أدب الرعب والعام

كان على زياد أن يموت

بقلم : مؤنس نورالدين بدرالدين – لبنان

لم يكن عندي سوى حل واحد ، على زياد أن يموت
لم يكن عندي سوى حل واحد ، على زياد أن يموت

هناك من يتجمّل على مواقع التواصل الاجتماعي ، وهناك من يكذب ، وهناك من يجعل من الناس مادّة للتجربة ، أنا كنت من النوع الثالث ، أنشر اعترافي للتاريخ والتوعية.

الحب هو خيال ، هو وهم ، نحب أشخاصاً مزيفين فقط لأننا نريد أن نحب ، في بدايات الأنترنت كان هناك موقع شهير جداً للمحادثة كان أسمه ميرك ، لم يكتب أحد تقريباً أسمه أو مواصفاته الحقيقية ، كنت أدخل إلى صفحات مسابقات ومواد علمية ، وكان صديق لي يدخل إلى صفحات الدردشة و يبدو سعيداً بمن يتكلم معهم ، قلت له ذات مرّة : هل أنت واثق بمن تتكلم معها ؟ وهل تصدّق الحبّ الافتراضي ؟ أجاب : تبدو صادقة و قد أرسلت لي صورتها ، قلت حسناً ما رأيك أن أجعل فتاةً تُغرم بالشخصية الخيالية التي سأرسمها لها ؟

قال : حاول ، فهذا ليس بسهل أبداً ، فأنا أشعر بالفتاة التي أتكلّم معها ، قلت : حسناً فلنبدأ ، دخلنا إلى صفحة تُدعى مقهى الدردشة ، فتشنا على اسم لتكون صاحبته فأراً لتجربتنا ، توقفنا عند أسم آمبر ، قلت له ما رأيك ؟ قال باشر ، قلت لها مرحباً ، ما إسمك الحقيقي ؟ قالت : أنا لا أستخدم في الحياة أسمين ، أنا آمبر من الولايات المتحدة ، قالت عمرها 17 سنة ، قلت لها : زياد من لبنان ، ولمحاسن الصدف أنا أيضاً عمري 17 سنة ، ككاتب كان بإمكاني أن أختلق لها الكثير من القصص ، كنت أجد بسهولة نقاط ضعفها لكي أدخل منها ، قلت لها بأني أعيش مع أب قاسٍ و زوجته التي لا تحبّني ، كنت أروي لها قصص مشاكل أتعرض لها في الشارع ، كنت أرسل لها صورة ذراع مطعونة بسكين وأقول لها إنها ذراعي ،

كانت تتأثر بكل ما أقوله ، بدأت تطلب منّي أن أهاجر إلى الولايات المتحدة ، قالت لي : أنت بارع في علوم الكمبيوتر وهنا سوف تجد عملاً بسهولة ، بعد كلّ حادث إرهابي في أي دولة عربيّة كانت تقلق وتنتظر لكي أتكلم معها فتطمئن عليّ ، طيبتها جعلتها لا تدقق حتى بالصور التي كنت أرسلها لها ، مصدر الصور كان فيلماً أمريكياً والصور لممثل ثانوي غير مشهور كالفيلم تماماً ، لقد أحبّت عُمراً وهمياً وشخصاً وهمياً ،

أخذت تنتظرني كل يوم في الوقت ذاته على الموقع ، اعترفت ببساطة بحبها لي و بدأت ترجوني أن أطيل البقاء على صفحة الدردشة ، لقد أحبّت بجنون الشخصيّة التي اخترعتها ، لكن بعد أن وجدت بأني ظلمتها لم يكن عندي إمكانية رفع الظلم عنها ، فمن أين أجد لها زياد عُمره 17 عاماً ، وكيف أتركها الآن وقد تُيِّمت به ؟ لو عرفتُ شاباً في مثل هذا العمر لعرّفتها عليه وجعلتها تسأم منه بعد فتره ، قلت لصديقي : أثبت لك أقوالي والآن حان وقت التراجع فأنا لا أستطيع المتابعة أكثر.

كان الانسحاب أصعب بكثير من الدخول في الموضوع ، لم يكن عندي سوى حل واحد ، على زياد أن يموت ، لكنه كان على أحدهم أن يخبرها بالموضوع ، لذلك قدّمت لها صديقي ( الذي هو أنا ، دخلت من كمبيوتر آخر بأسم أخر ) و بدأنا الدردشة و كأننا ثلاثة أشخاص ، كنت أتكلم معها وأتكلم مع ذاتي و لم تشعُر للحظة واحدة أنها تتكلم مع شخصٍ واحد ، نهاية عام 1999 والوضع كان يزداد سخونة ، عمليات مُكثّفة للمقاومة يقابلها قصف إسرائيلي ،

كانت فرصة للخلاص من زياد ، لم أدخل إلى صفحة الدردشة ليوم ثم ليوم آخر ، في اليوم الثالث دخلت باسم صديقي الوهمي رامي ، و قبل أن تقول لي مرحباً ، قالت لي : رامي ، أين زياد ؟ أنتظرت قليلاً ثم قلت لها : أنا آسف ، أجابتني : لماذا الأسف فأنا أسألك سؤالاً محدداً : أين زياد ؟ أجبتها : لم أرد بأن أكون أول من يعلمكِ بالأمر ، للأسف زياد مات.

صرخت : زياد مات ! كيف مات ؟ من قتله ؟ أأنت متأكّد ؟ فأنا أسألك عن زياد صاحبك ، زياد الذي أحبّه ، قلت أجل هو مات ، تابعت قائلة :

زياد الذي يعيش مع أب عسكري و زوجة أب ، قلت : أجل ، هذا هو ، قالت بعد أن توقّفت لدقائق عن الكتابة ، كيف مات ؟ قلت كان يقود موتوسيكلاً ، أبتدأ القصف ، سيارة هاربة مسرعة بسبب القصف صدمته بعنف فطار عالياً و وقع أرضاً و مات ، سألتني هل تعذّب ؟ قلت : لا ، كان الاصطدام قاتلاً ، قالت : أعذرني أشعر بدوار ، سأكلمك فيما بعد .
في اليوم الثاني عادت إلى الصفحة ، لم تكلّمني فكلّمتها أنا ، قلت لها : كيف حالك ؟ قالت : لا زلت على قيد الحياة ، أنتظره ، قلت : لكنه مات ، قالت لا زلت أنتظره .

كل يوم كنت أدخل إلى الصفحة ، لم تكلّمني ، عندما كلّمتها قالت : آسفة ، الكلام معك يبكيني أ، نا لا أكلّم أحداً الآن فقط أنتظر، أنتظر قدومه فهو لن يخذلني ، سيأتي حتماً إلى أميركا ، إن لم يأتِ فسوف آتِ أنا إلى لبنان وسأبحث عنه ، أنا أعرف شكله ، أعرف صوته مع أنّي لم أسمعه أبداً ، زياد هو حبيبي ولن يتركني .

 ثابرتُ على الدخول إلى الصفحة ، كانت تأتي على الموعد تماماً ، تنتظر نصف ساعة ثمّ تقفل الأنترنت ، فكّرت أن أقول لها أن زياد لعبة ، لكن تخيّلت بأن صدمتها ستكون أقوى .
 بعد حوالي سنة توقّفتُ أنا عن الدخول إلى الموقع ، هربت من الذنب ، لم يكن لدي أي حل.

سنة أُخرى مرّت ، دخلت إلى الموقع بحثاً عنها فلم أجدها ، هل شُفيت من جراح الحب ، هل نسيت الموت ؟ أسئلة لا يعرف الإجابة عنها أحد سواها و هي حبيبة زياد التي لن يراها أبداً.

في النهاية تحذير للجميع ، الأنترنت ليس للحُبّ ، الجميع يتجمّل ، الجميع مُتعلّم ، الجميع جميل ، الجميع كاتب وشاعر ، الجميع يملك قصراً في مكانٍ ما ، لا تصدّقوا إلا ما ترونه بأعينكم ، أنا أعترف بالذنب الذي اقترفته ، رغم مرور الكثير من الأعوام على الحادثة ما زلت أتخيّل وجهها الباكي فتدمع أعيني رغماً عنّي .
النهاية ……

ملاحظة : القصة حقيقية .

 

تاريخ النشر : 2020-09-23

guest
32 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى