أدب الرعب والعام

دِحـداح

بقلم : عطعوط – اليمن

كانت سماء نصف دحداح الضائع ، فبها اكتمل وعاشا بسعادة وآمل
كانت سماء نصف دحداح الضائع ، فبها اكتمل وعاشا بسعادة وآمل

خدمه الإنس والجان والحيوان ، كان صاحب أخلاق فاضلة ، أراد لغيره الحياة فأرادوا له الموت ، ترك الأهل والجيران والبساتين في سبيل نصرة المظلومين ، ترك الديار العامرة وعاش في الكهوف الغابرة ، استأنس الحيوانات المفترسة فكانت في خدمته ، أحرق العظام فخرجت منها الهوام ، من بين الغربان صاد الحمام ، أضحى سلطان زمانه بعد أن كثروا أعوانه ، جمع أخوانه بعد الشتات و سُعد بلقائهم قبل الممات ، كان له أخت وحيدة فكانت قصتها فريدة.

انه دحداح سابع أخوته وهذه قصته وسيرته :
 
أوصى الأب أبنائه السبعة خيراً بأختهم عفراء ، مات الأب و الأم مخلفين سته اخوه متزوجين والأخ السابع عازب مزارع ضمن المزارعين ، صياد مع الصيادين اذا اشتد قحِط السنين ،
لهم أخت تصغرهم وحيدة عنيدة مد لله في حبها فريدة ، مبرقعة ، مرصعة الحواجب ، مسلهمة الرموش ، مزوية المخاصر ، دعجى ،  بلجى ، فلجى ، جبينها شهر ناظر وعيناها بحر ساجر ، إن مشت اهتزت وتدلت و إن وقفت تكورت وتجلت صوتها صدى وعلى وجنتيها تتناثر حُبيبات قطر الندى ، مكتنزة ، ململمة ، طويلة القامة ، مرفوعة الهامة كأنها زمردة مبردة مُلمعة في جوف خاتم  وضعة.

اذا طلبت نالت واذا امرت لُبيت ، في الصباح تذهب بطعام الإفطار إلى أخوتها ، تمر بين المزارع والأشجار ، فرِحة مرِحة لخطوتها تهتز الأزهار ، ذاع صيتها وانتشر في البوادي والحضر تناولتها السُن الصغار والكبار ، النساء والرجال تصف حسنها والجمال ، مدحها الشُعراء في قصائدهم ، وتغنى بها العشاق في غزلهم ، وحكى عنها السُمار في مجالسهم ، إنها عفراء.
 
أضحت عفراء مثل يُضرب به الجمال ، فيُقال لمن بلغت من الحسن مقام من النساء  كأنها عفراء.
اغتاظت نساء أخوتها مما هي عليه من الحسن و البهاء ، اعترتهن الغيرة فأضاعت من عقولهن البصيرة ، فشرعن يكدن لها المكائد و ينصبن لها المصائد و يوغرن صدور أزواجهن من أختهم عفراء ، فتارة يصفنها بالغباء وتارة ينبزنها بالبغاء مع الرُعاة وبعض الغوغاء.

فقالت إحداهن : عليكم بعفراء إن سيرتها عوجاء فهي لا تمنع عن نفسها من جاء.
وقالت الأخرى : عفراء جلبت عليكم العار فقد أضحت تتقاذفها قصائد الشُعار.
و قالت ثالثه: عفراء لها في البغاء باعين ، ففي طريقها تكشف للعشاق عن الساقين وتغمز بالرمشين وتشير بالحاجبين.
وقالت رابعة : شاهدت تحت الأشجار عاشقين لعفراء مفترشين .
وقالت خامسة : لعفراء صوت طروب فهي تمارس الغناء في الدروب وعلى مناهل الماء فتلتف حولها الصبايا والنساء ، فيترك الرُعاة مهامهم وإلى عفراء يستمعون وينظرون فتفترس الذئاب أغنامهم.

وقالت سادسة: عفراء تختلي بتاجر العطور والبخور من مغرب إلى سحور.
أجتمع الأخوة مطأطي الرؤوس ، فاتتهم عفراء بالشراب ملئ الكؤوس ، فلاحظت في وجوههم الغضب والعبوس ، نظروا اليها نظرات ازدراء والزموها في البيت البقاء وعدم حضور الأعراس ومجالس النساء.
و قالوا: إذا ألتزمتي بالحجاب ربما يفد اليك بعض الخُطاب.
و ذات يوم أتى أحد الخطاب ، التقته النساء فبقي واقف على الباب ، فسأل عن طباع عفراء والخصال ؟.

فقلن : عفراء ، إنها في النهار ريحان و شذاب و في الليل بومة وغُراب ، حسناء الوجه وردية الخدين ، ولكن جسمها يكسوه الشعر من الصدر حتى أخمس القدمين ، تنام فاتحة العينين كالأرنب ، تغط وتخور بارزة الأنياب كالثعلب ، نظر اليهن و قال : الشُعراء يتبعهم الغاوون.

تغزلوا بعفراء فصرت فيها مفتون ، فما ذكرتين ليس مخلوقة من طين بل من نار السموم من جنس الشياطين.
انصرف من حيث أتى وبث الأخبار عبر من سمع و رأى ، فلم يعتب الباب بعده خاطب .
اعترى عفراء عياء أقعدها فنامت وعن الطعام صامت ، أتاها الحيض و شعرت بالحمى  والرعاش ، فلاحظت احدى النساء بُقع دم على الفراش ، فنسجت و أحاطت بهتان وقالت : لقد كانت أختكم حامل فأسقطت.
فُزع الأخوة و خشوا الفضيحة فقرروا وأدها في الصبيحة ، فعزموا على دفن عفراء في الصحراء ، كل ذلك وعفراء لا تعلم ما يُحاك لها في الخفاء.

تحركوا الصباح بمعاولهم وعتلهم وطلبوا من عفراء اللحاق بهم بغداهم ، حفروا قبر عميق ، أتت اليهم عفراء بالغداء تقص أثارهم في الطريق.
سالتهم عفراء و قالت : لمن هذا القبر العميق ؟.
قالوا: إن وحش يأتي من هذا الطريق ، سنغطيه فإذا أتى سقط في هذا الشق العميق.
فطلبوا منها النزول إلى القبر لتنظر ما تبقى في سقفه من الثقوب ، نزلت القبر مفزوعة أرادتها منزوعة ، فسقفوا القبر بالأخشاب و أهالوا عليه التراب ، فكانت تخبرهم عفراء عن أماكن الثقوب فيسدوها حتى أظلمت ، فقالت: يا إخوتي أخرجوني أحس بالموت يقترب مني ، أخرجوني.

تركوها في قبر مجهول المسار و عادوا إلى الدار ، شعروا بأنهم قد دفنوا الفضيحة والعار .
شعر الأخ الصغير بتأنيب الضمير ، فرق قلبه لعفراء المدفونة في الصحراء ، فليس له زوجة تقسي قلبه نحو أخته.

و في المساء قرر العودة خفية اللي الصحراء و فتح القبر وتخليص عفراء ، فهو لم يصدق كلما قيل في حق أخته  من افتراء. كان لديهم جواد شحيح نحيح يسابق الريح ، امتطاه دحداح وسابق الرياح ، وصل إلى القبر في جنح الظلام ، فشاهد على القبر تقف بعض الهوام ، فاشعل النار و تطايرت منها الشرار ففرت الأشباح في الفيافي والقفار ، فحفر حتى نقب القبر فصاحت عفراء و قالت : الحمد لله ، لماذا تأخرت يا أخي ؟ كادت تُقبض أنفاسي.
فقبض بأيديها ومن القبر أخرجها ، فبكت عفراء بكاء شديد من شدة ما أصابها من ضيق في القبر العميق.

أخبرها بكل الحكايات فأيقنت أن لولا أخاها انقذها لكانت قد أصبحت في عداد الأموات.
قال : اعلمي يا عفراء أن أخوتي ليس لهم بما قمت به من إنقاذك رضى واذا عدنا اليهم سيكون الموت مصيرنا و الفناء ، ليس لنا في هذه الأرض بقاء ، سنسيح في أرض الله الواسعة ، سنُقارع الأخطار و نجتاز الإعصار ، اركبي خلفي على جوادي ، سنعبر الغابات والبراري .

مسحت عفراء دموعها وقالت: أنقذتني من الموت و بفضلك نجوت ، سأطيعك و ،جيب الصوت ، لن يفرقنا سوى الموت.
ركبت عفراء و غادروا الصحراء ، حل الظلام و افتقد الأخوة أخيهم الصغير دحداح.
ذهبوا إلى الحضيرة فلم يجدوا جواده ، أدركوا بأن دحداح ذهب لعفراء على الجواد و لا بد من اللحاق به و الحيلولة بينه وبين ما أراد  ، انطلقوا بخيولهم فوصلوا القبر مسرعين ، فنظروا اليه مذهولين .
فلم يجدوا عفراء في قبر الصحراء الذي كانوا لها فيه واضعين ، فقصوا الأثر فلم يجدوه بعد أن هطل المطر و أزال الحُفر ، عادوا يائسين ومرت السنين.
 
أما دحداح وعفراء فقد اختفيا عن أعين البشر بُغية الابتعاد عن منابع الشر ، تنقلا في الوديان والشعاب ، صعد التلال والهضاب ، يبيتان تحت الشجر ويأنسان بشعاع الثريا وضوء القمر ، يشعلان النار بقرع الأحجار و يقتاتان لحم الأرانب وطيور الحجًل والغزلان و ما ضل و تاه من الشاة و الضأن .

مرت الأيام و هما في ترحال ، فتعودوا واعتادوا فصاروا في أحسن حال ، عثرا على وادي شاسع مترامي الأطراف كثير المنافع لا يرده الرُعاة و لا تطرقه أقدام المسافرين و السُعاة.
شعابه عامرة بأصوات الطيور و نفيط الغزلان و هذا ما كانا اليه يسعيان..
يصطادان و يشويان و يأكُلان ، في بؤرة الوادي و جدا مغارة تأوي اليها إثنين من النمارة ، واليها يجران ما ينقضان عليه من غزلان وشاه وضان ، رأت عفراء و دحداح أن هذا النمران ينافسانهما و يقاسمانهما صيد الوادي ، بل أن حاصل ما يأكله النمران من اللحوم في يوم قد يكفيهما شهر كامل.

قال دحداح : لا بد من التخلص من النمرين ، و لكن كيف ؟.
قالت عفراء: هناك طريقتان ، إما بالحيلة أو بحد السيف !.
سن دحداح رمحه و سقل سيفه ، فاقترب من المغارة وقت الزوال و فكمن و راقب ، فخرج أحد النمرين ، صال و جال و إلى الغابة شد الرحال ، ثم تبعه النمر الأخر في الحال ، تقدم دحداح نحو المغارة في نهاية المطاف ، فإذا بها مغارة محكومة ببوابة محصنة منظومة ، لا تدخلها الأمطار و لا تصل اليها الرياح والغبار.

قال دحداح: يا عفراء عليك بالوقوف على مسافة غير بعيدة من المغارة ، فإذا عاد النمران عليك أن تحدثي صوت وغارة.
ثم دخل دحداح المغارة فاشعل جذوة نار وبها استنار ، فشاهد ما هاله و أذهله ، وجد العظام رُكام موضوعة ، معظمها نخِرة في أرجاء المغارة منتشرة ، تنبعث منها روائح نتنة وأبخرة ، بعضها يعود لغزلان و شاة و بقر ، و البعض الأخر جماجم بشر ، و في أخر المغارة وجد شبلان من جراء النمر يحبوان ، فحملهم بلطف و إحسان و خرج و أخرج من خاصرته علبة سم صفراء كان إخوته أعطوه إياها لقتل عفراء ، فافرغ ما فيها من سم على جيفة غزال طرية باب المغارة مرمية.

غادر دحداح مسرعاً باتجاه عفراء و معه الجراء ، بعد بضعة أيام عاد دحداح لمراقبة المغارة
فوجد ما أسرة وأثارة ، شاهد النمران ميتان تأكل جيفتهما الغربان ، عاد مسرعاً إلى عفراء حاملاً الخبر السار ، فعادا و دخلا المغارة برفقة النمران الصغيران و قاما بثقب نافذتان في الجدران و أحسا فيها بالأمان والاطمئنان ، فقاما بتنظيف المغارة أرضيتها وسقفها والجدار فكانت نِعم المأوى و نِعم الدار ، جمع خارج المغارة العظام المتناثر و قام بفرز عظام الحيوان عن عظم البشر.

أشعل النيران في العظام فاشتد اللهب و تطايرت ، كان لهب أصفر و شرر أبيض يتطاير في الهواء ، بُهت دحداح وعفراء مما يُشاهد ويُرى ، استمر اللهب إلى وقت متأخر من الليل ، حملا جذوة وقيد وادخلاها إلى المغارة لغرض التدفئة و رفع درجة الحرارة ، كان الجو بارد ، و بعد برهة تحولت الوقيد إلى رماد ، انتفض منها جني مارد مفتول العضلات و السواعد ، بخلق شنيع مريع ساقاه و ركبتاه من حديد ، له قرنان صغيران وذيل خلف الرأس ، يغطي جسمه شعر يقل في بطنه و في ظهرة يزيد ، عيون غائرة و مناخير شاغرة ، بارز الأنياب مقلوب الشفتين ، كان يديه مجاديف وقدميه مجاريف ، استل دحداح سيفه و قال : من تكون؟
أجب قبل أن أقطعك فلا تكن  بعد أن كنت تكون.

قال: أنا نحناح حارس الكهوف والضياح ، انتظرك من الصباح لأعطيك المفتاح .
خذ هذا المفتاح يا دحداح إن ضاع منك لن تكون من سكان الحيود والضياح.
ستجدني بين يديك ما دُمت تحمل المفتاح ، بعدها اختفى المارد وساح.

جلب دحداح بعض الضأن و أرضع منها النمران ، كان دحداح يذهب للصيد في الصباح و تبقى عفراء بانتظاره ممنوعة من مغادرة المغارة ، كبر النمرين تحت عناية وتربية دحداح ، فتطبع بطباع دحداح و فهم الإشارة ولغة الأصوات ، فكان يقضي في تدريبهما معظم الأوقات ، فعلمهما لغة الإشارة و تتبع الأمارة وصيد الصيد و إحضاره ، فمن شدة تعلقه بهما أسمى أحدهم قلبي و الأخر فؤادي ، و بأسمائهما كان ينادي : قلبي فؤادي جوادي دقوا الوادي.

فأصطحبهما في الصيد فكانا صيادان ماهران ، فكان يطلقهما في الوادي فيمسحانه مسح ماشطة فلا تغادرهما فيه شاردة ولا واردة ، فحينما يركب جوادة الصباح ينادي قائلاً : قلبي فؤادي دقوا الوادي ، فينطلقا كالبرق الخاطف والرعد القاصف ، و في لحظات يعودان يحملان الصيد فيتقاسمانه نصفين نصف لهما ونصف للنمرين ، كان دحداح يذهب متنكر إلى سوق مدينة السلطان بين الحين والأخر فيجلب ما يحتاج من الأغراض ، و يبقى النمران على باب المغارة حارسان ، و يأمر نحناح بجلب أخبار إخوانه من الديار ، و ذات يوم أخبره نحناح بتعرض ديار إخوانه والخيام لهجوم من اللصوص والعوام.

احتزم دحداح بسيفة و حمل رمحه و اعتلا جواده و صاح : قلبي فؤادي جوادي : دقوا الأعادي.

بلمح البصر وصل الديار فثار الغبار وفك الحصار و ربط اللصوص والعوام و قطع أيديهم و الأقدام ، بطش بهم النمران و داس عليهم بالحصان ، فك عن نساء إخوانه الوثاق ، بعد أن حرر إخوانه و فك عنهم السلاسل العتاق ، عاد مع النمران من حيث أتيا ، و في طريقه اصطاد الغزلان والضباء ، وصل إلى عفراء و حكى لها ما جرى ، فاستنكرت صنيعه ، فكيف لبى الصوت لمن أراد بهم الموت و قابل كيد الكائدات بمد يد العون للنصرة والمساعدات ؟.

كان يوجد عين ماء قريبة من المغارة يذهبان لجلب الماء والاغتسال يوم الجمعة حسب العادة و كان ماؤها قليل يتجمع بالتقطير ، كما كان يوجد عين ماء أخرى في منتهى الوادي و ماؤها وفير .

تردها خيل السلطان للشرب على مر الأزمان.
ذات يوم تاقت عفراء للذهاب للعين الأخرى لكنها من أخيها تخشى.
رأت عفراء أن مفتاح المارد نحناح هو سر معرفة أخيها بما يجري في الخفاء.
سرقت عفراء على أخيها المفتاح من بين أسنان الرماح ، فلفته بجلد غزال و خاطته بزعل الضأن فكان وصول نحناح اليه محال.
و في الصباح بعد أن ذهب للصيد دحداح ، خرجت عفراء من المغارة و كانت السماء تمطر بغزارة ، فوضعت المفتاح بالقرب من عين الماء و وضعت عليه إشارة فكانت بداية الخيانة ، فخالفت التعليمات و اخترقت التحذيراتِ .

فذهبت واغتسلت في الخفاء دون أن تخبر دحداح بما جرى.
و كالعادة خيل السلطان إلى العين آتت ، فشمت الماء و نفرت و على مقربة من العين انتظرت.
جلد السائس الخيول كي تشرب بلا جدوى ، عاد السائس بالخيول إلى السلطان و أخبره بما جرى .
أرسل السلطان وزيرين للنظر في ماء العين.
نظرا في الماء  فكان صافي زلال لا علق فيه و لا طُحال ، عادا إلى السلطان في الحال و قالا : ليس في ماء العين جدال.
أمر السلطان السائس بالذهاب بالخيل و معاودة الكرة ، لكن دون جدوى فقد شمت الخيول الماء فنفرت ، ذهب السلطان بنفسة لمعاينة ماء العين و جسه.

و بعد أن أمعن النظر و فحصه بعدسة مجهرية لاحظ في قاع العين شعرة طويلة مطوية ، أخذ العصا و بها اخرج الشعرة من الماء ، فعجب أيما عجب وأستغرب من طول هذه الشعرة الغير مألوف و مصدر هذه الشعرة و من أي صنف هي من الصنوف !.
فالعين بعيدة عن الأحياء و لا تردها النساء ، ومخصصة لسقي الخيول دون سواها من البهائم والعجول.

أصاب السلطان الذهول من لمعانها والطول فعزم وقرر تتبع آثرها و معرفة صاحبتها وكشف المجهول.
بعد نزع الشعرة من الماء تقدمت وشربت الخيول ، عاد السلطان إلى قصرة مهموم مغموم و داهمته الظنون ، عن مكان صاحبه الشعرة و من تكون ؟.
عرضها على السلطانة وجواريها و الوصائف.. فاعترتهن الغيرة و انتابتهن الحيرة.
فقلن: على الأرجح هذه الشعرة ليست لأنسان و لربما أتى بها طائف من الطوائف أو نُزعت من رأس أمرأة في زمن الغرقة والطوفان ، فجرفتها السيول وسحبتها الغيول حتى استقرت في عين من الأعيان.

طلب السلطان العجوز الكاهنة و قال : لك من الخيل عشرة و من الابل عشرة إن أتيتي بأخت هذه الشعرة.
فطلبت العجوز من السلطان مهلة حتى تلف على البيوت و تدور بائعة للبخور والعطور حاملة للشعرة في معطفها المستور.
انتهت المهلة و أكملت العجوز الرحلة ، فطوت الشعرة وأدخلتها المكحُلة ، فخلت بنفسها حزينة واستخرجت أفكارها و مكائدها والحيل المخزونة ، فذهبت فراقبت عين الغيل و مدارب السيل ، ذهبت عفراء للغسل في العين وجلب الماء حاملة على رأسها الوعى ، راقبتها العجوز متخفيه فاستمرت عفراء ماشيه حتى استقرت على الغيل القريب من عين الخيل ، حطت الغرب من على رأسها و تلفتت يمينها وشمالها ، ثم خلعت ثيابها و في عين الماء نزلت  غطست و اغتسلت.

من عين الماء خرجت تجر شعرها خلفها كريش نعامة و قد غطاء جسدها كغمامة ، حجبت البدر في ليلة تمامه ، فراع العجوز ما راعها ، غشي بصرها وزاغ عقلها و هال فؤادها ما رأى ! فأخذت العصاء وعكزت ثم أسرعت و على ثياب عفراء جلست ! فُزعت عفراء فنثرت شعرها على جسدها فتغطى .

فنظرت إلى العجوز و قالت : قُل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق .
هل أنتِ النفاثة في العقد ؟.
انهضي من على ثيابي قبل أن يحل عليك غضبي !.
قالت العجوز: لن انهض قبل أن تعطيني شعرة من شعر رأسك يكون فيها خلاصك.
هل أنتِ حورية من حور الجنان أو جنية محبوسة من عهد نبي الله سليمان ؟.
تقدمت عفراء بعناء و بلمح البصر من يد العجوز انتزعت العصاء ، فوخزتها في عينها ففقأتها فاضحت عوراء ، فصاحت العجوز ولاحت وعلى الأرض انبطحت وناحت ثم فقدت وعيها وساخت.

ارتدت عفراء ملابسها و ملئت قربها وهمت بالمغادرة ، وبعد عدة خُطى التفته إلى العجوز نظرة فرق لها فؤادها والجوارح ، حطت القرب و عادت فشاهدت في عُنقها ثلاث مسابح ، نضحت الماء على وجهها فاستفاقت.
فقالت عفراء:  اخبريني عن مقصدك والغاية ؟
ثم اغفري لي زلتي والجناية.
قالت العجوز: أنتِ قصدي والمراد دون ساير العباد.
أصحبيني إلى دارك أسمعك قصتي وأستمع منك كل أخبارك ؟.
قالت عفراء : ليس لي دار عامرة واسكن في مغارة خاربة.
و لي أخ صنديد فارس زمانة أمرني بكتم أسراره  وعدم الخروج من المغارة.
قالت العجوز : عديني بموعد تسمحي لي فيه بالزيارة ؟.
قالت عفراء: دعك من أمر الزيارة فهذا أمر مُحال ، محذور من دحداح ، و دحداح يختلف عن كل الرجال.

افصحي عن مكنونك و ماذا تطلبي مقابل عينك ؟.
قالت العجوز: باستعطاف اسمحي لي أن أمتع عيني المتبقية بالنظر إلى جسدك واستمتع بمشط وتسرح شعرك ، لربما شُفيت عيني وعاد إلي بصري ، و من يدري لعلي أزورك في وحدتك في غد  يأتي بعد يوم غدي.
رقت عفراء للعجوز فمكّنتها من مشط وتسريح شعرها ، فاستلت العجوز مقص من جيبها و اجتزت بعضاً من شعر رأسها.
فقالت عفراء: من أي ديار و أي قوم أنتِ ؟.
قالت العجوز: من مدينة السلطان جنة من الجنان فيها ما تشتهيه نفس الصائم و تتمناه الواحم  و تنحني أمامه الجباه والعمائم.
ودّعتها العجوز نفاثة السموم على أن تأتي لزيارتها في الموعد المحتوم..
وصلت العجوز إلى السلطان عوراء بعد أن كانت حوراء.

قال السلطان: اخبريني بما جرى وكيف أصبحت عينك عوراء؟.
قالت العجوز : صاحبة الشعرة هي من لعيني أعورت !.
فخذ هذا الشعرات وقارنها مع تلك الشعرة ؟.
قال السلطان: أيها الوزير أحضر من الخيل عشرة ومن الجمال عشرة و أعطها العجوز مجملة و بالهدايا محملة ، و أستدعي من كل البلدات الأطباء لعلاج عينها العوراء ، وعليها ضع الحراس و أمرهم بأن تُقرع عند خروجها و دخولها النواقيس والأجراس.
قال السلطان : أيها العجوز صفي لي صاحبة الشعرة ؟.
قالت العجوز: إنها آية من الآيات ! فوجهها نور وعيناها بحور ، و كل ما قيل عن الجمال لا يضاهيها في عرضها والطول .

سُر السلطان بهذا الإطراء وتمنى لحظة اللقاء.
حضر الأطباء و أمدوا العجوز بالدواء حتى صحت عينها و ذهب عنها العمى .
فحملها السلطان بالهدايا المغرية وطلب منها الذهاب لزيارة صاحبت الشعرة.
قالت العجوز: على الرحب والسعة والسمع والطاعة.
ذهبت العجوز حتى اقتربت من باب المغارة.
فشاهدت النمران على باب المغارة يدوران ، فارتعبت و خلف الأشجار اختفت.
فحركت الأفكار في ر أسها و كالت المكايد والحيل فاهتدت للمرآة فوجدت فيها مقصدها والغاية ، فأخرجتها و إلى داخل المغارة صوبتها ، لمحت ضوء المرآة عفراء فأدركت إنها العجوز العوراء.

خرجت من المغارة واطلقت صفارة ، ظهرت العجوز شهقت و زفرت و إلى عفراء أسرعت ، فسلمت عليها و نثرت هدايا السلطان بين يديها ، و بعض القدور.

فأدخلتها عفراء المغارة و غمرتها برؤيتها السعادة ، جلست العجوز وتنحنحت ، ثم شرعت في مدح عفراء ، و قالت : ما الذي يجبرك على ضياع شبابك وفناء عمرك وذبول جمالك ؟ فمثلك لا يليق بها المقام إلا في دار معمور أو قصر من القصور و ليس البقاء مدفونه في مكان مهجور.

فلمن تتزينين في هذا الخلاء ؟ فلا نساء تسلي خاطرك ولا رجل يرجو وصالك.
قالت عفراء : لي أخ انقذني من الموت فلن أتركه و لن استمع لغير صوته صوت ، و قد تعاهدنا على الوفاء حتى الفناء ، ترك الديار لأجلي و من القبر انتشلني ، وقد اضحى من المستحيل أن أحيل أو أميل عن هذا السبيل .
أخرجت العجوز من معطفها صندوق صغير و قالت : أن سلطان الزمان أهداك في هذا الصندوق عقد مرصع باللؤلؤ والزمرد والمرجان .

وكل ما يتمناه أن تكوني له زوجة مصانه وللقصر سلطانة ، و أن تكوني أم لأبنائه و بناته ، فتخدمك الجواري وتستلطفك الوصائف و تلبسي الحرير والقطائف.
قالت عفراء : إن هذه المغارة لا تضاهيها القصور ولا تحف الدور ، و عودة أخي دحداح في الظهيرة للصيد رادف يفوق الجواري والوصائف ولبس الحرير والقطائف ، و رؤية هذان النمرين لي حارسان أسمى و أرقى من الخدم وعساكر السلطان.
يئست العجوز فاستأذنت و انصرفت بعد أن تركت الهدايا لعفراء كمعرفة.
ترك كلام العجوز في رأس عفراء طنين وفي جوارحها زنين ، فقد حرك فيها الشجون وانتابتها الظنون ، فهاجت لديها مشاعر الأنثى كالزلزال
و تاقت روحها لعِشرة الرجال و خِلفة العيال .

بعد عدة أيام عادت العجوز حاملة الهدايا والمزايا والكنوز ، استقبلتها عفراء بالترحاب والبشاشة واستمعت لأخبار السلطان بعناية ، و استنشقت الهدايا وظهرت على وجهها السعادة.
قالت العجوز: يا عفراء ألم يحن الوقت لترك الهجران ومعانقة الخلان ؟ فعناق الاحبة يختلف عن حب الإخوان .

قالت عفراء بعد أن أجهشت بالبكاء : هل لكِ أن تساعديني فأنا لا أقوى وأخي لن يرضى.
قالت العجوز: سأذهب إلى السلطان و أزف اليه البشرى ، و ما رآه السلطان جرى.
لكن اخبريني بسر قوة أخيك ؟.
قالت: له نمران وحصان ومفتاح مارد من الجان سرقته عليه قبل فترة من الأن و وضعته قرب العين و وضعت فوقه ثلاث أخشاب زان.
فذهبت العجوز و أخذت المفتاح بسلام وأخفته تحت الحزام ، إلا أنه لا يستطيع استخدامه أحد غير دحداح .
 
عاد دحداح من الصيد فرأى قدر طعام و رائحة عطر شذى ، فسأل عفراء ، فقالت : أتت عجوز فأعطتني قدر الطعام و بعض البخور وعطر الأنسام..
ابدى دحداح الانزعاج الحار فمنع عفراء من التكرار.
بعد ثلاثة أيام عادت العجوز ومعها عشرة فرسان من عساكر السلطان وقفوا مستورين بينما تقدمت العجوز إلى المغارة ، كانا قد ألفها النمران فلم يكن لها مانعين.
قالت العجوز: يا عفراء حان وقت الرحيل الأن
ينتظرك خلف التل خيل تركبيه وعشرة فرسان.
استجابت عفراء فمشت مشغوفة ملهوفة ، ركبت وخلف الفرسان مشت ، كانت الشمس على المغيب قد دنت.

عاد دحداح فسمع عوى النمران ولم يجد عفراء
، بحث عن مفتاح نحناح حارس الضياح فلم يجده ، صاح دحداح : قلبي فؤادي جوادي دقوا الأعادي.
انطلقوا كريح الهبوب في كل الدروب ، عثر على عفراء والفرسان في نهاية الوادي عازمين الهروب.
جندل الفرسان العشرة و ترك العجوز والخيول مكسرة ، انتزع النمران قلوبها والأكباد واستعاد عفراء نادمة لغيضها كاظمة ، دموعها على خدها كالندى ، فدعت لدحداح بطول البقاء على تخليصها من الأعداء ، و قالت : لقد أسروني و من المغارة اقتادوني ، ومن شعر رأسي جروني و على الركوب أرغموني .

جبرت العجوز من الكسور و الجراح و عادت إلى عفراء بالمكر والدهاء ، فطلبت منها أن تسد أذان النمران بالقطن والدهان و أن تضع الحلبة تحت سرج الحصان ، فكان لها ما أرادت ، فاتت العجوز بسبعة فرسان كمنوا بالقرب من المكان.
خرج دحداح في الصباح فشدت عفراء سرج جوادة وهم بالانطلاق ، مباشرةً ماج السرج وساج ، سقط دحداح عن جوادة فصاح : قلبي فؤادي جوادي ، و لكن لا حياة لمن تُنادي ، أُصيب دحداح عند سقوطه بجراح مثخنة ، فصاحت : أخته أدنوا يا السبعة أطعنوه من طعنة طعنة .

هجم علية الفرسان و أثخنوه طعن بالسيوف وعفراء ترى و تقول : زيدوه و بالسلاسل قيدوه ، فتأكدوا من موته فسجوه في حفرة و بالحصى دفنوه و قبروه.
ثم أعطت عفراء سم النقاع للنمرين و أخذت جواد دحداح و أزالت عن ظهره أثر الحلبة وامتطته بصحبة الفرسان والعجوز إلى قصر السلطان ، فتزوجت سلطان الزمان بعد أن دفنت أخيها دحداح أمام الأعيان.

فكانت عروس الذل والهوان ، بعد يومان عبرت قافلة إبل تحمل تجارة تنباك وتوابل ، وعلى مقربة من كوم الحصى المدفون تحتها دحداح توقفت الجمال وناخت ، فحار الجمال في أمرها فزجرها وضربها بالسياط فعقت وهاجت و رابطة في المكان ولم تتزحزح يمين أو شمال ، تقدم الجمال إلى كوم الحصى  وعليه حط إذنيه فسمع آنين شجى ، فنبش الحصى فوجد شخص تقطر جراحة دماء خامد هامد لا حراك فيه ، فجسه فوجد نبض هالك .

فحفة بالقطن ولفه بأوراق الشجر ونشقه الأقحوان والصعتر و حمله على ظهر بعير صغير أظله بحصير و سار بالقافلة حتى وصل ديارة ، فقام بتمريضه وتضميد جراحة بالعسل والثوم والبصل و جرعة حليب الناقة ، و بعد عدة أسابيع عادت اليه الروح فسعل وعطس و في نوم عميق غط وتنفس ، بعد شهر أفاق  من المنام فقام و أكل الطعام ، فسأله الجمال و قال : ما وزرك ، و ما عذرك ؟ و من جنى عليك ؟.

رد وقال : وزري وعذري أني أردت الحياة لمن أراد لي الموت !  وأما الجاني : سأنتزع أكباده في عقر داره و ستأتيك أخباره.
قال الجمال : ألك أسم تُنادى به  وعشيرة اليها تنتمي ؟.
قال: اسمي دحداح إذا ركبت الجواد اهتزت من حولي الضياح ! لي أهل وعشيرة و ديرة ، لنا في التأريخ ذكر وسيرة !.
قال الجمال : عليك بإكمال الاستجمام والمداومة على آكل الطعام حتى تعيش وتحيى وتعود إلى سيرتك الأولى.
في تمام الشهر الثاني جُبرت الجراح فخرج دحداح.
فقال الجمال: ما هي إمارة عافيتك وعادتك المعتادة في السباق والرياضة ؟.
قال دحداح : عادتي أن أقفز من فوق الجمل بقيامة من جهه إلى جهه دون أن ألمس بسنامه!.

أحضر الجمال الجمل ، قفز دحداح فوقع على سنام الجمل.
فقال : عافيتي لا زال ينقصها بعض الخلل ! فشرب اللبن وآكل العسل ورم اللحم مع العظم وعبر النهر وصعد الجبل ، احضر الجمال الجمل فجرى دحداح و رمح من فوقه كأنه قوس قُزح ، تهلل وجه الجمال بالفرح و صدر دحداح انشرح ، طلب دحداح من الجمال جواد فأعطاه المراد ، فاستطلع المكان حتى دخل مدينة السلطان ملثم حتى لا يظهر للاعيان ، فدخل الميدان مشتاق و شارك الخيالة في السباق ، ففي اللفة الأولى لمح جواده مربوط في ركن من أركان الميدان ، و في اللفة الثانية رمق أخته عفراء في شرفة من شرف القصر يمينها ثلاث و شمالها ثلاث تشاهد مبارزة السيوف ودق الطبول وسباق الخيول.

فصال و جال والتفت حوله الأبطال واليه توجهت الأنظار ، ثم عاد إلى الجمال في آخر النهار ، فطلب سيف مهند و درع ممرد و رمح مزرد.
أُعلن عن سباق بين الفرسان في الميدان بحضور السلطان و إلى ميدان السباق عاود الكرة ، فتخطى الفرسان وسبق الشجعان فكان يميل في ظهر الجواد
حتى يلمس الأرض و يرفع الدرهم بسيفه و يحطه في جيبه ، انتشر خبر الفارس الملثم و أحتشد الجميع لمشاهدته .

و برزت عفراء من دون حجاب وعلى يمينها وشمالها النساء والحُجاب و إلى جوار السلطان في المنصة وقفين ، وبدأ الفرسان السباق فطوى الفارس الملثم الميدان.
فقالت السلطانة عفراء: لا اصدق ما أرى فهذا الفارس الملثم هو دحداح لا غيره و لا سواه!.
فصاح دحداح و قال : انظروا سوف أصيد حمامة من بين سته غربان.
صوب رمحه نحو عفراء فاخترق أحشائها و مزق القلب و أخرج الكلى ، ثم اقترب من جواده ففك رباطه و اعتلاه ، اخترق الفرسان و خرج من الميدان أمام الأعيان ، فلم يُشاهد خلفه إلا الغبار و كأنه في الهواء طار ، فأختفى عن الأنظار.
عاد إلى الجمّال و أخبره بما جرى وصار.

فقال الجمّال : مثلك لا يُرد له طلب ، خُذ ما تشاء من المال واشتر السلاح و رقاب الرجال ، و جهز الفرسان والسيوف والرماح و النصال ليوم الفصل والنزال ، فلا شك أن السلطان سيقتفي آثرك و ستأتيه العسس بخبرك.

آوى دحداح إلى وادي شاسع ، دق فيه الطبول والمرافع ، فآتى اليه كل سامع ، فتجمعت الجموع و تسلحت بالرماح والسيوف والدروع ، خلال أسبوع واحد بلغ مسامع السلطان تنامي جيش دحداح الصاعد ، دعم الجمّال جيش دحداح بلوازم الحرب
، هاجم جيش السلطان معسكر دحداح فكانت بداية النهاية ، سحق جيش دحداح جيش السلطان المهاجم فلم يدع منهم قائم و وُزعت السبايا والغنائم.
علم السلطان بالهزيمة فسد أبواب المدينة.
أتته العجوز الكاهنة وقالت : إن كان دحداح
فأنا به كفيله أبعده عنك و أزيله.
و لكن كيف نجى من الموت بعد أن طُعن ودُفن و قُطع عنه الصوت .
تقدم دحداح و أحكم الطوق على المدينة ، تلقته العجوز و في يدها مفتاح المارد نحناح حارس الكهوف والضياح ، وقالت : يا دحداح أعطيك المفتاح الحار مقابل تراجعك عن غزو المدينة و رفع الحصار .

قال : اقتربي أنظر إن كان هو المفتاح أم انك تخلطي الجد بالمزاح.
اقتربت العجوز ، كان سيف دحداح مسلول ، دار دحداح كما تدور الرحى و هوى بالسيف فطار رأس العجوز مثلما يطير الغطاء ، فامسك المفتاح و لمسه و بلسانه لحسه.
ظهر نحناح و صاح شبيك لبيك نحناح بين يديك.

قال دحداح : عليك فتح أبواب المدينة السبعة وعد معانا إذ نوينا الرجعة ، فعل نحناح ما أمره به دحداح ، فدخل المدينة و هاجم القصر وقتل السلطان و أبقى على وزيره ، نصّب دحداح نفسه سلطان و بحث عن قبر عفراء فأخرجها و أجتز رأسها وعلقه على باب القصر جوار الميزان ، جعل الجمال و زيره و أعطاه مفاتيح خزائنه ، بعث الرسل إلى إخوانه فحضروا مع نسائهم والأطفال ، فلم بلغوا باب القصر شاهدوا رأس عفراء معلق فكثر القيل والقال و ضاع جواب السائل عن السؤال.

فقال دحداح : أردت لعفراء الحياة فأرادت لي الموت ، فقطعت نفسها والصوت .
وبعد أن أتضح حالها و مآلها أُنزل رأسها و دُفن جوار بقية أعضائها.
كان للجمّال أبنه وحيده تعيش سعيدة و عن أمها بعيده ، متقيه زهيده رشيده ، مسددة الرمح قطاعة السيف طعانه الخنجر خياله سباحة ، في كل الأوقات تراها بشوشة مرتاحة ، عيبها الوحيد أنها تخلط بين الجد والهزل.

أتت إلى أبيها في القصر و هي راكبة على الجمل ،
راها الجمّال مقبلة فنزل ، بينما السلطان دحداح في السطوح مسدوح لأشعة الشمس مسطوح
سمع صوت الجمال يقول: أنزلي  يا سماء ، حللتِ أهلاً و وطأتي سهلاً !.
عجب من هذا لقول كيف يقول للسماء أن تنزل ! فألتفت فهاله الهول .
فقد راى جوهرة قلبه ومستقر جوارحه و منطلق و جدانه ، فرأى فيها ذاته وكيانه ، فشعر أن روحه غادرت جسده ، بقوة جذب غريبه نحو سماء تجمعه نحوها كما تتجمع قطرات الماء.
نادى الجمال فسأله : من تكون؟ قبل أن يسيء فيها الظنون .
قال : هي سماء ابنتي الوحيدة ، تعيش عننا بعيدة وهي كما ترى في حياتها زهيدة .
فقال: أعرض عليها إن كانت للزواج تتوق ؟.

فقالت قبل أن يسألها : إن حصل النصيب فلا راد للمكتوب !.
فهمس دحداح في إذن الجمّال: أرى النصيب قد حل والمكتوب خُط وبالسماء نُقط
فتشاور مع سماء تشاور حاسم و أنا اليكم قادم.

فاتح الجمّال سماء ، فقالت  صيام قلبي من الحب طال كأنه مؤصد بالمغالق والأقفال ، فإليك فوضت السيادة في الإجابة والإفادة ، فأبلغ الجمال دحداح بالإيجاب والترحاب.
سُعد دحداح و أُقيمت الأفراح ، فكانت سماء نصف دحداح الضائع ، فبها اكتمل وعاشا بسعادة وآمل و خلفا البنين والبنات وحظنا الأحفاد قبل الممات.
 
النهاية …….
 

تاريخ النشر : 2020-09-25

الفهد

اليمن . للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
18 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى