تجارب ومواقف غريبة

شجرة التين

 
بقلم : محمد العلاوي – الجزائر

 

أذكر أن أمي امتعضت من موضوع قلع الشجرة ..
يعتقد بعض القدامى من أبناء جلدتي أن شجرة التين عندما تقطع من وسطها ثم تشد من جذورها فإن المكان يصير مسكونا . وأغلب البيوت القديمة لا تخلو من وجود شجرة بها كأشجار التين أو الليمون أو شجرة السفيزف ، خصوصا تلك البيوت البدوية و الريفية .

 

اشترى أبي الله يرحمه منزلا قديما من ورثة أبناء خالته عام 1979 و كان بين بيتنا وهذا البيت مسافة امتار فقط ، و كانت به شجرة تين كبيرة ماشاء الله و كانت خالتي “الزمورية” رحمها الله تعطيني حبة كبيرة من تلك الشجرة تكفي إناء كبيرا (الله يرحم ايام البركات) ، و طبعا قام والدي ببعض أعمال الترميم في البيت منها انه طلب من ابن اخيه ان يقطع شجرة التين ، و أذكر تقريبا كيف كان ابن عمي يقطع الشجرة بالمنشار و على ملامحه ابتسامة عريضة ، ثم جاء أبي و أوقف عملية قطع الشجرة ثم بدأ يتكلم بدهشه عن عمق الجذور في فناء البيت ، و أذكر أيضا أن أمي امتعضت من موضوع قلع الشجرة ، غير أن أبي لم يأبه بالموضوع .

 

مرت على تلك الحادثة بضع سنين ثم قام أبي ببيع البيت إلى مغترب يقطن في فرنسا ، و بعد مرور عام قام هذا الأخير باعادة بنائه من الاساس ورفع القواعد و بنى طابقا ثان فتغير شكل البيت كليا ، غير أن البيت بقي شاغرا طوال الوقت و عندما يحل فصل الصيف يأتي اصحابه ويفتحونه وينظفونه عن اخره ، ثم يعودون الى فرنسا . و حدث أن تزوجت إحدى بنات المغترب من أحد افراد عائلتها ومكثا سويا في البيت مؤقتاالى غاية ان تتم تسوية بطاقة الاقامة للزوج من طرف القنصلية الفرنسية. و كان زوج المغتربة يعمل ليلا في إحدى الشركات العمومية و لا يعود حتى يقترب موعد آذان الفجر . أما نحن أبناء الجيران كنا نلعب بالكرة مساءً في الطريق وكنا نقذف بالكرة بقوة فترتطم بالباب .

 

ذات مساء أطلت المغتربة من الباب وطلبت مني بلهجة فرنسية ان نلعب بهدوء ، كانت طويلة وهزيلة وكانت شاحبة . و ذات مساء قبيل موعد آذان المغرب ولجلت إلى بيتنا مهرولة واخذت تتكلم بالفرنسية مع افراد عائلتي (أمي وأخي وزوجه عمي )أما أنا فقد كنت خائفا منها لأنها كانت تبدو وكأنها جنت ، ثم دخلت في نوبة عصبية وأخذت تضحك و تبكي وحاولت ان تخنق اختي بكلتا يديها، ثم قالت لهم بأن أناس يأتون إليها ليلا ويطلون عليها من خلف باب غرفتها و رؤوسهم نصف مقطوعة والدماء تقطر منها . و عندما جاء زوجها و لم يجدها في البيت ذهب اليه عمي و أخبره بالموضوع فقال زوجها أنه لم يتفطن باي تغير طرأ عليها.

 

أصبحت عائلتي تخاف من تلك المراة المسكينة لانها كانت تدخل بيتنا عندما ياتي المساء وقد أصبحت عدوانية . أمسكت امي و أحد الجيران بها واخذاها الى زيارة احد اضرحة الصالحين و لكنها فرت منهم و وجدا صعوبة كبيرة في ارجاعها الى بيتها . ازدادت حلة المغتربة سوءً مما دفع بوالديها ان يستقلا الطائرة و يعيدا ابنتهما الى فرنسا ،أما زوجها فقد عاد الى بيت عائلته و بقي البيت محل استفهام كبير لدرجة ان اشاعة انتشرت في الحي بأن البيت مسكون . و كان زوجها يتصل بالهاتف ليطمئن على صحتها واخبارها ، فصعق ذاث يوم عندما قيل له بأن زوجته قد انتحرت بان رمت بنفسها من الشرفة .

 

التيقت مع الزوج بعد مرور عشرين عاما و عادت بنا الذكريات الى تلك الأيام المخيفة فقال لي “ان زوجتي تركت لي رسالة بخط يدها قبل أن تموت” فقلت له : “اذا كان بالامكان ان اقراها لان هذه القصة اثارت اهتمامي” ، فقال بدون اكتراث : “لقد أضعت الرسالة” ، فقلت باستغراب وماذا كتبت لك ؟ ، فقال : ” لم اتمكن من قرائتها وضاعت مع اشيائي الخاصة” . أذكر ان امي قالت لاختي بانها رات كابوسا مفزعا بعد ايام من قطع شجرة التين ، ( رأت رأسا مخيفا كان مقطوعا والدماء تقطر منه من نافذة البيت) . أوصيكم يا من يوجد في بيته شجرة ألا يقطعها .. و الله أعلم .

 

تاريخ النشر : 2015-04-12

guest
31 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى