أدب الرعب والعام

لا تستديري! – الجزء الثاني والأخير

بقلم : تامر محمد – مصر
للتواصل : https://www.facebook.com/tamertemolion

لا تستديري
يبدو الأمر وكأن شخص ما يراقبني ولكن حين أستدير لا أجد أحدا! 

قطعت نسيم رحلتها إلى منزل ميرنا للقاء هناء ، على الرغم من أنها أبلغت ميرنا أن لديها خطط لرؤية هناء إلا أن نسيم لم يكن لديها مثل هذا الاجتماع المخطط له ، لكن كون ميرنا وخلود يعرفان بعضهما بعضاً فهذا أمر يجب أن تسمعه هناء ، فاتفقت الاثنتان في الهاتف على الاجتماع في المقهى للتحدث ، قالت هناء وهي تحرك مخفوق الحليب بقصبتها “كانت ميرنا صديقةً لخلود عندما كانتا صغيرتين ، هذه معلومات يمكننا استخدامها” ، “كيف؟” سألتها نسيم ، “يمكنني أن أقول أن ميرنا تستعد للقيام بشيءٍ غبي ، حتى أنها قد تفكر في الذهاب إلى الشرطة ، ولكن إذا حصلنا على هذه الصورة وأريناها للشرطة فقد يؤدي ذلك إلى التوقف عن مضايقتنا وصب تركيزهم فقط على ميرنا ، هذا يدل على أن ميرنا كانت على صلة بخلود ، في حين أن كلتانا لا علاقة لها بها مباشرةً” ، “الشرطة؟ لا أعتقد أننا يجب أن نشاركهم في هذا” ، قالت هناء “هؤلاء لا يعرفون ما هي مهمة الشرطي أصلاً! ، لقد ظلوا يحشرون أنوفهم في شؤوننا منذ ذلك اليوم ، هذه هي الطريقة الوحيدة لحملهم على تركنا بمفردنا”.

“ولكن ماذا لو لم تصدقنا الشرطة؟ لا توجد طريقة لإثبات أن الصورة حقيقية ، يمكن أن يتهموننا بتزويرها ، سنبدأ في الظهور بمظهر مذنبات أكثر من ذي قبل إذا حاولنا أن نجعل ميرنا تبدو المسؤولة الوحيدة” ، “حسنا ماذا تقترحين أن نفعل؟ هاه؟” ، “إذا استطعنا الحصول على تلك الصورة فيمكننا التهديد بالذهاب إلى الشرطة إذا قررت ميرنا الاعتراف” قالتها نسيم “أعلم أن الأمر يبدو قاسياً ، ولكن علينا أن نفعل كل ما يلزم لضمان ألا نلوم بعضنا البعض على ما حدث” ، “كيف تنوي الحصول على الصورة؟” سألتها هناء ، “دعينا ننتظر حتى تعود إلى المدرسة ، رأيت الصورة مع واجباتها المدرسية ، أنا متأكدة من أنها ستحضرها معها إلى المدرسة” ، “حينما تأتي سنستخدم الصورة لابتزاز ميرنا لإبقاء فمها مغلقاً ، إنها خطة جيدة كان يجب أن أتوصل إليها بنفسي” ، ثم تناولت هناء قطعة من كعكتها وتقول “مذاق الشوكولاتة أفضل عندما تعلمين أنكِ ستعيشين حياةً طويلة آمنة وتنفذين المشيئة التي أرادها الله تعالى” ، “هناء هل تعتقدين حقاً أن إسراء قتلت نفسها؟”.

أجابت هناء “بالطبع فعلت ذلك ، لقد رأيت كم كانت غريبة الأطوار لقد كانت مبدعة في التمثيل! ، لم تستطع التكيف مع الذنب ، لكن الشيء نفسه لن يحدث لنا مفهوم؟ ، عليكِ فقط أن تقولي لنفسك أننا لم نرتكب أي خطأ لكن لماذا تسألين؟ ، هل تعتقدين أن شيئاً آخر حدث في تلك الليلة؟” ، هزت نسيم رأسها لتجيب “لا” ، بعد أيامٍ قليلة عادت ميرنا إلى المدرسة ، كان هناك أكثر من بضع نظرات غريبة من زميلات الدراسة وكذلك همسات خلف ظهرها ، سمع الجميع كيف كانت هي التي اكتشفت جثة إسراء ، وكان معظمهن يعتقدن أنها أكثر من مجرد مشبوهة ، خلال الفسحة بين الحصص دعت نسيم ميرنا إلى السطح لإنهاء الحديث الذي بدأوه قبل بضعة أيام ، “أتعلمين؟” قالتها نسيم وهي ممسكة بإحكام بالسياج المحيط بالسطح “كنت أشعر بهذه الأحاسيس الغريبة مؤخراً ، يبدو الأمر وكأن شخصاً ما يراقبني ولكن عندما أستدير لا أجد أحداً ، أسميها تأنيب الضمير أو حتى جنون بالشك ، ولكن مهما حاولت بشدة لا يختفي هذا الشعور”.

“هل كنتِ تفكرين في الاعتراف؟” سألتها ميرنا “هل فكرتي في إخبار الشرطة؟” ، كان الافتقار إلى إجابة ضاراً تقريباً كالإجابة بنعم! ، أمسكت نسيم ميرنا من كتفيها قائلةً “لا يمكنكِ التفكير في القيام بذلك ، ليس في وقت مثل هذا ليس لدى الشرطة أي دليل على أن لدينا أي علاقة بما حدث لخلود ، مع مرور الوقت سيتلاشى كل هذا” ، عندما تحدثت نسيم وميرنا على السطح بدأت تصيب هناء نوبة جنون بخصوص حقيبة ميرنا ، لم يستغرق الأمر وقتاً لتجد الذي كانت تبحث عنه ، قالت بابتسامة صفراء على وجهها “كم هما جذابتان” ، يجب أن يكون هاتان الاثنتان صديقتين حميمتين ، أتساءل كيف كانت ستشعر خلود لو علمت ما الذي ستفعله ميرنا بها عندما يكبران ، “عليكِ أن تعديني أنك لن تعترفي بما فعلناه” قالتها نسيم “بغض النظر عن مدى اعتقادكِ أن الاعتراف سيحرر روحك من الشعور بالذنب فلن يحدث إلا الأشياء السيئة ، ما حدث لإسراء لن يحدث لبقيتنا” ، “لكن …” أرادت ميرنا أن تخبر نسيم أن ما حدث لإسراء لم يكن نتيجة لتأنيب ضمير بل نتيجة لروح الانتقام ، ولكن اعتقاداً منها أن نظريتها القائلة بأن الأمر كان خارقاً هو السبب في أنه سيتم رفضها على أنه هراء ، لذلك اختارت ميرنا الاحتفاظ بما كان عليها أن تقوله لنفسها.

وصلت هناء بعد ذلك بوقتٍ قصير وقالت “شعرت أنني سأجدكما هنا في الأعلى” ، بدت وكأنها لم تكن تهتم لشيء “أهلاً يا ميرنا خمني ماذا وجدت؟ دعيني أعطيكِ تلميحاً إنه شيء سيعمل على التأكد من عدم تعرض أي منا للمتاعب” ، ثم سحبت صورة ميرنا وخلود من خلف ظهرها ، “ماذا تفعلين بهذه؟” سألتها ميرنا التي قامت بمحاولة يائسة لاستعادة الصورة ، لسوء الحظ لم تستطع أخذها الآن ثم لجأت إلى نسيم “هل أخبرتيها بذلك؟! لماذا؟!” ، قالت نسيم “لقد كان ذلك لمصلحتك يا ميرنا ، اعتقدت أنا وهناء أنك ربما تستعدين للذهاب إلى الشرطة ، لذلك كان علينا أن نفعل شيئاً لمنعكِ من القيام بذلك” ، قالت هناء “أخبرتني نسيم عن الحديث الصغير الذي أجريتماه معاً ذلك اليوم ، أخبرتني كيف كنتِ وخلود أفضل صديقات ، لذا إذا كنتي لا تزالين تفكرين في الذهاب إلى الشرطة فسنعرض لهم هذه الصورة التي تثبت أنكِ تعرفين خلود ، كل ما علي فعله أنا ونسيم هو قول الحقيقة التي لم نكن نعرفها على الإطلاق ، لن يكون هناك أي شيء يمكن أن تفعله الشرطة حيث سيتعين عليهم تبرئتنا بينما تتحملين كل التهم”.

“لا تحزني يا ميرنا” قالتها نسيم “الآن يمكننا المضي قدماً أخيراً” ، قالت ميرنا “لا أصدق أنكِ أخبرتيها” ، قالت هناء “لا يجب أن تحتفظي بالأسرار ، إنه ليس أمراً مليحاً ، يجب أن تخبركِ الصديقة الجيدة دائماً بكل شيء مثلما فعلت نسيم تماماً معي” ، “قلتي لها كل شيء؟” سألتها ميرنا “حتى عن الشبح؟” ، فانتفخت عيني نسيم ، “الشبح” سألت هناء “ما الذي تتحدثين عنه؟” ، بعد عدم تلقي إجابة من ميرنا التفتت هناء إلى نسيم “ما الذى تتحدث عنه؟” ، كانت نسيم مترددة كميرنا في الرد على مثل هذا السؤال “أجيبيني” ، فردت نسيم “تعتقد ميرنا أن شبح خلود هو الذي قتل إسراء ، ولم تمت انتحاراً كما يعتقد الجميع” ، “هل أنتِ جادة؟” سألت هناء التي بدأت بالضحك “لا يمكنك أن تكوني هكذا … هذا أغبى ما رأيت في حياتي” ، أوقفت هناء نفسها قبل الانتهاء من الضحك! ثم سرحت البهجة التي كانت تظهرها للتو بعيداً! ، “لابد أنكِ مجنونة لتفكري في هكذا أمور ، هل هذا هو ما تبغينه هل تريدينا أن نعتقد أنكِ مجنونة؟!”.

وبدلاً من النظر إلى عيني هناء الغاضبة غيرت ميرنا مسار نظرها إلى الأرض ، “إذا اكتشفت الشرطة ما حدث في ذلك اليوم فسوف تحكين قصتك بأن خلود عادت لتبحث عن الانتقام ، حينها سينتهي بكِ الأمر بحمايتك في ملجأ بينما يُحْكَم علي أنا ونسيم بعقوبة الإعدام ، ستضحكين بينما أنا ونسيم معلقتين!” ، فقالت ميرنا “كلا هذا ليس صحيحاً” ، “مهلاً يا نسيم خطة ميرنا جيدة للغاية ألا تعتقدين ذلك؟! ، ربما يجب أن نتبع خطوتها” ثم أشارت هناء إلى ميرنا “انتبهي هناك شبحٌ خلفكِ ، مهما فعلتي لا تستديري وإلا سينتهي بكِ الأمر مثل إسراء” ، فصرخت ميرنا واندفعت نحو هناء قائلةً “اصمتي” ، فتخطت هناء ميرنا متجاهلةً هذا الهجوم المتهور منها مما أدى إلى سقوط ميرنا على الأرض ، “هل تريدين حقاً القيام بذلك معي؟” سألتها هناء “حتى لو كان هناك شبح سيكون هو أقل مشاكلك! ، أنا الشخص الذي يجب أن تخافين منه!” ، قالت نسيم “هيا يا هناء دعينا نذهب” ، فقالت هناء “كان من الأفضل أن تأخذي ما قلته على محمل الجد”.

على الرغم من أن كل ذلك استغرق ساعة إلا أن الظلام بدأ يستولي على المدينة! ، انتهت نسيم للتو من الحصص لكنها بقيت أطول من المعتاد في هذا اليوم وهي تناقش الملاحظات مع زملائها ، في مسيرتها إلى المنزل قررت أنه سيكون من الجيد الاتصال بوالدتها وإخبارها بأنها ستعود إلى المنزل في وقتٍ متأخر ، “أمي لماذا لم تتصلي بي؟” سألتها نسيم لأنها لم تتلق أي رنة من الهاتف المنزلي “أنتي كسولة جداً يا أمي” ، فلم ترد ثم عاودت الاتصال لكن الرنين هذه المرة قد توقف فجأة حيث فقدت نسيم الاستقبال على هاتفها الخلوي ، حاولت نسيم وهي ترفع هاتفها في الهواء عبثاً استعادة الإشارة قائلةً “هاتفٌ أحمق! ، فقط عندما أكون في أمس الحاجة إليك لا تعمل!” ، أثناء نزهة نسيم إلى المنزل ، كانت المتاجر التي مرت بها مغلقة ومع إطفاء الأنوار خلق هذا جواً جيداً لشخصٍ ما بالاختباء بعيداً عن أعين البشر! ، غير قادرة على التخلص من الشعور بأن شخصاً ما كان يراقبها فنظرت نسيم بخوفٍ خلفها ، كان هناك إضاءة كافية من إنارة شارع قريب للكشف عن شخصٍ ما يقبع في الظل ، كان هذا الكائن لا يقوم بأي حركة على الإطلاق ، كل ما فعله هذا الغريب هو التحديق في نسيم ، هذا ما دفع نسيم إلى أن تسرع الخطى.

على الرغم من أنها لم تسمع سوى خطواتها إلا أن نسيم كانت متأكدة من أن من يراقبها كان يتابعها الآن ، ركضت نسيم بأسرع ما يمكن ولم تتوقف حتى نفدت طاقة جسدها بالكامل ، استغرق الأمر كل أونصة من الشجاعة التي كانت تملكها بداخلها! ، لكن نسيم نظرت إلى الوراء في نهاية المطاف لمعرفة ما إذا كان ملاحقها لا يزال وراءها ، من أجل راحتها لاحظت أنه لا يوجد أحد! ، وبينما كانت تلتقط أنفاسها ألقت نسيم نظرة خاطفة على نفسها في مرآة المرور ، كانت خلود تقف وراء نسيم في انعكاس المرآة ، عند رؤية نسيم لفتاة تعتقد أنها ميتة تقف وراءها مباشرة انهارت وفقدت وعيها في الشارع ، لم تستيقظ نسيم حتى صباح اليوم التالي ، وتم العثور عليها من قبل فاعل خير نقلها إلى أقرب مستشفى ، ثم استجوبتها الشرطة بعد استيقاظها ، وبعد ظهر اليوم قامت بزيارة هناء ، بدلاً من بدء الزيارة بالسؤال عن كيفية تصرف نسيم في هذا الموقف أرادت هناء معرفة كيف انتهت زيارة الشرطة “لم يرسلوا هذين المعتوهين مرةً أخرى ، أليس كذلك؟” هي سألت “كما لو أنهما لم يرتكبا أي خطأ في حياتهما وكأنهما ملكين!”.

أجابت نسيم “لا ، أرسلوا زوج من المباحث لكنهما امرأتان! ، يعتقدون أن هذه كانت حالة مطاردة ، يظنون أن من وجدني ربما خاف في لحظةٍ ما أو تراجع قبل أن يتمكن من فعل أي شيء” ، “ذلك جيد ، لكني متأكدة من أن هذين الأضحوكتين المدعوان الضابط محمد وإبراهيم سيكتشفان ذلك ثم سيبدآن مرةً أخرى بعرض كل أسئلتهما!” ، قالت نسيم التي بدت مترددة في استئناف كلامها “هناء” ، “ماذا؟” ، “ألا تعتقدين أنني مجنونة ، فقبل أن أفقد الوعي ظننت أنني رأيت خلود” ، “لا تقوليها أنتي أيضاً؟!” قالتها هناء التي بدت مستاءة للغاية من قصة أخرى عن الفتاة التي عادت من القبر! “انظري أنا لا أعرف ماذا أقول لكِ لكنكِ لم تري خلود ، ربما كنت مرهقة ، لا أعرف لكن خلود ماتت” ، فأضافت نسيم “ربما كانت ميرنا على حق”.

“هل أنا الوحيدة العاقلة هنا؟! ماتت خلود وقتلت إسراء نفسها ، وكنتِ خائفة لدرجة أنكِ هلوستي! وميرنا عقلها فارق رأسها تماماً ، لقد وضعت هذه الفكرة في ذهنكِ أن خلود تحاول الانتقام ، ألا تعتقدين أنه لو كان هناك شبح بالفعل لرأيتُه أنا أيضاً؟! كنت هناك عندما ماتت خلود فلماذا لم يظهر لي هذ الشبح؟! ، هاه هل يمكنكِ تفسير ذلك؟” ، “لكنني رأيتها” ، “توقفي عن قول ذلك!” صاحت هناء “فقط توقفي ، إذا لم تتوقفي عن الادعاء بأنه يمكنكِ رؤية القتلى فلن أكون صديقتكِ ، لن أجد صعوبة في العثور على أصدقاء جدد لا يدعون أنهم رأوا الموتى أتفهمين؟” ، قالت نسيم “أنا آسفة” ، قالت هناء “أياً كان ما حدث لا تخبري ميرنا بما رأيتيه ، سيجعلها ذلك تفكر فقط في القيام بشيء أبله” ، شعرت نسيم بحالة جيدة بما يكفي للعودة إلى المدرسة في اليوم التالي ، كانت هناء فقط هي التي تعلم بما حدث لها ، وبموجب أمرها الصارم سيبقى الأمر على هذا النحو!.

وبينما تجلس على مكتبها وتنتظر بدء الحصة سألتها إحدى زميلاتها في المدرسة سؤالاً كانت تأمل ألا تسمعه! “مهلاً يا نسيم ، أين كنت بالأمس؟” سألتها الفتاة “هل كنت مريضة أو شيء من هذا القبيل؟” ، بالانتقال إلى هناء فقد نظرت إلى نسيم نظرةً قاسية ، فأجابت نسيم “لقد أصبت بالأنفلونزا ، لذلك قررت البقاء في المنزل” ، “حسناً لا تعطيني أي شيء يخصكِ فأنا لا أريد أن أمرض!” ، عندما وصلت ميرنا ذهبت على الفور إلى نسيم وقالت وهي تأتي إلى صديقتها من الخلف “نسيم” ففزعت حينما سمعت نسيم صوتاً قريباً جداً من أذنها المشدوهة يقول”آسفة بشأن ذلك ، هل تسمحين لي بالحديث معكِ؟ لدي شيء أريد أن أخبرك إياه” ، فجاءت هناء لتقطع الحديث ثم قالت “نسيم تعالي معي ، لدي شيء أريد أن أريكِ إياه” ، لم تستجب نسيم أبداً لعصيان أوامر هناء! فأزعنت لهناء وطلبت من ميرنا قائلةً “آسفة يا ميرنا ، أنا مشغولة قليلاً الآن ، ربما نتحدث لاحقاً” ، تذهب الفتاتان إلى الرواق ثم تخبر هناء نسيم بما يدور في خلدها وقالت “لا أعتقد أننا يجب أن نكون صديقتان لميرنا بعد الآن ، إنها ليست نفس الشخص الذي كانت عليه في السابق ، لا يجب أن يكون لدينا مزيد من التواصل معها”.

تمكنت نسيم من النظر إلى ميرنا من خلال المدخل ، كانت تجلس على مكتبها وتبدو وكأنها ليس لديها صديقة في هذا العالم “لكن ميرنا صديقتنا” ، “لا لقد كانت صديقةً لنا أتفهمين؟” ، فأجابت نسيم “حسناً” ثم قامت بإلقاء نظرة خاطفة أخرى على ميرنا ، وعندما فعلت ذلك وجدت خلود واقفة خلفها ، فبدأت عينا نسيم تبرز ، قالت هناء التي كانت غافلة عن الرعب الذي حاق بنسيم “لا تحزني عليها ، سوف تجد أصدقاءً جدد ، وبالنسبة لنا فأعتقد أننا يجب أن نبدأ بالتسكع مع بعض الفتيات في فريق السباحة ، أسمع الكثير عن أن آبائهن يمتلكون مشاريع تجارية ضخمة” ، تتجه يد خلود إلى كتف ميرنا ببطء ثم تصيح نسيم “ميرنا” ، لم تجذب نسيم انتباه ميرنا فحسب بل لفتت انتباه الجميع في الفصل بما في ذلك اللواتي في الردهة كما لو أنها لم تكن هناك من قبل! ، ولم تكن خلود موجودة في هذه اللحظة ، “ما مشكلتكِ؟!” سألت هناء وهي تسحب نسيم من عند الباب حتى لا تتمكن ميرنا من رؤيتها ثم قادتها بقوة إلى منطقة غير مأهولة في الردهة “لماذا فعلتي ذلك؟ ، هل ما زلتي تريدين أن تكوني صديقةً لها ، هل ستختارينها حتى ولو على حسابي بعد كل ما قمت به من أجلكِ؟ ، بسببي ما زلنا أحراراً ، لا تنسى ذلك ، هل تفهمينى؟”.

“لكن …” ، قالت هناء “لا مزيد من مناقشة هذا الأمر! ، ألا ترين أنها ذات تأثير سيء؟! ، إنها تضع كل هذه الأفكار في رأسكِ ، انظري إلى نفسكِ تبدين كالمجنونة ، لقد جعلتكِ تعتقدين أنك ترين الأشباح ، لا يهمني إذا كان عليّ أن أبدأ بمراقبتكِ مثل الصقر ولكني سوف أتأكد من ابتعادكِ عن تلك الفتاة اللعينة” ، عندما انتهت المدرسة قادت هناء نسيم بإمساك ذراعها ، فأمسكت بهما ميرنا بينما كانا يشقان طريقهما إلى البوابة الأمامية ، صاحت ميرنا وهي تندفع إليهما بسرعة “نسيم انتظري” ، فقالت هناء “ليس لدى نسيم ما تقوله لكِ” ، “لكنني بحاجة للتحدث معها في أمرٍ هام” ، “اتركينا وشأننا!” صاحت هناء “ألا يمكنك القول أننا لا نريد أن نكون صديقتان لكِ بعد الآن! لماذا لا تتركينا وحدنا أيتها الغريبة؟! ، اذهبي وقصي قصصك المجنونة على شخصٍ يهتم! ، بفضل ما قلتيه لنسيم أصبحت الآن مجنونة مثلكِ تماماً! ، الآن يجب أن أعتني بها وكأنها طفلة ، هل تعتقدين أنني أحب القيام بذلك؟ أنا أكره دور الأمومة هذا! لذا ابتعدي عنا بحق الجحيم!” ، وبهذه الطريقة قادت هناء نسيم بغضب إلى خارج أرض المدرسة ، أثناء مغادرتهما نظرت نسيم إلى ميرنا ، تعابير وجهها تبدو كما لو أنها كانت بحاجة ماسة إلى مساعدة ميرنا.

عندما وصلت هناء ونسيم إلى منتصف الطريق على الرصيف ابتعدت هناء عن صديقتها بضعة أشبار وأدارت لها ظهرها قائلةً “انظري إلى ما قلته هناك ، لم أقصد ذلك ، لقد جننت للتو ، لم أقصد أن أقول هذه الأشياء عنكِ ” ، فردت نسيم “لا بأس” ، “الحقيقة هي أنني لا أعتقد أنك عبء على الإطلاق ، أنتي أقرب صديقة لي ، لم أشعر بهذا الشعور أبداً حيال إسراء ولم أشعر بهذا الشعور أبداً بشأن ميرنا أيضاً ، أنا بحاجة إليكي يا نسيم ، إذا حدث لكي أي شيء فكيف سأشرح للشرطة ، اثنتان من المشتبه بهن الرئيسيتين في الحادثة يموتان ، سأشعر بالذنب حيال ذلك” ، لقد عبرت مشاعر هناء الكاذبة من خلال آذان صماء! حيث تم جذب انتباه نسيم الكامل من قبل شيءٍ آخر! ، من خلال نافذة متجر قريب يمكن لنسيم أن ترى خلود وهي تراقبها ، وفي غمضة عين انتقلت خلود من وراء نافذة المتجر إلى وراء هناء مباشرةً ،وفي طرفة عين أخرى اختفت خلود ، “ما خطبكِ الآن؟” سألت هناء “هل كنتي تنصتين لي؟ ، هل سمعتي حتى أي كلمة قلتها؟!” ، “أين هي؟” همست نسيم ، “عن ماذا تتحدثين؟” ، قبل أن تعرف هناء الإجابة كانت خلود تقف مباشرةً خلف نسيم ، “أنتي؟!” همست هناء وعينيها منتفختين وقلبها ينبض كالمجنونة.

قالت خلود “مرحباً يا نسيم ، لا تستديري” ، وبذلك وضعت يدها على كتف نسيم وعندما حان دورها أدركت نسيم أنها واقفة في منتصف الطريق ، لقد فات الأوان بالنسبة لها للابتعاد عن الطريق الذي تسير فيه الشاحنة السريعة نحوها! ، كانت هناء بحاجة إلى بعض الوقت لتستجمع شتات نفسها فأخذت إجازة من المدرسة لمدة أسبوع ، كان والداها مصرين على عدم إزعاجها من قبل أي شخص بينما تتعافى من صدمة ما شاهدته ، حتى الضباط لم يسمح لهم بالتحدث معها ، عندما اعتبرت هناء نفسها مستعدة أخيراً للعودة إلى العالم الخارجي قام الضابطان إبراهيم ومحمد بزيارتها في المدرسة ، ثم أخذاها إلى مكتب فارغ ، على عكس المقابلات الأخرى التي أجرتها ، كانت هناء أقل ثقة في نفسها ، تم استبدال تلك الفتاة النرجسية بشخصٍ بدا خمولاً ويائساً في أحدث موقف له بعد الخروج من مرحلة الاكتئاب الذي مر به! ، قال الضابط محمد “آسف لأننا وجب أن نلتقي مرةً أخرى في ظل هذه الظروف ، ولكن إذا كان لديكي أي معلومات تقدميها لنا فسنكونان ممتنان لكِ “.

قال الضابط إبراهيم “لم أقضِ الكثير من الوقت في المدرسة حتى عندما كنت طالبًاً! ، ما الذي حدث هذه المرة؟” ، فأجابت هناء “لا أعرف ، أنا لا أعرف أي شيء” ، “يقول الشهود إنهم رأوكي تتحدثين إلى الضحية مباشرةً قبل أن تسير في الطريق ، هل قلتي شيئاً أزعجها؟” ، فأجابت هناء “لم أقل لها شيئاً” ، قال الضابط إبراهيم “لم تمشِ في الطريق صدفة ، لقد حان الوقت بالنسبة لكي لتبدأي في إخبارنا بالحقيقة ، انظري الى نفسك ، تبدين وكأن أحدهم قادم ليثأر منكِ ” ، ثم سحب الضابط إبراهيم سيجارة وأشعلها ، لم تكن الحقيقة أنه يريد سيجارة بل كانت وسيلة لمنح هناء الوقت للتفكير في ما قيل لها للتو ثم قال “لقد رأيت الكثير من الناس في مثل وضعك ، عادة لا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً في حالات الانهيار النفسي” ، قالت هناء التي كانت تحاول أن تتحدّاهما لكنها كانت أقل إقناعاً بكثير من اللقاءات الماضية مع الضابطين “ليس لدي أي شيء أقوله لكما ، يقتل الناس أنفسهم وهذا أمر معتاد ، هذا لا يمنحك الحق في مضايقة الناس بهذه الطريقة المزعجة”.

قال الضابط إبراهيم “انتحرت اثنتان من صديقاتك مؤخراً ، وكانت كلتاهما من المشتبه بهن في حادثة موت خلود ، لا يمكن أن يكون ذلك صدفة” ، قال الضابط محمد “هناء إذا كنتي تعرفين شيئاً فيمكننا أن نعلم المحكمة بأنكي تعاونتي معنا ، سنسهل عليكي ذلك لأنك قاصرة -دون سن الأهلية- ولديكي سجل نظيف ، هذه ليست نهاية الحياة بالنسبة لكي” ، “ما هذا الهراء؟!” سألت هناء “تريدني أن أعترف بشيء لم أفعله؟ قتل اثنتان من صديقاتي أنفسهما ، لكل شخص أسبابه التي دفعته لذلك” ، “مثل الحبيب الذي كان السبب في موت إسراء؟!” سألها الضابط إبراهيم ساخراً “أين قصتكي التي ستبتكرينها هذه المرة؟!” ، فصاحت هناء قائلةً “لست مضطرةً إلى تحمل هذا ، عندما أصل إلى المنزل الليلة سأخبر والدي أن يقاضي كلاكما على كل ما تستحقانه” ، بعد انتهاء المقابلة ذهبت هناء إلى الحمام لرش بعض الماء البارد على وجهها ، ارتجفت يداها بشدة عندما رفعتهما إلى وجهها ، وفي المرآة وجدت هناء أنها لم تكن الوحيدة التي تنعكس صورتها! ، فقد كانت خلود تقف خلفها.

لم تستطع هناء أن تفعل شيئاً أكثر من إغلاق عينيها والارتعاش بشكلٍ ملحوظ! ، كانت هناء تنتظر نفس المصير الذي أصاب كلاً من إسراء ونسيم ، “ماذا تريدين مني؟” سألتها هناء التي بدأت تذرف الدموع “لم أفعل أي شيءٍ لكي ، لقد كانت تلك فكرة إسراء ونسيم ، كنت معهما عندما فعلا ذلك ، لا يمكنكي لومى ، يجب إلقاء اللوم على ميرنا أيضاً ، إذ أنني حاولت وضع حد لما كان يحدث لكنها لم تسمح لي” ، قالت خلود وهي تضع يدها على كتف هناء “مرحباً يا هناء ، لا تستديري” ، وعلى عكس ما قامتا به إسراء ونسيم فقد رفضت هناء الالتفاف ، فبقيت على وضعها المخيف حتى فُتِحَ باب الحمام ، فدخلت فتاتان تتحدثان بصوتٍ عالٍ ، ثم قالت إحداهما “هناء ، كيف حالكِ؟” ، ثم فتحت عينيها بخوف ونظرت إلى المرآة فاكتشفت أن خلود لم تعد خلفها ، تدور هناء حول نفسها لكنها لاحظت أن الفتاة التي جاءت لتطالب بحياتها لم تكن موجودة! ، فهرعت هناء إلى الخارج دون أن تنتبه للفتاتان اللتان دخلتا للتو.

السلوك الموحش الذي كان واضحاً جداً في هناء لم يكن متاحاً رؤيته على مدار اليوم! ، فقد بدت وكأنها شخص مختلف تماماً ، كان السر وراء تغيير شخصيتها المعجزة أنها كانت تعتقد أنها محصنة من غضب خلود ، بعد أن نجت من اللقاء مع هذه الروح المنتقمة كانت هناء متأكدة أنه لم يبق لها شيء تخافه ولا تغضب بشأنه لأنها أصبحت تدرك أن رفض الالتفاف يساراً لن يجعل لخلود عليها سبيلاً وبالتالي لن تأخذها خلود إلى النسيان الأبدي! ، في مسيرة العودة من المدرسة وجدت هناء خلود تراقبها من الشارع ، هذا الفعل الذي يعتبر الأكثر إخافة لإسراء ونسيم لم يكن كذلك بالنسبة لهناء ، لذلك كانت متأكدة من أنها كانت خلود لدرجة أنها ابتسمت ابتسامة عريضة لعدوها الشبحي ثم استمرت في طريقها! ، مع غياب الأسبوع الأخير من المدرسة تأخرت هناء كثيراً في دراستها ، لم تكن قادرة على المشاركة في أي أنشطة احتفالية بعد المدرسة وبدلاً من ذلك قضت لياليها مغلقة غرفتها على نفسها لتلحق بأداء واجباتها المدرسية التي فاتتها.

في هذه الليلة وبينما كانت هناء تؤدي واجباتها أصبحت على وشك الإرهاق في مكتبها ، بالكاد استطاعت إبقاء عينيها مفتوحتين ، لكنها أفاقت من حالتها الخاملة عندما سقطت صورة لها من على الحائط ، فعرفت هناء على الفور من هو الزائر لغرفتها! ، كانت تعلم أن خلود جاءت للقيام بتجربة أخرى على حياتها ، “تعالي لإنهاء ما بدأتيه؟” سألت هناء “لا تزعجي نفسكِ ، أنا أعرف كل شيءٍ عنكي الآن ، لا يمكنكي فعل أي شيء لي إذا لم أستدر ، أليس كذلك؟!” ، كان الافتقار إلى إجابة أكثر من كافٍ للرد على هناء! ، قالت هناء “تماماً كما توقعت ، كان يجب أن تعرفي أنني لست غبية كالأخريات ، إذا كنتي قد ظهرتي خلفي أولاً فلربما قد نجحت هذه الفكرة ، لكنني تعلمت من الأخطاء التي ارتكبتها الأخريات ، مهلاً لماذا لا تذهبين إلى ميرنا بدلاً مني؟ ، لقد كانت على حافة الهاوية مؤخراً ، أراهن أنكي لن تواجهي أي صعوبة في القضاء عليها” ثم بدأت هناء بالضحك “لقد كانت كل فكرتي هي إغرائك للذهاب هناك ، الأخريات ليس لهم علاقة بهذا الأمر ، لكنهن في نفس الوقت لم يحاولن منعي ، لأن الناس يخافون مني مثلما يجب أن تهابيني أيضاً”.

وصلت يد خلود إلى كتف هناء لكنها سحبتها مرةً أخرى ، “لا شيء يقال؟ هذا ما توقعته ، لماذا لا تسدين لي معروفاً وتعودين إلى الجحيم الذي تنتمين إليه؟ ، فلا يوجد شيء يمكنكِ القيام به هنا!” ، فتلاشت خلود في الظلام ، مرت الأيام القليلة التالية دون وقوع أي حوادث ، لم تكن هناك مشاهدات لخلود ولم تكن هناك أي علامات على أنها كانت حاضرة ، يبدو أن الأمر برمته قد تم اختلاقه في النهاية ، ولكن في مسيرة هناء إلى المنزل من المدرسة ذات يوم تكتشف طريقة الموت التي لم ترها من روح غاضبة! ، ففي انتظار عبور الشارع ، وجدت هناء نفسها فجأة تشعر بوجود شيء مألوف وراءها ، كان هناك آخرون حولها مما جعلها غير قادرة على الإدلاء بأي ملاحظات ، فبذلت هناء قصارى جهدها لتجاهل خلود ، وانتظرت بفارغ الصبر أن يتحول الضوء إلى اللون الأحمر.

يدٌ ما تمسك هناء من كتفها فتفاجأت هناء ورغم ذلك فقد بقيت هادئة ، لكن الهدوء لم يدم طويلاً حيث تم دفع هناء بعيداً عن الرصيف إلى الطريق ، تم دفعها بقوة كافية لتسقط طريحة الأرض ، ثم أتت شاحنة مسرعة بعد الضغط على الفرامل ولكن لم يكن من الممكن التوقف في الوقت المناسب! ، لحسن حظ هناء لم يتم دفعها بعيداً جداً عن الرصيف مما يجعل من الممكن لرجل ينتظر عبور الشارع أن يسحبها إلى بر الأمان قائلاً “هل أنتي بخير؟” سألها “لماذا قفزتي إلى الشارع؟ هل تحاولين قتل نفسكِ؟” ، فصرخت هناء متجاهلةً تماماً الرجل الذي أنقذ حياتها للتو “أيتها الحقيرة ، لا يمكنكي فعل ذلك! لا يمكنكي تغيير القواعد!” ، ثم بدأت تبحث عن خلود مصدر إحباطها ، لكن كل ما وجدته هناء كان حشداً من المتفرجين الفضوليين! ، أدركت هناء أنها أصبحت غريبة في نظر الجميع لذلك هرعت بعيداً ، إن ما يسمى بتغيير القواعد لم ينته بهذا الفعل الواحد فقط ، فلعدة أيام تعرضت هناء للعديد من الدفعات العشوائية من قبل خلود ، حدثت معظمها في المدرسة حيث أجبرت هناء على أن تبدو حمقاءً تماماً أمام جميع أقرانها على ما يبدو من دون سبب على الإطلاق ، كانت ستسقط تقريباً من على الدرج ، وتسقط أثناء الجري في حصة التربية الرياضية أو تقع في منتصف المدخل بينما لم يكن هناك أحد بالقرب منها لإحداث مثل هذا الأمر.

استمتعت جميع الطالبات في المدرسة بسلسلة هناء الأخيرة من السلوكيات الخرقاء! ، لكن ميرنا شعرت باختلافٍ كبير عما شهدته حيث كانت قادرة على رؤية خلود بينما كانت تدفع هناء إلى الأرض ، على الرغم من أن هناء لم تعد تعتبرها كصديقة إلا أن ميرنا شعرت أنها يجب أن تفعل شيئاً لمساعدتها ، قالت ميرنا وهي تمسك بصديقتها في الردهة “هناء” ، “ماذا تريدين؟” سألتها هناء ووجهها في اتجاهٍ آخر ، فردت ميرنا “أعرف أن خلود هي التي تفعل هذه الأشياء بكي” ، ثم قالت هناء قبل أن تستدير ليقابل وجهها وجه ميرنا “هذا ما تريدين التحدث عنه ، جئتي لتفركي فيه ، أليس كذلك؟” ، “كلا أردت فقط …” ، قاطعت هناء ميرنا قبل أن تتمكن من إنهاء ما كانت عليها قوله “هل تعتقدين أنني بحاجة لمساعدتكِ؟ ، حسناً أنا لا أريد منكي شيئاً ، حتى لو طلب منكي المساعدة فلا يوجد شيء يمكنكِ القيام به ، فقط لأنها لم تؤذيكِ لا يعني ذلك أنه يمكنك فعل أي شيء لمساعدتي ، تعتقدين أنكِ إذا طلبتِ منها التوقف فستفعل؟! بالطبع لا لن تتوقف حتى أموت!” ، الغضب الذي كان واضحاً جداً على وجه هناء سرعان ما أفسح المجال للحزن! “لم أفعل أي شيء لأستحق هذا ، أردت فقط إخافتها”.

“إذا سمحتي لي بمساعدتكِ فأنا متأكدة من أنه يمكننا معرفة شيء ما” ، وسرعان ما تم استبدال الحزن الذي أدرك هناء بالغضب “لقد فعلتي هذا بي أليس كذلك؟” هي سألتها ، “ماذا؟” سألتها ميرنا ، “لقد أخبرتيها أن تفعل هذا بي وبالأخريات ، هذا لأنكي كنتي صديقةً لها لهذا السبب لن تؤذيكي” ، “لا هذا ليس صحيحاً” ، “ربما تعودين إلى المنزل ليلاً وتضحكين عليّ من وراء ظهري! ، أردتي أن تعطيني فرصة أخيرة للاعتراف الآن قبل أن تنهيني تلك الفتاة! ، ظننتي أنني لن أعرف ذلك ، لكني ذكية للغاية لدرجة أنني لا أصدق تمثيلك علينا” ، فقالت ميرنا “كلا أنتي مخطئة” ، فردت هناء “أعرف كيف أنهي هذا ، أنتي لا تعتقدين أنني سأكون قادرة على هزيمتها ، ولكن هناك أشخاص متخصصون في هذا النوع من الأمور” ، ثم شقت طريقها إلى ما بعد ميرنا ، واصطدمت بكتفها بخشونة قائلةً “لا تعترضي طريقي مرةً أخرى” ، هرعت هناء إلى طبيبة نفسية بعد المدرسة ، كانت معظم الفتيات في المدرسة على علم بتلك الطبيبة حيث كانت تبحث عنها السيدات الشابات اللواتي يرغبن في معرفة نوع الشاب الذي سيبدأن في مواعدته! ، على الرغم من أن توقعاتها في كثير من الأحيان كانت خاطئة تماماً إلا أنها بقيت كبصيص الأمل لأولئك الذين لم يبقَ لديهم سوى القليل.

كانت هناء متأكدة من أن فكرتها ستنجح في عودة سلوكها المعتاد الذي كانت مألوفة به بمجرد دخولها إلى مؤسسة تلك الطبيبة ، جلست هناء مع الطبيبة العجوز الواهنة أمام طاولة صغيرة ثم استمعت الطبيبة إليها باهتمام ، “إذاً أنتي تقولي أن شبح صديقتك الميتة عاد ليبحث عن الانتقام؟” سألتها الطبيبة العجوز “ماذا فعلتي لها حتى ماتت؟” ، “من قال إن لي علاقة بهذا الأمر؟” سألتها هناء “لقد ماتت وحدها ولم أقل أبداً أنها كانت صديقتي” ، “الروح التي تعود للانتقام لها سبب وجيه دائماً” ، صاحت هناء قائلةً “لم آتي إلى هنا لأُتَّهَم بشيءٍ لم أفعله ، أخبريني الآن عن كيفية التخلص من هذا الشيء أو سأذهب إلى شخص آخر” ، قالت المرأة العجوز “يجب أن تعودي إلى المكان الذي غادرت فيه روح الفتاة جسدها ، لأنه بداية من ذلك المكان وُلِدَ انتقامها من هذا العالم ، هناك حيث يجب عليكي أن تبيدي أي شيءٍ يخصها وبالتالي ستصعد روحها إلى السماء” ، “هل هذا كل ما يتطلبه الأمر؟” سألتها هناء “هل أنتي واثقة؟” ، “هذا كل ما عليكي فعله ، إذا كنتي لا تصدقينني فأنتي حرة في الذهاب إلى مكانٍ آخر ، لكني رأيت هذه الأمور عدة مرات من قبل”.

قالت هناء “لدي صورة تملكها ، فهل ستفلح؟” ، “أجل وخذي الصورة إلى حيث بدأت عثراتك وتخلصي منها ، لأنه بمجرد الانتهاء منها ستزول مشاكلكِ” ، فتهمس هناء قائلةً “سأكون في طريقي للتخلص من هذه الفتاة” ، قبل أن تشق طريقها إلى الشاطئ اتصلت هناء بميرنا وأخبرتها أن تقابلها عند الجرف حيث توفيت خلود ، تأكدت هناء من إخبار ميرنا بأنها ستقوم بتخليص العالم من خلود دفعةً واحدة وإلى الأبد! ، أصبحت السماء التي كانت صافية ذات يوم مليئة بالغيوم السوداء المشؤومة ، وبدأت رياح عاتية تجتاح الشاطئ ، قالت ميرنا التي توقفت على مسافة بعيدة قليلاً من هناء التي كانت قريبة جداً من حافة الجرف تماماً مثل خلود “لا أعتقد أن هذه فكرة جيدة” ، قالت هناء “بالطبع ستقولين ذلك ، أنتي لا تريدين مني أن أفعل أي شيء لخلود العزيزة! ، ولكن لا يمكنكي أن تفعلي أي شيء لمنعي ، ياه يا ميرنا لو أنكي لم تنصحي خلود بالانتقام منا لكان بإمكاننا أن نظل صديقتان ، لكن كان عليكي أن تخونيني ، ربما فعلتي ذلك لإنقاذ حياتكِ لا يهمني حقاً ، ولكن من أجل ذلك فإن علي أن أتأكد من أنكي لن تخونيني مرةً أخرى”.

“ما الذي تتحدثين عنه؟” ، “قبل أن أتصل بكي أرسلت رسالة إلى الشرطة أخبرتهم أنه يجدر بهم النظر في المدرسة الابتدائية التي كانت خلود فيها ، ثم التحقق من المدرسة الابتدائية التي كنتي تذهبين إليها ، لن يكون من الصعب عليهم أن يدركوا أن كلتاكما كان يعرف بعضكما البعض ، هذا وحده سيجعل الشرطة تشتبه فيكي ، بالنسبة لي ليس لدي أي صلةٌ بها ، فأنا لم آتِ حتى للعيش في هذه المدينة إلا في المرحلة الثانوية” ، “لماذا فعلتي ذلك؟” سألتها ميرنا ، “لا تسألي أسئلة غبية! ، ذلك لأنكي أنتي من أرسلتي تلك المشؤومة إلي وكأنها كلبك الخاص!” ، “ما الذي جعلكي تعتقدين أنها لن تفعل الشيء نفسه بالنسبة لي ، ذلك الذي فعلته مع إسراء ونسيم؟!” سألتها ميرنا “كنت هناك عندما ماتت إذاً أنا مذنبة أيضاً” ، “توقفي عن التحدث معي وكأنني لا أعرف ماذا حدث” قالتها هناء وهي تخرج الصورة التي رسمتها ميرنا منذ سنوات ، ثم أخرجت ولاعة وقالت “أنتما الإثنتان كنتما معاً منذ البداية ، لقد حاولتي منعنا من التسلط على خلود ، والآن تريدينا أن نموت بسبب ما فعلناه!”.

“كيف تظنين ذلك بي؟ لماذا كنت أريد أن يحدث أي من هذا؟ كانت إسراء ونسيم صديقتاي أيضاً ، لم أرد لهما أن يموتا” ، “كيف لي أن أعرف لماذا أردتِ أن يحدث هذا؟! ربما لأنكي مجنونة” ، ثم رفعت هناء الصورة وقالت “أين أنتي الآن يا خلود؟ هاه؟ الآن بعد أن عرفتي أن نهايتكِ قريبة تختبئين؟! ، أنتي لا تبدين كشبحٍ بالنسبة لي” ، “أرجوكي توقفي عن هذا” ، “اصمتي!” صاحت هناء “سأثبت لكي أنه لا أحد يعبث معي ، لا أهتم إن كانوا أحياءً أم أمواتاً!” ، وبذلك أشعلت هناء النار في الصورة ، فتمسكت النار جيداً بها حتى لا يتبقى منها شيء! ، ثم تركتها هناء حيث ترقص على أنغام الرياح قبل أن تحترق الصورة إلى لا شيء قائلةً “لقد انتهى الأمر” ، قالت ميرنا “أتمنى أن تكوني فخورةً بنفسكِ!” ، قالت هناء “بالطبع فخورة بنفسي ، ولمَ لا أكون؟ أنا لا أهتم لهذا العالم أصلاً” ، ثم نظرت إلى السماء القاتمة أعلاها قائلةً “ربما سأزوركِ في سجنكِ يوماً ما يا خلود ، كيف ستبدين وأنا أنظر إليكي مأسورة ولا تستطيعين الحراك؟!”.

“أتخشين النظر إلي عندما تقولين هذا؟” سألتها ميرنا “أنا لا أخاف من أي شيء” قالتها هناء قبل الالتفاف حيث توفي هتافها بسرعة عندما وجدت خلود واقفة خلفها قائلةً “كيف ذلك؟!” ، ثم عانقت خلود هناء عناقاً شديداً وألقت بها من الهاوية كما حدث لخلود من قبل ، فاصطدمت هناء بالصخور الصلبة أدناه ، مع الذعر الشديد في كل خطوة شقّت ميرنا طريقها إلى حافة الجرف ، كانت هناء مستلقية على الصخور بالأسفل ، وحتى أثناء موتها كانت هناء تنظر بوحشية إلى ميرنا! ، بعد عودتها إلى المنزل أغلقت ميرنا الحجرة على نفسها ثم أطفأت جميع الأنوار ، كان لديها شعور قوي جداً بأنها ستستقبل زيارة قريباً بعد أن تم تصفية الحساب مع ثلاث من الفتيات الأربع المسؤولات عن وفاة خلود ، كما توقعت بدأت ميرنا تشعر بوجودها خلفها ، كانت تلك هي اللحظة التي كانت ترتعب فيها ولكن في الوقت نفسه كانت ميرنا حريصة على إنهاء اللحظة التي كان الانتظار هو سيدها!.

بدأ قلب ميرنا في النبض بسرعة وكأنه في سباق لأعلى نبضات في الدقيقة! وأصبح تنفسها متقطعاً ، ومع ذلك كانت ميرنا تعلم أن عليها محاربة خوفها ومواجهة صديقتها الراحلة! ، قالت ميرنا وصوتها بالكاد أعلى من الهمس “خلود ، أعلم أن هذه أنتي وأعلم لماذا أتيتي إلى هنا” ثم بدأت الدموع تملأ عيني ميرنا على الفور قائلةً “إذا كان موتي سيشفي غضبك فخذيني كما أخذتي البقية ، أنا دائماً ألقي باللوم على ما حدث لكي ، كنت أعلم أن شيئاً ما سيحدث في ذلك اليوم ، لكنني لم أكن أعرف أن الأمور ستصل إلى هذا الحد ، ومع ذلك لم يكن ينبغي لي أن أخشى لدرجة أنني لا أستطيع إيقافهن!” ، كان هذا الحضور وراء ميرنا يقترب ، فقالت ميرنا “كل ما استطعت التفكير فيه خلال الأيام القليلة الماضية هو كم كان مدى جودة صديقتك! ، كيف لو كنتي مكاني بالتأكيد ما كنتي ستتركي أي شخص يفعل أي شيءٍ لإيذائي” ، كانت يد خلود تقترب ببطء من كتف ميرنا ، فقالت ميرنا “أنتي تستحقين صديقةً أفضل مني” مما دفع خلود إلى سحب يدها “لماذا لا يمكنني أن أكون جيدةً مثلكِ؟!”.

خفضت خلود رأسها كما لو كانت تشعر بنوعٍ من الخجل لما كانت تستعد للقيام به تجاه الصديقة الحقيقية الوحيدة التي كانت تمتلكها على الإطلاق ، قالت ميرنا “لن أنسى أبداً كيف كنا نرسم صوراً لما أردنا أن نكون عندما نكبر ، لم نكن خائفين من إخبار أحلامنا لبعضنا البعض ، هل تتذكرين الصورة التي رسمتها حيث كنتي ممرضة؟ ربما كنتي ستصبحين ممرضة جيدة لكننا سلبنا ذلك الحلم منكي ، لم نقم بإيذائكِ فحسب بل آذينا كل الأشخاص الذين كنتي ستساعدينهم لو أصبحتي ممرضة ، لم يكن بإمكاني مشاركة أحلامي مع هؤلاء الفتيات ، إنهن لم يكن لطيفات مثلك ، لكن هذا اللطف قادكي إلى الاعتقاد بأن الجميع طيبون وكان هذا هو سبب وفاتكِ” ، مرة أخرى تمد خلود يدها إلى ميرنا ، فقالت “افعليها يا خلود ، افعلي ذلك قبل أن أصبح واحدةً من هؤلاء الناس الذين يعيشون فقط لجلب الألم والحزن للآخرين” ، وبلطف استقرت يد على كتف ميرنا وعندما التفتت كان كل ما وجدته ميرنا هو ورقة تسقط ببطء على الأرض ، عند التقاطها اكتشفت ميرنا أنها هي الصورة التي رسمتها والتي يعتقد أن هناء قد أحرقتها.

“خلود” تقولها ميرنا والدموع تغلق عينيها! “أنا آسفة” ، تم إخطار الشرطة بجثة هناء ملقاة على الصخور ، كان الضابطان إبراهيم ومحمد مسؤولين عن التحقيق حيث لم يكن هناك شك في أن وفاة هناء مرتبطة مباشرة بوفاة صديقاتها ، قال الضابط محمد “يبدو أنه لم يتبق لدينا سوى واحدة ، هل تعتقد أن هذه لها علاقة بالرسالة التي أرسلتها هناء إلينا؟ ، ربما أخبرت صديقتها بما فعلته ، وكان هذا هو الثمن الذي دفعته هناء مقابل تلك الرسالة” ، فقال الضابط إبراهيم “لم تخبرنا تلك الرسالة أي شيء لم نكن نعرفه من قبل! ، كنا نعرف في وقتٍ مبكر من تحقيقنا أن الضحية خلود ذهبت إلى نفس المدرسة الابتدائية ، لكنها لا تبدو من النوع الذي سيفعل شيئاً كهذا” ، “يجب أن نتحدث معها ، يبدو من الواضح الآن أنها كانت وراء وفاة الأخريات ، دائماً ما تأتي الجرائم من شخصٍ لا نتوقعه أليس كذلك؟”.

قال الضابط إبراهيم “ربما” ثم يأخذ مجة من سيجارته ويبدأ بالتفكير في ملابسات الحادثة ثم ينظر الضابط إبراهيم إلى حافة الجرف وإلى هناء التي أدت نظرتها الساخطة حتى في الموت إلى قشعريرة أصابت الضابط إبراهيم “هل انتهى الأمر حقاً أم هذا الذي أراه بالأسفل وحش جديد؟!” ، غادرت ميرنا منزلها في وقتٍ مبكر من صباح اليوم التالي لزيارة قبر خلود قبل المدرسة ، لقد أحضرت معها زهرة سوسن بيضاء وضعتها عند شاهد قبر خلود ، دعت ميرنا الله بضم يديها معاً من أجل صديقتها ، حيث قالت “خلود أتمنى من الله أن تنعم روحكِ بالسلام الأبدي” ، كانت ميرنا تفكر في صداقتها بخلود واللحظات اللطيفة التي شاركتها معها بدلاً من الأحداث التي أدت إلى وفاتها وبذلك تمكنت ميرنا من أن تظهر ابتسامتها الجميلة لقبر خلود.

أثناء النظر إلى ساعتها أدركت ميرنا أنها ستضطر إلى الإسراع إذا أرادت الذهاب إلى المدرسة مبكراً ، عندما همت بالرحيل اجتاحت الرياح المقبرة مما أدى إلى توقفها لبعض الوقت ، ويبدو أن شيء ما يحيط بها مباشرةً فشعرت بأن هناك أمرٌ مريب ، ثم نما الشعور إلى مستوى مخيف عندما أدركت أن شخصاً ما يقف الآن خلفها ، قال صوت ارتجفت له ميرنا “مرحباً يا ميرنا” ، كان صوتاً تعرفه جيداً ، صوتاً كان يخيفها دائماً ، ولم يمضِ وقتٌ طويل عندما استقرت يدٌ ما على كتفها بصوت يقول “لا تستديري”.

تاريخ النشر : 2020-07-16

guest
11 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى