أدب الرعب والعام

لالورونا

بقلم : أحمد محمود شرقاوي – مصر
للتواصل : [email protected]

قذفت برمحي نحوها فاخترق الرمح صدرها
قذفت برمحي نحوها فاخترق الرمح صدرها

لقد رأيت فتاة تبكي ليلاً على ضفاف النهر ، هل يُعقل أن تكون تلك الفتاة الناحبة لالورونا.
ماذا ؟ إنها تدعوني للذهاب لها.
 
اليوم لم أكن في حالة تسمح لي بالمزاح مع أخي توماس ، كنت ساخطاً جداً على هذا الصيد الشحيح الذي أدركناه في الغابة ، كان أرنباً برياً صغيراً لن يكفي عائلتينا أبداً ، وها هي الشمس تغرب في الأفق ولن يكون بوسعنا استكمال الصيد في الليل ، وعلى النقيض التام كان أخي توماس مسروراً ، سعيداً ، يدندن بأغنيه المفضلة.

هي الحسناء ذات الوجه الملائكي ، هي الحوراء ذات العين البنية ، ثم راح يمازحني في مرح ويقول :

– ما بك أيها المعتوه ، لماذا كل هذا الغضب ؟.
نظرت له في عصبية وقلت :
– وهل تظن أن أرنباً برياً واحداً سيكفينا ؟ كنت أعتقد أننا سنصطاد خنزيراً برياً كبيراً.
– لا عليك ، فلتأخذ أنت الصيد لعائلتك وأنا أملك في الكوخ بعض الطعام سيكفيني أنا وزوجتي حتى الغد.
نظرت له بإشفاق و أنا أراه يضحي بسهولة بطعامه من أجل ألا أكون حزيناً ، ولم أكن لآخذ من أخي الأصغر طعامه أبداً ، لذا قلت في صرامة:
– لن آخذ شيئاً ، هذا الصيد لك ، فأنا لدي نصف خنزير في الكوخ الخاص بي.
– أحقاً تمتلك نصف خنزير ؟.
– نعم أيها الأبله ، لقد اصطدته منذ يومين حينما كنت أنت تستجم على النهر أيها الكسول.
عانقني في قوة بطريقته الودودة فدفعته بعنف وقلت :
– كفاك عناقاً بي و اذهب وعانق زوجتك.
ضحك ضحكة عالية وأخذ الصيد وهو يقول:
– سوف أرد لك هذا الواجب عما قريب.
ابتسمت له بحب وتركته ذاهباً ناحية الكوخ الخاص بي.
 
في الحقيقة أنا لا أملك أي طعام في الكوخ ، لقد قلت هذا حتى أعطيه هذا الأرنب ، فزوجته بطبيعتها متنمرة عدائية وقد تسبب له مشكلة اذا لم يأتيها بطعامها ، هكذا هن الاسكندنافيات ، وهكذا هن نسائهن ، متنمرات ، شرسات ، لا أدري لما ذهب هذا المعتوه ليتزوج منهن وترك فتيات قبيلته ؟ اللعنة على الأعين الزرقاء.
 
وصلت إلى الكوخ الخاص بي فسمعت بكاء الصغير سابوا ، وقبل أن أدلف إلى الكوخ سمعت زوجتي تقول له :
– لا تبكي يا صغيري فوالدك سيأتي بعد قليل ومعه ما يكفينا من الطعام.
 
وشعرت بجسدي كله يرتجف ، كيف سأدلف من الباب وأنا لم أحضر لهم طعامهم ؟ كانت الشمس قد غابت والليل على الأبواب يطلب الدخول ، وارتفع بكاء الصغير أكثر ، وشعرت بالحزن الشديد ونظرت في صرامة ناحية الغابة التي أوشك الظلام على ابتلاعها ومضيت ناحيتها.
 
نعم أعرف خطورة الغابة ليلاً جيداً ، وأعرف أنني قد لا أعود ، ولكن عدم العودة أفضل من العودة بدون طعام ، قبضت على رمحي أكثر واخترقت الغابة من جديد ، في الحقيقة أن الغابة مخيفة جداً في الليل ، الظلام يصبح مخيفاً خاصةً وأن القمر قرر الرحيل تلك الليلة ، تشعر بأن هناك أعين تراقبك من وسط الأشجار تنتظر الفرصة لتنقض عليك من كل جانب ، تشعر بالوحشة والخوف.
 
ها أنا في وسط الغابة حيث الظلام الشديد والسكون المخيف الذي يذكرك بسكون أضرحة الموتى ، الرياح تعبث وتتلاعب بأوراق الأشجار كيفما تشاء في قلب غابة تحتضر من الوحشة ، أسير ممنياً نفسي بأن اصطاد أي شيء سريعاً ثم أرحل ، ربما ثعلباً صغير أو أرنباً ، بدأت أصوات الهمسات ترتفع من قلب الغابة ، تشعر أن الأشجار تهمس لبعضها وتحذر أن هناك غريباً قد جاء في موعد غير موعده ، كثيراً ما كنت أسمع تلك الهمسات وأنا في الكوخ وسط القبيلة ، ولكن أن أسمعها وأنا في قلب الظلام فالأمر مخيف ، هناك أشياء تهرول في الظلام بين الأشجار لا أحدد ملامحها ، هناك زئير يرتفع في قلب الظلام فيجعلني أنتفض.
 
أشعر أنني سأموت هنا ، سوف أذهب إلى النهر وأسير بمحاذاة الغابة ، فهناك تذهب بعض الحيوانات للشرب و ربما أصطاد شيئاً ، و وجودي هناك أكثر أماناً ، خرجت من بين الأشجار لأجد النهر الصغير في انتظاري ، تجري مياهه في لامبالاة وكأنها لا تخشى أن تعكر صمت الغابة المخيف ، جلست أتمالك أنفاسي على ضفة النهر الذي كان يسير بمحاذاة الغابة كلها ، وهناك لمحت شيئاً صغيراً يركض ، تمالكت نفسي ونظرت بعيداً فرأيته ، كان أرنباً صغيراً يشرب من النهر ، وأنا أعرف أنه سرعان ما سيعود إلى الغابة ولن أراه ثانيةً ، ليس هناك وقتاً لأنصب له فخاً محكماً ، اقتربت و أنا أحبس أنفاسي من الأرنب الصغير ، التفت ثم نظر لي قليلاً وعاد يشرب من جديد ، وهنا وجّهت الرمح بهدوء ناحيته و….
 
تناهى إلى مسامعي في تلك اللحظة صوت بكاء خفيض ، التفت ناحيته فرأيت أمرأة تجلس على صفة النهر في وضع جنيني تنتحب في هدوء ، نظرت لها في تعجب و أنا أتساءل من أين قد تأتي تلك المرأة ؟ وهنا ركض الأرنب كالبرق وابتلعته ظلمات الغابة ، ولم يتبقى سواي أنا والفتاة وبعض النجوم التي راحت تشع نوراً خافتاً ، اقتربت منها في هدوء وحذر شديد و أنا أتساءل في نفسي :
هل هي اسكندنافية أم من قبيلتي ؟ ولكنها ترتدي ثوباً غريباً يشبه ثوب أفراد تلك المملكة البعيدة الذين يجلسون على شيء تجره الخيول ، وناديت عليها برفق.
 
” هيييه “.
“أيتها المرأة”.
 
ولكنها لم تلتفت و إنما ظلت تنتحب كما هي ، راودني شعور أن أرحل من المكان تاركاً إياها ، ولكن شيئاً بداخلي يرفض أن اترك أمرأة وحدها هكذا في الليل ، حملت حجراً صغيراً وقذفته ناحيتها ، وهنا توقفت عن البكاء تماماً ثم رفعت وجهها ناحيتي ، كانت بيضاء البشرة على عكس نسائنا ، شعرها أسود طويل ، نظرت إلي بعينين زرقاء صافية ثم نهضت من مكانها ومدت ذراعها ناحيتي ، حادثتها من جديد ولكنها بدأت في النحيب من جديد ، أشفقت عليها كثيراً وتقدمت ناحيتها ، أمسكت كف يدها ونظرت في عينيها… و……………..
……………………………………………..
صراخ..
صراخ..
صراخ مفزع…
أنا وسط المياه..
صوت أخي ينادي ..
أنا أغرق و لا أعرف كيف ! انظر خلفي فأجد وحشاً دميماً وقد أصابه رمح في صدره يزوم ويصرخ بصوت مفزع ، أسبح سريعاً ناحية الخارج ، أخي يقبض على ذراعي ويركض بي ناحية الغابة ، هناك صوت صراخ يأتي من خلفنا ، أنا أشعر بخدر شديد ، أكاد أتهاوى أرضاً ، أخي يصرخ.. لا أقدر.. أتهاوى في قلب الظلام..
……………………………………………..
 
أفقت لأجد نفسي جالساً مسنوداً على شجرة قريبة من القرية وأخي يجلس بجواري ويتنفس في صعوبة وقد أغرقه العرق ، تساءلت في ذهول عما حدث ؟ فتحدث من بين أنفاسه السريعة قائلاً :

” لقد كدت تموت الليلة على يد المرأة الناحبة “.
– هل تقصد أنها حقيقة ؟.
– نعم ، و لطالما لم تصدق بوجودها ، ها هي كادت أن تقتلك.
– أخبرني ما الذي حدث ؟.
لقد علمت من أحد أفراد القبيلة أنك عدت إلى الغابة ، فتتبعتك لأعرف أين ذهبت ، ولا أدري ما الذي جعلني أفكر أن اذهب إلى النهر فربما أجدك هناك ، وبالفعل كنت هناك وقد احتضنت تلك المرأة وأخذت تسير بك ناحية النهر حتى كاد النهر أن يبتلعكما معاً لولا أن قذفت برمحي نحوها فاخترق الرمح صدرها فأفقت أنت من غيبوبتك وخرجت من النهر لأسحبك سريعاً ونركض مبتعدين عنها ، ولكن سقطت ثانية وهاجمنا دب وكاد أن يفتك بنا ولكني استطعت أن اهرب بك قبل أن يقتلنا.
 
سقطت أدمعي على وجهي و أنا انظر لأخي الصغير ثم عانقته عناقاً طويلاً جعله يدفعني بقوة وهو يقول :

” اذهب وعانق زوجتك يا هذا “.
ضحكت ضحكة كبيرة ليقول هو :
– ولكن لما ذهبت إلى الغابة ؟.
– لأنني لا أملك طعاماً في كوخي وقد كذبت عليك.
– و أنا أعرف هذا أيها المعتوه ، فلو كنت قد اصطدت خنزيراً بحق لكنت أعطيتني منه ، لذا فقد عدت سريعا ًبالأرنب إلى كوخك ولكني فوجئت بزوجتك تقول : أنك لم ترجع لها ، وهنا شعرت بالقلق ليقول لي أحدهم : أنه رآك و أنت تدلف إلى الغابة وحدك.
 
– ولكن قل لي كيف هربت بي من الدب ؟.
ابتسم ابتسامة خبيثة وقال لي : أنظر خلفك.
ونظرت فوجدت جثة الدب ملقاة وقد اخترقها رمح أخي ، وهنا صحت بمرح وقلت :
يا لشجاعتك أيها الصغير ! مرحى ، هذا صيد كبير يكفينا لأسبوعا كامل.
ابتسم الصغير وقال : اذهب الأن لتعانق زوجتك ، وعلى ما اعتقد أنني قد رددت لك واجبك ، ثم غمز بعينيه.
……………………………………………..
أسطورة لايورونا ،  هذا الجزء مأخوذ من ويكيبيديا ، لمعرفة أصل الأسطورة فقط.
 
منذ سنوات كانت هناك قرية متواضعة صغيرة تعيش فيها فتاة في غاية الجمال والرقة إسمها ماريا ، العديد من الناس يقولون أنها أجمل فتاة في العالم ، كانت ماريا تظن أنها أفضل من أي شخص موجود في القرية ، كبرت ماريا و زاد جمالها وأصبحت امرأة ناضجة ، ولم تكن تنظر ابدأً إلى الرجال في قريتها ظناً منها أنها أفضل منهم وأجملهم ، كانت تقول : أنها سوف تتزوج أجمل رجل في العالم.
وفي أحد الأيام في قرية ماريا ظهر فيها رجل بنفس المواصفات التي تتحدث عنها ماريا ، كان رانشيرو أحد أبناء مربي الماشية الأثرياء في السهول الجنوبية يمكنه ركوب الحصان كالكومانتش الكومانتش هم أول من إكتسبوا الأحصنة من الإسبان ، لكنه ظن أنه لم يكن رجولي لركوب الحصان.

كان رانشيرو وسيماً ويجيد العزف على القيثارة والغناء بصوت جميل ، ماريا ظنت أن رانشيرو الرجل المنشود لها وأرادت الفوز بانتباهه ببضعة حيل.
إن تحدث رانشيرو معها في طريق تدير رأسها كأنها ليست مهتمة به ، وعندما أتى لمنزلها في مساء لكي يعزف على قيثارته ويغني لها ، رفضت حتى إخراج رأسها من النافذة لسماعه كانت تفعل هذا لكسب انتباهه.

تلك الفتاة متعجرفة ، ماريا ماريا ! أنا أعلم أنني يمكنني الفوز بقلبها ، أقسم أنني سوف أتزوج هذه الفتاة ،  قال في نفسه رانشيرو.
 
خرج كل شيء عن سيطرة ماريا ، هي و رانشيرو إرتبطا وتزوجا ، في البداية كان كل شيء بخير أنجبا ولدين و كونا عائلة سعيدة ، لكن بعد سنوات قليلة أراد رانشيرو العودة إلى الحياة البرية في البراري ، غادر البلدة واختفى لشهور، وعندما عاد إلى المنزل كانت عودته فقط لرؤية أطفاله و لم يبدي أية اهتمام لماريا ، تزوج رانشيرو أمرأة من طبقته الراقية.
غضبت ماريا كثيراً من رانشيرو وغضبت أيضاً من ولديها الذي أبدا رانشيرو اهتمام فقط لهما وتجاهلها هي فقط .

 في أحد الأمسيات كانت ماريا تتنقل هي و ولديها في طريق قريب من نهر، بينما هي تتنقل صادفت رانشيرو في عربة وكانت هناك سيدة أنيقة تجلس بجواره فرآهم وتوقف لرؤية ولديه ولم ينظر حتى نظرة لماريا.

 عندما رأت ذلك المنظر استولى الغضب عليها وتحول ضد ولديها ، فأخذتهما من حضن أبيهما و رمتهما في النهر وقد إختفيا في تيار مائي ، فجأة أدركت ماريا ما الذي فعلته وغاصت في النهر لتبحث عن ولديها لكن لم يظهر أي أثر لهما.

في صباح موالي مر أحد المسافرين من النهر فرأى فتاة جميلة ميتة في ضفة النهر كانت ماريا ، لكن في احدى الليالي المظلمة قال أحد سكان قرية : أنه رأى امرأة تبكي كانت ترتدي أبيض وتمشي في ضفة النهر ، وبعضهم يقول أنهم رأوها تبكي وتقول : أين أولادي؟  ومن ذلك اليوم سموها لا لورونا ، أي المرأة الناحبة.

هذه قصة تُروى للأطفال لكي لا يخرجوا في الظلام فربما يصادفون لالورونا و تخطفهم ولا تعيدهم أبداً ، وفي رواية أخرى يقُال : أن لعنة حلت على القرية فكل طفل فيها يختفي ليكتشفوا جثته في صباح موالي أمام ضفة نهر مأكولة ، وبعض يقول أن لعنة حلت على جميع أمهات فمنهم من تقتل أولادها ومنها من تأكلهم ومنها من ترميـمهم في النهر .
وسؤال يبقى مطروح ، هذه القصة التي توارثها أجيــال هل هي حقيقية أم مجرد قصة لتخويف أطفال و ترويعهم ؟ وهل قصة لعنة حقيقية ؟.
 
……………………….
انتظروا سلسلة نساء مخيفات pdf قريباً على المواقع.
……………………….
لطلب أعمالي الورقية.
رواية اني رأيت من خلال صفحة شهرزاد للنشر والتوزيع على الفيس بوك
 
رواية إن الله سيبطله و رواية حتى زرتم المقابر من خلال صفحة ببلومانيا للنشر والتوزيع على الفيس بوك..
أو من خلال جوجل بلاي ، جوجل بوكس ، أمازون ، قارئ جرير.
 
 

تاريخ النشر : 2020-06-29

guest
6 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى