أدب الرعب والعام

الفتى الزائر ليلا

بقلم : علي محمد – السعودية
للتواصل : [email protected]

اللعنة ، إذا من كان ذلك الشاب الذي كان يزورني كل ليلة ؟
اللعنة ، إذا من كان ذلك الشاب الذي كان يزورني كل ليلة ؟

كان هاني من أولئك الشبان المتنمرون ..فـقد كان مفتول العضلات وضخم البدن ..صلب قلبه قاسً بلا رحمة ، لم يشعر يوما بخوف من أحد كـ صخر جلمود لا يهتز .. فلا عين له ترمش ولا نفسه التي تأنب ، يتباهى دائما بشجاراته وبطولاته ..بداخله غرور ما رآه إنس أو حتى جان ، ذو خلق سيء وسمعته في الحضيض ..ومهاتراته ومشاكله طالت الجميع ، فـ لم يقدر عليه أحد .. لا أب ..ولا أم ..ولا أهل ولا جار .

الحي الذي تربى فيه كان غابة له هو من يحكمها ومن تسلط عليها ، كلهم يهربون منه ويتلبدون خوفا من نظرة عينه وظل جسده ..كان يغدر ويضرب ويأخذ أموالهم أكراهً بالقوة ، ولم يستطيع أحد أن يقف في وجه وأعتبروه مسخً بشري .

ذات يوم شتاء بارد أنتقلت احدى العوائل إلى هذا الحي الذي يقطنه هاني ، كانت العائلة منشغلة في أيامها الأولى بترتيب أمور المنزل ونقل الأثاث وغيره ..وكان يأتي لزيارتهم بعض أهل الحي للترحيب بهم ومساعدتهم ، وأيضا كانوا ينصحونهم بالأبتعاد عن هاني وعدم التورط معه .

وبعد مرور يومين ..في احدى الليالي التي يعصف بها بردٌ شديد ، والجميع في دارهم جاثمين من قسوة الطقس وليس في أستطاعتهم الخروج ، كان هاني في منزله نائم على غير عادته وفجأة يسمع دقاتً عنيفة تهز باب داره ضربً وضجيج ، قام هاني من نومه غاضب لا يصدق أن هناك من تجرأ على تلك الفعلة ، فتح الباب على عجالة وإذ به يرى شاب غريب لم يره من قبل مما جعل هاني يتسمر في مكانه متعجب ، فسأله :
– من أنت يا هذا ، وماذا تريد ؟

الشاب :
– هل رأيت العائلة الجديدة التي سكنت حيكـم ؟

هاني :
– ماذا بها ؟

الشاب :
– نعــم ، أنا أبنهم !

هاني :
– حسنا .. وماذا أفعل لك ؟

الشاب :
– رأيتك تضرب أحدهم وأنتابني شعور أنك شجاع قوي ، لذا أردت التقرب منك أكثر لأنني أبحث عن أمثالك منذ أن كنت صغيرا ..فالخوف والجُبن يرافقاني أينما ذهبت في المدرسة والشارع ولقد أصبحت محط سخرية للجميع ..وأتمنى أن تعلمني وتدربني لكي أكون مثلك ..فما رأيك ؟

قال هاني الذي تحير من كل الموقف :
– أغبي أنت أم مجنون ، هيا .. هيا أذهب من هنا .. قبل أن أوسعك ضرب لم تجربه من قبل !

الشاب :
– أرجوك يجب أن تفهمني .. سأعطيك المال وكل ما تريد ، ولا أريد منك ألا أن تدافع عني ؟

قام هاني بطرده بعد أن استهزء به وضحك منه وشمت به ومن جبنه وغبائه .

وفي منتصف الليلة التي تلتها والطقس قارس لم يتغير ..عاد الشاب مرة أخرى إلى هاني يحاول أقناعه ليصبح صديقه الذي طالما تمناه.. شجاع لا يرحم ويفتك بالجميع ولا يهتم بأحد ، لكنه لم يلقى ألا القسوة والأهانة فـ لم يتعاطف هاني معه أو يلقي له بالا ..بل ظل يطرده ويأخذ ماله أحيانا بكل غطرسة ورعونة.

بعد فترة انقطاع طويلة عاد الشاب ذات ليلة موحشة وفي بردها يختبأ شيئا يفك الأضلاع ويضرب العظام ، وطرق باب هاني الذي فتح الباب فوجده يبكي وقلبه مكسور مما أثار دهشته ، فسأل الشاب : لما تبكي أيها الغبي ؟

رد الشاب وقد غص في حزنه :
– والدي ضربني ضربا مبرحا دون سبب !

لم يظهر هاني أية شفقة كـ عادته وقال له :
– أيها الأحمق ، أنه يوبخك لتصبح رجلً .. فـ أنت تشبه الفتيات بتصرفاتك وتصرخ وتبكي ولا تستطيع حتى الدفاع عن نفسك .

سكت الشاب من قسوته ، مما جعل هاني يكمل حديثه :
– أسمعني أيها الجبان ، لا أريد أن اراك متوقفا عند عتبة داري ثانية .. لأني سأفعل بك أشياء تتمنى لو أن أمك لم تلدك ساعتها .

الشاب :
– ولكني أريد أن أصبح صديقك !

تلك الكلمات أغضبت هاني بشدة وجعلته أعمى لا يرى ، فلم يتمالك أعصابه .. وأخذ يضربه بوحشية ويرفسه ويصفعه حتى سقط مغشيً عليه ، فــ حمله دون أن ترمش له عين أو يرق له قلب ورمى به في الشارع كـ جيفة حيوان نتنه .. وعاد إلى منزلــه وغطى في نومه وكأن شيئا لم يكن .

وبعد مرور أربعة أيام كان ينقص هاني المال ، راح يفكر ويفكر من أين يأتي به ..فـ جميع أهل الحي يهربون منه حتى قبل خروجه من داره ولن يعطونه أي مال ، ولشدة حاجته قرر الذهاب لمنزل الشاب رغم ما فعل به بكل جرأة وبلا حياء ، أخذ يطرق الباب بقوة ما تسبب بإزعاج كبير وصخب في بيت العائلة الجديدة ..وبعد لحظات فتح له الباب صاحب المنزل وسأله : ماذا تريد ؟
هاني : أين أبنـك ؟

رد الرجل مستغربا :
– عن أي أبن تتكلم يا هذا ؟

هاني :
– هيا .. هيا ، ناد أبنك فهو يعرفني .

غلبت على الرجل ملامح الحيرة ، وقال له مستفسرا :
– ماذا تقول أنت ، ألا تفهم .. أنـا لم أتزوج ألا قبل شهرين فقط .. وليس لدي أية أولاد !

قال هاني محتنق :
– دعك من المزاح يا رجل .. وقل لأبنك بأني أريد أن اكلمـــه .

بانت على الرجل دهشة لم يشعر بمثلها من قبل ، وقال له :
– ما بك تصرُ على العناد ، ألم تسمعني أقول لك لا ابناء لدي .. فلا يوجد في المنزل عداي وزوجتي !

أحس هاني بأن الرجل يخدعه ..فـ بدأ الشد والجذب بينهما ..ثم بدأ يعلو صراخهم بصوتً عالي مما أثار حفيظة أهل الحي وجعلهم يجتمعون حولـهم ويفرقون بينهم ، قام الرجل بعدها وأتصل على الشرطة مجبرا كي يأمن شره وينجوا من قبضته .

دقائق مشحونة مرت ..حضر على أثرها رجال الأمن وبدأوا يسألون عن أصل المشكلة بينهم ، فـ قال لهم هاني :
– أني أسأل هذا الرجل عن أبنه ولكنه يكذبُ ويقول بأنه لا يعرفه !

قال الرجل للشرطة :
– أما أنه غبي أو يعاند نفسه ..فلا يوجد سواي وزوجتي في المنزل ونحن لم نتزوج ألا من شهرين .. كيف يكون لنا أبنٌ وكبير أيضا !

لم يصدق هاني ما يسمع ..أراد أن يخيفهم بصراخه غير مبالً برجال الأمن والناس المحيطين به ظنً منه بأن الجميع يخشاه وسيفعلون ما يقول حتى لو كان خلاف الواقع ، طلبت منه الشرطة الهدوء لتبحث في المشكلة ، فـ دخلوا بيت الرجل لكي يتأكدون إذا كانت أوراقه تطابق كلامه ، ثبت لدى الشرطة صحة ما قاله الرجل ، فـ لم يكن في البيت عداه وزوجته وأوراقهم العائلية تثبت أن لا أطفال.

كل من كان متوقفا توجس خيفة من هاني لما بانت على ملامحه من قسوةً وتحدي ودهشة ، لا يصدقون ما يحدث لمسخ حارتهم الذي تسلط وتجبر عليهم وتتفنن في تعذيبهم بإبتسامة خبيثة منه .

صمت غلب الموقف ..دقائق كان هاني يفكر فيها ويفكـــر ..ويسترجع كل ما حدث بينه وبين ذلك الشاب ، بدأ يُصاب بشيئا من التوتر .. خوفٌ أصبح ينازعه ويفتت قسوة قلبه وصلابته ، نظر إلى المتوقفين من حوله وقال بخنوع :
– لما تنظرون إلي هكذا ، ألا تصدقوني ..لقد كان هناك شابا يأتي إلي كل ليلة ويجلس ويتكلم معي.. وأخبرني بأنه يسكن في هذا المنزل !

لكنهم لم يصدقوه ..وكأنهم فرحين ويشمتون به لما أصابه ..ويسخرون بدواخلهم التي روعها طوال هذه السنين وينتظرون ذلك اليوم الذي ينمحي ذكرى وجوده من حارتهم .

في قمة رعبه وخوفه الذي لم يشعر بهما من قبل ، نظر إلى الناس والدهشة تزلزله .. والفزع وصل ركبتاه ، يفكر ويفكر في ذلك الشاب ..ينظر هنا وهناك كالمجنون .. لا يعرف ماذا حل به ، أنتابته حالة من القلق والخوف الشديد ، وقال يرتجف :
– اللعنة ، إذا من ذلك الشاب الذي كان يزورني كل ليلة ؟

بكى أمام المتجمهرين كما لم يفعلها من قبل ..ويقول بصوته المهزوز :
– يا إلــهي .. لقد قمت بضربه بوحشية !

يذهب إلى الواقفين واحدً تلو واحد .. يمسك هذا وذاك باكيا وقلبه يتقطع خوفا ويطلب النجدة منهم ويتوسل إليهم :
– أرجوكم ساعدوني ، قد يكون شبحً وسيأتي للأنتقام مني !

لكن أحدا من الملتفين حوله لم يساعده .. بل أبتعدوا عنه كما كانوا يهربون منه عندما كان يضربهم ويتسلط عليهم .

أحتار الناس ماذا يفعلون معه ..فأمسكوه رجال الشرطة وأخذوه معهم إلى المقر ، وقاموا بالتحقيق معه عن كل ما يقول ..ولكن بلا أية نتيجة ، فـ لم يفهمون شيئا مما يهذي به وكلامه غير مفهوم فـ الرعب قد عقد من لسانه ، فقط كان يردد بنبرةً تملؤها الريبة كــ من رآى شبحً بجانبه في عتمة الليل ينظر إليه ويبتسم : سوف يأتي ذلك الشاب ويقتلني !

بدى واضحً لــرجال الشرطه أنه قد فقد عقله الذي لطالما تبختر به وخطط كيف يؤذي الناس به ويتجبر عليهم ، فــ جرجروه صارخا إلى مستشفى الأمراض العقلية ، حيث يقبع هناك في زاوية إحدى الغرف وهو يضم يديه ورجليه بقوة شديدة ..وحيدا خائفا من أن يزوره يوما ما ذلك الشاب الغريب .

رغم ذلك فلم يجد جوابً للسؤال الذي أفقده عقله : من هو الشاب الغريب الذي كان يزور هاني كل ليلة ؟

تاريخ النشر : 2020-09-19

علي محمد

السعودية
guest
15 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى