أدب الرعب والعام

دقات منتصف الليل

بقلم : جيجى عادل – مصر

دقات منتصف الليل
عزيزي جاك … أنا روز موعدنا منتصف الليل ..

استيقظ عاهد من نومه مبكرا كعادته على رنين الهاتف ليجد صوت مديره الهادر يوبخه على عدم رده على الهاتف بالأمس عندما أراد أن ينقل له تعليماته بخصوص انجاز أعمال جديدة – للجريدة التي يعمل فيها – , وطبعا عاهد على عادته لم يكن متواجد ليرد على الهاتف . وازداد تقريع المدير له , ورد عاهد بصبر انه سيجد حلا لهذه المشكلة في القريب العاجل.

” جهاز للرد الآلي على الهاتف ” “أنسر ماشين ” ..

برقت الفكرة في رأس عاهد و قرر شراء آلة انسر ماشين حتى يتلقى عليها رسائل مديره الغاضب دوما و يبتعد عن التقريع و اللوم. ولكن كيف؟ وهو لا يملك المال اللازم لشراء آلة جديدة ..

“ولما تكون جديدة ؟ .. فلتكن مستعمله” .. قال عاهد هذه العبارة في نفسه و هو يرتدى ملابسه على عجل للذهاب إلى احد الأسواق الذي يبيع المستعمل.

اتجه عاهد إلى عده محال و لكنه لم يجد ضالته حتى وجد أمامه إحدى الحوانيت الصغيرة التي تقف على استحياء وسط المحال الأخرى , و رحب به رجل عجوز متغضن الوجه , محنى القامة , وعرض عليه بضاعة متنوعة من كتب قديمه و اسطوانات و ملابس باليه , نظر عاهد إلى هذه البضاعة المزجاة بضجر و هم بالخروج حتى تعلق بصره بكنزه الثمين الذي جاء يبحث عنه و التمعت عيناه من الفرحة لأنه وجد ضالته.

كانت آلة الانسر ماشين تبرق بصمت على إحدى الأرفف و عاهد لا يستطيع ابعاد نظره عنها و حاول البائع بشتى الطرق تحويل انتباهه عنها إلا ان عاهد صمم على شراء هذه الآلة بالتحديد , و تنهد العجوز الذي لم يجد بدا من تحقيق رغبه عاهد و هو يقول له : ” ومن يستطيع تغيير المصير .. خذها يا ولدى إنها لك ” .. قالها و هو ينظر بآسف الى التقويم , فاليوم هو الحادي و الثلاثين من ديسمبر. و اشتراها عاهد بثمن بخس و حملها بلهفة إلى منزله و قام بتوصيلها بتليفون منزله .

وسجل رسالة بصوته : ” أنا عاهد و أنا غير متواجد الآن من فضلك اترك رسالتك بعد سماع صوت الصفير” .. واستمع عاهد إلى صوته المسجل بسعادة و انشغل في عمله تاركا لآلة تسجيل الرسائل عملها.

تثاءب عاهد بشدة و هو يتحرك من مكانه للذهاب لفراشه مع دقات الساعة الثانيه عشر و مع الدقه الاخيره وجد عاهد الضوء الاحمر الصغير الموجود بآلة الانسر ماشين يومض بشده فضغط على زر الاستماع ووجد عبارة لديك رساله واحده : ” عزيزي جاك … أنا روز موعدنا منتصف الليل” …. ارتجف جسد عاهد وارتعدت فرائصه و لعن صاحب هذا المزاح الثقيل .

وحتى يتخلص من الخوف قام بفصل جهاز الانسر ماشين وقام بمسح الرسالة , لكنه وجد المصباح الاحمر يومض مرة أخرى و برقت عينا عاهد من الفزع و مد أصابعه المرتعشة ليضغط على زر الاستماع : “عزيزي جاك .. انا روز .. موعدنا منتصف الليل” ..

تجمد عاهد بمكانه فكيف تعمل آلة الرد على الهاتف و هي غير موصله بالهاتف ! .. و لكنه استجمع شجاعته و فصل عنها التيار الكهربائي و هو يتنفس الصعداء , ولكنه و جد المصباح الأحمر الصغير ما زال يبرق بوتيرة ثابتة معلنا عن وجود رسالة جديدة ! .. انكمش عاهد بمكانه و قد تجمدت أوصاله من الرعب فكيف تعمل الآلة بعد فصل التيار الكهربائي . ثم حانت لحظه الرعب الحقيقية و عاهد يستمع لخطوات بطيئة … ثقيلة … مهيبة …

قال عاهد بصوت مرتفع وقد بلغ به الخوف مبلغه مستحيل أني اهذى … لا توجد خطوات .. أني أتوهم كل هذا …

و مع آخر كلماته تجمد عاهد بمكانه و هو يرى أمامه امرأة ترتدي فستان كلاسيكي و تعتمر قبعة رقيقة مزينه بالزهور و تبتسم ابتسامه عذبه و هي تقول له : ” لن نفترق أبدا يا عزيزي ” ..

ومدت يدها وتأبطت ذراه ببساطه من اعتاد ذلك , واتسعت عيناه بدهشة و حدق عاهد في حجرته بذهول , لقد اختفت معالمها و بدا له منزل قديم بأثاث عتيق الطراز. كان من الواضح انه يرى بعينيها أو أن ذكرياتها قد انتقلت له.

” موعدنا مع آخر دقات منتصف الليل يا عزيزي .. أنهم لن يستطيعوا إبعادي عنك وان لم نستطع الحياة معا فلنموت معا “

.. قالت روز هذه العبارة و هي تتأبط ذراع شاب وسيم يرتدى حله كلاسيكيه و قبعة عريضة الحواف . ورد عليها جاك قائلا ” إن لم تجمعنا الحياة فعزاؤنا أن يجمعنا الموت ” ..

وعند منتصف الليل تماما ارتقى جاك و روز برج المنزل و تقدما معا إلى الحافة و أمسكت روز يد جاك و اتفقا على العد سويا ثم يحلقا معا في نفس اللحظة .. و بدأت روز العد :

واحد

اثنان

ثلاثة

وألقت روز بنفسها من عل و نظرت إلى جاك و هي تتهاوى فوجدته منكمشا في مكانه و قد جبن عن اللحاق بها وهرب بسرعة وهو يلعن الجبن و الخوف ووجد أن غريزة حب الحياة و التشبث بها أقوى من الموت حبا.

وعندما وصل جاك إلى منزله وجد رسالة على آلة الرد على الرسائل من روز و هي تذكره بموعدهما : “عزيزي جاك .. أنا روز .. موعدنا منتصف الليل” .. انهارت مقاومه جاك و هو يبكى و يمد يده المرتعشة لمحو الرسالة من آلة الانسر ماشين .

ومر عام كامل و في اليوم الحادي و الثلاثين من ديسمبر وجد جاك رسالة جديدة مسجله فاتسعت عيناه من الفزع و هو يتذكر أنها نفس الرسالة التي قام بمحوها العام الماضي , فاليوم هو الذكرى السنوية لانتحار روز .

وفى أول أيام السنة الجديدة التف الجيران صباحا حول جثه جاك الملقاة في الحديقة بعد أن ألقى بنفسه من أعلى المنزل و لم يعرف احد الحقيقة التي اعرفها أنا ..

وها أنا أسير ورائها كالمأخوذ … المسحور … المسلوب الإرادة ..

وأنا متأبط ذراعها و أرى ابتسامتها الرائعة وها أنا ذا أغادر شقتي و اصعد الدرج

واصعد

واصعد

واصعد

واضع قدمي على الحافة و أتشبث بيدها واحلق في السماء …..

 

“انتحار صحفي شاب ألقى بنفسه من فوق البناية التي يسكن بها و لا توجد شبهه جنائية و لم يعرف سبب انتحاره” ..

مط مدير عاهد بالجريدة شفتيه و هو يبلغ احد المحررين بالجريدة بالخبر لإدراجه بصفحه الحوادث في أول يوم من أيام السنة الجديدة .

تاريخ النشر : 2015-04-21

guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى