أدب الرعب والعام

لعنة الشوكولا

بقلم : فاطمة وهابي – الجزائر

أرى سربا من الفراشات السوداء تطاردني فأنهض مفزوعة
أرى سربا من الفراشات السوداء تطاردني فأنهض مفزوعة

عندما كنت صغيرة كانت لدي أمنية كبيرة أن أمسك فراشة لكن ذلك لم يتحقق و كنت أبكي عندما أرى فراشة فأقترب منها كي أمسكها لكن سرعان ما تطير في اللحظة التي كنت أظن نفسي أمسكت بها فيزداد بكائي و بعد عدة محاولات سئمت و غيرت حلمي هذا ، و بدأت أحلم بأن آكل علبة شكولا وحدي بعد أن رأيت إعلانا تلفزيونيا حول قطعة شكولا على شكل فراشة ، دون أن تشاركني بها أختي الصغرى ، فكنت كل مرة أشتري فيها شكولا يفضحني لونها البني على شفتي او على أصابعي الصغيرة فتفشل خطتي التي كانت الإختباء في الحمام و الإستمتاع بقضم حبات الشكولا بسرعة كانت تفقدني لذة الإستمتاع بها .. فمرت طفولتي و لم أنجح في هذا.

عندما صرت مراهقة حضرت عيد مولد صديقتي و كان هناك الكثير من الشكولا على الطورطة و المشروب المقدم معها الذي كان بنكهة الشكولا… لكني لم أحتمل رائحتها فشعرت بالغثيان و لم آكل منها … فغادرت الحفل مسرعة بعد أن أهديت لصديقتي طوق كان يحمل صورة فراشة أهدتها أمي لي في طفولتي و كنت أكره ذلك الطوق لأنه كان ضيّقا جدا على رقبتي و يشعرني بالإختناق كذلك لأني صرت أكره الفراشات كثيرا و أردت التخلص منها .

و صارت لي أحلاما أخرى ، فحلمت أن اقيم عيد ميلاد بشرط أن تكون الطورطة ليست بطعم الشكولا ، لكن لم تكن عائلتي تملك ثمن شراء حلوة عيد الميلاد .فغيرت حلمي و اردت أن أكتب قصيدة عن أحلام الطفولة الضائعة لأن صديقتي نصحتني بأن أجرّب كتابة الشعر بدل البكاء ، و عندما انهيت كتابة القصيدة شعرت بشيء من السعادة و اردت إلقاءها في حفل عيد العلم لكن استاذة اللغة العربية منعتني لأن معدلي لم يكن مرتفعا كفاية لكنها سمحت لتلميذة أقل معدلا مني بأن تلقي كلمة عن أهمية إشراك التلاميذ متدني التحصيل في نشاطات مدرسية لزيادة استيعابهم و تحسين مستواهم ، فمزّقت تلك القصيدة و علمت بعدها أني لن أصبح شاعرة أبدا .

وصلت للمرحلة الثانوية تحسنت ظروف أسرتي المادية و أرادو إقامة حفل عيد ميلاد لي بدون شكولاتة .. لكن لم يكن لي صديقات ليحضرن الحفل فاقنعت أهلي بأن حفلات عيد الميلاد عادة غربية لا تمت لمجتمعنا المسلم بصلة فاقتنعوا و لم أقم الحفل .

كبرت لكن ظلّت كوابيس الشكولا تطاردني فكنت أحلم بأنني أغرق في بِرك من الشكولا و أحيانا أخرى أرى سربا من الفراشات السوداء تطاردني فأنهض مفزوعة أتصبب عرقا كأنني كنت أجري حقيقة …

أتعبتني تلك الكوابيس فقررت زيارة أخصائي نفسي ، ولم يكن يهمني العلاج بقدر ما كان يهمني معرفة الأسباب التي جعلت الكوابيس تتكرر معي ،و بعد الكثير من الإختبارات النفسية التي أجرتها الطبيبة معي و أربع جلسات حكيت لها فيها قصة حياتي منذ ولدت إلى غاية جلوسي معها في تلك الجلسة الأخيرة ، قالت بأن أمر الكوابيس عادي و قد يحدث مع الجميع ، فشعرت بخيبة كبيرة و عندما هممت بالخروج استوقفتني قائلة : عليكِ أن تنقذي الطفلة الصغيرة داخلك .

– و من ماذا أنقذها ؟

– ردت قائلة : من الغرق في بِرك الشكولا .

– لكن كيف سأجدها لأنقذها ؟ 

– لا أعلم ، ابحثي عنها، إنها داخلك أنتِ.

و لأني تعودت أن أساعد نفسي دون مساعدة من أحد دائما ،قررت فور خروجي من عندها أن أتخصص في علم النفس لأفهم وضعي النفسي أكثر و لأني كنت أعاني كثيرا .

دخلت الجامعة أخيرا و مازالت تلك الكوابيس تراودني بل و تعذبني ، و ازدادت حدتها حيث أن تلك البِرك أصبحت أكبر بكثير و تزدادت تلك الفراشات وحشية ، حتى أن إحداهن لسعتني لسعة قوية ، قمت من النوم مفزوعة أصرخ ، و لما حكيت لصديقتي التي كانت تشاركني الغرفة في الإقامة الجامعية ضحكت ساخرة ، فكيف لي و انا طالبة جامعية أن أخاف الفراشات ، و قالت : أنه علي أن اخاف العقارب و الخفافيش أكثر ، ولم تعلم أني لا أخاف شيئا غير تلك الفراشات اللعينة .

في عامي الأول تعرفت على صديقي الوحيد لحد الآن “سيجموند فرويد” و تأثرت به لدرجة أني كنت أدافع عنه بشراسة و منذ عرفته أصبحت أحكي معاناتي بدون خوف لأي أحد ، ومازال أمر تلك الطفلة الصغيرة و أمر إنقاذها يشغل بالي ، مع أن تلك الكوابيس خفّت و لم تعد تراودني غير مرة كل شهر تقريبا

و بعد حضوري ملتقى في الجامعة كان بعنوان : كيفية الوصول لأحلام الطفولة و تحليلها : و بعد استشارتي و بعد أن طلبت التدخل و أمام الجميع قلت لهم : كيف لفتاة كبيرة أن تتأثر بشيء كأكل الشكولا مثلا و يصبح مرضا لديها ؟ و كيف للأحلام التي حلمنا بها في صغرنا أن تصبح كوابيس لنا في الكبر ؟

سألني أستاذ : و بماذا تحلمين و كيف هي كوابيسك ؟ أخبرته بأمر الكوابيس ، قال لي : كلي الشكولا إذن حتى تكرهينها ، قلت : لكني أكرهها كثيرا ، فقال : حتى تنقذي تلك الطفلة داخلك عليك أن تحققي أحلامها . فسألته : كيف لي أن اجدها كي أنقذها ؟ و عندما همّ بأن يجاوبني حتى طلب أحدهم التدخّل و أخذوا الميكروفون مني ، فقررت أن انتظر ذلك الأستاذ عند الباب كي يكمل لي الحل ، لكن و بعد انتظار دام ثلاث ساعات عند مخرج المدرّج ، أخبرني ذلك الأستاذ بأنه لا يقدم استشارات بالمجان خارج العيادة ،و أن علي أن أزوره في عيادته إن أردت .

في عامي الأخير و بعد أن خفّت علي تلك الكوابيس اصبحت و بعد أن قرأت كتابا لفرويد كان حول تحليل الأحلام و إشاراتها، خطرت ببالي فكرة بدت لي رائعة . و هي أن أشتري الشكولا يوميا و أذهب لدار الأيتام التي كانت بجانب الجامعة و أوزعها على الأطفال ، و أحيانا كنت أشتري ألعابا على شكل فراشات و أهديها لهم ، كنت أسمع صوت طفلة تضحك داخلي بفرح ، و كلما كررت ذلك يزداد صوت ضحكاتها داخلي ، و منذ ذلك الحين و أنا أحلم كثيرا بطفلة تلعب حول بركة مياه صافية و الفراشات تطير فوق رأسها و هي تمسك بها بحريّة و لم تكن تطير هاربة منها .فعرفت أن تلك الطفلة الصغيرة داخلي قد شفيت .

تاريخ النشر : 2020-07-25

فاطمة وهابي

الجزائر
guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى