تجارب ومواقف غريبة

قصة حقيقة أشبه بالخيال

بقلم : ورد

أخذ العجوز يمشي نحو فتاتنا بخطى ثابتة و ما أن رأته الفتاة حتى توقفت عن اللعب و الغناء
أخذ العجوز يمشي نحو فتاتنا بخطى ثابتة و ما أن رأته الفتاة حتى توقفت عن اللعب و الغناء

 
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته.

جئتكم اليوم بقصة حقيقية أشبه بالخيال من سلطنة عمان ، و أتمنى أن تنال على إعجابكم.

( قبل أن أسرد القصة أود أن أذكر لكم بأن مدينة نزوى و بهلاء العمانيتين مشهورتين بالسحر قديماً ، ولا زال بعض العمانيون يذكرون بعضاً من القصص العجيبة حول هذا السحر).

حدثت هذه القصة في عصر الإمامة اليعربية في سلطنة عمان بولاية نزوى ، و هي قصة حقيقية نظم فيها الشيخ نور الدين السالمي قصيدة من أروع ما سمعت.

كانت الفتيات الصغيرات كعادتهن يلتقين بصديقاتهن من فتيات القرية للعب و اللهو.
في يوم من الأيام خرجت طفلة صغيرة تبلغ من العمر عشر سنوات من بيتها في قرية تُسمى قرية (سعال) تحمل في يدها بعض الخبز وهي تقفز وتلهو في طريقها إلى صديقاتها لتلعب معهن ، كانت الفتاة تلبس أجمل الملابس و قد كحلت أمها عينيها و وضعت الطيب في شعرها وألبستها خلخالًا من الذهب سعدت الفتاة به كثيراً.

أخذت الفتاة تلهو و تلعب مع صديقاتها و هن يغنين الأغاني الشعبية ، في هذه الأثناء مر عليهن رجل عجوز قد بلغ من العمر عتيا ، أخذ العجوز يمشي نحو فتاتنا بخطى ثابتة ، و ما أن رأته الفتاة حتى توقفت عن اللعب و الغناء وأخذت تنظر إليه بخوف ، و أحست بأن كل شيء حولها قد سكن و لم تعد تسمع أي شيء ، و لم تستطع الحركة و كأنها قد شُلت تماماً ثم سقطت على الأرض.

كانت الفتاة على الأرض حينما أحست بالناس يركضون نحوها وهو يصرخون و يبكون ، أحست بكل شيء و لكنها لم تكن قادرة على الحركة أو حتى الكلام ، كانت الفتاة خائفة جداً ، و الذي زاد من خوفها أكثر وأصابها بالذعر هو عندما سمعت أهلها والمحيطين بها يقولون : أنها قد ماتت !.
 
أخذها أهلها إلى مغسل الأموات و أخذوا ينزعون ملابسها و يغسلونها ، بينما المسكينة ترى كل شيء و هي في قمة الخوف و الرعب و لكنها لا تستطيع الكلام.
غُسّلت الفتاة الصغيرة المسكينة و عُطّرت و لف عليها الكفن ، مشى بها أهل القرية إلى المقبرة كي يدفنوها و هم يذكرون الله.

و بينما هم في طريقهم إلى المقبرة إذ أوقفهم رجل كبير في السن فسألهم عن الجنازة ؟ فأخبروه بأمر الفتاة الصغيرة ، فطلب منهم أن يراها فوافقوا ، أخبرهم هذا الرجل العجوز بأن الفتاة ليست ميتة و إنما هي مسحورة ! و لكن الناس غضبوا من كلامه و لم يصدقه أحد منهم إلا أمها ( قلب الأم )، فطلبت منه أن يساعدها ، فأخبرها أن تربط شيئًا من الزئبق على يد الفتاة (الزئبق كان مستخدماً معهم )، ففعلت الأم كما طلب منها العجوز.
 
أكمل الناس طريقهم إلى المقبرة و دفنوا الصغيرة وانصرفوا ، و لكم أن تتخيلوا شعور تلك الفتاة المسكينة في ذلك المكان المظلم الموحش و هي لا تستطيع الكلام أو الحركة.
مر الوقت عليها طويلًا و هي خائفة ، ثم أنها سمعت صوتاً يقترب منها ، و بدأ بالحفر إلى أن وصل إليها و أخرجها بكفنها من القبر.

أخذ الرجل يفتح الكفن ، فرأت العجوز الذي مر عليها وهي تلعب مع صديقاتها فخافت خوفًا شديدًا، ولكن الرجل فزع عندما رأى الزئبق في يدها بعدما نزع عليها من ملابس و دفع الفتاة إلى داخل القبر و فر هاربًا و هي لا تعلم ماذا يحدث.

كانت الوحدة والجلوس داخل قبر أرحم لها من البقاء عند ذلك الساحر الشرير، بقيت طوال الليل بمفردها لا تعلم في أي مكان هي في وحشة ذلك القبر ، إلى أن أشرقت الشمس.
سمعت الفتاة صوتاً يقترب منها ، لقد كان راعياً للغنم على حماره ساق قطيعه للرعي في تلك المنطقة.

رأى الراعي الفتاة العارية في القبر المفتوح بينما كان يمر بجانب القبر وأخذ يتمتم بصوت خفيف ثم صاح بالفتاة أرحلي أيتها الجنية ، و الفتاة لا تتحرك ، فأرتاب من أمرها و نزل إليها و هو خائف لينظر في أمرها فأكتشف بأنها أنسية.

بعدما اطمأنت له الفتاة أخبرتها بقصتها بالكامل، ولكن الرجل كان من البدو الرُحّل فخطف الفتاة وأخذها إلى منزله لكي تكون خادمة له و لزوجته العاقر ، لم تستطع الفتاة عمل أي شيء فاستسلمت للرجل و ذهبت معه.

مرت السنوات الطويلة و الفتاة الصغيرة تكبر في العمر مع هذا الراعي و لم تعد تذكر من ماضيها إلا الشيء القليل ، إلى أن مرض البدوي و أحس بدنو أجله، فأستدعى الفتاة وأخبرها بقصتها بالكامل وأين وجدها.

بكت الفتاة بحرقة على ما أصابها  واحتارت ماذا تفعل ، فخطرت ببالها فكرة وهي أن تذهب لترعى الغنم في المكان الذي وصفه لها الراعي ، و كان مكانًا تحيط به القرى وهي لا تدري من أي قرية هي.

جلست الفتاة قرب عين ماء مع أغنامها لكي تستريح قليلاً ، بينما هي كذلك إذ بصبي يصغرها سناً يقترب منها و ينظر إليها بريبة ، فخافت الفتاة وأنسحب الصبي وأخذ يجري نحو قريته ، و ما هي إلا دقائق حتى جاء رجال القرية (قرية الصبي) بينهم شيخ كبير واجتمعوا حولها ، فخافت خوفاً شديداً.

سألها الشيخ الكبير: من أنت يا فتاة ؟ فلم تجب ، فأحسوا أنها خائفة منهم ، فأحضروا أمرأة من القرية كي تكلمها ، حكت الفتاة قصتها بالكامل للمرأة ، فذهلت لما سمعت القصة وما يتطابق مع ما حدث في القرية منذ سنوات مضت ، أخبرت المرأة الرجال فاندهشوا.
 
انتشر الخبر في القرية حتى وصل لوالدتها ، حتى وصلت القصة إلى قاضي القرية ، فأمر أن تُوضع الأم بين حشد من النساء فإن تعرفت البنت على أمها فهي صادقة ، و تم الاتفاق على ذلك ، ثم أُدخلت الفتاة على النساء فمرت من بينهن إلى أن رأت أمها فعرفتها و ارتمت في حضنها وهي تبكي والناس تبكي، فسبحان الذي جمعها بأمها بعد الشتات ، و بالنسبة للشاب الصغير الذي وجدها عند الماء ما كان إلا أخوها الأصغر.
 
ختاماً : تم وصف هذه القصة وصفاً دقيقًا في قصيدة للإمام نور الدين السالمي رحمه الله في كتابه تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان ، تجدونها على الإنترنت.
 
أتمنى أن تنال القصة على إعجابكم و عذراً على الإطالة.
 

تاريخ النشر : 2020-12-13

guest
38 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى