة جداً لدرجة أن الروبوتات لن تحتاج حتى إلى الحفر ولكن ببساطة ستكشط على طول السطح ! .
يتم استخدام روبوت لكشط سطح الكويكبات و أخد عينات من التربة |
تُعرف الكويكبات التي يصعب تعدينها باسم M أي الكويكبات المعدنية ، هذه الكويكبات تمثل تحدياً أكبر لأنها في الأساس عبارة عن قطع كبيرة من المعدن الطائر الصلب ، قد يكون من الأسهل سحبها مغناطيسياً للمعالجة بالقرب من الأرض .
سيقودنا ذلك إلى استعمار النظام الشمسي :
ستتم معالجة الكويكبات التي تم سحبها من الأرض في الفضاء أو على القمر أو على الكواكب الأخرى ، سيسمح ذلك بتحسين هذه الموارد قبل إعادتها إلى الأرض ، الأهم من ذلك ، أنه يمكن استخدامها لبناء مستعمرات جديدة والحفاظ على المستعمرات القائمة ، ستؤدي الصناعات المحيطة بتعدين الكويكبات إلى إنشاء أول تجمعات بشرية دائمة خارج الأرض .
سوف يتم بناء مستعمرات بشرية في الفضاء لتسهيل التنقيب عن المعادن |
يلخص ريك توملينسون ، رئيس شركة Deep Space Industries ، ما سبق فيما يلي : “سنكون زواراً إلى الفضاء فقط حتى نتعلم كيفية العيش خارج الأرض هناك بالفعل” طور مسبك الجاذبية الصغرى طابعات ثلاثية الأبعاد للخدمة الشاقة يمكنها العمل بدون خطورة ، يمكن استخدامها لبناء أجهزة اتصالات ، ومحطات طاقة الألواح الشمسية ، ومع حصاد المزيد من الموارد ، فإن المستعمرات ستزداد اكتمالاً .
قيم السوق الجنونية :
تُقاس المسافات في الفضاء بأعداد لا يستطيع دماغ الإنسان فهمها و وضعها في منظورها الصحيح ، إنها كبيرة جداً بحيث يتم حساب مسافة جسم خارج نظامنا الشمسي في السنوات الضوئية لإبقائه سهل المناورة ، يقيس العام الضوئي مدى انتقال الضوء في عام واحد ، والذي يبلغ حوالي 9.46 تريليون كيلومتر .
تقدر المسافات الفضائية بالسنين الضوئية لصعوبة تقديرها بالحسابات الأرضية |
يتم قياس المسافات داخل نظامنا الشمسي بوحدات فلكية تسمى “AU” .. ال”AU” هو متوسط المسافة من الأرض إلى الشمس ، وهو ما يقرب من 150 مليون كيلومتر ، هذه وحدة صغيرة و لكن لا يزال من الصعب فهمها .
حاول الآن أن تتخيل الكوينتيليون دولار الذي يساوي مليون تريليون ، وهو ما يكفي من المال لشراء الاقتصاد العالمي بأكمله وليس فقط إحداث أثر طفيف في صافي ثروتك !.
تحتوي الكويكبات على كمية هائلة من الالماس و المعادن الثمينة |
و قد قُدِّرَت “مسالينا” ، الكويكب الأرخص القابل للتعدين بمبلغ 1.07 كوينتيليون دولار ، أغلاها “دافيدا” بسعر 26.99 كوينتيليون دولار ، هذا لا يشمل جميع الكويكبات الصغيرة القابلة للتعدين خارج قائمة أفضل 50 كويكب ، والتي من المرجح أن يتجاوز العدد الإجمالي للأصفار عدد الكلمات المسموح به لهذا القسم في موقع كابوس ! .
سيتغير الاقتصاد :
كانت شركة دي بيرز ذات مرة تحتكر الماس مما سمح لها بالتحكم في السوق ، كانت طريقة جيدة للحفاظ على الأسعار مرتفعة و رؤية أرباحها تزداد.
تخيل الآن أنك قد جلبت قيمة خمسة ملايين دولار من الماس إلى الأرض ، سيكون العرض أعلى بكثير من الطلب ، وستنخفض قيمة الماس ، ربما تقوم ماكدونالدز بتزيين وجبات الهابي ميل الخاصة بها ولا تخسر المال ! هذه أخبار رائعة لنا نحن المستهلكين .
ومع ذلك ، هذا ليس رائعاً للشركات والبلدان التي تعتمد بشدة على هذه المواد لتحقيق النجاح الاقتصادي ، تمتلك القارة الأفريقية 30 في المئة من الموارد المعدنية للأرض ، أغلبها صناعات ضخمة في الكوبالت والذهب والبلاتين .
سوف يصبح الألماس بلا قيمة عندما يتم استيراده من الفضاء |
من الصعب حساب التأثير النهائي لتعدين الفضاء على هذه الصناعات ، يعتمد ذلك على تكاليف تعدين الكويكبات ونقل هذه المعادن إلى الأرض ، ربما تكون أفضل أسواق عمال مناجم الكويكبات هي في الفضاء .
ومع ذلك إذا أدخل تعدين الفضاء المزيد من المنافسين على الصناعات الأرضية ، فسيجبر البلدان المنتجة للمعادن على تغيير اقتصاداتها بين عشيةٍ وضحاها ، قد لا تتمكن العديد من البلدان من شراء برنامج فضائي للعثور على موارد جديدة . هذا يمكن أن يجهد العلاقات الدولية ، ثم نعيد مرةً أخرى ، إذا انخفضت الأسعار كثيراً ، فمن المحتمل ألا يكون مربحًا لعمال مناجم الكويكبات بيع منتجاتهم على الأرض .
سوف يجبر التعدين الفضائي الكثير من الدول لتغيير نشاطها الأقتصادي |
من السابق لأوانه معرفة كيفية عمل ذلك على الأرض ؟ ولكن يجب أن يتمتع عمال مناجم الكويكبات بميزة عند البيع في الفضاء ما لم يعثر نظرائهم من الأرض على طريقة فعالة للتنافس . يبدو الأمر بمثابة فوضى معقدة ، ولكن شخصاً ما سيكتشف كيفية تحقيق الربح في نهاية المطاف .
ضعف العلاقات الدولية :
آه نعم ، الولايات المتحدة ضد روسيا الفضائية و السباق باللكمات ، تماماً مثل السباق لهبوط أول رجل على القمر ، السباق لا يزال على القمر هذه المرة ، ومع ذلك ، لا يوجد شيوعية ، بل فقط الكثير من البوتين ! .
وأصدرت وكالة الفضاء الروسية روسكوزموس بياناً قالت فيه جزئياً إن “محاولات مصادرة الفضاء الخارجي والخطط العدوانية للاستيلاء فعلياً على أراضي الكواكب الأخرى بالكاد تضع الدول في طريق إلى تعاون مثمر” و وصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الأمر بأنه “غير مقبول ببساطة ” .
سوف يشعل هدا السباق الفضائي التنافس بين أمريكا و روسيا مجدداًَ |
الفضاء يعد واحداً من القضايا القليلة التي يتعاون البلدان حولها في خلافات بشأن غزو أوكرانيا واتهامات بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية ، تشير روسيا إلى قانون الأمم المتحدة عندما تصف الفضاء بأنه ” أرضية مشتركة للبشرية ” .. ومع ذلك فإن القوانين ليست واضحة بعكس روسيا فهي صريحة و واضحة في كل شيء .
مشاكل في القانون الدولي :
تتضمن معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 – التي وقعت عليها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي – مبدأً هاماً وهو ” أن الفضاء الخارجي لا يخضع للاستيلاء الوطني بدعوى السيادة ” اتفاقية القمر لعام 1979م ، التي تتعامل مع الأنشطة الخاصة بالقمر والأجرام السماوية الأخرى ، لديها خمس دول فقط وقعت ، لا تشمل الولايات المتحدة أو روسيا .
تنص القوانين الدولية على أن الفضاء لا يخضع للاستيلاء الوطني بدعوى السيادة |
تشير معاهدة الفضاء الخارجي إلى أن الدول مسؤولة عن المنظمات غير الحكومية ، لكننا نعلم من التجربة أن الأمر ليس كذلك ، على سبيل المثال ، عندما توظف شركات أمنية خاصة في مناطق الحرب ، فلن تتحمل الحكومات دائماً المسؤولية في هذه الحالة .
يمكن أن يخلق هذا سيناريو تقوم فيه الدول بتوظيف مقاولين خاصين للقيام بعملهم في الفضاء ثم يتصرفون جاهلين إذا حدث أي شيء وكأن شيئاً لم يكن ، تبدو وكأنها حبكة فيلم بالتأكيد !.
الدول تضع قوانينها الخاصة :
نظراً لتوقيع عدد قليل جداً من الدول على اتفاقية القمر الحديثة لعام 1979 ، بدأت البلدان في وضع قوانينها الخاصة التي تحكم كيف يمكن لمواطنيها استكشاف الموارد واستخدامها في الفضاء ، هذا ما فعله دونالد ترامب بأمره التنفيذي في 6 أبريل 2020 ، ومع ذلك فإن لوكسمبورج قد سارت بالأمور إلى أبعد من ذلك .
ينص قانون استكشاف واستخدام الفضاء الصادر في 20 يوليو 2017 على أن شركات لوكسمبورج ( أو الشركات الأوروبية التي لديها مكاتب مسجلة في لوكسمبورج) قد تمتلك موارد الفضاء المستخرجة بعد أن تأذن لها حكومة لكسمبورج بذلك .
على الرغم من أن هذا الأمر غير مؤكد ، فقد يوفر هذا طريقة للشركات في البلدان الأوروبية الأخرى للتحايل على القوانين الأكثر تقييداً في دولها الأصلية ، بمعنى ما ، قد يصبح ما تفعله لكسمبورج لتعدين الكويكبات في الفضاء شبيهاً بما تفعله سويسرا في الخدمات المصرفية الدولية على الأرض ! .
حل مشكلة تغير المناخ :
عند هذه النقطة ، يبدو كل شيء كئيباً ، تقوم دول بإثراء نفسها بشكلٍ أناني على حساب دولٍ أخرى ، ويبدو أن إمكانية اندلاع حرب عالمية تتصاعد .
لكن لا تقلق ، فكل سحابة لها بطانة فضية .
على المدى الطويل ، يمكن أن تحل القضايا المحيطة بتعدين الكويكبات مشكلة تغير المناخ على الأرض ، والتي قد تؤثر على كل دولة ، يمكننا استخدام تقنيات فضائية جديدة وأفضل على كوكبنا ، حدث هذا بالفعل مع تقنيات الفضاء الأخرى مثل GPS .
هل تذكر عندما ذكرنا سابقاً انقسام الماء إلى هيدروجين وأكسجين لإنتاج الوقود ؟ إذا تم استخدام هذه العملية بكثافة في الفضاء ، فسيتم استثمار المزيد من أموال للبحث فيها ، وستصبح العملية أكثر كفاءة ، وسيتم تخفيض التكاليف ، سيسمح لنا ذلك بإنتاج سيارات تعمل بخلايا الوقود الهيدروجيني بسعر يمكنها من الانتشار بين عامة الناس .
تاريخ النشر : 2020-06-24