أدب الرعب والعام

كابوس الهلاك

بقلم : مهدي بوزيدي – المغرب
للتواصل : [email protected]

آنذاك أدركت اني هالك لا محالة ! و ادركت أني في لحظاتي الأخيرة !
آنذاك أدركت اني هالك لا محالة ! و ادركت أني في لحظاتي الأخيرة !

كانت أمسية صيفية هادئة من شهر أيلول ، حيث السماء ملبدة بالغيوم .. غيوم تبعث عن عدم ارتياح طفيف ، كنت في تلك الأمسية شبه الباردة ، في غرفتي ، واقفا امام المرآة تارة أداعب شعري الأملس و الممشوط بعناية ، وتارة ألامس لحيتي السوداء ، معجبا بكل تلك التفاصيل التي قالت عنها فتيات كثر أنها تفاصيل دالة على الحسن و الجمال…

خرجت من غرفتي ثم المنزل ثم استقللت سيارة أجرة و اتصلت ب”رهام” عشيقتي :
_ ألو! كيف الحال ؟ .. انا ايضا بخير.. و إذن.. أأنت جاهزة.. حسنا.. احبك..

كانت اول مرة سنلتقي فيها معا ليلا ، تواعدنا أن نتعشى معا ، وفعلنا ، بعدها اتجهنا إلى منزلي و شهدت غرفتي معصية و ذنبا عظيما..

* * *
قامت هي و أخذت حماما ساخنا و انصرفت في صمت تيقنت أن نيران الندم كانت تضطرم في داخلها..
أما أنا فساورني لون من الخزي ، و ظللت في فراشي مستلقيا ، وبعد لحظات من صمت بهيم ، كان خلاله القمر يتنقل بين السحب تنقل الفلك بين أمواج المحيط ، أخذتني سنة النوم تثاقلت فيها جفوني كأن أحدهم كان يغلقها عمدا ، و غرقت في سبات عميق..

* * *

فجأة شعرت بضيق شديد جدا ، كأن رئتي قد انتزعت من صدري فظللت أحاول التنفس بعسر شديد ، نظرت إلى سقف الغرفة فكان يتحرك يمينا و يسارا تحرك الأشجار في يوم عاصف ، حاولت تحريك يدي فكانتا مشلولتين ، كذلك قدمي و معظم اعضاء جسدي ، رمشت عيني بقوة علني أرى شيئا واضحا لكن مع ذلك كان كل ما في الغرفة يتحرك ، إلى أن بدأ يسكن مجددا و يهدأ ، كل ما كان يتحرك امامي أصبح في اقل من ثانيتين جامدا إلى من تمايل بسيط غير واضح ، هدأ جهازي التنفسي و بدأ يعود تدريجيا إلى طبيعته ، ماعدا شيء غريب أرعبني و هو جمود يدي و قدمي و رأسي .

لاحظت أمرا في منتهى الغرابة ، وهو أن ألوان حجرتي اصبحت بعد ذاك التوتر زاهية و فاتحة ، كيف يعقل هذا ، لون المرآة الفضي زاد بريقا ولمعانا ، الباب ازداد لونه اقترابا من لون البن ، السقف أبيض كالحليب.

هذا كله كان مجرد تمهيد للمصيبة التي حدثت بعدها . شعرت بسكينة شديدة تحتل كل أعضاء جسدي ، كأن أحدهم يدلكني في حنان و رقة ، اتبع الأمر سماع صوت يشبه حفيف الفستان ، او اقرب إلى رفرفة اجنحة العصافير ، ثم رأيت شيئا لا اظن ان أحدا قد رآه في حياته ، رأيت رجلين يبدوان في الثلاثين ، لكن بأوجه غير اوجه البشر ، و أجساد غير أجساد البشر ، و ألوان غير الوان البشر ، كانا ذوي لحية بيضاء ناصعة ، أما جسديهما فكان في كل واحد جناحان على مستوى الكتفان ، و كان نور غير مسبوق يشع منهما ، كل هذا كان يذكرني بما يقوله والدي أو افراد العائلة عن المخلوقات الروحانية او حتى الجن ، رغم ان وضعي لم يكن مناسبا للتفكير .

كان الكائنان واقفان عند قدمي ينظران إلي بنظرات جامدة ، خالية من الاحاسيس إلا من إحساس وحيد كان على محياهما واضحا “الشفقة”

* * *

لازال جسدي عل حاله ، مرت نصف دقيقة على ظهور الكائنين ، تبعها ضيق في التنفس خصوصا على مستوى الحلق ، بدأت أحاول و أحاول لكن بلا جدوى ، الامر الذي دفعني إلى إصدار صوت يشبه الشخير ..

فجأة إنعكست شاشة في سقف الغرفة ، الذي كنت انظر ناحيته ، بدا في الشاشة شيء ما يشبه الفيديو او الفيلم لكن أسرع بكثير و المدهش انني رغم تلك السرعة كنت استوعب كل الأحداث .
في الفيديو بدوت طفلا اكبر مع كل دقيقة ، كنت أرى نفسي بين الفينة و الأخرى جالسا بدون أي شغل ، ثم كبرت قليلا و رأيت نفسي في المدرسة ، ثم رأيتني في مشهد أقبل فتاة كانت زميلة لي المدرسة ، وقد حدث هذا فعلا ، و توالت الأحداث و كبرت بسرعة رهيبة في الفيديو وكنت استوعبها ، رأيت امورا كثيرة جدا ، كان معظمها اخطاء ، وكانت لحظاتي و أنا في المسجد او في مجلس علم او خلال قيامي بعمل خيري نادرة جدا ، إلى ان وصلت في ذاك الفيلم البارحة ، وهناك تثاقلت الأحداث وخفت السرعة قليلا ، رأيتني اودع أهلي وهم مسافرون ، رأيتني بعدها أكلم “رهام” مخبرا إياها اني وحدي ويمكننا قضاء وقت رائع ، رأيتني أكلمها خلال جلوسي في سيارة الأجرة ، و رأيتني أمارس الرذيلة معها هنا على هذا السرير بالذات قبل لحظات..

و أكثر من منظر كان يتكرر في الفيلم بأكمله هي لحظات صبي لغضبي على أمي و أبي.
عند ذلك الحد من الأحداث الرهيبة أدركت فقط أني في نزعي الأخير ، لم افكر في حزن عائلتي علي ، و لا فراق اصدقائي لي و لا المشاريع التي سأترك و لا الأهداف التي ستتلاشى ، بل فكرت فقط في تلك الخطايا التي ترائت لي ، هب أني مت الآن ! ماذا سيكون مصيري ؟ سأموت على ذنب عظيم ، سأموت متسخا بوحل المعصية ملطخا بدم الزنى !
آنذاك أدركت اني هالك لا محالة ! ادركت أني في لحظاتي الأخيرة ! أدركت سبب إشفاق ذينك الملاكان علي !

لحظتها فقط تمنيت في هدوء مصدوم لو أني اعود للحياة مرة اخرى فأصحح كل اخطائي.

اقترب الملكان مني ، أرخيت جسدي و استسلمت لحرارة الاختناق و الألم الداخلي ، نظرت إلى سقف الغرفة ببطئ مجددا ، اسبلت ستار الجفون على العين ، و أرهفت السمع… للحظة ، ثم ما يقارب العشر ثوان ، ثم العشرين ، ثم الدقيقة ، وبعد ريب ، فتحت عيني ونظرت إلى سقف الغرفة ، كان مائلا إلى الأصفر ، فيه نقاط سوداء مائلة إلى الرمادي ، وكان مضاءا بضوء النهار .

* * *
رمشت عيني ، ملأت صدري بالهواء ، حركت عيني تجاه يدي لأجدني رافعا إلى أعلى ، كذلك فعلت بالأخرى ، اتسعت حدقتا عيني و تغرغرت دمعة فيهما وسرعان ما انسدلت منها حارة كما تنسدل قطرة الماء من ورقة خيزران ، دفعت الفراش بيدي ،
انا حي لم أمت ، أرى ضوء الشمس من نافذتي ، أنا حي لم امت ، أسمع اصوات السيارات بالخارج ، أنا حي لم امت ، اسمع زقزقة العصافير على سطح منزلنا.. إتجهت مباشرة نحو الحمام ، اخذت حماما وعيني تذرفان الدموع بغزارة ، سجدت لله شكرا وصليت ، خرجت للخارج ، وكانت السماء صافية و الشمس ساطعة ، عانقت دفأها و قبلت صبي متجها نحو البقال .

* *
بعدها بساعات عاد اهلي و ألححت عليهم بأن أخطب رهام من اهلها ، وقبلوا و فعلت ، وتزوجنا ، و أخبرتها كل شيء ، وبكت هي الأخرى .

تاريخ النشر : 2020-06-27

guest
11 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى