أدب الرعب والعام

أحقاد لا تسقط بالتقادم – الجزء الأول

بقلم : نَـيْسَان – ٍSYR

لقد انهارت عائلتي أمام عيني و لم أكن قادرة على فعل شيء
لقد انهارت عائلتي أمام عيني و لم أكن قادرة على فعل شيء

 
لا شيء أجمل من تفتح عيناك وأصوات زقزقة العصافير تملأ رأسك بأجمل الألحان كأنك في حضرة أوركسترا ، و أول وجه تراه و تبدأ به يومك هو وجه أمك ،  يا لها من نعمة عظيمة!.
إن أمي إمرأة طيبة القلب بشوشة الوجه تملك لساناً دافئاً وقلباً محباً وعاطفة مجنونة ، أفضل وأرق و أجمل محامية في البلاد.
………………….

قفزت من السرير و اغتسلت ونظفت أسناني و ركضت مسرعة إلى الطابق السفلي.
 
– صباح الخير يا أمي.
– صباح الخير يا حبيبتي.
– هيا يا أبنتي أنهي فطورك سريعاً ، علينا أن نخرج.
– إلى أين يا أمي ؟.
– عمتك ستعود اليوم من السفر مع زوجها و يجب أن نكون في المطار عند الحادية عشر لاستقبالهم ، والدك سيأتي لاصطحابنا عند الساعة العاشرة.
– عمتي !.
– أجل عمتك .
– و هل لي عمة يا أمي ؟.
– لا وقت للحديث عن هذا الأن ، أنهي فطورك وأستعدي للخروج ، أرتدي أفضل ما عندك
و توقفي عن الثرثرة.
– حسناً  !.

قلت في نفسي أول مرة أرى أمي متجهمة الوجه حادة النظرات لم تكن تبدو بخير ، مما أثار في نفسي بعض القلق والريبة ، لم أكن أعلم ما هو شعوري بالضبط ، كان شيئاً غير مألوفاً .
كانت أمي تنظر إلى الساعة كل دقيقة أو دقيقتين . كان تصرفاً غريباً منها لم أراها هكذا من قبل حتى أنها لم تأكل شيئاً ، كانت تبدو متوترة وغير متوازنة ، جسدها معي ولكن عقلها لا يبدو أنه هنا .

قالت لي بنبرة صارمة على غير عادتها
– هل أنهيتِ فطورك ؟.
– نعم يا أمي.
– بسرعة أرتدي ملابسك و اختاري أفضلها ، وأياكِ أن تسألي والدك عن شيء .
– حاضر يا أمي !.
عند الساعة التاسعة والنصف رأيت سيارة والدي عبر زجاج غرفتي ، نظرت إليه  و ركضت مسرعة إلى الطابق السفلي .
قلت لأمي :
– ها قد أتى أبي وأنا أنهيت ارتداء ملابسي ، أنا مستعدة تماماً يا أمي.
– ألم أقل لك توقفي عن الثرثرة ؟.
– أسفة يا أمي.

دخل والدي إلى المنزل ، كان يبدو مرتاباً هو الأخر بشكل غريب ، لم يبتسم كعادته ولم يقل شيئاً سوى : هيا سأنتظركم في الخارج .
خرجنا و ركبنا السيارة و كان الأمر أشبه برحلة مرغمين عليها ، كانت أمي تنظر إلى أبي بشكل متواصل و كان الصمت سيد الموقف ، كل شيء بدا غريباً ذلك اليوم ، وأنا في رأسي تدور ألاف الأسئلة دون أجوبة و لا حتى أي فكرة عما يحدث و من هذه العمة التي ظهرت فجأة ؟.
 
*************************
 
دخلنا إلى المطار وجلسنا على مقاعد الانتظار ، و كانت أمي لا تزال تطيل النظر إلى والدي بين الفينة والأخرى ، لم أجرؤ على السؤال ، قلت في نفسي الأجوبة : ستأتي لا محالة.
في الساعة الحادية عشر ونصف تقريباً سمعت صوت نداء عن الرحلة المنتظرة ، وقف والداي سريعاً و ذهبنا لننتظر ( عمتي التي ظهرت فجأة ) بعد دقائق بدأ والدي يلوح بيديه ، أقبلت علينا إمرأة كانت تبدو كأنها من الطبقة الأرستقراطية بجمال يخطف الألباب وأناقة الأميرات ، عيناها ساحرتين كأنهما بحر ، و وجهها فاتن و طفولي ، و شعرها منسدل على كتفيها و رشيقة جداً ، و يرافقها رجل قصير القامة ، أصلع الرأس ، بدين الجسد ، و يمسك بعكاز ، كان يبدو كبيراً في السن .

كان اللقاء بارداً بشكل غريب ، أكتفت عمتي بمصافحة والدي فقط دون احتضانه أو تقبيله
، و كذلك الأمر مع أمي و معي أنا أيضاً ، لا ، لن أكذب ، هي لم تلحظ وجودي أصلاً .
لا يهم.
في السيارة لم يتحدث أحدهم إلى الأخر أبداً كأنهم أعداء .
وصلنا إلى منزلنا و كانت عمتي أول من دخل إليه كأنها سيدته ، كانت إمرأة متكبرة و فظة جداً .
أخذ أبي الحقائب وأوصلهم إلى غرفتهم في الطابق العلوي و طلب منهم أن يتحضروا لوجبة الغداء
، و ما كان من عمتي إلا أن قالت بكل عنجهية وغرور :
– أرجوا أن يكون طهيكِ لذيذ يا ريما.
 قالت أمي : أمل أن يعجبك .

…………………………………….
بدأت تحضيرات وجبة الغداء ، كنت أساعد أمي في التحضير وكان الصمت يعم أرجاء المنزل على غير العادة كأنه لا أحد هنا .
لم يكن هناك أي شيء سوى طرطقة الصحون والأواني ، انتظرت أي كلمة منهما يعبران بها عن استيائهم من عمتي أو حتى أي تبرير ، ولكن وكأنه كان الوضع طبيعياً بالنسبة لهم وأنهم معتادون عليه !.
مرت بضعة أيام و هذه الفظة في منزلنا لا يعجبها شيء وتنتقد كل شيء ، المياه ، الطعام ، الشراب ، غرفة النوم ، أغطية الأسرّة ، كل شيء حرفياً ،
وكأنها في منزل ممتلئ بخدم لها لا تقيم أي وزن أو اعتبار لأحد حتى لزوجها ، كان عديم الشخصية لا رأي له و لا يتحدث إلا إن أذنت له و يوافقها على كل شيء كالأبله ، ربما يكون سنه الكبير عامل في خضوعه لها ، كان بالكاد يتحرك.

في إحدى الليالي كانت الساعة تُقارب الثانية بعد منتصف الليل ، كنت لا أستطيع النوم وأتقلب في سريري ، فتحت باب غرفتي ونزلت إلى الطابق السفلي لأشرب بعض الماء ، رأيت والدي وعمتي يجلسون حول طاولة ويتحدثون في أمر ما ، لم أستطع سماع ما يقولون إلى أن اقتربت خلسة أكثر فأكثر ، كان هناك بضع ورقات على الطاولة
و يتحدثون عن ميراث ما ، لم أفهم إلا أنه لجدي وأن منزل جدي لم يُفتح منذ وفاته ، و أنه يجب عليهم فتحه الأن وتقسيم الميراث و كل شيء يوجد بداخله.

شعرت بالصدمة ، كيف حدث هذا ؟ لم أسمع من قبل أنه لأبي ميراث !.
كانت عمتي تبدو على عجلة من أمرها وكل ما فهمته أنها أتت فقط من أجل تقسيم الميراث و ستعود من حيث أتت في أسرع وقت ممكن ، بدا النقاش بينهما حادً بعض الشيء وأخذ يتصاعد ، كان أبي يفرك يداه ببعضهما و رأسه منحني
، بدأت عمتي تتحدث بصوت مرتفع شيئاً فشيئاَ قائلة :
– عليك أن تعلم أن هذا ليس إرثك لوحدك ، أنه لكلينا.
– أعلم هذا ، ولكنك عدت الأن بعد 23 عاماً لتقومي بتقسيم محتويات ذلك البيت ومن ثم بيعه!.

– إنه إرثي و شأني أعود متى أشاء واختيار التوقيت يعود لي ، لا شأن لك بهذا ، و بما أنه إرث يجب بيعه وتوزيع ثمنه ، و قبل هذا علينا فتحه وأن نعلم ما فيه ، أو أعتقد أنك بالفعل دخلت إليه وأخذت محتوياته ؟.
– لا ، لم أفعل ، وأنتِ تعلمين جيداً بأني لست دنيئاً ، و تعلمين بأنه حُجز عليه من قبل المحكمة و لا يمكن لأحد دخوله أو أخذ شيئاً منه إلا بحضور الورثة جميعاً .
– إذاً لما أنت متردد وخائف ، هل هناك خطب ما ؟.
– لا ، لكنها وصية أبينا .
– عجباً ، أنا لم أرى أي وصية بل إنها ادعاءاتك الخاصة التي لا يمكن إثباتها !.
– لقد طلب مني والدي عدم بيع المنزل أو أي شيء من محتوياته ، إنه إرث لعائلتنا .
 
– هل لديك وصية ورقية أو شهود ؟.
– لا ، ليس هناك شهود أو أي شيء يمكنني من إثبات الوصية .
– إذاً لست مضطرة لتصديقك ، سيُفتح المنزل و سيبُاع و ستُوزع الحصص  وبجميع الأحوال ، أنا لست مهتمة بإرث هذه العائلة اللعينة ولا بوصية أبيك وحدك ، وأنا بدأت بالفعل بتحريك أوراق الإرث في المحكمة ، وأنت استعد جيداً فالمحامي على وشك الانتهاء .
– أشعر بالاشمئزاز منكِ .
– احتفظ بمشاعرك لنفسك يا عزيزي ، عجباً ! لم أكن أعلم بأنك تملك مشاعر أو إحساس ، كان عليك إظهار بعض منها عندما أجبرني والدك على الزواج من رجل يكبرني ب35 عاماً لينقذ نفسه
من الإفلاس ، حدث هذا أمام عينيك و كنت في العشرين من عمرك و قادر على ردع والدك ، لكنك لم تفعل ، و عندها كنت أنا في ال15 فقط !.
– إذاً تفعلين كل هذا للانتقام ؟.

– لا أريد الانتقام ، لو أردته لما كنت حياً الأن ، ولكن لن أسامحكم ، أنا أريد حقي فقط ، البشر يموتون و هناك ورثة يجب أن يرثوا منهم شيئاً ، أليس كذلك ؟.
ومن ثم لا أريد أن أبقي لك شيئاً من ثمني ، والدك قام ببيعي وأخذ الثمن ، وها أنا أعود لأستعيد ثمني ، هذا يبدو عادلاً ، أليس كذلك أيها المُخلص ؟.
– أنتِ تعلمين بأنني وأمي لم نكن راضيين عن هذا أبداً.
– أعلم بشأن أمي ، و لكن أنت لا ، ولا أصدق أي شيء منك ، تم البيع وأنتهى الأمر .
– لهذا لم تحضري جنازتهما وعزائهما وكانت اتصالاتك بهم شحيحة ؟.
– لا يعني لي الأمر شيئاً ، استعد لإنهاء توزيع الإرث ، و لتعلم بأني أعلم عن مستودعات البضاعة و بعض الأملاك الأخرى لوالدك ، سيتم تقسيم كل شيء ، ليس فقط المنزل و محتوياته ، كل شيء حرفياً .
 
غادرت المكان وبقي والدي ، كان تبدو عيناه كأنهما ستخرجان من محجريهما ، هي حيرة أم صدمة أم غضب ؟ لم أدرك شعوره في تلك اللحظة.
 
………….
 
عدت إلى غرفتي و ازدادت الحيرة في عقلي
، لم أسمع من قبل أن جدي ترك إرث  لم يتم تقسيمه ، لم أفهم لما كل هذا ، ميراث غير مقسم ، و عمة لم أكن أعلم عنها شيئاً !.
لم يخبرني أبي أو أمي عن شيء كهذا من قبل مع أن عمري 18 عاماً أستطيع فهم هذه الأمور ، أنا لا أعلم إلا أنهما توفيا منذ زمن طويل ، قصة عمتي أثارت فضولي و في نفس الوقت حزنت من أجلها كثيراً ، لقد صُعقت من هول ما سمعت و يسعني القول بأنني عرفت أحد أسباب تصرفاتها مع والدي .

جرحها كان عميقاً و لا زال ملتهباً و يؤلمها جداً ، القسوة لدرجة عدم الصفح عن من أصبح في عالم أخر ، لا أعلم شعورها و لست مكانها لأفهمها بشكل صحيح ، و لكن ما حدث لها مؤلم جداً ، لم أستطع تخيل فتاة تٌساق إلى رجل وهي بعمر ال15 ، هل كانت تعي ما هو الزواج أصلاً ؟ و زوجها المختل الخمسيني كيف أستطاع تقبُل هذا الزواج ؟ ربما هو أكثر قٌبحاً من جديّ ،  أحترتُ أيهما أكثرُ قُبحاً من الأخر !.
 
………………….
 
بعد عدة أيام تم الاتفاق على كُل شيء وانتهت معاملة حصر الإرث و تمت الاستعدادات للذهاب إلى القرية التي تحوي منزل جدي في أحد أرياف المدينة التي نعيش فيها .
إذاً سيُفتح المنزل و تحصر محتوياته وبعض الأملاك الأخرى بحضور مندوب من المحكمة الذي سيوافيهم إلى هناك ، كان موعد الرحلة السادسة صباحاً يوم الأحد .
 
……………..
 
في خضم كل هذا كانت تبدو والدتي متأثرة جداً
، لم تكن بخير ، لم أكن أعلم هل بسبب عمتي و عنجهيتها مع أمي أم بسبب التوتر المتواصل في المنزل ؟ قررت سؤالها.
– أمي هل أنتِ بخير ؟.
– نعم ، أنا بخير.
– لكنكِ لا تبدين هكذا ، هل لا زالت عمتي تضايقك ؟.
– لا ، لم تفعل شيئاً ، و كفي عن التدخل في مسائل الكبار.
– لم أتدخل في شيء يا أمي ، فقط أطمئن عليك ِ.
– بلى فعلتي ، لقد رأيتك وأنت تسترقين السمع أثناء حديث عمتك و والدك.
– أنا أسفة يا أمي ، لم أقصد ذلك ، كل شيء حدث بمحض الصدفة و لم أتعمد .
 
– الجميع يخطئ و يقول لا يقصد.
– أماه سامحيني.
– أسمعي يا أبنتي ، أنتِ لستِ صغيرة و يجب أن تفهمي جيداً أنكِ لم تستمعي إلى الحقيقة كاملة.
– ماذا تعنين يا أمي ؟.
– كما قلت لك لا تعرفين الحقيقة كاملة بل جزء يسير منها ، و معي بعضها الأخر و هي ليست مكتملة ، أسمعيني جيداً ، كنا أنا وعمتك صديقات طفولة بدأت عندما كنا في المدرسة ، وعندما أصبحنا مراهقات بتنا أقرب أكثر لبعضنا وكنا جيران أيضاً ، لا يكاد تمر ساعة إلا ونلتقي أو نتحدث عبر النوافذ ، و فجأة في أحد الأيام طرقت باب بيت جدك لأسأل عن هالة إذ كنا نلتقي كل صباح و نذهب للمدرسة سوياً خرجت والدتها وأخبرتني بأنها متعبة ولن تستطيع الذهاب اليوم للمدرسة ، أردت الدخول للمنزل للاطمئنان عليها ولكنها أخبرتني بأنها نائمة ، و عندما عدت من المدرسة ذهبت إلى بيت جدك للاطمئنان عليها ولكن كانت تقف أمام منزلهم سيارة لم أراها من قبل ،

و كان هناك عدة رجال يقفون في الخارج ، شعرت بالحرج من أن أتي إليهم ، ظننتهم ضيوف و دخلت إلى منزلي ، فتحت النافذة وانتظرتها وقتاً طويلاً لكنها لم تخرج ، ذهبت إليهم في المساء وطرقت الباب وخرج إلي جدك ، سألته عنها وأردت مقابلتها  ، و لكنه أخبرني بأنها سافرت لتكمل دراستها في الخارج ، كانت صدمة بالنسبة لي فهي لم تخبرني من قبل عن سفر أو أي شيء من هذا القبيل ، كان شيئاً غريباً كيف أمكنها أن تخفي هذا الأمر عني ؟ غضبت كثيراً و حزنت و شعرت بكم هائل من الأحاسيس السلبية تجاه هالة ، لم تودعني حتى ، مرت الشهور ولم ترسل إلي أي رسالة ، مرت السنوات ولم تعد هالة .

تركت جرحاً عميقاً في نفسي ولم أستطع نسيانها يوماً ، و عند وفاة جدتك ومن ثم جدك بعدة سنوات تقرّب مني والدك وتزوجنا زواجاً تقليدياً ، ربما تزوجته حنيناً لهالة و ربما لأنه أخيها ، لا أعلم حقيقة مشاعري بالضبط ، و ربما من أجل أن أذكر هالة بنفسي علها ترسل إلي خطاباً و لو كان مباركة لزواجنا ، ولكنها لم تفعل يوماً ، حتى عند وفاة والديها لم تأتِ ، كنت أقف على قدمي يومياً من الصباح حتى المساء و أرى المعزين يدخلون ويخرجون ولكن لم تكن هالة بينهم.

 وبعد كل تلك السنوات و في ليلة عودتها أخبرني والدك بما حدث لها حقاً ، شعرت بالصدمة والخوف والقلق ، لم أكن أعلم شيئاً ، وأنا في حيرة يا أبنتي لا أعلم أيهما أصبحت أكره أكثر هو أو هالة ، والدك كذب عليّ كل هذه السنوات وأخبرني بالحقيقة مجبراً لأنه يعلم بحتمية لقائي بهالة ، و هي بالمقابل تجاهلتني تماماً .
– ولكن يا أمي ! ربما هي ناقمة عليهم ، و ربما عليكِ لأنك تزوجتي أبي ، ربما تعتقد أنك على علم بما حدث ، و هي من الواضح بأنها لا تكن أي مودة لوالدي ، أقول ربما مجرد توقعات .

– هي لم تتحدث إلي يوماً ، كيف لي أن أعرف ماذا تعتقد بشأني ؟.
– أنا أعتقد بأنكِ يجب أن تتحدثي إليها لتوضيح الأمور إن كانت مخطئة بحقك أم أنها تعلم بأنك تجهلين ما حدث لها ، و تصرفاتها هذه نابعة من حنقها على كل ما يتصل بعائلتها ؟.
 
– لا أعلم ، لست قادرة على فعل أي شيء ، أنا مرتبكة حقاً ، أشعر بالحزن من أجلها وغاضبة منها ، و في نفس الوقت ناقمة على والدك ، لا أعلم من أين أبدأ .
حسناً يا أمي ، أقترح عليك أن تفكري بكل شيء على حِدى وأن لا تقحمي المسائل مع بعضها ، أبدئي بعمتي فالحقيقة تبدأ منها ، و من ثم والدي الرجل الغامض.
– أفكر بالانتظار إلى ما بعد تقسيم الميراث.
– هذا أفضل يا أمي.
 
…………………………………….
 
صعدت إلى غرفتي و شعرت بالغرابة ، هل كانت أمي على وشك الانفجار لتتحدث بهذه التلقائية والسرعة عن عما يدور في رأسها ، هل كنت المنقذة ، أم أنها شعرت بالحرج مما سمعته أنا و كانت فرصتها ، أو كانت على وشك الانفجار وأرادت تنفيس بعض احتقانها ولم تجد أحد تتحدث إليه سوايّ ؟.
 
………………………..
 
ذهبت للنوم ،  وفي الصباح عند الساعة الخامسة دخلت أمي وأيقظتني لنستعد للذهاب
– هل ستصحبونني معكم ؟.
– نعم يا أبنتي ، لن نترككِ في المنزل بمفردك ، و فرصة لتدخلي بيت جدك ، ستكون المرة الأولى والأخيرة ، لا مزيد من الأسرار و التعتيم بعد الأن.
– حسناً يا أمي .
 
في الطريق لاحظت بأن زوج عمتي غير موجود ! وصلنا إلى بيت جدي ، لم أكن أتخيله جميلاً إلى هذه الدرجة من الخارج ، كنت بحالة فضول شديد للدخول ، فُتحت الأقفال و دخل الجميع و تم حصر كل شيء ، و أنا كنت في عالم أخر أتأمل سحر هذا المنزل ، كان غريباً و جميلاً في نفس الوقت ، ولكن الرائحة كانت مقززة لدرجة تجعلك تشعر برغبة في التقيؤ ، والدود يلهو على الأثاث وأشياء صغيرة تفر من طريقنا وتقفز على الثُريات المعلقة ، و روث الفئران في كل مكان ، والغبار أخفى ملامح الأثاث ، كان هناك شيء ساحر في هذا المنزل ، تشعر كأنه مقتبس من روايات أغاثا كريستي ، مخيف وجذاب ومحير في أنٍ معاً ، يجعلك ترغب بالبقاء رغم كل هذا
……
 
قال مندوب المحكمة : تم حصر كل المحتويات ، هيا بنا لنكمل جرد المستودع فقط ، و باقي ما تبقى مُعرف وموثق لدينا .
قالت عمتي هالة : أذهبوا أنتم ، أنا أريد البقاء قليلاً ، المحامي موكل بكل شيء سيذهب بالنيابة عني و لا داعي لوجودي.
قال المندوب : حسناً ، كما تشائين ، خرجنا جميعاً وأثناء سيرنا نحو الباص توقفت أمي وقالت أنا : أيضاً سأبقى أنا و أبنتي ، أذهبوا أنتم وأكملوا ما بدأتم .
شعرت حينها بنظرات قلق في عيني والدي ، لكنه عاد وأكمل طريقه معهم .
 
عدنا إلى منزل جدي ، كانت هالة تقف أمام صورة كبيرة لجدي تحدق إليها بلا حراك و تضع يديها خلف ظهرها كأنها لا تتنفس ، وقفت أمي بجانبها و قالت : هل هذه نظرات شوق أم حقد ؟.

هالة : لا هذه و لا تلك .
ريما : هل تكرهينه ؟.
هالة : لا أشعر بأي شيء نحوه .
ريما : و أنا ؟.
هالة : ماذا عنكِ ؟.
ريما : ألم تفتقديني يوماً ؟.
هالة : لا أعرف ، لم أفكر في الأمر .
ريما : أنا لا أعرف سبب تجاهلك لي كل هذه السنوات ، أفهم جرحك ، لكن أنت لم تخبريني شيئاً عن زواجك وسفرك ، لقد أختفيتي وحسب ، لقد علمت بالأمر متأخرة  و تعاقبيني دون ذنب ، لما كل هذا الجفاء يا هالة ؟.
هالة : أنا لا أعاقبك على شيء ولم ألقي اللوم عليك يوماً ، لما تفترضين شيئاً لم يحدث ؟.
 
ريما : لما تعامليني هكذا ، هل تحمليني مسؤولية ما حدث لكِ ؟.
هالة : ريما أرجوك توقفي عن هذه الثرثرة ، لا أعلم ما الذي تريدينه مني الأن ؟.
ريما : تحدثي إلي كما كنتِ تفعلين عندما كنا صغاراً ، أخبريني ، أريد أن أفهم ، أريد حقيقة
ما حدث ، ربما أستطيع استيعاب كل هذا ، فهذا كثيرٌ عليّ ، لقد استمعت للكثير في ليلة واحدة و لا زلت لست قادرة على تقبل ما سمعت و لا أعلم حقيقته من عدمها .
هالة : ما الفائدة التي ستعود عليكِ أن عرفتيها ؟ لا أعتقد أن الأمر سيشكل فارقاً لديكِ ولن يغير شيئاً في واقعك ، ولن يغير أي شيء بي أيضاً .
ريما : ألم أعد أعنيّ لكِ شيئاً ؟.
هالة : أنا أصبحت جسد بروح شيطان يا ريما ، لا تطرقي الباب الخطأ ، أنا لم أعد أقيم وزناً لأي علاقات إنسانية لم تعد تعني لي شيئاً ، ما الذي يقلقك الأن ولما أنتِ مهتمة بالأمر إلى هذهِ الدرجة؟.
ريما : أنتِ قلقي و ذاكرتي وطفولتي ، أدرك عمق جرحك ، لكن ما ذنبي أنا ، هل بسبب زواجي من أخيكِ جابر ؟.
هالة : ريما أرجوكِ  إني لأبغض زوجك الخبيث هذا بغضاً لو وزع على أهل الأرض لكفاهم ، أنتِ تجعليني أُصاب بالصداع ، يا إلهي لم تتغيري لقد أتعبتني ثرثرتك وتعبت من الرائحة هنا ! أريد أن أخرج للجلوس عند البحيرة.
………………
خرجنا من المنزل وتمشينا قليلاً و وصلنا إلى بحيرة جميلة وجلسنا على عدة صخور متوزعة على أطرافها ، وعندها تنهدت هالة وتغيرت ملامح وجهها من اللؤم والغضب إلى الهدوء والسكينة
وبدأت حديثها بعد أن وضعت قدميها في الماء ، لم تكن تنظر إلى عينيّ أمي ولا إليّ طوال حديثها
 
هالة : أنا يا ريما لم أكن أصدق بأني تزوجت هذا العجوز إلا عندما دخلت قصره ، قبل الزواج بعدة أيام لاحظت تغييراً طرأ على تصرفات والدي ، أخبرني بأنه سيزورنا ضيف ويريد مقابلتي ، وعند الزيارة كان الرجل يحدق إليّ بشكل غريب ، إلى كل تفصيل بي ، شعرت بالانزعاج فأخبرت أبي ، لم يعر الأمر اهتماماً وأخبرني : بأنه لديه ثانوية خاصة للبنات وسيرسلني لأكمل دراستي فيها وسأغادر معه لأتلقى تعليم جيد وأعود لهم طبيبة ، ولكن يجب أن أغادر على أني زوجته و سيكون عقد لا قيمة له ، فهي الحالة الوحيدة التي أستطيع السفر بها بشكل قانوني و دون عوائق و مشاكل مع السلطات ، المضحك أنه أستخرج لي جواز سفر وأتم جميع الأوراق دون علمي بشيء ، يعني أن هناك أتفاق مسبق بينهما .

رفضت الأمر ، ولكن طريقة حديثه معي كانت مخيفة يشوبها شيء من التهديد ، بعدها دخل عدة رجال إلى منزلنا وكان من بينهم رجل دين ، كنت متفاجئة من حجم الزيارة ، أكل هذا لدراستي ؟ قال والدي : أنه يتوجب علي الموافقة أمامهم ليتم الأمر ، أدخلني إلى غرفتي وبعد عدة دقائق استدعاني ليسألني أحدهم عن موافقتي للزواج ؟ وقفت مندهشة من السؤال ولم أجبه ! قال والدي : أمهلني دقيقة ، هي تشعر بالخجل ، اصطحبني إلى غرفتي وقال لي : لما لم تجيبي ؟.

قلت له : يا أبي لا أريد السفر ولا أريد الزواج.
قال : هو ليس زواجاً أعدك بذلك ، هو فقط ورقة تسمح لك بالمغادرة.
قلت له : لا أريد ، قلت لك لا أريد.

فصفعني بقوة شعرت بدوار حينها ، بل إنني أشعر بحرارة هذه الصفعة إلى الأن كلما لمست وجهي أشعر بشيء ساخن يلفح خدي ، أمسك والدي بيدي و اصطحبني مرة أخرى ، و افقت و تم الأمر ، كانت أمي قد جمعت أغراضي وكل شيء يخصني ، كنت أراها تبكي ، كانت أول مرة أرى فيها كدمات على خدها و يديها و رقبتها ، عندها فهمت الأمر أنه زواج حقاً و ليس كما يدعي أبي ، استسلمت له وذهبت مع الرجل بدون أي مشاكل رأفة بأمي لكي لا تضرب مجدداً ، كان جابر يرى ويسمع كل هذا ولم يحرك ساكناً كأنها ليست أمه وأنا لست أخته ،

كان جباناً كالجرذ القذر يقف و يشاهد فحسب ، اشتعلت النار في صدري ولم تنطفئ حتى الأن ، سافرت معه ، كان منزله أشبه بالقصر ولديه خدم وسائقين وكل شيء مرفه ، لم يخبر أحد بأني زوجته بل أخبرهم بأنني أبنة أخته وأتى بي لأكمل دراستي ، كان يخشى الفضيحة ، سيعتبرونه “منحرف ” إن علموا أنه متزوج من فتاة في الخامسة عشرة من عمرها ، حذرني مراراً من التفوه بأي شيء ..

أخبرني كيف تزوجني بفخر وكان يضحك بشكل هستيري كأنه يلقي نكتة ، لقد قال لي : أتصل بي والدك وقال لدي صفقة من أجلك.
سألته : ما هي ؟.

قال لي : سأزوجك أبنتي و مهرها أن تسدد ديوني وتنقذني من الإفلاس .
إذاً والدك أراد بيعك إلي مقابل تسديد ديونه وإنقاذه من الإفلاس يا حلوتي.
قلت لوالدك : كم تبلغ من العمر أبنتك ، قال لي : خمسة عشر عاماً ، قلت له : بأنك صغيرة جداً !.
قال لي : لا تقلق ، الفتيات يكبرن بسرعة .

كنت ممتعضاً منه و رفضت في بادئ الأمر لأنها صفقة خاسرة بالنسبة لي ، النساء في كل مكان و لدي عشيقات كثيرات ولست في حاجة لدفع مبلغ كبير كهذا من أجل أن أتزوج ، أنا سعيد مع عشيقاتي ، و لكن عندما فكرت في الأمر مرة أخرى قلت في نفسي عشيقاتي عاهرات وأنا لن أنجب من عاهرة هذا مستحيل ،و كبرت في السن لما لا أتزوج عذراء صغيرة لا أملها و تنجب لي وريث ؟ وعندما أراني والدك صورتك سرقتي قلبي بسرعة و اقتنعت مئة بالمئة بهذه الخطوة ، أنتِ صغيرة جداً ولكن صلاحيتك ستكون مدتها أطول و زوجة كما أريدها  و تمت الصفقة ، ولكن لا تحزني فثمنك لم يكن بخساً وأنتِ تستحقين كل قرش دفعته من أجلك ، و الأن عليكِ إطاعتي طاعة عمياء ، سأقتلك ولن يعلم بك أحد ، لو أخبرتي أحدهم بشيء أو قمتي بأي تصرف خاطئ .

كان يتصرف معي أمام مجتمعه المخملي بود و احترام ودلال ، كان يشتري لي كل شيء وأدخلني لمدرسة مكلفة جداً لكي لا يثير الشبهات حوله ، كان عليه تنفيذ كذباته بحذافيرها ، كنت طوال الوقت أبكي وخائفة ومتوترة ، كان يسمح لي باتصال دولي واحد كل أسبوع مدة المكالمة دقيقتين لأطمئن على عائلتي ، كنت أشعر بالهلع منه طوال الوقت ، في أول مكالمة لي مع عائلتي استنجدت بوالدي أن يعيدني إلى المنزل ، كنت أبكي بشدة ، لكنه لم يعرني أي اهتمام قائلاً : لم أعد قادر على فعل شيء ، تقبلي زوجك ، وأغلق الهاتف ، شعرت كأني شيء لا قيمة له لا يستحق الرحمة وكأنني لست أبنته ، وكأنما روحي خرجت من جسدي عقب ذلك الاتصال ، قررت التوقف عن الاتصال بهم ، لكنه كان يجبرني بناء على اتفاق بينه وبين أبي ، وعندها أصبحت أجري الاتصال لكن لا أتفوه بكلمة واحدة ، إن سمعت صوت أمي أحدثها و إن سمعت صوت أبي أو أخي أنهي المكالمة فوراً .

كان لدي جناح خاص أكبر من منزلنا يحتوي على كل شيء يخطر في بال إنسان ، كل وسائل الترفيه والتسلية والعلم ، في تلك الفترة لم يكن قد أقترب مني بعد ، القصر ممتلئ بالخدم والزوار ورجال الأعمال لا يتوقفون عن زيارته و مناسباته وسهراته ، كان لا يجرؤ خوفاً من افتضاح أمره .

لم أكن أتحدث مع أحد منهم لدرجة أني نسيت لوهلة بأنني قادرة على الكلام ، وأيضاً لغتي كانت سيئة ، في العطلة الصيفية أخبر الخدم بأنه سيسافر بي إلى عائلتي وعليهم أن يعتنوا بالقصر جيداً ، حزمت حقائبي مصدقة الأمر ، كنت مذهولة سأخرج من هذا الكابوس و فكرت بأن أهرب عندما نصل وأختفي عنه وعن عائلتي ، ولكن في الطريق خاب ظني عندما سلك طريق غابات عندها أخبرني بأنه يملك كوخ لا يعلم به أحد من محيطه و هو أشتراه ليقضي به أوقاته عندما يرغب بالبقاء وحيداً ، عندما دخلته لم يكن هناك أحد سوانا ، هدوء يتخلله أصوات الحيوانات ، كنت أشعر بضربات قلبي ، شعرت بأنه سيقع مني ،

 خُيّلَ لي بأنه سيقتلني ويأكلني ، عم الظلام و تناولت معه العشاء مجبرة ، و بعدها أحضر الخمر و بدأ يشرب ، أعطاني كأساً ولكنني رفضت مراراً وتكراراً ، إلى أن صفعني بقوة عندما شربته لأول مرة تقيأت من سوء طعمه وقذارة رائحته ، كانت أسوأ ليلة في حياتي بل أسوأ من سماع نبأ بيعي له ، لقد اغتصبني بالتهديد والضرب ، لم يشفق علي أبداً ، وتكرر اغتصابه وضربه وتهديده و وعيده إلى أن استسلمت وفقدت القوة بشكل كامل ، أصبحت جثة بين يديه طوال شهرين كاملين ، أعادني إلى قصره وعاد كل شيء كما كان ، أنا أبنة أخته وهو خالي ، أشاع بين الخدم و ضيوفه بأن لي صديقاً كنت أخرج برفقته ، و كان يتحدث بشغف بأنني كبرت و بات لي صديقاً و بأنه قلق من كوني تهورت وأقمت علاقات جنسية معه ، أستـأجر شاباً من المشردين وطلب منه أن يقوم بدور صديقي بمقابل مادي مجزي .

وأردفت قائلة : هذا العجوز كان عبارة عن شيطان

كان يمهد لخبر حملي من صديقي المزعوم ، أعتقد بأني حملت منه في هذين الشهرين ، بعد مرور عدة أسابيع طلب من المشرد أن يأخذني لطبيب نساء يعرفه قذر مثله يبدو كالمجرمين ليتأكد بشأن حدوث حمل أم لا ، ولكن كانت النتيجة سلبية بما أشعره بقليل من القلق ، و بعد عدة أيام قال لي : ستجرين التحاليل والفحوصات لأتأكد من قدرتك على الحمل
، اصطحبني المشرد لإجراء التحاليل ، قمت بكل شيء ليس بالإكراه لا بل بانكسار ، لم أعد قادرة على المقاومة فأصبحت دميته يلهو بي كما يشاء و يأمرني بما يشاء ، خرجت النتائج إيجابية ، أنا لا أشكو من أي شيء يمنع حملي ، صعقته النتيجة و بدا ذلك جلياً على وجهه وتغيرت الخطة ، أصبح يطلب من المشرد أن يوصلني إلى الكوخ بمفردي ومن ثم يأتي هو لاحقاً ، المطلوب أن يعتقد الخدم بأنني خرجت برفقة صديقي .

حاول لعدة أشهر أن يجعلني حاملاً ولكنه فشل في كل مرة ، أنتابه القلق وبدأ بإجراء فحوصات له و كانت صدمته الكبرى و نقطة التحول الكبيرة في حياته ، ثبت عقمه و استحالة أن ينجب ، تبدلت أحواله و بدا كأنه منهار تماماً .
لم أخبر أمي يوماً عن معاناتي ، لم أكن أريد تحطيم قلبها أوهمتها بأني بخير و بأني سعيدة ليرتاح قلبها وتطمئن .

فكرت في الاتصال بك أو التواصل معك ، و لكن خشيت أنا وأمي بأن يعلم أبي وأخي بتواصلي معك و معها و أن تتأذى أمي بسببي ، كما قلت لك لقد قاطعتهما للأبد .
 حاول أبي الاتصال بي ولكن كنت أرفضه وأرفض أخي ، أوحيت لهما بأنني نسيتهم تماماً وبأنني لا أعتبرهم عائلتي أبداً وطلبت من زوجي أن يخبرهم بأنني تخليت عنهم ، لكي لا يعاودوا الاتصال بي مجدداً
 
…………………….
 
بعد أن علم بعقمه تغيرت معاملته لي تدريجياً ، أصبح ودوداً و لم يعد يجبرني على معاشرته
و لم يقترب مني أبداً و لم يجبرني على الخمر أو السهر معه ، كنت أرى انكساره في جوف عينيه ، هدايا ، سفر ، أموال طائلة ، كلها أصبحت لي بشكل مفاجئ ، و يصطحبني عندما يجري أي صفقة لأتعلم منه.

قال لي ليس : لي وريث ، أنتِ ستكونين و ريثتي الوحيدة ، لا أحد يستحق أموالي سواكِ ، و أنا لن أؤذيكِ بعد اليوم أبداً ، استعدت قوتي شيئاً فشيئاً و في أوج النهوض أخبرتني أمي بمرضها وتعبها ، كان صوتها يكاد لا يٌسمع ، شعرت بانتكاسة كبرى ، و لأول مرة دون تفكير أطلب مساعدة من زوجي ، طلبت أن أسافر لأرى أمي بالسر و دون علم والدي وأخي ، وافق على مضض لأنه شعر بالخوف بأن لا أعود مجدداً ، وعدته بالعودة وبأنه لم تعد في نفسي أي نية للهرب منه ، أرسل معي رجال أشبه بالمافيا لتأمين اللقاء  وجميع احتياجاتي ،

وعندما وصلت للفندق أرسلت رجلاً للاستطلاع وعاد وأخبرني بوفاتها قبل يومين كانت الصدمة قوية لدرجة عدم قدرتي على الكلام لعدة ساعات ، أملي الوحيد ، بهجتي الوحيدة ، قوتي الوحيدة التي كنت أخشى على حياتي من أجلها رحلت بهذه البساطة ، سقط العالم من حولي وأكتسى بالسواد ، لا شمس ستشرق بعد اليوم أبداً ، الفتاة التي كانت على وشك النهوض مجدداً قُطع رأسها و أُجتث قلبها ، ذهبت إلى قبرها ، تعبت من شدة البكاء وغفوت عنده ، طوال زيارتي كنت أتردد كل يوم إلى قبرها لأسبوعين لم أرى أي منهما هناك ، وددت لو أتى أحدهم لأنتقم منهما لكنهما لم يفعلا ، قدرتي على الانتقام تعاظمت في قلبي حينها من شدة الألم .

بعدها عدت إلى زوجي ، أخبرني باتصال أبي وأخي ليخبراني بوفاة أمي ، و لكن زوجي أمتعض لتأخرهم إذ اتصالهما حدث بعد الدفن بعدة أيام و لم يخبرهما بأنني عدت إليهم ، و كانت هذه لفتة ذكية منه .

في ذلك الوقت كنت أرغب بالموت ، أردت اللحاق بأمي ، قلت له : أرجوك لطالما هددتني بالقتل ، أتوسل إليك أطلق النار عليَّ ، احتضنني هذا الوحش السابق و بكى لأول مرة أرى دموعاً في عينيه ، بعد عدة أشهر بدأت أعتاد فكرة أن أمي لم تعد موجودة على هذه الأرض ، غادرتها و أخذت روحي معها وبقي جسدي هنا.
…..
 
أما زوجي لقد فعل ما فعل بي ولكن عندما فكرت في الأمر هو لم ينتزعني من صدر أمي ، بل والدي الذي باعني إليه وعرضني عليه كأني بضاعة ، أنا كنت رخيصة في عين والدي وأخي فقط ، وهو أراد الاستفادة من البضاعة بطبيعة الحال لا أحد يشتري شيئاً لا يستفيد منه ! عرض علي أن يمزق ورقة الزواج وأن يعطيني جميع أمواله وأتزوج شاباً لأنجب ، لم يكن أنانياً و أراد التكفير عن ذنبه بإعادتي للحياة الطبيعية لأي فتاة في سني و جعلني أكمل تحصيلي العلمي و حصلت على ماجستير إدارة أعمال وأصبحت الأمر الناهي في شركاته وأمواله ، وهو لم يكن مضطر لفعل هذا لكن ظهر به الإنسان الطبيعي عندما أتته صفعة إلهية أعادته لرشده وأظهرت حقيقته ، هو بالأصل كان طيباً ولكن عبثت به ملذات الحياة وغلبته شهواتها ، كان في كل مناسبة يعتذر قولاً وفعلاً ، ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا يعاملني كأنني أبنته

، أصبح قليل الكلام ، يقضي معظم أوقاته في القراءة والتجول في الحدائق و دور الأيتام و مدارس الأطفال والجمعيات الخيرية ، و يتبرع لهم بسخاء كبير ، لقد أستطاع إسقاط كل ضغينة أو خوف أو كره في قلبي نحوه ، لقد أستغرق وقت طويلاً معي لكنه نجح في النهاية ، أما والدي لم يندم يوماً على فعلته بي ، لم يكن يكترث أبداً و لم يمنحني وقت لأودع جثمان أمي ، لقد عجّل بدفنها ، وأنا أدرك جيداً أنه فعل هذا انتقاماً مني ، إلى أن أتى ذلك اليوم عندما دنى منه الموت ، ربما شعر يومها بشيء من الندم ، أقول ربما لأنه على حد علمي لا يملك أدنى شعور أخلاقي أو إنساني عديم المشاعر لا قلب له ، أتصل مراراً وتكراراً بزوجي يطلب منه أن يجعلني أكلمه لدقيقة فقط ، لكنني رفضت ، مع علمي بأنه على فراش الموت و بأنه متعب جداً ، لم أشعر بالشفقة عليه أبداً ،

أراد أن يخبرني شيئاً و أنا لم أرغب بسماعه مهما كان لست مهتمة ، ليمت هذا ليس شأني ، أتصل أخي بزوجي أيضاً محاولاً استعطافه ليقنعني بتلقي المكالمة منه ، ولكنني لم أفعل ، وإن عاد للحياة مرة أخرى لن أفعل ، لقد مات ولكنه أنجبني ، هذا يعني بأنه لن يموت إرثه الشيطاني ، أنا أبنته وأحمل جيناته ، لقد جعلني مثله لا شفقة و لا رحمة انعدام الضمير ، قسوة مفرطة ، حب المال ، أصبح لدي أموال لدرجة لست قادرة على انفقاها ، تكفيني لعدة أجيال ، أنا لا أستطيع أن أحب أحداً و ليس لي أصدقاء أو أحباء و لا أملك إحساساً لا تفكري يا ريما ، أخي أيضاً لا أحبه ولست مهتمة به أبداً و لا يعنيني كيف يعيش و يموت ، وعندما أموت أنا لا أريد لأحد أن يحضر دفني ولا أريد عزاء ، سأوصي موظفيّ بدفني بجانب أمي ، وأموالي للفقراء والجمعيات ، ولن أبقي قرشاً واحداً لأي فرد من عائلتي و إن كانوا أحفاد الأحفاد لن ينالوا شيئاً و كلهم من سلالة إجرامية و يحملون جينات الخبيث الأكبر.

 
*************
 
عم الصمت في المكان لبعض الوقت ، ثم قالت هالة
: هل أعجبتكِ قصتي يا ريما ، هل نلتي الأجوبة المنتظرة ، هل أعجبتكِ الحقيقة أم أنكِ تشعرين بالندم لسماعك لها ، وتسأليني ماذا عنكِ ؟.
هل تجرؤين على أن تحدثي جابر بإلحاح كما تحدثيني الأن وتلحين عليّ ؟.
هل تريدين مني أن أبارك زواجكِ بجابر ؟ مبارك لك إذاً !.

هذه المباركة وهذا الزواج هما سبب جفائي لك ، والأن أنتِ تعلمين بأنني أكره هذه العائلة وكل ما يتصل بها ، و خمني أيضاً في أي دائرة ستكونين ! لا ألومك على زواجك ،, أنا أعلم بأنك تجهلين ما حدث لي ، أعرف كل شيء فقد أخبرتني أمي عن جهلك بمأساتنا ، لم تخفي شيئاً عني ، ولكن لا أستطيع ، إن تقبلتك هذا يعني تقبلي لجابر ، تقبلي لأبي ، تقبلي لفعلتهم بي وبأمي ، هذا يعني الغفران ، هذا يعني عودتي للمربع الأول ، هذا يعني سقوطي من جديد ، هذا يعني أن عذاب أمي ذهب أدراج الرياح ، لقد سرقوا أبنتها من حجرها وسرقوا أحلامها ، وأن كدماتها ودموعها وحزنها وسحق روحها وموتها كمداً لا يعني لي شيئاً ، و أن المرارة التي عشناها سوية كأنها لم تكن .
بل أقسم بأنها كل شيء ، هل أرضيتك يا ريما ؟.

………

هذا أخر ما قالته هالة ، أخرجت قدميها من الماء ومشت حافية القدمين مغادرة المكان ، لا أعلم تعمدت أم أنها انهارت من الداخل ، يُقال بأنه عندما تلمس الجروح القديمة تستثير ألمها تشعر كأنها حدثت بالأمس ، لقد شعرت بالقلق على أمي ، كانت تجلس هناك صامتة بلا حراك و فجأة بدأت عينيها تمطر ، لم أقترب منها لسبب أن البكاء مريح ، متنفس جيد للاحتقان والألم والثوران والشعور بالعجز عن التعبير ، و أردت لأمي أن تمتص الصدمة وتخرج ما في صدرها .
………………….

بعد عدة دقائق سمعت صوت أبي ينادينا ، وصل إلينا ، ولكن أمي لم تلتفت إليه أبداً ولم ترد عليه حتى بعد أن أقترب منها وأمسك يدها ، أفلتتها منه بقوة و دفعته عنها .
قال لها : ما بكِ يا ريما ؟.
لكنها لم ترد ، نظر إلي وأنا أشحت بوجهي عنه ، ثم صاح : ماذا حدث لكما ؟ لقد انتظرتكما طويلاً ، رأيت هالة و سألتها عنكم وأخبرتني أنكم عند البحيرة ، ماذا حدث ، لما البكاء يا ريما ، هل قامت هالة بالإساءة لكِ مجدداً ؟.
أنها تفعل هذا طوال الوقت ، إن الأمر زاد عن حده وسترى وستسمع ما لا يعجبها ، في جميع الأحوال مغادرتها قريبة وسنرتاح جميعاً منها و……

أسكتته أمي فجأة ، قالت له : أطبق فمك الأن ، هالة لم تقم بأي شيء خاطئ و لا علاقة لها بالأمر ، و كف عن إلقاء اللوم على الأخرين ، ثم قالت لي : هيا يا أبنتي لنغادر المكان .
غادرت مع أمي ، أمسكت يدي ومشينا ، لقد ألتفت عدة مرات إلى أبي كان يقف مذهولاً .
لقد رفضت أمي مرافقة والدي ، وذهبنا سيراً على الأقدام لنقطة النقل العام في البلدة و من ثم غادرنا إلى المدينة ومن ثم لمنزلنا بسيارة أجرة ، عندما وصلنا أمسكت بي وقالت : أنا لا أرغب بالبقاء هنا بعد اليوم وسأغادر المنزل ، هل تريدين مرافقتي
أم البقاء مع والدك ؟.

قلت لها : بالطبع يا أمي ، أريد البقاء معك !.
قالت : إذاً أحزمي جميع أمتعتك ، لن نعود إلى هنا مجدداً .
كانت أمي عبارة عن كتلة بركان تتجول في المنزل ، غضب ، دهشة ، ذهول ، انهيار ، بكاء متقطع ، حزمنا الحقائب وغادرت معها إلى فندق ، استأجرت غرفة بسريرين لعدة ليال ، سقطت على أحدهم وغطت نفسها من فورها .
يا إلهي ، كم أشعر بالخوف الأن ! يا تُرى ماذا حدث بعد مغادرتنا ، هل حدثت مواجهة بين أبي و هالة ؟.

هل غادرت هالة ؟ ماذا كانت ردة فعل والدي عندما عاد ولم يجدنا ؟.
تعبت من التفكير وغفوت ، وبين الحين والأخر أستيقظ على صوت شهقات أمي ، لقد كانت تبكي على سريرها طوال الليل ، أي فؤاد حطمتي يا هالة !.
أمي رقيقة جداً ، أشبه بالفراشة ، إن لم تمسكها بلطف وحذر ستمزق جناحيها ، ذهبت إليها ، استلقيت بجانبها و حضنتها وأمسكت بي و بكت بشدة إلى أن أتعبها البكاء ونامت أخيراً .
 
………………………………………..
 
في صباح اليوم التالي ، استيقظت ولم أجد أمي على سريرها ، رأيت ورقة كتبت : عليها سأعود قريباً ، كانت الساعة الثامنة و بضع دقائق ، انتظرتها بقلق وأنا أفكر إلى أين ذهبت ، هل عادت للمنزل لتأخذ شيئاً ، هل ذهبت للقاء هالة ، هل للقاء أبي ؟.
فُتح باب الغرفة عند التاسعة ، أتت أمي.
قلت لها : إلى أين ذهبتِ يا أمي ؟.
قالت لي : أجريت اتصالاً من هاتف خدمة الاستقبال ولم أرد إزعاجك ، و جلست في مقهى الفندق ، احتسيت فنجان قهوة ، هيا اغتسلي سنتناول وجبة الفطور قبل انتهاء فترة تقديمه ، سيُغلق مطعم الفندق عند الثانية عشر .
لم أسألها بمن أتصلت ، لا أحب مضايقتها أبداً ، ستتحدث من تلقاء نفسها عندما تريد ذلك .
تناولنا الفطور وكوبين من الشاي.
قالت لي : علينا أن نقوم بوضع خطة لحياتنا الجديدة.
 
قلت لها : هل قرارك حاسماً يا أمي بعدم العودة لوالدي ؟.
قالت لي : نعم ، هذا القرار ليس وليد اللحظة بل كنت أفكر فيه منذ أن أخبرني والدك بقصة هالة ، وعندما استمعت إليها بالأمس كانت القشة التي قسمت ظهر البعير ، وأنا واثقة من قراري و كنت بحاجة فقط للتأكد من الأمر ، كنت في حيرة وحسمت الأمر الأن .
 
قلت لها : حقاً ! لقد ظننتك غاضبة وحسب و ستهدأين بعد فترة !.
 
قالت لي : أسمعيني يا أبنتي ، إنه والدك و ما حدث بيني وبينه لا علاقة لك به ، سيبقى والدك و لك حرية القرار ، يمكنك الإقامة معه أو معي ، لن أرغمك على شيء ، ليس هذا وحسب بل سأتقدم بطلب الانفصال عنه ، لا أريد البقاء معه ، و هذا قراري النهائي و لا رجعة عنه .
قلت لها : لكن يا أمي ما هو مأخذك على والدي ، هل بسبب زواج هالة ؟.
 
قالت لي : لا ، بسبب كذبه ،, لم يخبرني بالحقيقة يوماً و كان يكذب باستمرار في كل مرة أسأله فيها عن هالة ، لم يحترمني وخان ثقتي به ، كنت أثق به كثيراً وأصدق كل شيء يقوله لي ، كان يتقرب مني ويستغل نقطة ضعفي و هي هالة ، كان يحدثني عنها دائماً ليجذبني إليه ، صحيح أني لم أقع في حبه يوماً لكنني كنت أحترمه جداً ، و بعد هذه اللحظة اكتشفت بأنني تزوجته من أجل هالة حقاً ،

 زواجنا كله بُني على كذبه ، هو  لم يكذب فقط بل كان يكذب بوقاحة وإصرار ، لقد جعلني ألقي اللوم عليها وأغضب منها كل تلك السنوات ، بل كان يحرضني عليها.
قلت لها : هل تحبينها إلى هذه الدرجة يا أمي ؟ علاقتكما عجيبة أشعر بأنها مبالغ فيها ، لا أصدق تعلقك بها ، إنه شيء لا يُصدق ؟.

قالت لي : أنتِ لا تعرفين شيئاً عنا و طبيعي أن تتعجبي من هذه الصداقة ، أنا لم أراها صديقة فقط بل كانت أختاً لي ، تعرفت عليها و كنا في الابتدائي و في نفس الصف وب يني وبينها عدة مقاعد ، ولكن لم نتحدث يوماً لأنها كانت ذات شخصية قوية ومحبوبة وشعبيتها كبيرة لذلك كنت لا أجرؤ على الحديث معها خوفاً من السخرية ، لم أكن أعرف قلبها بعد ،  وكنا جيران ولكن لم نتواصل معاً يوماً ، و أنا كنت ضعيفة الشخصية وحالتي يُرثى لها ، كنت أتعرض للسخرية في المدرسة و كنت كسولة ، وأنا من عائلة فقيرة ، في يوم من الأيام كنت أجلس أبكي في حمامات المدرسة كالمعتاد ، و دخلت هالة صدفة و سمعت صوت بكائي ، وعندما انتهيت و خرجت وجدتها تقف أمامي و سألتني : ماذا هناك و لما أبكي أخبرتها ؟ قالت : لا بأس ، و منذ ذلك اليوم تبدلت حياتي ، كانت تعتني بي وتقاسمني طعامها و أرتدي من ملابسها و تقاسمني مالها أيضاً و تساعدني بإنهاء الواجبات المدرسية و ندرس سوياً ونخرج سوياً ، أصبحت مقربة منها جداً و لم يعد يتجرأ أحد على السخرية مني أو الإساءة لي و لو بالتلميح ، كنت أراها أكثر من عائلتي وأتحدث معها أكثر من أمي ،

إن بكيت بكت و إن ضحِكت ضحكت ، لقد اعتنت بي يا أبنتي وجعلت مني ما أنا عليه الأن ، شجعتني على الدراسة بعدما كنت على وشك التخلي عنها و جعلتني أحبها ، أنا أقف على قدمي بفضل الله أولاً ثم هالة ، لقد أرسلها الله إلي لتنتشلني مما كنت فيه و فعلت من أجلي الكثير والكثير ، لا أستطيع إحصاء كل ما فعلته من أجلي ، ألا تستحق حبي لها وإخلاصي لصداقتها بعد هذا كله ؟ أنا أريد حياة خالية من الأكاذيب والاستغلال ، أريد حياة هادئة لأعيش ما تبقى لي بسلام ، و لا تعتقدي بأنني أريد الانفصال من أجل استعادة هالة ، لا يا أبنتي ، فأنا أشعر بالراحة قليلاً لأني لم أكن مذنبة ، ولست في حاجة لأثبت لها شيء ، هي تعلم براءتي و هذا يكفي ، بل من أجل نفسي سأقوم بهذه الخطوة المفصلية في حياتي من أجلي أنا ، لا أريد رجلاً كاذباً و جباناً في حياتي ، وأنتهى الأمر بالنسبة لي فوالدك لم يعد في حياتي .

قلت لها : لكن يا أمي أنتِ محامية وتعلمين بأنه عند محاكمة أي متهم يتم الاستماع إليه لما لا تستمعين إلى والدي ، أليس من العدل سماع جميع الأطراف ومن ثم الحكم عليهم ؟.
قالت لي : لقد استمعت إليه لسنوات وأتضح أن كل شيء قاله لي كذب ، هو لا يستحق أي فرصة ، من أعتاد الكذب والخداع كل هذه السنوات لن يقول الحقيقة ، الأن سيواصل الكذب ، حتى وإن قال شيئاً ماذا سيقول ؟

لم يحاول حماية أخته وأمه من بطش أبيه وكذب علي وخدعني و لا زال يسيء لأخته و لم يتوقف،  و لوكان محقاً في شيء أو مظلوماً لواجه هالة أخته التي لم تترك مناسبة إلا وأذلته فيها وهو يطأطئ رأسه مقراً بذنبه ، لم يدافع عن نفسه أبداً ، تمنيت لو قال شيئاً ، لكن للأسف كان شريكاً ، لم يحاول إنقاذ أخته بعد وفاة أبيه ولم يبدي أي ندم على كذبه و خداعه لي كل هذه السنوات بعد أن أخبرني بحقيقة ما حدث لهالة .

قلت لها : حسناً يا أمي ، ما الخطة الأن ؟.

قالت لي : أجريت عدة اتصالات في الصباح لزملاء سابقين ، سأعود لمزاولة مهنة المحاماة ، لقد أدخرت بعض المال و سنستأجر شقة ونشتري بعض الأثاث و ستتحسن حياتنا تدريجياً ، بعد أن أعمل وسنقف من جديد معاً ، وأنتِ عليكِ زيارة أبيك دائماً والإحسان إليه والتقرب منه ، كما قلت لكِ لا تقحمي نفسك في هذه الأزمة .
قلت لها : حسناً يا أمي.
 
**********************
 
كنت أفكر بوالدي طوال الوقت ، ما الذي يشعر به الأن ؟ لست قادرة على التدخل في هذا الانفجار الكبير ، لن أسأله ، لا أريد إحراجه إنه والدي وأنا أحبه ، لا أعلم ما هي أسبابه ، رغم أنه من الصعب تبرير ما فعله ، حاولت أن أستنبط له أعذار ولم أفلح ، لقد ضيق علي الدائرة و أوقع نفسه في مأزق كبير ، و حمل على أكتافه وزر فعلة جدي ، لا أعلم إن كان قادراً بالفعل على القيام بشيء من أجل أمه وأخته حينها ، لكن عدم وجود ردة فعل منه أنذاك عززت الظن بأنه شريك لجدي بتزويج هالة ، عدم قول الحقيقة لأمي كانت السبب الرئيسي لانهيار حياته الزوجية ، لا زلت أسأل نفسي كل يوم لما فعل كل هذا ، لماذا يا أبي ؟.
 
حدث الانفصال بعد 7 أشهر في المحكمة ، لم تتحدث أمي عن السبب ولا عن المشكلة بالأساس ، أكتفت بأنها لا تريده .
 زارها والدي في شقتها و حاول معها بشتى الطرق ليثنيها عن قرارها ولم يفلح ، الغريب بأنه لم يتطرق لأسباب طلبها الطلاق و مناقشتها فيه ! وهذا بحد ذاته إقرار بفعلته وبذنبه ، كان يبدو محطماً و شاحب الوجه ونحيلاً ، هل كان يحبها يا تُرى ؟ إنه رجل غريب لم أستطع فهمه ، هالة كانت أسبابها واضحة و ريما كانت أسبابها واضحة ، لكن أبي لم يقل شيئاً و لم أفهم من شخصيته شيء و لا ردات فعله ، كان وجهه يقر بذنبه ، لكن لسانه لم ينطق بها ، كان يتجاهل ما فعله وكأنه لم يحدث !.
تمنيت لو قال لها ” أسف ” فقط .

سافرت هالة بعد انتهاء التوزيع و لم تلتقي بأمي وأبي ، و لم تكترث للإعصار الذي تسببت به ، تبرعت بجميع ما ورثته للجمعيات الخيرية بأسم جدتي فقط.
وأنا أتنقل بين أبي وأمي ، أصبحت لدينا شقة جديدة وأصبحت أحوالنا المادية جيدة بعد عمل أمي .
أزور أبي يومين في الأسبوع أساعده وأنظف المنزل وأطهو له وأغسل ملابسه ، وعلمته إعداد بعض الأطعمة ، ولم أسأله يوماً عن ما حدث ، الاحترام لا يتجزأ.
لقد انهارت عائلتي أمام عيني و لم أكن قادرة على فعل شيء سوى البقاء على مسافة واحدة من أمي وأبي .
……….. يتبع

تاريخ النشر : 2020-10-11

guest
20 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى